لعله و بعد هذه الوحدة الوطنية و الوقفة الرائعة تجاه ما حدث فى هجليج..على الحكومة ان تستثمر هذا الموقف و تبدا بخطوات تصحيحية لاخطاء كثيرة وقعت فيها ..ولعله من الاستدراك الجيد ان تبدا بالعمل بجدية فى تلبية مطالب الشارع و دفع جهود الاصلاح و مكافحة الفساد و ذلك باعداد قانون من اين لك هذا؟..بدلا من قانون اقرار الذمة المالية الذى اثبت فشله لوجود ثقرات كثرة يمكن الالتفاف عليه بهاو النفاذ من خلالها فالفكرة من وراء قانون من اين لك هذا..صائبة و تصب فى خدمة الاجابة على( سؤال المليون) من قبل الشارع السودانى..فالمساءلة هى الجرح و التعديل للسمعة المالية التى تواجه المسؤل.. فكتب التاريخ الاسلامى مليئة بالقصص و اقرب مثال ذلك الاعرابى الذى واجه الخليفة عمر بن الخطاب عندا صعد عمر الى المنبر و بدا حديثه قائلا :السمع و الطاعة..فقاطعه الاعرابى لا سمع ولا طاعة ..الا بعد ان نعرف سر هذه الثراء الذى ظهر عليك بين ليلة و ضحاها ؟من اين لك هذا الجلباب الطويل يا عمر يا ابن الخطاب.. و لم يقل له يا امير المؤمنين كالعادةفالامير الان فى مازق فالاقمشة التى وزعتها علينا بالامس كانت متساوية القطع..فلماذا قطعتك صارت طويلة هكذا بينما قطعنا صغيرة تتجاوز الركب..شبهة فساد فلا بد انك مختلس يا عمر..لم تعتقل الاجهزة الامنية الرجل..لم يضربه احد ..بل الكل انتظر اجابة الخليفة على سؤال الرجل المشروع من اين لك هذا يا عمر؟ فالتفت عمر يمينا و بسارا الى ان وقعت عينه على ابنه عبد الله فقال له تعال و قل لهم من اين اتتنى الزيادة فى الثوب؟ فقال ان ابى كما تعلمون رجل فارع الطول و القطعة التى كنتم اعطيتموها له لاتكفيه فقمت باعطائه قطعتى ..عندها قال الاعرابى :الان السمع و الطاعة وهنالك امثلة معاصرة لمسئولين ليسو من بلادنا طالتهم المساءلة على مئات الدولارات و ليس ملايين..وكان الثمن حياتهم السياسية و الوظيفية لكن تبقى العبرة و قبل اعداد مشروع القانون.. و قبل ان تروج له الحكومة على انه العلاج السحرى للفساد المالى و الادارى لبعض مسئولي الدولة ان يكون لدى الحكومة نية قاطعة فى تطبيق قانون من اين لك هذا..وقد تم تطبيقه فى مصر بعد الثورة و على كل رؤساء الوزارات السابقين و الوزراء الذين دارت حولهم شبهات الثراء مما لا يتناسب مع رواتبهم واستغلال الوظيفة للصالح الخاص وهم الان يقبعون فى السجون ..حتى الرئيس السابق مبارك نفسه استطاع النائب العام بهذا القانون ان يثبت انه كان فاسدا اذ ان مجموع رواتب مبارك و الامتيازات التى حصل عليها منذ تخرجه من الكلية الحربية فى اواخر الاربعينات من القرن الماضى حوالى اربعة ملايين جنبه مصرى و هذا بحد ذاته كفيل بادانته..و يكشف و بجرة قلم و بدون لف ودوران ان الرجل فاسد و اعتدى على المال العام..وسخر وظيفته للاثراء غير المشروع بعما تبين ان ثروته فى بنوك مصر و غيرها بالمليارات..اضافة للعقارات و الاراضى و الفلل فى القاهرة و شرم الشخ والاسكندرية و لندن الخ مسجلة باسمه وباسم زوجته و ابنائه و زوجاتهم فالمسئول فى نهاية الامر يتقاضى راتبا محددا و يجب ان يكون ذلك الراتب وما يتبعه من علاوات معلوما للجميع عند تعيينه فى ذلك المنصب و يعلن ذلك فى الجريدة الرسمية و ذلك اسوة بما يحدث فى كل دول العالم اذكر انه عند اعلان العاهل السعودى تعيين وزير العمل بعد ذكر اسمه وو ظيفته تم ذكر ان راتبه كذا و علاواته كذا كل ذلك نشر فى الصحف ..