السفر في مجاهل الحق والحقيقة أمر شاق دونه الأهوال والعذاب .. وهو سفر لا يجيده إلا الفرسان الأحرار من المفكرين الذين تجردوا عن الأغراض الدنيئة وهوى النفس المريضة .. الذين لبسوا رداء الإنسانية وتدرعوا بالأمة الشجاعة في سعي مقصده خير البشرية وتطورها الفكري والنفسي والإنساني .. تلك هي صفات المفكر الحر .. الطيب .. الإنسان الذي عناه برنادشو بقوله (هو الذي يعطي الدنيا أكثر مما يأخذ منها .. إن تعصب كان للحق .. وإن دعا كان للخير .. وإن دان فبدين المحبة والسلام) .. أولئك هم منارات الإنسان المضيئة في مسار الحياة .. هم النجوم التي تضئ الدروب لقافلة التاريخ . عاش أبوبكر القاضي في رحاب الفكرة الجمهورية زميلاً وصديقاً وأخاً فاضلاً .. تتلمذ علي يد الأستاذ الراحل شهيد الفكر والمعرفة الأستاذ محمود محمد طه حتى رحل مقتولاً في ثمانينات القرن الماضي من أجل الحق والمبدأ الذي ارتآه باذلاً نفسه رخيصة بكل شجاعة وتفان وإخلاص .. عاش أبو بكر في المجتمع الجمهوري زمناً طويلاً حتى عاد مؤخراً ليستدرك أنه قد أضاع سنوات من عمره في جهل الفكرة واصفاً ربانها بالانتهازية والجبن والأنانية .. لا يتحدث أبو بكر في مقاله الأخير عن الخطل الفكري أو الخلل المعرفي للنظرية الجمهورية أو عجزها في معالجة الأمر الوجودي أو تقاصرها عن الإصلاح الاجتماعي وهو حق مشروع ، بل ينبري في القدح في المسيرة السلوكية لرجل اختار الموت عن الحياة التي يحبها الناس . يتجلى أبو بكر القاضي ليصف الأستاذ محمود بالانتهازي الذي يموِّل فكرته بطرق غير أخلاقية على حساب أموال الجمهوريين وعلي حساب تعليمهم وحياتهم الخاصة ، ويمضى ليصف الأستاذ بالجبان الذي تصالح مع ثورة مايو حفاظاً على حياته من الموت . إضافة إلى أوصاف غير لائقة كقوله (الشهيد محمود قد استغل عقيدة الجمهوريين فيه واستخدمهم كالفئران وبلا مبالاة لغرض (تمويل فكرته) -- وكحقل تجارب لافكاره الخرافية) أو (التزام الفرد للفكرة الجمهورية يعنى (صك استرقاق وتمليك للفكرة) هل كان أبو بكر القاضي حقاً يعي ما يقول؟ هل كان الجمهوريون بالجهل الذي يجعل رجلاً يستغل أموالهم وشبابهم ومستقبلهم أياً كانت عبقرية هذا الرجل؟ هل من يدفع من حرِّ ماله بإرادته الحرَّة من أجل قضية أو مبدأ يؤمن به ساذجاً ومستغلاً ؟ كم من الأخوان والأخوات تزوج على يد الأستاذ؟ وماذا جنى الاستاذ محمود من التمويل والأموال والفكرة كلها؟ لقد عاش فقيراً ومات فقيراً .. لم يسكن القصور الفاخرة ولم يمتطِ السيارات الفارهة ولم يعش حياة الملوك .. يشهد له الأعداء قبل الأصدقاء .. والفقراء قبل الأغنياء .. والضعفاء والأقوياء . وحدك أنت يا أبا بكر القاضي تسبح عكس كل التيارات لأنك ليس من أهل الحق أو النزاهة أو الأمانة. أما حديثك عن جبن الأستاذ ومصالحته لثورة مايو حفاظاً على حياته ، فلعمري هذه فرية يضحك من تهافتها الحمقي قبل العقلاء . ماذا قال الاستاذ عن مايو؟ كان الاستاذ يقول تصالحوا مع مايو .. اتركوها تمضي وانظروا ماذا أنتم بعدها فاعلون فهي ماضية وأنتم والسودان باقون .. ثم من الذي قتل الأستاذ؟ ألم تقتله مايو؟ ألم يكن بإمكانه ممارسة النفاق والتمادي في مصالحة مايو؟ لماذا اختار الموت وخلع نعليه وصعد مبتسماً لحبل المشنقة؟ ذلك مشهد وقف عنده كل العالم احتراماً إلا أنت يا أبا بكر القاضي لأنك ليس من أهل المواقف والقوة والشجاعة . كان الاستاذ يفكر كما يريد .. ويقول كما يفكر .. ويعمل كما يقول .. عاش على ما آمن به .. ومات على ما آمن به .. لم يكن ذاتياً ولا كاذباً ولا وصولياً .. كل ذلك يعرفه كل من عرف الأستاذ محمود إلا أنت يا أبا بكر القاضي لأنك ليس من أهل الشهامة أو الصدق أو الوفاء. إن ما أتيت به يا أبا بكر القاضي يقدح في نزاهتك العلمية وأنت المحسوب على أهل الفكر والمعرفة والتنوير الذين من أهم ما يتصفون به التجرد والتعالي عن الأغراض الرخيصة .. لأن أصحاب القضية أرفع من السقوط في مهاوي الاتهام والمقاصد الذاتية .. كما أن ما أتيت به يشكك في مصداقيتك المهنية وأنت رجل القانون المهموم بأمر العدالة والصدق وإحقاق الحقيقة . لأن محمود لو جاءك متهماً وأنت القاضي لحكمت عليه بجريمة أنه كان السبب في استغلال أموال البسطاء والاستفادة من تمويل غير أخلاقي وأنه كان السبب في عنوسة الأخوات الجمهوريات وأنه عمل على محاربة تعليم الأخوان الجمهوريين فهل هذه هي العدالة عندك يا أبا بكر القاضي .. هل تقر بجريمة ينكرها الضحايا؟ ما أتيت به يا أبا بكر القاضي ينتقص من إنسانيتك وأخلاقياتك لأنه زور وبهتان .. أنا أعتقد أن القاضي غير مقتنع بما يكتبه في حق الأستاذ والجمهوريين ولكنه يمضي في ذلك بعلم أو بغير علم ويندفع بتلقائية يدركها أو لا يدركها ويكتب لغايات معلومة لديه أو مجهولة لأنه في ما يدَّعي يفتقد للرؤية المتكاملة التي تستصحب الذكريات والتفاصيل الدقيقة للرحلة ويفتقر للأبعاد المعرفية والعرفانية وهو في حماسته واندفاعه يحطم الكثير من الشتول وتتساقط منه مفاتيح صغيرة كثيرة لأبواب تغلق دونه طريق الوصول فهل القاضي عليم بذلك؟ كنْ أنت يا أبا بكر .. ولا تكن إلا أنت .. واكتب ما شئت .. ولا تكتب ما شاءته نفسك البديلة .. واعلم أن الأيام تسجل ما تكتبه ايجاباً لك أو سلباً عليك .. نقول ذلك ونحن لسنا أوصياء على أحد .. ولا نزكِّي أنفسنا إلا علي أنفسنا ولكننا نأسف لتساقط الأشجار العتيقة عند المجاري الموسمية الصغيرة . لماذا كل هذا؟ أنا هنا لا أدافع عن محمود أو الجمهوريين .. إنما أدافع عن القيم النبيلة وعن الحقائق كمقاصد سامية تعمل أنت على طمسها مع سبق الإصرار والترصد .. ولا تحسبن صمت الجمهوريين صمتاً عن عجز بل رثاءاً لما أصبحت عليه من حال .. ولأن ما تقوله لا يستحق عناء الرد والغضب أو الإنفعال. صلاح أحمد البشير المملكة العربية السعودية ، الرياض Salah Ahmed [[email protected]]