بعد طول ترقب محلي ودولي ، ووسط أجواء الانتخابات الرئاسية المحمومة في مصر والتي احتدم فيها الصراع الانتخابي بين عسكري فلولي ينادي بإقامة دولة مدنية ومدني إخواني ينادي بالديمقراطية ويخشى بعض حلفائه من نواياه في إقامة دولة دينية مغلقة، أصدرت محكمة جنايات شمال القاهرة حكماً بالسجن المؤبد ضد الرئيس المصري السابق حسني مبارك ووزير داخليته الأسبق حبيب العادلي في قضية قتل 840 متظاهراً ابان ثورة 25 ينايرالمصرية، وحكمت ببراءة مساعدي وزير الداخلية الأسبق من تهم قتل المتظاهرين الموجهة إليهم وببراءة نجلي مبارك من تهمة استغلال النفوذ الموجهة لهما لسقوط تهمة الفساد بالتقادم أي بمرور 10 سنوات حسب القانون المصري. فور صدورها ، اندلعت مظاهرات غاضبة في مصر احتجاجاً على هذه الأحكام وطالب البعض بتطهير القضاء من الفلول وتطهير القوانين من النصوص المسقطة لجرائم الفساد بالتقادم، قام النائب العام بتقديم طعن في الحكم المذكور أمام محكمة النقض ، صرحت منظمة العفو الدولية بأن تبرئة مساعدي وزير الداخلية الأسبق يتعارض مع العدالة ، صرح بعض القضاة المصريين بأن الأدلة المقدمة من النيابة العامة لم تكن كافية فقد تم إحراق كثير من ملفات جهاز الأمن من قبل مساعدي وزير الداخلية الأسبق قبل اعتقالهم ومحاكمتهم وبالتالي فإن النائب العام لم يجد أدلة مباشرة قوية لتقديمها للمحكمة وأن القضاة لم يجدوا بينات قاطعة تثبت بدون أي شك معقول ارتكاب مساعدي وزير الداخلية الأسبق للجرائم المنسوبة إليهم ولذلك اضطروا إلى تبرئتهم، واحتفل مناصروا النظام السابق بهذه الأحكام وقدم محامي الدفاع طعناً لمحكمة النقض للحصول على براءة لمبارك وحبيب وأكد بعض الفلوليين على حق مبارك وأعوانه في مقاضاة رموز الثورة المصرية لرد الاعتبار والمطالبة بالتعويض عن التشهير وبإعادتهم جميعاً إلى مناصبهم السابقة! من المؤكد أن إدانة مبارك ووزير داخليته هي النقطة الوحيدة المضيئة في حكم محكمة جنايات شمال القاهرة وهي تشكل سابقة قانونية تاريخية ستغير الكثير من المفاهيم الشعبية والرسمية حول مسؤوليات الرؤساء، أما إدانة وزير الداخلية الأسبق وتبرئة مساعديه فتنطوي على أكبر تناقض قانوني فلا يُعقل أن يُدان الرأس وتُبرأ الأيادي المنفذة، ولهذا فإن الطعن في الحكم والقرار المرتقب صدوره من محكمة النقض المصرية يجب أن يركزا على أن هناك مبدأ عالمي معروف في علم الإثبات وهو أنه تصح الادانة الجنائية بموجب البينات الظرفية أو البينات غير المباشرة إذا تحقق شرطان وهما: تماسك وترابط وقوة الحلقات المكونة للبيانات الظرفية، واستنباط استنتاج وحيد من تلك البيانات الظرفية يذهب في اتجاه تجريم المتهمين ويتعارض مع برائتهم ، وتأسيساً على ذلك، فإن توفر عدة بينات ظرفية قوية من بينها آلية تسلسل المسؤولية وواقعة الحرق العمدي لملفات جهاز الأمن ستكفي لادانة مساعدي وزير الداخلية الأسبق وتقتص لشهداء الثورة المصرية الذين ثبت قتلهم دون أي شك معقول. نبوءة الفكي حسب الله والبَصَل !