السودان شهد 6 آلاف معركة.. و17 ألف مدني فقدوا حياتهم    شاهد بالفيديو.. مذيعة تلفزيون السودان تبكي أمام والي الخرطوم "الرجل الذي صمد في حرب السودان ودافع عن مواطني ولايته"    مسيرات تابعة للجيش تستهدف محيط سلاح المدرعات    مصر: لا تخرجوا من المنزل إلا لضرورة    الملك سلمان يخضع لفحوصات طبية بسبب ارتفاع درجة الحرارة    واصل برنامجه الإعدادي بالمغرب.. منتخب الشباب يتدرب على فترتين وحماس كبير وسط اللاعبين    عصر اليوم بمدينة الملك فهد ..صقور الجديان وتنزانيا كلاكيت للمرة الثانية    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجتمع حميد وشخوصه في منظور الواقعية الاشتراكية .. بقلم: دكتور الطريفي عبدالله
نشر في سودانيل يوم 11 - 07 - 2012

ظهرت الواقعية كمذهب أدبى في القرن التاسع عشر مناهضةً للرٌومانسية بٍزعم أنّ الأخيرة في جنوحها إلى الخيال وإيثارها للعاطفة على العقل تُمثل هُروباً من الواقع وإنصرافاً عن مشاكِل الناس وهمومهم اليومية وملابسات حياتِهم . وليس ثمة تعريف جامع مانع لمفهوم الواقعية في الأدب وكثيراً ماتتداخل مع الرومانسية أو الرمزية ولذلك يذهب البعض إلى أنّ الواقعية موقف تجاه الحياة والناس يستند إلى تمجيد طبقة معينة يجدها أولى بالذكر وأجدربالإهتمام لما تحمله من قيم وموروثات وموقف عميق تجاه الحياة . فالواقعية بذلك ليست مذهباً أدبياً بقدر ماهي موقف ومن هذه الزاوية فغالب نماذج حميد البشرية- إن لم يكن أجمعهم- تمثل طبقة معينة من المجتمع تحمل في ثناياها كمّاً من القيم والموروثات الإجتماعية يرفدها العطاء السخي على ماتعانيه من الفقر والبؤس وضنك العيش .
رغم ماذُكر لانستطيع أن نُصنف حميد على أنّه مِن إفرازات هذه المدرسة الواقعية بِشكلها الإشتراكي تصنيفاً محضاً ولكن حميد بين واقعية إشتراكية ونكهة سودانية تجعل الواقعية إسقاطات على التراث والموروث الشعبي السوداني فأدب حميد مزيج من الواقعية الإشتراكية وما يمكن أن نصطلح عليه مدرسة التراث الشعبي السوداني فهو شيء من هنا وشئ من هناك مٌنسبكاً ومَنسكباً في يسر وسهولة ليعطي مفعول السِحر في نفوس قارئيه ويشدهم اليه شداً عذباً ويجذبهم بلطف تحس معه يسر أن تكتب الشِعر وتنوع قوافيه ومعانيه وتبنَي مصاريعه وقوافيه ثمّ لاتلبث أن تتبين أنّ هذه روح من تقرأ له وقدرته على طرح موضوعاته ومعانيه وملكته في إيراد القوافي وتجد تلك السهولة المواتية التي لا تتأتي لكثير من الشعراء فهو شاعر صنعته الطبع بينما آخرون طبيعتهم الصنعه مايجعل من حميد عبقرية جديدة في سماء الشعر السوداني في زمان إضمحلت فيه العبقريات وتلاشت الأساطير .
كان تركيز رواد الواقعية أكثر على القصة والرواية في الترسيخ لمبادئ الواقعية من بين سائر الفنون الأدبية لانها تعطي مساحة أرحب ورقعة أوسع لنشر آرائهم والتمهيد لمبادئهم بعيداً عن تعقيدات الشعر وقيود كتابته وعوائق نظمه ولكنهم مع ذلك لم ينكروا ما للشعر من دور رائد وتأثير عميق في كافه قطاعات المجتمع فجعلوه إلى جانب القصة والرواية وسيلة للتواصل مع الآخر وتبليغاً لرسائلهم إلى من ينشدونه من طبقات بقية التأثير والتنوير والتغيير.
و بالحديث عن طبقات المجتمع فقد كان رواد الواقعية الإشتراكية أعنى بالطبقات محدودة الدخل والعامة والعمال على وجه الخصوص تصف حياتها وتتناول معاناتها وتسبر غور كل ذلك برسم صورته بكل أبعادها وإتجاهاتها وتفاصيلها الدقيقة وملابساتها ويأتي إهتمامهم بالعمال من منطلق أن العمال كما يصفهم مكسيم جوركي (1868-1936) أحد رواد الواقعية الأشتراكية "بداية للجماعية الجديدة القادرة على تغيير واقع الحياة المظلم بمجرد أن تدرك بأنّها روح العالم)) وقد أحتفى بهم حميد حين رسم صورة المجتمع ببساطته وقيمه الأنسانية والأجتماعية وحسن نواياه وأعتداده بالذات والأرض والنيل :
غلابة وأمان مو الطيابة
ضكاري مصاري وكرام
حبابه الحبان في بابه
وتدخلوا علىّ الحرام
فقارى ولكن غنايا
غنايا بهذا الغمام
بهذا النيل كم تغايا
وتيرابا نرميهو قام
بل إحتفى بالعمال تحديداً مصوراً ذلك الصراع الأزلى بين الرأسمالية التي قامت فكرة الأشتراكية أصلا مناهضة لها ومحاربة لفسادها وإستغلاليتها ،وبين طبقة العمال الذين أثقلت كاهلهم أعباء الحياة برغم الجهد المضني والعمل الدؤوب الذي يقطف ثمرته الرأسماليون .
