بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: (هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية هذا بلاغ للناس [email protected] توطئة: - إن كنا نعتقد أن الحوار هو وسيلة التفاوض الوحيدة للبحث في أمور تحتاج حلولاً ، فحينئذٍ لا بد من أن يخضع لأدبيات، لأن الحوار هو أهم عناصر التفاوض، والتفاوض فن راق وحساس، وهو الالية الأنجع لإيجاد حلول بين طرفين تتباين وجهات نظرهما، وفنون الحوار والالتزام بها أمر لا يجيده الجميع وله قواعد يتوجب الالتزام بها، والالتزام بأدبيات الحوار هو الوسيلة الحضارية لتوضيح وجهات النظر التي تمثل أساس المفاوضات والتي قد تفضي إلى ايجاد حلول لموضوع مختلف عليه. فالحوار ثقافة مكتسبة وخبرة تكتسب فيكتسب المحاور المفاوض مهارات متجددة تزيد من قدرته ومهاراته وثقافته تراكمياً. أما إن سلك المتحاورون أسلوب حوار الطرشان، أي الاصرار والتعنت ففي هذه الحالة لن يفضي الحوار إلى أهدافه في ايجاد الحلول فالأولى تركه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:( أنا زعيم بيت بربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا) سأعرض لبعض النقاط التي قد تساعدنا في تغيير سلوكنا التحاوري ليتسم بالإيجابية العدل وقوة المنطق وتقديم الادلة والحجج لنرهن على أحقيتنا وعدالة ما نطلب في نفس الوقت بحيث نستطيع إقناع الطرف الأخر بوجهة نظرنا دون أن تسبب له جرحا أو إحراجا. وهي مبادئ عاملة قابلة للتطبيق حتى في سلوكنا الحياتي اليومي . لذا أنقل إليكم اليوم ملخصاً لأهم ما قرأت عن فن التفاوض وأدبيات الحوار عسى أن نخرج من دائرة حوار الطرشان التي أصبحت سمة سالبة تميز خلافاتنا واختلافاتنا مع بعضنا البعض حتى إن لم تفسد للود قضية ولكنها لن تفرز أو تفضي إلى حلول منطقية لمعضلاتنا. المتن: - إن أهم تكتيك في استراتيجية الحوار والتفاوض هو أن تدع الطرف الآخر يتكلم ويعرض قضيته أولاً ولا تقاطعه ودعه يعرض قضيته كاملة حتى لا يشعر بأنك لم تفهمه لأنك إذا قاطعته أثناء كلامه فإنما أنت تحفزه نفسيا على عدم الاستماع إليك لأن الشخص الذي يبقي لديه كلام في صدره سيركز تفكيره في كيفية التحدث ولن يستطيع الإنصات لك جيدا ولن يفهم ما تقوله أو ما تريده أن يسمع ويفهم حتى يقتنع كما أن سؤاله عن أشياء ذكرها أو طلبك منه إعادة بعض ما قاله له أهمية كبيرة لأنه يشعر الطرف الآخر بأنك تستمع إليه وتهتم بكلامه ووجهة نظره وهذا يقلل الحافز العدائي لديه ويجعله يشعر بأن طلباتك منطقية وعادلة. - ينصح الخبراء في هذا المجال هو أن لا تتسرع في الاجابة عن سؤال بل توقف قليلا قبل أن تجيب فعندما يوجه لك سؤالا تطلع إلى الطرف الآخر وتوقف لبرهة قبل الرد لأن ذلك يوضح انك تفكر وتهتم بما قاله ولست متحفز للهجوم . - على المحاور الذكي أن لا يصر على الفوز بنسبة 100%: لا يحاول أن تبرهن على صحة موقفه بالكامل وان الطرف الآخر مخطئ تماما في كل ما يقول . إذا أردت الإقناع فأقر ببعض النقاط التي يوردها حتى ولو كانت بسيطة وبين له انك تتفق معه فيها لأنه سيصبح أكثر ميلا للإقرار بوجهة نظرك وحاول دائما أن تكرر هذه العبارة (أنا أتفهم