ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصورة والفيديو.. على أنغام أغنية (حبيب الروح من هواك مجروح) فتاة سودانية تثير ضجة واسعة بتقديمها فواصل من الرقص المثير وهي ترتدي (النقاب)    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    هل رضيت؟    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بين إسقاط النظام وتغييره، إعادة فرز قديم/جديد (2) .. بقلم: التجاني الحاج عبدالرحمن
نشر في سودانيل يوم 15 - 06 - 2012

تحليل مكونات قوى الجبهة الثورية/الجنوب الجديد
[email protected]
الجبهة الثورية السودانية، قوى الهامش/الجنوب الجديد:
الملاحظ لتركيبة تحالف كاودا أو الجبهة الثورية السودانية، يجد أنها ومن النظرة الأولى تنقسم آيديولوجيا بطول خط يفصل مابين حركات ذات توجهات علمانية (الحركة الشعبية لتحرير السودان/القطاع الشمالي، حركة تحرير السودان بجناحيها، والقوى التي إنضمت حديثاً مؤتمر البجا جناح د. أبو آمنة حامد، وحركة كوش) في مقابل حركة العدل والمساواة السودانية والتي وإن لم يكن بالمستطاع القطع نهائياً بإنتقالها إلى مسافات تقربها من التفكير العلماني، غير أنه أيضاً لا يمكن الجزم ببقائها إلى الآن في حظيرة الفكر الإسلاموي الأصولي(!) ومع ذلك، فإنها تبقي أقرب للأخير، وذلك لأسباب تاريخية معروفة. وبالتالي، ومهما يكن من أمر، يبقى هناك راسب من تاريخها القديم، يربطها بهذه الدرجة أو تلك، مع الفكر الأصولي وحظيرة الحركة الإسلامية، وهو ما يجعلنا نظرياً نضعها في الجانب الآخر من الخط الآيديولوجي داخل هذا التحالف مع الوضع في الإعتبار بالطبع المرحلة الدقيقة التي تمر بها حركة العدل والمساواة، والتي يتصارع فيها تاريخ عضويتها الفكري القديم وإلتزماته، مع متطلبات خطابها وخياراتها السياسية الجديدة الذي تخوض بهما الصراع ضد المركز (الرفاق القدامي).
هذا الإنقسام الآيديولوجي داخل الجبهة الثورية السودانية أو تحالف الهامش/الجنوب الجديد، سيظل واحداً من المحكّات الرئيسية عند صياغة أي برنامج إستراتيجي يلي إسقاط النظام، والذي ستبرزه بالضرورة المناقشات المحتملة حول تحديد الأسس والتوجّهات التي ينبغى أن تُبنى عليها الدولة. نقول ذلك إستناداً على تاريخ التحالفات التي من هذا القبيل، وليس بعيداً عن الأذهان مؤتمر القضايا المصيرية الذي إنعقد بأسمرا عام 1996، إذ أنبني تحالف التجمع الوطني الديمقراطي في بداياته على هدف سياسي مرحلي أساسه إسقاط النظام، ومن بعد الإتفاق على هذه الأرضية كان لزاما ًعلى كل أطراف التجمع حيذاك أن تجيب على السؤال الإستراتيجي الذي يلي هذه الخطوة، وهو: "ثم ماذا من بعد إسقاط النظام(؟)"، وقد نقل هذا السؤال وقتها النقاش داخل أروقة التجمع مباشرة إلى حلقة الخلاف المركزية، ألا وهي مسألة هوية الدولة وعلاقتها بالدين، وهو ما إنتهي إلى الإتفاق حول صيغة مشبوهة من الناحية المفهومية هي: "فصل الدين عن السياسة" وهي مسألة فيها (إنّة) كما يقال في السودان عندما تحوم الشكوك حول قضية (ما). لذلك إستحق مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية تسمية "المساومة التاريخية" عن جدارة وإستحقاق، بإعتباره حقيقة وواقعاً، كان مساومة تمت ما بين القوى العلمانية داخل التجمع المطالبة بفصل الدين عن الدولة، والقوى اليمينية الغير راضية عن هذه الصيغة، أرجعتهم جميعاً مرة أخرى من الناحية الإستراتيجية إلى الوقوف على منصة إسقاط النظام فحسب. إن قرائن الأحوال تشير إلى أن مكونات الجبهة الثورية، هي الآن في نفس مرحلة التجمع عشية إنعقاد مؤتمر القضايا المصيرية، وبالتالي سيفرض السؤال نفسه على الطاولة من جديد، فما هو المتوقع(؟). لا نريد أن نستبق الأحداث، بإعتبار أن لكل مرحلة تاريخية عناصرها وشروطها، والتي ليس بالضرورة مكتوب لها أن تعيد إنتاج نفس أخطاء الماضي، ومع ذلك، فإن المحك الأساسي لهذه القوى وهي تقف على محطة الإتفاق على إسقاط النظام، هو أن تعيد قراءة التاريخ حتى لا تسير على نفس الدروب القديمة، أو إختراع نفس عجلة الخلافات والمساوات من جديد. إن التناقضات الداخلية في تحالف كاودا كثيرة، أولها التناقض الآيديولوجي المشار إليه، والثاني هو التناقضات الذاتية الأخري الناتجة من تاريخ الصراعات والإنقسامات داخل الحركات المختلفة وهو ما يقتضي المتابعة والتحليل لمعرفة أسبابها وطرق معالجتها:
1. الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال: تظهر على سطحها التنظيمي خطوط تباينات عميقة الجذور (بمستوياته وأسسه المختلفة). جزء من هذه التباينات مبنية على الموروث القديم للحركة الشعبية الأم، والتي إنبنت على:
- خط التطور الفكري والسياسي والتنظيمي للحركة الشعبية حينها (الإنتقال من التوجهات اليسارية في الثمانينيات وبداية التسعينيات إلى مشروع السودان الجديد في مراحل لاحقة) مصحوباً بصراعاتها الداخلية ما بين تيار (القوميين الجنوبين) و تيار وحدة السودان على أسس جديدة منذ البداية وحتى تاريخ الإنفصال في10 يوليو 2011.
- الجوانب العسكرية العملياتية البحتة والتي فرضت أولوية العمل العسكري على العمل السياسي/التنظيمي أثناء فترات النضال المختلفة(من نظام مايو وحتى الإنقاذ)، والتي حتمت أنذاك تقسيم المناطق على أسس تكوينات الجبهات العسكرية كمدخل وإستراتيجية للتضييق على النظم الحاكمة عسكرياً، وسياسياً لإستنهاض وحشد طاقات قوى الهامش لخوض الحرب ضد المركز في إطار مشروع السودان الجديد.
وقد أفرز هذا الوضع الأخير ضرورة أن تتقدم كل منطقة بأجندتها السياسية الخاصة ضمن الإطار العام لمشروع السودان الجديد. ومع الهزة العنيفة التي ضربت المشروع برحيل مؤسسه ومنظّره، د. جون قرنق ديمابيور، مضافاً إليه لاحقاً إنفصال الجنوب وما ترتب عليه من فك الإرتباط بين الحركة الشعبية شمالاً وجنوباً، إنفرض على المناطق التي تمركزت فيها الحركة الشعبية في الشمال (جنوب كردفان والنيل الأزرق) البحث عن خيارتها السياسية ضمن إطارها الجغرافي والسياسي الذي تشكّل من بعد الإنفصال (دولة السودان الشمالي)، وفي إطار مشروع السودان الجديد أيضاً. الشاهد أن هذا التشكّل الآيديولوجي والسياسي والتنظيمي الجديد تمت مواجهته بعنف من قبل المركز منذ الوهلة الأولى (تصريحات المهندس الطيب مصطفي صبيحة إعلان دولة السودان الجنوبي في يوم 10 يوليو 2011 من خلال صحيفته الإنتباهة) وتطور ذلك مع إندلاع الحرب في جنوب كردفان (جبال النوبة والنيل الأزرق). هذه المواجهة بمستوياتها المختلفة لا تحمل جديد(!) خاصة عند قراءة تاريخ الحروب الأهلية في السودان بعناية، والتي ظلت السمة الرئيسية فيها، تعامل الحكومات المركزية ومنذ الإستقلال، مع هذه النزاعات و"التمردات"، كقضية" أمنية" بحتة كما في نموذج الجنوب وليس كقضية سياسية تقتضي التسوية في إطار الدولة والمجتمع ككل. والمؤسف إن نفس الرؤية وآلياتها إنتقلت إلى السودان الشمالي بعد الإنفصال من خلال مواجهة السلطة الحاكمة للقوى الثائرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق (المتابع لتصريحات المسئوليين الحكوميين وعلى أعلى المستويات يدرك أن هذه النظر بالفعل لم تغير)، وبالتالي، وقياساً على سوابق التاريخ، فإن نفس النتائج التي حدثت في الماضي تصبح متوقعة بصورة كبيرة مستقبلاً، لأن النخب الحاكمة التي إرتكبت الأخطاء التي أدت لإنفصال الجنوب هي نفس النخب، والسياسات والإستراتيجيات التي إُتبعت هي نفسها. وبالتالي؛ فإن إستمرارية نفس الخطاب والسلوك السياسي الذي قادته نخبة تعالت على الواقع الإجتماعي الموضوعي، ومارست الإستعلاء من خلال النظر إلى القضية برمتها بإعتبارها هي وقادتها وقاعدتها الإجتماعية في أحسن تقدير "جيوب متمردة" تبحث عن موطئ قدم في سلطة لا تستحق فيه أكثر من الفتات، مصحوباً بحدة وعنف المواجهة العسكرية، لن تكون نهايته سوى دورة إنقسامات/إنفصالات جديدة لما تبقى من السودان، إن عاجلاً أم آجلاً.
