عام على الحرب فى السودان.. لا غالب ولا مغلوب    اللواء 43مشاة باروما يكرم المتفوقين بشهادة الاساس بالمحلية    الخطوة التالية    السيارات الكهربائية.. والتنافس القادم!    واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل السوداني اضينة ؟ (1) .. بقلم: شوقي بدري
نشر في سودانيل يوم 07 - 07 - 2012

الانقاذ قد فاقت السوء ، خاصة فى معاملتها للمعتقلين والمساجين . والانقاذ ستنتهى كما قلنا منذ بدايتها . لانها تحمل بذور الفناء فى داخلها . اهل الانقاذ يراهنون على طيبة وغفلة الشعب ا لسودانى .
السودانيون يمارسون ا لنقاء والنبل ولا ينحطون الى مستوى ناس الانقاذ اللذين اتوا من كوكب اللؤم والخسة والحقاره .
الشرطه او البوليس كانوا فى غاية الروعه والاحترام فى السودان ، وكان كثير من رجال البوليس يعتبرون ابطالاً وشخصيات محبوبه فى السودان قديماً . الصول ود الكتيابى فى امدرمان صار فرعوناً وتصرف كيفما اراد وكان يدعمه مدير البوليس ابارو . وابارو كان عفيف اليد واللسان . وكان متفانياً فى عمله ومجيداً لعمله . الا انه كان يكن حقداً عظيماً للشيوعيين واليساريين . ولهذا اطلق يد ود الكتيابى فى امدرمان . وحتى فى الثمانينات عندما كان ابارو يدير متجر للسلاح ، لم يجد الا الاحترام ممن سجنهم فى يوم من الايام . وعندما وجد سيارته مقفوله امام جريده الميدان فى الخرطوم ، واضطر الى الانتظار كان يقول محتداً يعنى الشيوعيين ديل عايزننا نرجع لجننا القديم . ولم يسمع سوى ، معليش يا عم ابارو .
ود الكتيابى اصطدم بصديقى الطيب عجوبه العجلاتى فى امدرمان ، والطيب طويل القامه وملاكم جيد . وفى دكتاتورية عبود وجد ود الكتيابى الطيب عجوبه يقف امام موتر والماكينه دائره والطيب يقوم بتصليح الموتر ، فاعتقله بتهمة ركوب موتر بدون رخصه ، وحكم على الطيب بشهر سجن .وود الكتيابى كان عنده ثأر قديم مع الطيب عجوبه . وفى اثناء فترة سجن الطيب عجوبه تعرض محله لكسر واختفت الدراجات . وانا هنا لا ادين ود الكتيابى . ولكن حالة الطيب عجوبه تضعضعت وصار يعمل كعجلاتى فى العراء فى ميدان البوسته . وصار ود الكتيابى ورجال البوليس السرى يخيفون الناس لاول مره فى امدرمان . ونسى ود الكتيابى كل العشائريه والعلاقات الاسريه التى تحكم اهل امدرمان . وبالرغم من ان ود الكتيابى صديق لصيق لمساعد الحكيم عثمان حسين ( ود ستونه ) الا انه كان يضايق الشيوعيين بطريقه التشفى ، وصديقه ود ستونه هو ابن عمة عبد الخالق محجوب .
وبعد اكتوبر اختفى ود الكتيابى ثم ذهب محتمياً باثنين من امبراطورات امدرمان ، الخاله زينب التجانى والدة خالد الكد وقريبه عبد الخالق محجوب . وجارتها فى ابروف الخاله صفية بت الريح والدة المحامى احمد سليمان . وفى كل منزل فى امدرمان كانت هنالك امبراطوره لا يرد طلبها ، وترك ود الكتيابى فى حاله .
المحامى احمد سليمان والمحامى فاروق ابو عيسى كانا يدافعان عن الشرفاء فى المحاكم . فقدما الى المحاكمه فى ايام دكتاتورية عبود بتهمة اساءه المحكمه . فقام قاضى جنايات امدرمان الاخ محمد صالح عبد اللطيف وقيع الله بتبرأتهما . فاعيدا اليه باوامر صريحه بانه يجب ان يحكم عليهما بالسجن . فكتب القاضى محمد صالح عبد اللطيف وقيع الله . ان هذه ستكون سابقة لا تصب فى مصلحه القضاء وعلاقه المحامى بالمحكمه . وحكم عليهم بيوم سجن ينتهى بانتهاء المحكمه . فطرد مولانا محمد صالح عبد اللطيف من محكمة جنايات امدرمان ، وارجع القاضى احمد العاقب الذى كان قد احيل الى الاستيداع . وحكم على الاثنين بسته شهور سجناً . كانت ثقيله خاصه على احمد سليمان الذى كان يحب الاجتماعيات . وكان يقول للدكتور محمد محجوب عثمان الذى كان يواجه حكماً مؤبداً . شوف يا محمد الحاله البقينا فيها دى .