وجهة نظرك )، ( أنا اقدر ما تقول وأشاركك في شعورك)!! - على المحاور المفاوض أن يعرض قضيته بطريقة منطقية ومعتدلة :أحيانا عند المعارضة قد يحاول عرض وجهة نظره أو نقد وجهة نظر محدثك بشيء من التهويل والانفعال ، وهذا خطأ فادح ، فالشواهد العلمية أثبتت أن الحقائق التي تعرض بهدوء اشد أثرا في إقناع الآخرين مما يفعله التهديد والانفعال في الكلام . ربما قد تستطيع بالخطاب المنفعل والصوت المرتفع والاندفاع أن تحقق بعض نجاح في حوارك ولكنك لن تحوز على استحسان كل الحاضرين وربما فقط بعضهم ولكنك في ذات الوقت لن تستطيع إقناع الطرف الآخر بوجهة نظرك بهذه الطريقة وسيخرج صامتا لكنه غير مقتنع أبدا ولن يقبل برأيك. - قد يقتضي الأمر أن تستدل بآراء طرف آخر، فإذا أردت استحضار دليل على وجهة نظرك فلا تذكر رأيك الخاص ولكن حاول ذكر رأي مرجعي صدر أو أحكام من أشخاص اعتباريين أو مؤسسات متخصصة، لأن الطرف الآخر سيتضايق وسيشكك في مصداقية كلامك لو كان كله عن رأيك وتجاربك الشخصية على عكس مما لو ذكرت له آراء وتجارب وسوابق مماثلة أو متشابهة من أطراف ليس لهم صلة مباشرة بأصل الخلاف. ويمكن أن تستدل ببعض ما ورد في كتب النظريات والإحصائيات لأنها أدلة أقوى بكثير الحاشية: - من الضرورة بمكان أن تسمح للطرف الآخر بالحفاظ على ماء وجهه : لأن الأشخاص الماهرين والذين لديهم موهبة وخبرات التفاوض هم وحدهم الذين يعرفون كيف يجعلون الطرف الآخر يقر بوجهة نظرهم دون أن يشعر بالحرج أو الإهانة ، ويتركون له مخرجا لطيفا من موقفه ، إذا أردت أن يعترف الطرف الآخر لك بوجهة نظرك فاترك له مجالا ليهرب من خلاله من موقفه كأن تعطيه سببا مثلا لعدم تطبيق وجهة نظره أو معلومة جديدة لم يكن يعلمها أو أي سبب يرمي عنه المسؤولية لعدم صحة وجهة نظره مع توضيحك له بأن مبدأه الأساسي صحيح ( ولو أي جزء منه ) ولكن لهذا السبب ( الذي وضحته ) وليس بسبب وجهة نظره نفسها- فإنها غير مناسبة .أما الهجوم التام على وجهة نظره أو السخرية منها فسيدفعه لا إراديا للتمسك بها أكثر ورفض كلامك دون استماع له لأن تنازله في هذه الحالة سيظهر وكأنه خوف وضعف وهو مالا يريد إظهاره مهما كلف الأمر. أمر أخير .... لا تهتم لصغائر الأمور قبل الحديث وبعده لتضع دوما نصب أعينك قول معلم البشرية رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) - مهما كان تحصيلنا المعرفي عن نظريات فن التفاوض والحوار، فالتعريف العلمي لن يخرج عن الآتي ذكره: " التفاوض هو عملية اتصال بين شخصين أو أكثر يدرسون فيها البدائل للتوصل لحلول مقبولة لديهم أو بلوغ أهداف مرضية لهم." - إن التحضير الجيد هو أهم ابجديات عمليات الحوار والتفاوض وهناك مصطلح من أهم عناصر فن التفاوض هو (القوة أو القدرة)، ويقصد بها (القدرة) على التأثير على المشاركين في المفاوضات، والأحداث أو السيطرة عليها. وتنبع هذه القوة أساسًا من المعرفة، فيتم اكتسابها من الفرق بين ما تعرفه من موقف الجانب الآخر وبين ما يعرفه هو عن موقفك، ولذلك فميزان القوة في العملية التفاوضية ليس ثابتًا، وإنما قد ينتقل من جانب إلى آخر مع تكشف المعلومات واقتراب المواعيد التي يتعين