ما لا تخطئه العين الفاحصة، إن معادلة الصراع هذه، بالضرورة ستضعف كلا الجانبين وعلى الأخص قوى الهامش الجنوب الجديد، والتي كلما أشتدت ضربات المركز عليها، ستجد نفسها مجبرة ولو إلى حين للتراجع نحو خطوط دفاعاتها الأخيرة المتمثلة في سقوفات مطالبتها الإقليمية، مما يهدد بجرفها بعيداً عن أفق التغيير الكلي للنظام والدولة، ويضع مشروع التغيير برمته على المحك.
لذلك فإن الحركة الشعبية قطاع الشمال بمكوناتها الرئيسية (جنوب كردفان والنيل الأزرق والمناطق الأخرى في الشمال) وحلفائها، ومن الناحية السياسية العملية، وتأسيساً على هذه النظرة، ستجد نفسها بين قوسين(!!). تخوض صراع الرؤى ضد مركز "تخندق" آيديولوجياً في توجهات الأسلمة والعروبة، وسياسياً حول السلطة ومكتسباتها، مستخدماً الآلية العسكرية والسياسية لحصار قوى الهامش الجنوب الجديد في نفس القوالب النمطية القديمة (قوالب المطالبات الإقليمية والجهوية). ومرة أخرى فإن هذه الرؤية والسياسات والآليات التي يتبعها المركز لا جديد فيها أيضاً، وأن أهدافها الإستراتيجية النهائية مقروءة، وتتمثل في تجنّب إعادة تشكيل الدولة السودانية على أسس جديدة بأي ثمن، من خلال سد المنافذ التي تسمح بمشاركة قوى الهامش الجنوب الجديد بفعالية تجعل من قضية التغيير ورؤية السودان على أسس جديدة مشروعاً على أقل تقدير منافساً لمشروع الدولة الإقصائي الحالي، المتخندق في المثلث الإثني/الثقافي البائس. وهذه نظرة أقل ما يمكن أن تفرزه كما ذكرنا هو إعادة تقسيم ما تبقي من السودان مرة أخرى، مهما كانت صيغ التسويات المتوقع أن تطرح في هذا لإيقاف الحرب.