بعد اكتوبر لم يتعرض اى انسان بكلمه قاسيه على القاضى احمد العاقب . وكان محمد صالح عبد اللطيف يزور عبود لانه تربطه قرابه بالخاله سكينه زوجة الفريق عبود .
الدكتور محمد محجوب عثمان طيب الله ثراه وهو شقيق عبد الخالق محجوب الاصغر وكان ملازماً فى الجيش ، اشترك فى انقلاب على حامد والبديع . وكان الانقلاب عباره عن لحمة راس شارك فيه حتى الاخوان المسلمون . بزعامة الاستاذ الصادق عبد الله عبد الماجد ، ومولانا واحد زعماء ا لاخوان المسلمين الرشيد الطاهر بكر . ولاول مره حكم بالاعدام على ضباط ومنهم على حامد والبديع ويعقوب والصادق عبد الماجد . وغير الحكم على محمد محجوب لصغر سنه من الاعدام ا لى المؤبد . وكان اللواء عبد الرحمن الفكى خلف الاعدامات لانه يمثل القضاء العسكرى والذى اصدر الحكم كان اللواء التجانى .
الرشيد الطاهر بكر تحول الى شاهد ملك . وبالرغم من ذلك والاعدامات . طلب الحزب الشيوعى من المعتقلين بأن يتعاملوا مع الرشيد الطاهر بكر بلطف وان يحموه وان يشركوه فى برامجهم الغذائى والثقافى ونشاطاتهم اليوميه . كل هذا احتراماً لابن عمه ا لمناضل خليل ، والذى يطلق اسمه الزعيم الشيوعى ابراهيم ذكريا على ابنه خليل ابراهيم ذكريا .هذه هى حالة السودانيين والشخصيه الانشطاريه .
وبعد شهور من ا كتوبر كان محمد محجوب يجلس فى دار الرياضه بجانب اللواء طلعت فريد . ويتبادل معه الحديث ومحمد محجوب يبدى احترامه للواء طلعت فريد الذى كان يشجع فريقه ( الهلال ) بالعاب ناريه وخشاخيش تصدر اصوات . فاللواء كان لاعب كره جيد . وهو والمربى هاشم ضيف الله وآخرين هم من اسسوا فريق الهلال بعد انفصالهم عن المريخ . وكونوا فريق عباس الذى كان يشرف عليه عباس جلادى وصار فريق الهلال .
طلعت فريد هو من وقع الاتفاقيه السيئه مع المصريين ولقد تسبب فى اغراق حلفا . وترحيل امه كامله وتغيير حياتهم . وكانت الاتفاقيه مخذيه بكل المقاييس ولا نزال نعانى من اثارها الى اليوم . ولكن لم يلم اى انسان او يتعرض للواء طلعت فريد بكلمة جارحه فآل فريد من مؤسسى امدرمان . وكانوا يحظون بالاحترام فى امدرمان . بالرغم من انه مكتوب على شهادة ميلادهم فى مكان الجنسيه ، بدلا عن جعلى شايقى او دينكاوى . تركى عثمانى . وبعض ابنائهم كانوا زملائنا فى المدارس . فمحمد محجوب كان يجلس بجانب اللواء ويبدى احترامه له ، فاللواء كان جزءً من العسكر اللذين اعدموا زملائه واصدقائه . فهل نحن شعب اضينه .؟ ام نحن شعب من الملائكه ؟. انا لا املك الجواب ، انا فقط افكر . واشرك الآخرين .
ود الكتيابى كان يمكن ان يقول بانه كان يؤدى عمله فقط . ولكن الرجل الرائع وضابط الشرطه ولاعب الكرة المميز عصمت معنى كان يؤدى عمله . وعندما شاهد الوسيله والبروفسور على المك فى برندان السوق بالقرب من سوق العناقريب ، قال لهم بعد ان اوقف سيارته ، اركبوا اركبوا الحته دى ما مضمونه . واخذهم بسيارته واوصلهم الى وجهتهم . والاثنان كانا فى حالة اختفاء فى ايام الدكتاتوريه الاولى .