على كلا الطرفين الالتزام بها، والمفاوض الناجح هو الذي يستطيع أن يحافظ على ميزان القوى مائلاً لصالحه، إذ طالما استمرت عملية انتقال القوة من طرف إلى آخر فإن احتمال استمرار التفاوض يظل قائمًا. الهامش: - المفاوضات حول القضايا العالقة والجارية في أديس أبابا عادة ما تنفض دون نتائج إيجابية ملموسة ، وأسباب انتهاء أو تأجيل ي التفاوض يعزى لأحد حالتين ، أولهما: عندما يتصور أحد الطرفان أن الآخر قد كسب الجانب الأكبر من القوة أو كلها، فإن التفاوض سرعان ما ينتهي، إلا أن النتيجة قد تكون غير سعيدة، فالجانب الذي يفقد القوة تمامًا يشعر بأنه تعرض للخداع، والإساءة والاتفاق الناجم عن هذه الحالة لا يكون حلاً يفوز فيه كلا الطرفين. أما الحالة الثانية فهي: عندما يتصور الطرفان وجود نوع من التوازن في القوى فإن الاتفاق على حل وسط هو الخطوة المنطقية التالية التي سرعان ما تنتهي المفاوضات بعدها محققة نتيجة مرضية للطرفين، والاتفاق الناجم عن هذه الحالة يغذي الشعور بتحقق الفوز للطرفين، وهذا هو التفاوض الناجح حقًا. - على رئيس الآلية الأفريقية الرفيعة وعلى طرفي المفاوضات في أديس أبابا أن يطلعا على كتاب وليام يوري( فن التفاوض – اختراق الحواجز في طريق التعاون -Getting Past No: Negotiating Your Way From Confrontation to Cooperation. by William Ury) إذ تمّ له تحديد العوائق التي تتسبب في عدم الوصول إلى الحلول أنقلها حسب الترجمة(وعن العوائق الخمسة التي تحول دون الاشتراك في الوصول إلى حلٍ للمشكلة يذكر أنَ العائق الأول هو الطرف الأول والطرف الثاني: أي أنَ العائق الأول يكمن داخلنا نحن وقد يكون ردُ فعل عدائي نتيجة لضغط نواجهه من الطرف الثاني والعكس. وقد يتسبب ردُ الفعل الغاضب الغير محسوب أحياناً إلى الاستسلام رغبة في إنهاء المفاوضات. وفي كلا الحالتين يتمكن الطرف الثاني من الطرف الأول. ومن المعوقات أيضاً المشاعر السلبية للطرف الثاني إذ إنهم بشعورهم أنك مخطئ يرفضون الاستماع إليك. كما أن معادلة الغالب والمغلوب قد تؤدي إلى أن يستخدم الطرف الآخر الحيل والمواربة. والعائق الثالث يكمن في عادة الطرف الثاني بالضغط على الطرف الأول حتى يذعن له، وغالباً ما يكون هذا هو الأسلوب الوحيد الذي يعرفه عن التفاوض والذي عكسه الإذعان كما يتصور. أما العائق الرابع فهو أن الطرف الثاني لا يبدي أي اهتمام حيال المشكلة لأفقه الضيق في إيجابيات الحل، أو للخوف من تغيير الموقف والتراجع لحفظ ماء الوجه. والعائق الخامس هي فكرة الغالب والمغلوب لدى الطرف الثاني والتي قد تؤدي إلى زجِ كل جهوده ليهزم الطرف الأول. إنَ اختراق كلِ هذه العوائق وسبر دوافع الطرف الثاني الخافية تؤدي إلى تحقيق المآرب في اختراق هذا الطرف.]!! تعليق: ترى هل قامت الآلية الرفيعة لجسر الهوة لحسر هذه العوائق الخمس؟! أليس هي ذات العوائق التي ربما تمثل مأزق عدم التوصل لحلول المسائل العالقة؟! نترك الاجابة للقارئ العزيز!!.. قصاصة : الفشل يعني الحرب.. والحرب دمار وتعطيل للتنمية التي تنعكس على حياة الانسان هنا وهناك، فإن كانت الحرب هي الخيار فلماذا أصلاً كانت نيفاشا إن لم تحققه؟!!.