إن مواجهة هذه الرؤية والسياسات من قبل قوى الهامش الجنوب الجديد تتطلب أول ما تتطلب توسيع المسافة بين القوسين، ولن يتأتي ذلك إلا من خلال العمل السياسي الجاد لترسيخ رؤية السودان الجديد وطرحها كآخر عربة قطار تحمل أمل معالجة تاريخ السودان الملئ بالإخفاقات، والتي وصلت قمتها في الفشل في المحافظة على وحدة السودان. ثانيها الإتجاه نحو توسيع القاعدة الإجتماعية والسياسية للتحالف خصماً من رصيد المركز، ليشمل قوى جديدة، (وهي نفس الإستراتيجية التي تبنتها الحركة الشعبية في عهد الراحل د. جون قرنق). ومع إتساع رقعة هذا التحالف تقوى الأرضية تحت أقدام المطالبين بالسودان الجديد، لأنه وفي نهاية التحليل، وعلى ضوء تجارب الشعوب والأمم، وقياساً على مشروع الإنقاذ (الإسلام السياسي) ونتائجه الحالية(إنفصال الجنوب، والمواجهات المسلحة التي تدور حالياً)، لن يكون هناك أي إختيار موضوعي يمكنه أن يجعل من الشعوب السودانية متماسكة مع بعضها البعض ويشجعها على التقدم نحو إنجاز مشروع وطني، غير إعادة هيلكة ماتبقى من الدولة السودانية على أسس جديدة، بمعنى؛ مشروع السودان الجديد، والذي أقل أحلامه فتح الطريق أمام كافة الشعوب السودانية للتعايش على قدم المساواة دون إقصاء. إن ذلك سوف يجنّب الدولة والمجتمع المزيد من الإنفصالات التي تلوح في الأفق إذما إستمر مشروع الدولة الإقصائي الذي تقوده حكومة الإنقاذ في شكلها الجديد (مابعد إنفصال الجنوب)، أو كما يروجون لها بالجمهورية الثانية(!). إن ذلك بالضرورة يتطلب من قوى الهامش الجنوب الجديد:
أولاً: قدرة سياسية/تنظيمية خلاقة لإدارة الإختلاف/التنوع داخل التحالف، تتجاوز تجارب التحالفات العقيمة، ذات السقوفات المتدنية في تاريخ السياسة السودانية، بمعنى؛ تجاوز التفكير التقليدي لعمليات بناء التحالفات وقيادتها بإعتبار أن الهدف منها هو الوصول إلى السلطة السياسية وإدارة البلاد وحسب، وإنما النظر لهذه التحالفات على أنها "كتلة تاريخية" في طور التشكّل، إن جاز التعبير، هدفها الإستراتيجي هو قيادة عملية تغيير جذرية وإعادة هيكلة للدولة والمجتمع، وبالتالي هي مسئولة عن إحداث إنعطافة تاريخية حاسمة في مسار تطور ما تبقي من السودان.
ثانياً: معالجة القصور الذاتي الداخلي لكل أطراف التحالف على حدا، وداخل جسد التحالف نفسه وعلاقاته الداخلية وأهدافه وإستراتيجياته، من خلال طرح صيغ تنظيمية مستحدثة، وأسلوب قيادة غير تقليدي بإمكانه أن يري بوضوح على الصعيد التنظيمي، أين تقع نقطة التحول الحاسمة ما بين مركزية صناعة القرار التي تمليها الظروف الإستثنائية، وتحقيق شرط ديمقراطية صناعة القرار وإتساع قاعدته في ظل نفس الشروط، وسياسياً أين هي الحلقة المركزية التي تصنع الإنعطافة الإستراتيجية بإتجاه السودان الجديد عندما تتم قراءة المسرح في السودان ودينامياته.
عليه؛ يمكننا رؤية إشكاليتين أساسيتين: الأولي سياسية، تتمركز حول شدة الجذب الداخلي للحركة الشعبية وهذا التحالف، حول التمسك بمشروع السودان الجديد، والذي يتزايد كلما إتسعت رقعة التحالف، وأُبتدعت أساليب ورؤية جديدة لإدارة العلاقات والإستراتيجيات والمصالح داخله، وبين إضمحلال التحالف نحو المطالب الإقليمية، والمربوطة بشدة الضغط المتولد من المركز سياسياً وعسكرياً بالإضافة للضغوط الإقليمية والدولية، والتي يهمها فقط أن تسكت أصوات البنادق حتى وإن كان ذلك على حساب إحداث التغييرات السياسية/الإجتماعية الإستراتيجية في السودان.
2. حركة العدل والمساواة السودانية: لا تختلف التناقضات داخل حركة العدل والمساواة جوهرياً عن تلك الموجودة داخل الحركة الشعبية، سوى من ناحية طبيعة المنشأة في الحالتين، والأساس الأيديولوجي. فمن جانب الأساس الآيديولوجي/النظري للحركة، فإن النقطة المحورية في الأزمة الفكرية/الآيديولوجية داخلها تتمركز حول المرحلة التي تقف فيها حركة العدل والمساواة حالياً، وهي نقطة (ما)، تقع في المسافة ما بين أساسها الآيديولوجي القديم، وتوجهاتها السياسية الجديدة والشروط التي تفرضها. بمعني؛ إن العدل والمساواة ومهما يكن من صحة الإدعاءآت من عدمها حول إرتباطاتها بالحركة الإسلامية بشكل عام غير أن جذرها التاريخي موضوعياً هو عامل يعزز هذه الفرضية أكثر مما ينفيها، وبالتالي، فإن هذه الصلة تظل موجودة، حتى وإن كانت على مستوى اللاشعور الفردي أو الجمعي للحركة، ولا توجد له إنعكاسات على سطح الحراك اليومي للحركة وتوجهاتها وخياراتها السياسية الآنية. من جانب ثانٍ فإن الخطاب السياسي الجديد الذي تبنته حركة العدل والمساواة (خطاب قوى الهامش)، هو خطاب ظرفي، تم الإنطلاق إليه من نقطة أزمة ولحظة تاريخية محددة تقع داخل المركز نفسه، مثّل فيها الشعور بالإقصاء والتهميش، قوة الطرد المركزية التي دفعت بكوادر الحركة خارج مدار المركز والسلطة. ونقطة الأزمة واللحظة التاريخية التي أشرنا إليها لدى الحركة، هي على وجه التحديد لحظة الوعي بهجرة المركز/السلطة من المشروع الحضاري إلى المشروع العنصري.