بل كل العالم يعرف راتب الرئيس الامريكى.وراتب المستشار الالمانى و غيرهم ..عدا نحن فى السودان.. نحن الدولة الفريدة فى العالم التى عند تعيين الوزير او المستشار لا نعرف كم يتقاضى من رواتب و علاوات امتيازات الخ الخ الخ امور فنية كثيرة يجب ان يتضمنها هذا القانون..فمن المؤكد ان السؤال لن يوجه من قبل اى شحص ..كما ان الاجابة عليه لن تكون بسيطة او متاحة لذلك يجب ان يعالج القانون كل الشبهات فى الفساد المالى والادارى ..و يجب ان بضمن للشارع اجابات شافية عن اسئلة الثراء الفاحش لمسئولين تولى مناصب رسمية فى جهاز الدولة..اذ لا يعقل ان موظفا ايا كان موقعه فى الوظيف العامة من اصغرها الى اكبرها و اعلاها تكون لديه ثروة بالملايين ثم لا تقع عليه اسئلة عن ثروته و هو لا يعمل فى القطاع الخاص ..حتى وان كان وارثا فانها لا تطال بنسبة مما بحوزته كما يجب ان يكون القانون موجها لخدمة الاصلاحات الشاملة..فصحيح ان هذه الخطوة و ان جاءت متاخرة..لكنها تؤسس لحالة من الثقة بمؤسسات الدولة الرسمية..و حالة خوف من قبل من يتحمل المسؤلية فسؤال من اين لك هذا..سيظل خالدا فى وجدان المسؤلين لذلك يجب تبسيط توجيه هذا السؤال لمستويات المواطن العادى..و الذى ان علق بسؤال من اين لك هذا سيرعب كل من اختلس جنيها واحدا من المال العام..و سيعلم الفاسدين اى منقلب سينقلبون .. وسيعلم اى انسان قبل ان تمتد يده للمال العام ان القانون سيطاله يوما ما لا شك بان هذا السؤال وتداعياته و احكامه سترخى حالة من الطمانينة على الشارع..و حالة من المسؤلية فى كل مؤسسات الدولة لذلك فان السؤال من اين لك هذا؟هو اول مراحل الاصلاح معول عليه ان يخدم مصالح التهدئة فى الشارع السودانى..و عودة الثقة لمؤسسات الدولة نريدها ان تكون بداية الانطلاقة..و عودة الوعى..نريدها خطوات نحو المستقبل..نحو سودان لا مكان فيه لالغاء الاخر بل للكفاءة..نريد ان نكون نموذجا متقدما فى محيط غير مستقر.. و جوار غير امن..نريد ان يعلم المواطن ان المسؤل مواطن مثله له ما له و عليه ما عليه ..ان اخطا يساءل فالاصلاح الحقيقى و الهادف سيكون اداة لاستقرار و استمرار السودان كبلد متقدم وسط اقليم متخلف..ولا يكون ذلك الا بالاصلاح الشامل الذى سيخدم الاجندة الوطنية..فقد انتظرنا طويلا ..و اضعنا وقتا طوبلا..لكن ما زالت الفرصة امامنا ذهبية كى نخطو الى الامام بخطى ثابته لا تعرف التوقف و التردد من اجل ان تستمر مسيرة الاصلاح ..فلقد كانت وقفة هجليج رسالة موجهة للجميع حكومة و معارض بان الوطن خط احمر..لا يحق لاى من كان ان يتجاوزه و يتعدى عليه.. ولا يحق لاى كائن كان ان يتلاعب بمقدراته و ينهب ثرواته بدون رقيب رسالة اخيرة للحكومة هى ان تسثمر هذه الوحدة الوطنية التى قد لا تتكرر و تبدا فى جبهة الاصلاح التى يجب ان تفتح و لا تتوقف.. و يجب ان تظل هذه الجبهة هى الاخرى جبهة يقظة تقاتل فى سبيل مقدرات الوطن و المواطن مثلها مثل باقى الجبهات ..فالوطن يتسع للجميع hamad madani [[email protected]]