فود الكتيابى اصطدم بى كما ذكرت فى تمنة السوق . وكان معى صديقى الكهربائى مصطفى الذى هرب مزعوراً عند رؤيه الكتيابى فبقى معى صديقى محجوب عجيب سائق التاكس والملاكم . وعندما احتديت فى الكلام مع ود الكتيابى بسبب كرهى لكل ما كان يمارسه من لؤم . التفت ود الكتيابى وقال لمحجوب ود عجيب ، انت مالك هنا يا صعلوق . وشاهدت قهر الرجال فى عينى محجوب الذى لا يمكن ان انساه وكنت اتمنى ان تجمعنى الظروف فى يوم من الايام بود الكتيابى بعد ان ترك البوليس , ولكنى نسيت الامر . وعندما كنت اشاهده مع صديقه محمود الفخ فيما بعد كنت اكتفى بتحية الفخ واتجاهل ود الكتيابى . هل نحن اضينات ؟؟ لا ادرى .
فى مداخله ذكر الاستاذ ابو بكر سيد احمد ومستشهداً باخينا المفكر حيدر ابراهيم ان للسودانيين شخصيه انشطاريه . ولهذا قام سوار الدهب بلإشاده بجعفر نميرى عند وفاتة ووصف جعفر نميرى بانه سودانى عظيم . سوار الدهب هو من انقلب على نميرى واطاح به . وهذه الاشياء غير مفهومه لغير السودانيين . ولا يفهمون لماذا يحتضن رجال المعارضه رجال الحكومه ويضحكون سويا فى المؤتمرات. وهذا يحدث الآن بين فاقان اموم وعبد ا لرحيم ورجال الانقاذ فى اديس اببا . ويحسب الاجانب ان السودانيين اضينات .
قبل شهر كان مؤتمر القرن الافريقى الذى يحدث كل سنه فى مدينه لوند الجامعيه . وحضره الرجل الفاضل السفير ابو بكر حسين احمد . والسفير قد اتصل بى عندما حضر الى استوكهولم قبل فتره بسيطه ، وكنا سعداء باستقباله فى جنوب السويد . وفى المؤتمر دافع السفير عن النظام السودانى . ووصف من يعارضونه بانهم ينفذون سياسات خارجيه وانهم يجدون دعماً من منظمات وجهات مختلفه . وكانت مسئولة وزاره الخارجيه السويديه هى التى تدير الاجتماع . فرددت غاضباً . بأن المعارضه لا تنفذ اى مخططات اجنبيه . وقلت اننى نائب رئيس الجبهه السودانيه للتغيير وكان معى الامين العام مجدى الجزولى . ومسئولة وزاره الخارجيه تعرفنا . واننى قد حلقت شعرى منذ ان اتت الانقاذ الى السلطه لكى اذكر نفسى بمحاربة هذا النظام السيئ . واننا نتحدى اى انسان لكى يثبت اننا قد استلمنا مليماً واحداً او اى نوع من المساعده . واننا ننادى باسقاط النظام بكل السبل المتاحه ، واننا سننتزع النظام من جزوره .
وبعد عشرين دقيقه كنت اقف مع السيد السفير ونحن فى حالة انسجام والفه . وفجأه لاحظت تطلعات منظمى المؤتمر ، احدهم الاخ كونت بيدرسون الجنوب افريقى . آخرين ، يعرفونى لاكثر من اربعين سنه . وكانوا يسألوننا باستغراب الم تكونا تتعاركان قبل قليل . فقلت لهم نحن السودانيين هكذا . وبعد نهاية هذا المؤتمر سيذهب السيد السفير الى منزلى لتناول طعام الغداء ومقابلة المجموعه السودانيه . والرد كان هذا شيء معقول ويجب عدم شخصنة الامور .
بعد الغداء استمتعنا برفقة الرجل الفاضل السيد السفير ، ثم اخذته مع مجدى فى جوله لتعريفه بالبلد . ثم اخذناه الى المطار ووقفنا لفتره طويله نتسامر الى حين قيام الطائره . وعندما افترقنا كنا نحس بأننا قد ودعنا اخ وصديق ، وهذا ما لا يفهمه الآخرون .
.......................
اقتباس .....
المثل السودانى يقول : (الاضينة دقّوا واتعضر ليه) . ويقولون ( دقّوا فى زفة واتعضر ليه فى غرفة) . هذا هو حالنا نحن السودانيون . ولهذا يقال عنّا طيبون أو مغفلون بعبارة أخرى . الرائع على المك بالرغم من شفافيته وحسن خلقه كان ينادى فى بداية الانقاذ بنبذ أسلوب (عفى الله عمّا سلف) .
وقال طيب الله ثراه : ( أول ما الانقاذ دى تنتهى أمشى نادى الأساتذة ألاقى فتح الرحمن البشير بيعيد فى كلامه , عفى الله عمّا سلف ، أروح خانقو ليك بعمته القصيرة دى لمن أفطسوا . بعد داك أشيل مفك وأسوق العربية أمشى شارع مامون البرير أقلع اليافطة وأركب بدلها يافطة شارع عبدالعزيز دواؤد) .