وبالتالي، يقود الإفتراض على المستوى النظري إلى وجود تناقض داخل حركة العدل والمساواة، أساسه التصادم على مستوى الوعي، بين يوتوبيا المشروع الإسلامي في بداياته وعندما كانت جزء منه في حالتها الجنينية، وواقع تحوله إلى مشروع عنصري في نهاياته. فحركة العدل والمساواة، أو أي تيار آخر يحمل نفس السمات ومر بنفس الشروط، يفرض علينا الإستنتاج المنطقي إلى أنه كان لابد وأن يتواجد جنينياً داخل الحركة الإسلامية، ولا مناص له في ذلك الوقت غير أن يكون جزءاً من المشروع الإسلاموي الإقصائي في صورته المتنحَّية خلف الشعارات البراقة مثل: "ثوابت الدين"، "التوجهات الحضارية للأمة"، و"المشروع الحضاري"، وغيرها من المصطلحات التي ضجّت بها حقبة التسعينيات، والتي لم تكشف في ذلك الوقت عن وجهها الحقيقي، كمشروع عنصري كامل الوصف والسمات. ويبرز التناقض هنا من أن هذا التيار الجنيني كان فكرياً وآيديولوجيا ينتمي لمشروع المركز، في حين أن قاعدته الإجتماعية تنتمي للهامش، وعدم الوعي بهذا التناقض تكمن أسبابه في الإستلاب الكامل الذي تم لهذه القاعدة الإجتماعية عن طريق الشعارات ويوتوبيا المشروع الإسلاموي، ونفوذ السلطة. وقد كان أول من فطن لهذا التناقض هو داؤود يحي بولاد والذي قاد التمرد ضد المركز، واقفاً على نفس محطة الإكتشاف التي وصل إليها عمار بن ياسر في معركة صفين حين قال: "... والله ما طلبتهم بدمه، ولكن القوم إستحلوا الدنيا واستمرؤوها، وعلموا إذا لزمهم، الحق، حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه من دنياهم، ولم تكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم، فقالوا إن إمامنا قتل مظلوماً ليكون بذلك جبابرة ملوكاً". ومع ذلك فالمرجح إن بدايات التحوُّل/الوعي داخل هذا التيار الجنيني(حركة العدل والمساواة لاحقاً) يجد أسبابه السياسية والتنظيمية في الصراع الذي نشب داخل الحركة الإسلامية في مطلع التسعينيات في إنتخابات الأمين العام للحركة الإسلامية، والتي إنتهت بفوز الشفيع أحمد محمد على غازي صلاح الدين العتباني، لكن في ظروف غامضة تم إعلان فوز العتباني(!). ويقود الإستنتاج أنه غالباُ وفي مثل هكذا شروط، أن تكون مثل هذه الحادثة بمثابة النقطة الفاصلة التي شعر فيها أبناء دارفور داخل الإسلامية بالإقصاء وبداية إنزلاق المشروع الإسلامي المثالي في مستنقع العنصرية. وبالتالي كان من المنطقي أن يتطور هذا التيار الجنيني إلى مرحلة لاحقة هي حركة العدل والمساواة، والتي كان لابد لها من أن تجد قاعدة إجتماعية تستند عليها وتنطلق منها، وكانت تلك القاعدة الإجتماعية هي دارفور. وقد أخذ هذا التطور شكله النهائي عندما وصل الصراع داخل ساحة الحركة الإسلامية نهاياته فيما عُرف المفاصلة الشهيرة في نهايات 1999.
