صحيح أن مشاكلنا كثيرة لا تعد ولا تحصى، وأولوياتنا تتغير بإستمرار وفقاً للحالات المتغيرة في بلادنا. وحينما يتعلق الأمر بالإنسان يصبح الإهتمام به هو الأوجب، ويتضاءل ما دون ذلك. لكن لا يعني ذلك إسقاط الإهتمام بكامله عن الظروف التي ترتبط بمستقبل هذا الإنسان وخاصة البيئية والإقتصادية. أقلعت بنا طائرة الخطوط السودانية منتصف الظهر حيث كانت الشمس بكرمها المعهود تتعامد تماماً على سطح الطائرة، فلا يمكننا رؤيتها يميناً أو يساراً، ولكن نشعر بدفئها الحاني يتسرب لمسامنا يحاول أن يهزم برودة صناعية تنبعث بكامل قواها محيلة بطن الطائرة لثلاجة متوسطة البرودة. لم يكن عدد الركاب كبيراً ولذلك وجدتها فرصة للتنقل في أنحاء الطائرة حتى راق لي مكان في المقدمة بالدرجة الأولى بعد أن استأذنت من أحد المضيفين . وبكرم كبير وافق المضيف وأقترح علىّ أن أجلس في مقعد يجاور أحد الأشقاء الخليجيين .. يبدو اًنه مسافر لغرض السياحة أو لحاجة أخرى .. لا أدري ... ولا أدرى أيضاً ما السر في اختيار المضيف لذاك المكان تحديداً رغم أن الدرجة بكاملها فارغة من الركاب إلا من شخصين من الجنسية السودانية يجلسان بقرب بعضهما، وهذا الخليجي الذي كان يجلس وحيداً ساهماً بنظراته القلقة والمثقلة بإحساس الغربة. ربما تكون مبادرة المضيف هي إحدى المزايا المتفردة التي تصبغ الشخصية السودانية، فربما استشعر غربة ذلك الخليجي فرأي أن يجلسني بقربه حتى أخفف عنه وحشة المكان، وتقصير طول الرحلة... ربما ... - السلام عليكم ... رد التحية بأدب كبير وابتسامة عريضة.... - هل هي المرة الأولى التي تزور فيها السودان؟ - لا .. أنا معتاد على زيارة السودان في مثل هذا الوقت من كل عام ... هذه هي السنة السادسة على التوالي، لم أغب عن السودان طوال هذه السنوات. السودان بلد جميل بشعبه، أنتم شعب جميل وتستحقون كل خير. كلمات ربما لا تخلو من مجاملة نسمعها كثيراً في دول الخليج ... - شكراً لك .. وأتمنى لك إقامة طيبة... بالمناسبة .. كم ستكون مدة إقامتك في السودان.. - أسبوعين، وربما أكثر ... في الحقيقة بعض الأصدقاء سيلحقون بي غداً أو بعده... سوف ننضم سوياً ونذهب في رحلة صيد.. - رحلة صيد؟؟؟ - نعم رحلة صيد .. نصطاد الغزلان بالذات ؟؟؟ - طبعاً حصلتم على تصريح بذلك ... - لا توجد مشكلة في التصريح ... أحد المعارف السودانيين سيقوم بعمل اللازم كما هي العادة كل سنة. - وماذا عن الصيد نفسه .. أقصد الغزلان؟ طبعاً لن تستطيعوا إخراجها من السودان. - بالعكس: الأمر بسيط للغاية، نحن نصطاد الغزلان ونخرجها بشكل عادي عن طريق صالة المغادرة بالمطار. - هل يتطلب الأمر أي تراخيص خاصة من الجهات المسئولة؟ - كل ذلك يتولاه صديقنا، نحن لا نعرف بالضبط عن هذه الإجراءات .. ربما تكون موجودة ولكن صديقنا يتولى تسهيل أمورنا... بالمناسبة، لسنا وحدنا، فخلال زياراتنا المتكررة وممارسة هذه الهواية تعرفنا على أصدقاء من دول عربية كثيرة ... جاءوا للصيد .. - هل تصطادون الغزلان فقط .. أم هناك حيوانات أخرى؟ - نحن بالذات لا نصطاد إلا الغزلان، ولكن هناك من يصطاد حيوانات أخرى !! وبينما كنت أحاور جاري الخليجي، وأنا على ارتفاع أكثر من ثلاثين ألف قدم تذكرت لقاءً شاهدته ذات يوم عبر إحدى قنواتنا التلفزيونية مع مسئول كان يتحدث عن البيئة وضرورة الحفاظ عليها، وأنها مسئولية الجميع وسلوك حضاري يجب أن يدرس للطلبة في المدارس وكلام جميل للغاية، ثم بدأت الكاميرا تتحرك "زوم أوت" حيث كشف ذلك المسئول عن ساقيه، فكان ينتعل "مركوباً" من جلد النمر، أي والله .. جلد النمر الماخمج، فأسقط في يدي، وطفقت أرثى حال غزالنا الضائع ثم تذكرت شاعرنا حينما قال: غزال البر يا راحلْ حرام ٌمن بعدك الساحلْ ... Ayman Abo El Hassen [[email protected]]