أبن أمدرمان وحى الركابية البروفيسور على المك الكاتب المحقق والسودانى الأصيل لم يكن يقصد قتل فتح الرحمن البشير , ولكنه كان يشير الى فتح الرحمن البشير كرمز (لباركوها يا جماعة) . وما خلآص ما فى مشكلة . ولم يكن عنده شيىء ضد مامون البرير رحمة الله عليه . وآل البرير كذلك , بالرغم من انضمام كثيرين منهم الى الانقاذ , هم أمدرمانيون سودانيون أصيلون. علىّ كان يقصد ارجاع الحق الى أهله . فأغلب الذين قدموا للسودان لم يكرموا , والذين أجرموا فى حق السودان ومارسوا البلطجة نحو السودانيين ونزعوا حقوقهم , ودبروا الانقلابات مثل الدكتاتور جمال عبدالناصر يعظمون فى السودان ويطلق اسمهم على حى كامل , ولا يزال بعض المهوسيين يعتبرون ناصر نبيا .
ان لفتح الرحمن البشير مصلحة فى أن يستمر الوئام , وأن لا يحاسب أهل النظام . وفتح الرحمن البشير رحمة الله عليه بدأ حياته كأحد أبكار الاداريين الوطنيين كضابط لبلدية أمدرمان , وأولهم مكاوى سليمان أكرت , ومحمد صالح عبداللطيف وقيع الله , ومامون . ثم صار فتح الرحمن من أغنياء السودان وصاحب مصانع للنسيج , ورئيسا لاتحاد أصحاب العمل . والأنظمة الشمولية عادة تعطى المستثمرين مناخ أفضل لقمع العمال ومنع المظاهرات والاضرابات , وتحريم نشاط النقابات العمالية .
عندما انهار نظام عبود , طالب الكثير من أعضاء الحزب الوطنى الاتحادى وعلى رأسهم الكاتب الرائع والسودانى العظيم وفخرنا محمد توفيق , وأعضاء الحزب الشيوعى وجبهة الهيئات واتحادات العمال والقضاة بمحاكمتهم . حتى لا تتكرر المأساة. وكانوا يقولون اذا لم يحاكموا الآن فلن يقف مسلسل الانقلابات . وتصدى لهم رجال حزب الأمة وخاصة الترابى وبعض رجال اليمين , والاخوان المسلمون , ووصف الترابى من يطالبون بالمحاكمة بأنهم غير شرفاء . والترابى كان يعرف وقتها انه لن يصل الى الحكم الا عن طريق الانقلابات , فأراد أن يؤمّن موقفه . والرجل انتهازى بارع وكذّاب أشر . حتى شهادة الدكتوراة التى يدعيها لا وجود لها . وهذا الكلام أكده لى عدة أشخاص آخرهم كان بيتر نجوت كوك الذى درس فى نفس الكلية فى آلسربون فى فرنسا . والترابى لم ينفذ سوى الجزء الأول من الشهادة , ولم يكمل الجزء الآخر . ونفس الشىء كان يحدث فى تشيكوسلوفاكيا بالنسبة لتخصص الأطباء , فالتخصص كان من جزئين , وبعض الذين رجعوا الى السودان بعد الجزء الأول وفتحوا عيادات ( بيفط) كبيرة تشير لهم كأخصائيين. أحدهم كانت له عيادة ضخمة فى الستينات فى الركن الشمالى الغربى بمستشفى التجانى الماحى أجبر على انزالها والرجوع الى براغ لاكمال الدراسة . والترابى لا يزال يكذب . وبالرغم من كل الألم والمصائب التى أنزلها بالبلاد لا يزال يحاور ويناور وأفلت من العقاب بعد انهيار مايو .
من السخف والغباء والهبل أن يذهب بعض ممثلى اليسار لزيارة الترابى بعد الافراج عنه . وهذا التصرف الغريب قام به كمال الجزولى وفاروق كدوده . واذا كان الحزب الشيوعى قد وافق على هذا السخف فنحن نرفضه .
من أكثر الذين أساءوا للسودان هو الترابى . واذا لم يحاكم بسبب تقدمه فى السن فيجب أن يحاسب وأن يقدم شركاؤه فى الجريمة للمحاكمة ولن نتنازل عن حقوقنا . فهنالك الحق العام والحق الخاص . فلماذا قتل مجدى بسبب حيازة النقد الأجنبى؟ وأعدم الطيار جرجس؟ وطالب جنوبى و كان فى طريقه للدراسة ؟ . ووقتها الترابى على رأس النظام , يحل ويربط . وأى شريعة اسلامية أو شيطانية تبيح شنق البشر لحيازة المال؟ ولقد عظم تعالى المال فقال : ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) . وقدم المال على البنين .ولكن لم ينفذ حكم الاعدام فى تاجر العملة مريود الذى كان مسجونا فى كوبر . وكان يقول للمساجين السياسيين ساخرا ( انه لن يشنق لأنه من حوش ود بانّقا ) .