هذا التناقض ما بين التاريخ السياسي والتنظيمي القديم للحركة، وتوجهاتها الجديدة، سيظل قائماً إلى حين حدوث أمرين، أما تنتصر داخل الحركة مسألة الإنتماء للقاعدة الإجتماعية التي إحتمت بها وحاربت معها والخطاب السياسي الجديد (خطاب الهامش) وتغادر نهائياً منصة إنطلاقتها الفكرية، أو تعود القهقري مرة أخرى لحظيرة التيارات الإسلامية، بأي صورة تطرح في المستقبل (كالصورة التي يدعو لها الترابي، الغنوشي، تركيا، وكل حركات الإسلام السياسي التي برز خطابها الجديد مع الربيع العربي).
التناقض الآخير هو تناقض تنظيمي تجلى من خلال أساليب القيادة والتركيبة القاعدية للحركة والذي برز في كثير من إنقساماتها الداخلية، إذ يأخذ الكثيرين على الراحل د. خليل إبراهيم طريقة قيادته للحركة والتي تمثلت في" تمكينه" لأقربائه وأبناء عشريته من الإمساك بمفاصل العمل القيادي في حركة العدل والمساواة، بحيث أصبحت الحركة عملياً أقرب إلى تنظيم عشيرة أكثر منه تنظيم يعبّر عن تطلعات القاعدة الإجتماعية بدارفور بشكل كلي. وعليه؛ فإن الإدارة التنظيمية للحركة بهذه الصورة "العشائرية" إن صحت المقولات في هذا الصدد سوف لن تذهب بها بعيداً عن محاكاة ما حدث داخل المركز نفسه بالتحول إلى مشروع عنصري جديد وبخطاب مختلف.
إن معالجة مثل هذه القضايا بصورة جادة وحاسمة داخل الحركة أمر مطلوب بقوة، بإعتبار أن الحركة أصبحت الآن رقماً لا يمكن تجاوزه على الساحة، وليس هناك ما يستدعي أن تعيد إنتاج نفس الأخطاء. والأهم من كل ذلك هو أن وجود الحركة داخل تحالف كاودا/الجنوب الجديد يؤكد على حقيقة واحدة، وهي أن مشروع التغيير الذي يتبناه هذا التحالف/الجنوب الجديد بالفعل هو معادلة المستقبل لقدرته إستيعاب الآخرين مهما كانت خلفياتهم الآيديولوجية وتاريخهم السياسي، على أساس القبول بالآخر وحقه في أن يكون آخر. هذه المعالجات يجب أن تتم من خلال التناول الموضوعي ليس داخل الحركة نفسها، بل في إطار التحالف كله، وليس للقضايا المتعلقة بحركة العدل والمساواة وحدها، وإنما لكل أطراف التحالف، إن كانت هناك حقيقة توجهات لتجاوز سلبيات التحالفات القديمة في تاريخ تجارب الحركة السياسية السودانية.
3. حركة تحرير السودان: البعد النظري داخل حركة تحرير السودان، يكاد يكون مفقوداً عدا من شذرات تبرز هنا وهناك تحدد التوجهات العامة ذات الطابع العلماني للحركة، مع تركيز على قضايا دارفور في بداياتها، وتوسّع في نظرتها لاحقاً. إن المعلم الأبرز في مسيرة حركة تحرير السودان هو إنقساماتها التي حملت سمتين أساسيتين. الأولى: إنقسام تنظيمي تمحور حول أساليب القيادة، إذ لم تتمكن حركة تحرير السودان في بدايتها من إحتواء أزمة القيادة من خلال عملية البناء المؤسسي والتي كان بإمكانها إدارة الخلافات على أسس موضوعية. السمة الثانية: عدم تطوير الخطاب السياسي الداخلي الذي يوحّد الكيانات المختلفة التي كونت حركة التحرير. وبمرور الوقت تطور الإنقسام حول أساليب القيادة (خاصة من بعد مؤتمر حسكنيتة) من شكله التنظيمي ليأخذ شكل التكتلات القبلية داخل الحركة، إذ إلتف الفور حول عبدالواحد محمد نور، والزغاوة حول مني أركو مناوي، والمساليت حول خميس عبدالله أبكر (مجموعة ال 19 حينها). لم يقف هذا الإنقسام عند هذا الحد، إذ إستمر داخل كل مجموعة على نفس الأسس، وأفرز في نهاية المطاف عدد كبير من الحركات، تتفق جميعها على أرضية نظرية وسياسية واحدة، ولكن فرقتها عدم قدرتها على إدارة خلافتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.