فى سنة 1902 كونت أول مصلحة سودانية . ومنذ بداية الاستعمار الى بداية الاستقلال أحيل سبعة وثلاثين ألفا الى الاستيداع . والانقاذ طردت تعسفيا سبعين ألفا من خيرة متعلمى أهل السودان وشردت فى بعض الأحيان الزوج والزوجة من الخدمة ومنعوهم من مغادرة البلاد . ونهبوا الدولة وباعوا خيرة المؤسسات الى أنفسهم ( بتراب الفلوس) وتعمدوا اهانة البشر وتحقير الكبار.
لقد مات أستاذنا محمد توفيق وموت مجدى يحز فى نفسه . فلقد ذهب الرجل صاحب التاريخ الناصع مستجديا الابقاء على حياة ( ابنه) مجدى الا أن الانقاذ والترابى ضنّوا عليه بذلك .
من سيدفع فاتورة اصطياد الشباب كالأرانب فى الأسواق والأحياء والقذف بهم الى محرقة الحرب فى الجنوب ؟ . من المسئول عن قتل اثنين مليون شخص فى الجنوب ؟ وهل سنرى مقدمى ومخرجى برامج ساحات الفداء الذى لا يزال مستمرا بالرغم من السلام الذى وقع , فى جهاز التلفزيون ؟ . وهل سيواصل المطبّلون عملهم فى الاعلام ؟.
من أبغض الأسماء فى السودان قديما هو ود الكتيابى صول البوليس السرى الذى ترقى الى ضابط بعد القبض على مجموعة كبج وبقية الشيوعيين . وعندما صار ضابط بوليس أقامت له السفارة الأمريكية حفلا حضره أبّارو الذى كان على رأس البوليس . وعندما أعتقل خالد أبو جبل رحمة الله عليه فى منزلهم فى بيت المال خرج ود الكتيابى وقبّل حائط قصر الشريفة المواجه لمنزل آل أبو جبل شاكرا الشريفة لأنها أجابت دعوته للايقاع بأبى جبل . وعندما برأت المحكمة أبوجبل لعدم توفر الأدلة لآن المنشورات قد تخص أى انسان والمنزل كحيشان أمدرمان يسكن فيه مجموعة كبيرة من البشر والضيوف , غيّر ود الكتيابى تكتيكه .
عندما أعتقل الدكتور صلاح عبدالله وهو طالب اعدادية أنكر حيازة المنشورات , فقام ود الكتيابى بأشنع عمل لم يكن يصدّق وقتها فى أمدرمان , اذ هدد باعتقال شقيقة صلاح فأعترف صلاح مباشرة مما جعل الجميع يحتقرون ود الكتيابى لدرجة أن اللواء حمد النيل ضيف الله ابن الموردة والذى كان جزءا من العسكر لم تعجبه تلك الفعلة الشنيعة . فقال لفرح وهو شاويش فى الجيش : ( أدّب لى صول البوليس دا ) فترصد فرح لود الكتيابى فى زقاقات سينما الوطنية وأعتدى عليه بالضرب وطعنه بمطواة فى مؤخرته .
فى سنة 1964 أعتقلت فى السوق بسبب مشاجرة . وبعد فتح البلاغ فى (تمنة) السوق تصادف دخول ود الكتيابى وأنا خارج فسألنى : ( بتعمل هنا شنو ؟) . وتذكرت قصة صلاح عبدالله فى الركابية . واعتقال حمد على حمد فى فريق حمد أمدرمان وهو سائق لورى تراب , وابن خالته أبّشر الذى كان خياطا فى قراش المنزل جنوب ميدان الربيع . والسبب الحقيقى كان نشاطات الشقيق عبدالرحيم على حمد كعضو فى الحزب الشيوعى السودانى , وود الكتيابى كان يعرف أن اعتقال طالب صغير فى السن لن يضر بالأسرة , ولكن اعتقال كبار الأسرة كان سيكون له أثر أكبر . والنتيجة أننى (شخطت) فى وجه ود الكتيابى قائلا : ( وانت دخلك شنو ؟). فطالب بادخالى الحراسة وقال أننى شتمت الحكومة . والتفت الى رجل البوليس الذى فتح البلاغ قائلا : ( الود دا مش نبّذ الحكومة ؟ فرد رجل البوليس بكل شجاعة : لا ما نبذ الحكومة و لا عمل أى حاجة . أولاد ظهران الدلاّل فتحوا فيه بلاغ ونحنا سجلنا البلاغ وما فى حاجة ).
هذا الرجل السيىء اختفى بعد أكتوبر , ثم ذهب الى أحمد سليمان مستعينا بالصلات الأسرية وعلاقة أمدرمان , والخالة زينب التيجانى والدة الدكتور خالد الكدووالده أحمد سليمان , وكبار أهل أمدرمان قائلا : ( أنا بوليس بعمل البقولوا لى وبعمل شغلى , هسى لو عاوزنى أقبّض ليكم الاخوان المسلمين بقبّضهم ليكم ) . فتركوه لحاله وعاش سعيدا فى أمدرمان متهنّيا وكافأه أحمد الميرغنى بأن قربه اليه وأعطوه منصبا كبيرا . ولهذا نحن أمة من (الأضينات) أو الأغبياء .
فى علاقتنا مع العرب والأجانب نقدم لهم الكثير ونفتح لهم صدورنا وجيوبنا وبيوتنا ولايعاملوننا هم بالمثل , ونقول خادعين لأنفسنا , نحن أصيلون , نحن سودانيون , نحن كرماء ونسينا أن نقول نحن أغبياء , نحن مغفلون . وبما أن الجبهة لا تسمح بالديمقراطية ولا تؤمن بالحوار , فلهذا فلن نسمح لهم باستغلال الديمقراطية والحرية والحوار . وحوارهم حتى فى الجامعات كان بالسكاكين والسيخ . وكيف أتى هتلر الى السسلطة ؟ هل كسب السلطة فى كرتلّة ؟ . لقد أتى عن طريق الانتخاب والديمقراطية ...... لقد كانت روزا لكسمبيرغ وقيادة اليسار والشيوعية فى ألمانيا يقولون أنهم لن ينزلوا الى مستوى النازيين ولن يعمدوا الى الارهاب والعنف . ولن يحرموا الآخرين من النقاش والحوار والديمقراطية والنتيجة أن روم الشاذ جنسيا والذى كان يشبه مدرعة ووجهه ملىء بالندبات والجروح يعتدى على الاشتراكيين بالضرب ويفرق اجتماعاتهم . والنتيجة تسعة وخمسون مليون من البشر قتلوا أو ماتو فى الحرب العالمية الثانية , منهم ثمانية مليون ألمانى .
الديمقراطية سلاح ذو حدين . أنا أفضل المعقولية والموضوعية . فأمريكا سيدة الديمقراطية كما تظن لم تشمل ديمقراطيتها ملايين العبيد الذين كانوا يباعون ويقتلون أسوأ من الحيوانات , وكان اصطياد الهنود الحمر وقتلهم وتقديم شعر رأسهم كايصال يعوض ماليا , ويكفى أن آدمز نائب الرئيس جورج واشنطن والذى صار رئيسا فيما بعد , وصار ابنه كذلك رئيسا قد قال : ( عندما تصل أية دولة الى قمة عظمتها وقوتها تفقد المعقولية وتصير خطرا على البشرية ) , وهذا هو حال أمريكا الآن . فالديمقراطية والحرية فى أمريكا هى ملك للمليونيرات والأغنياء . والهند التى تتشدق بأنها أكبر ديمقراطية فى العالم يولد عشرات الملايين فيها فى الشارع ويعيشون فى الشارع ويتزوجون فى العراء ويعيشون فى العراء ويموتون فى العراء , وتلتقط جثثهم شاحنات خاصة فى المدن الهندية الكبيرة فقط لأن هياكلهم العظمية تباع وتصدر . وهناك عشرات الملايين من المنبوذين . ما فائدة الديمقراطية لهم ؟ .
لقد علرضنا الشيوعية فى شرق أوروبا . ومع احترامنا للشيوعيين السودانيين الذين هم أنبل وأشرف السودانيين , كنا نقول ولا نزال نقول أن أى نظام يقصى الآخر ولا يؤمن بتداول السلطة ووجود معارضة نظام سيىء . والانقاذ لا تؤمن بتداول السلطة وستغيّر جلدها عشرات المرات حتى تحتفظ بالسلطة والثروة . وكل من يدافع عن هذا النظام الشرير أو يطبّل له شخص يرتكب جرم فى حق الشعب السودانى والبشرية . سنرفضه ولن نسمح له بأن يستغفلنا ويستغلنا. وباسم الشهداء والذين تعرضوا للاعتقال والاهانة والضرب والتعذيب لن نوافق على أن نستغل , وسنتخلص من ختم المغفل من على ظهرنا .
السودانييون والحكومات السودانية يتعاملون مع الآخرين بأريحية وبساطة . يسىء الآخرون قراءتها . ولقد قال مامون عوض أبوزيد عضو مجلس قيادة الثورة والمخطط الأول لانقلاب مايو لأنه كان على رأس المخابرات العسكرية , وهو ود سوق ومدردح وأهله جزاون فى أمدرمان : ( أى عربى اجى هنى مهما كان الناس تقوم وتقعد وتهتم بيهو اذا كان بيسوا ولا ما بسوا , الناس ديل بفتكروا انو احنا عندنا مركب نقص , وما بفهموا انو دى طبيعتنا نحنا السودانيين . لازم نعامل الناس ديل زى ما بعاملونا ) . وأطالب بمعاملة أهل الانقاذ كما يعاملونا . ونحن لا نخاف ولا نختشى , ولأننا أقوياء ولسنا ضعفاء لا نتنازل عن حقنا . واذا كان العسكر قد قدموا للمحاكمة فى 1964 لتوقف المسلسل .
وصور تنازل عبود من السلطة تظهره وهو مبتسم محاط برجال الأحزاب ومبارك زروق يمسك بورقة خلف ظهره وهو والجميع فى حالة استرخاء ودردشة مع الرجل الذى أعدم أبناء الشعب السودانى وباع حلفا وقبل باتفاقية مجحفة جدا فى حق السودان . بل كافؤه بأن قبلوا طلباته بأن يواصل ابنه دراسته و الذى كان يسكن فى منزل السفير السودانى فى لندن , وأن يعطوه مهلة لاخلاء منزل الحكومة . بل كافأؤه بأن اشتروا له منزلا فى الامتداد من مال الشعب السودانى . وهذا هو المنزل الذى طرق بابه عوض دكام بالخطأ وهو يبحث عن منزل آخر , وعندما فوجئى بعبود يفتح الباب ضرب صدره مندهشا وهو يقول ( سجمى هو انت لسه حى ؟ )
عندما فشل جمال عبد الناصر فى السيطرة على السودان بواسطة مناديبه ورشاوى صلاح سالم كانت محاولة انقلاب كبيدة الأولى وعدة محاولات أخرى اشترك نميرى فى أحداها . وفى سنة 1959 كانت المحاولة الأولى ضد عبود بواسطة القوميين العرب والمخابرات المصرية اشترك فيها محمود حسيب وهو قومى عربى , بالرغم من أنه من النوبة الميرى , وكانت محاولة شنان . ثم الانقلاب داخل الانقلاب بواسطة شنان ومحى الدين محمد عبدالله من القوميين العرب للتخلص من أحمد عبدالوهاب رجل حزب الأمة والذى كان يقف ضد سيطرة عبدالناصر واتفاقية مياه النيل والسد العالى . وقبل السودان بثلاثة عشر مليون تعويضا لمائة وخمسين ميل غطتها بحيرة ناصر فى السودان وغرقت حلفا والقرى المحيطة بها . وميرغنى حمزة كان قد رفض خمسة وثلاثين مليون دولار . وقبل السودان بخمسة عشر مليار متر مكعب من الماء من أصل خمسة وسبعين الى ثمانين مليار متر معكب . وميرغنى حمزة طالب بالثلث . ولأن مصر تعارض وجود طاقة تخزينية عند السودان , فان الثلث من نصيب السودان الهزيل يذهب الى مصر , وقالوا انه دين .
ويبدوا أن مصر ستسدده لنا ( عرقسوس) . وكان ناصر قد مارس البلطجة من قبل عن طريق احتلال جزء من حلايب . فكافأناه نحن السودانيون على كل هذا بالوقوف معهم ومناصرة جمال عبدالناصر واعادة الحياة له بمؤتمر الخرطوم . وذهاب المحجوب الى السعودية لمصالحة ناصر مع الملك فيصل وكان مؤتمر اللاءات الثلاث . وأجبر المحجوب السعودية على دفع خمسين مليون جنيه لجمال وخمسين مليون من الكويت وخمسين مليونا من ليبيا ودول أخرى . ووقتها كانت ميزانية السودان لا تتعدى اثنا عشر مليون جنيه . , اعاد كل هذا الحياة لناصر الذى كان منهارا , وكان يقول للمحجوب سأكرمك .
وسمح للجيش المصرى بالتواجد فى السودان , وأعطوا سلاح الطيران المصرى قاعدة جبل اولياء , وسمح للكلية الحربية المصرية بالتواجد فى السودان . وأطلقت يد المخابرات المصرية فى السودان . وطبخوا انقلاب مايو , وشاركهم جزء كبير من الشيوعيين فى تلك المؤامرة . وفى ليلة الانقلاب الأولى لبس النميرى وجماعته الجلاليب واستلقوا للسمر فى الرئاسة , فقد كان الجيش المصرى وسلاح الطيران المصرى يحميهم . اذا لم يكن هذا هو التغفيل , فما هو اذن ؟ .
وعندما صار مولانا بابكر عوض الله نائبا لرئيس الوزراء بعد أن كان رئيسا للوزراء -وهو لا يزال على قيد الحياة - لماذا قبل برتبة أقل ؟ فقال من أجل العزيزة مصر . وحتى لو جعلونى قنصلا فى الاسكندرية لقبلت
علاقات الدول لا تختلف كثيرا عن علاقات الأشخاص . فالشخص الذى يحس بأنك متسامح ويمكن أن يهينك ويهضم حقك ويسرقك ويستخف بك , وأنك تفضل أن تكون فاضلا ومهذبا سيواصل . وتجربتى فى كل بقاع العالم أن كل الناس , اذا كانوا وزراء , رجال أعمال , رجال جمارك , موظفوى مطارات , مديرى بنوك , قتلة ولصوص ونشالين , أو رهبانا أو قسسة , اذا أحسوا بأنهم يمكن أن يتجاهلوك , أو يتخلصوا منك حتى لا تضيع وقتهم بالرغم من حقك سيقومون بذلك . ولكن اذا أحسوا بأن الصفعة ستقابل بعشرات الصفعات , وأن الاساءة سترد بما هو أسوأ منها , وأن السخرية ستواجه بمخزون من ( الرباطابية) , فلن يجرأ أحد أن يتطاول عليك . ولهذا نرفض اعطاء أى سدنة أو مطبّلين لنظام الانقاذ فرصة استغلالنا والركوب على ظهرنا , ولتذهب الديمقراطية للجحيم اذا كانت ستمكن الآخرين من رقابنا ( وما تقول لى حرية ولا سنالكو) . ما بتعزمنا حرّارتك ما بتشم حرّارتنا .
يكفى هذا القيىء الذى نراه . شاهدت فى برنامج ( فى الواجهة) الاعلامى الكبير دقش يطبّل للنظام , ويقول ان الاعلام الغربى هو سبب البلاء . وحتى بشهادة صحّاف السودان وزير الخارجية مصطفى اسماعيل فان الآلاف قد قتلوا فى دارفور . وكأنما الاعلام الغربى هو الذى نهب وحرق وشرد واغتصب .
وقبل مدة كان اسماعيل حاج موسى أحد سدنة مايو والذى يستفيد الآن من تقاسم الفريسة بواسطة الانقاذ وقوى الشعب العاملة , يردد الكذبة الكبيرة ويبرىء حكومة الجبهة من جرائم دارفور . وبجانبه كان ابن ابى روف القاضى عمر شمّينة . الذى كان يردد نفس الكذب . عمر شمّينة خبير فى استغلال القضاء . ففى سنة 1961 أتانا مدرس صغير السن اسمه صلاح هاشم بملامح مصرية . والعادة أن المدرس يحاول أن يفرض شخصيته بالارهاب , وكثيرا ما يصفع طالب فى أول الأيام بطريقة تخيف الآخرين . وبدون سبب وقع اختياره علىّ الا أنه انطرح أرضا . والموضوع كان فعل ورد فعل . اعترفت بجرمى وبالغ العميد يوسف بدرى فى عقابى . وربما لأننى ابن أخيه . واستدعى الأمر علاجى بالمستشفى لمدة اسبوعين , وصنّف تحت الأذى الجسيم . وجلدت بواسطة الصول العملاق بخيت الذى كان على رأس القوة السودانية فى موكب احتفالات انتصار الحلفاء أمام الملكة البريطانية ، وهو رجل عملاق لا يقل وزنه عن مائة وثلاثين كيلو , فأردت أن أضح حدا للعقاب الجسمانى . ففتحت بلاغا ضد العميد يوسف بدرى . وفى يوم المحكمة كان القاضى هو عمر شمّينة , فعنّفنى قائلا : ( بأنه ليس هنالك قضية , ويحق ليوسف بدرى كمربى أن يجلدنى , كما يحق للوالد أن يعاقب أبناءه , فسألته هل يحق للوالد أن يسبب ضررا جسديا لأبنائه أو أن يقتلهم؟ , وهل يسمح القانون بذلك ؟ وأين المتهم ؟ فاكتفى بأن طردنى قائلا : ( حتى لو كان القانون معاك ما حننادى العميد ) .
وخرجت ممتلئا غيظا حاسّا بعجزى , وها هو نفس القاضى يغير القانون ويضيع حقوق أهل دارفور كما أضاع حقى من قبل ( والما بسوى الشوية ما بسوى الكتير) . كل هؤلاء الناس يجب أن يحاسبوا فيما بعد . ولهذا لن نسمح اليوم لسدنة هذا النظام ومطبّليه والمدافعين عنه باستغلال منابرنا واستغفالنا والضحك على ذقوننا .
شوقىShawgi Badri [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.