عمال البلد :
أم خير ياخال
عمال كداح – الوين ترتاح – والحال بطال
كدح التربال
والأرض الطيبة الكم خاواها وضادا النال
اليوت شغال – في نهار وليل
منهوك الحيل ..تحت الراسمال
آه الراسمال ..الياما قسى وعوّق رجال
ماخلى نساء وعرك الأطفال.
وهم على كدهم وتعبهم لايطلبون الكثير فحاجاتهم بسيطة كبساطة مجتمعهم الذي يتطلع الى النهوض والخروج من النفق المظلم وترقب الضوء من خلال مايريدون:
دايرين بوسطة ...ومدرسة وسطى
والشفخانه وسوق منضبطة
ولكن من يقع عليه إختيارهم لتمثيلهم وتحقيق مطالبهم كان نموذج الإنتهازي الرأسمالي الذي تراه ساعات إنتخابة ثم يتوارى من بعد ذلك فلا تجد له أثراً ويحتجب فيظهر فجأة بقدة وقديده لأغراض الإنتخاب:
بله الطاهر على بلاع كانت أول مره نشوفو
يومنا الشوفنا اللأندكروزر
اللونا مخطط
والبنوت الراسا مربط
لوري مكوش أقمشه سكر حتى الفوفو .
وقد يضطروا تحت ضغط الحاجة مرغمين غير راغبين إلى مفارقة الأوطان ولكن يظل الأرتباط الوجداني والتعلق والحنين للوطن على مر الإغتراب وبعد الأحباب ملاذاً وموئلاً حتى يأتي التغيير وينصلح الحال :-
زينوبة دنيا الإغتراب خلتني زي ورق الشجر
أتحتّ من عدم الشراب عمّ الأراضي وأنتشر
الغربة أصلو طعمها مر لكني بقعد بالجبر
لمن سنين الهم تمر ياربي الهمني الصبر
ولكنهم جميعاً سواءً الصابرين على جمر العيش في الوطن أو أولئك الذين إضطرتهم الحياة إلى الرحيل ومفارقة الأرض والناس جميعهم يتمسكون بالأمل ويحدوهم التفاؤل بمستقبل واعد وفجر جديد تتغير فيه معطيات الأشياء :
ياخطوا أرتاح على أحلى دريب
قدام قدام في أمان وسلام
ياعالم كون بالود مسكون
قوام قوام
قوماك ياخال حلال حلال
بأشواقنا نطوف لدنيا نشوف
اشجار الفال – الدانية قطوف
شان يربى طفل –لاهم لاخوف .
يرى جورج لوكاش ان الواقعية الأشتراكية قادرة على أن تصور من الداخل البشر الذين يكرسون طاقاتهم لبناء مستقبل جديد ولذلك فقد ألزموا الكتاب بتوخي جانب الصدق في كتاباتهم لابنقل الأحداث فقط كما حدثت بل كما ينبغي أن تحدث وفقاً للصورة الذهنية للكاتب عن الحياة، وحتى ارسطو نفسه وأن كان سابقا لفكره الواقعية الأشتراكية يرى الشعر أنتقاء من الواقع لا بالطريقة الحرفية بل من خلال معادل موضوعي حي لا كما هوكائن وإنما كما ينبغي أن يكون عليه وهذا متروك للأديب في تصوراته وقدراته على خلق نموذجه .
وتلعب اللغة دوراً رئيسأً في العملية الأدبية ولذلك فليس من المستغرب أن تأتي كتابات حميد باللغة العامية فهى نفسها تسير في إتجاه غالب كتاب الواقعية العرب الذين يؤثرون العامية على الفصحى في غالب كتاباتهم أو يزاوجون بينها والفصحى لأن فيها قرباً من العامة ومعاني تصل إلى جميع طبقات الناس وجسراً للتواصل بينهم وبين من يرون أنهم الأبطال الحقيقيون في هذه الحياة من العمال والكادحين والفقراء والناظر في كتابات يوسف إدريس وعبد الرحمن منيف وحنا مينا ويحيى حقي أو حتى نجيب محفوظ يجد هذا الإتجاه مبسوطاً مندرجاً في هذا الإطار اللغوي .
وعلية فاللغة وسيله للوصول إلى الغايات وأحداث التغيير وتحقيق العدل والعدالة – كما يقول جوزيف برودون – أحد منظري الواقعية –
وليده المجتمع وليست وليدة الصدفة فأفراد المجتمع هم وحدهم القادرون على أحداث التغيير عبر الكلمة والعمل .
الشخوص(2)
حينما تحدث الأستاذ جلال العشري عن (زوربا السوداني أو البحث عن الذات الأفريقية ) متناولاً لغة الطيب صالح في رواياته قال"على أن ملكة هذا الكاتب لاتقتصر على إدراك أصول اللغة ومعرفة قواعدها ، بل تتعدى ذلك إلى تفجير مافي اللغة من طاقات وممكنات .فهنا الصورة الحسية التي تحرك قوة الخيال ، والبصر الموحي الذي يثير كوامن النفس واللقطة الجزئية العابرة التي تفضى بنا إلى المعنى الكلي اللامحدود وكلّها صفات شاعرية إستعارها الكاتب من أصالة هذه اللغة الشاعرة ليطعم بها نثره)) أردت من هذه الديباجة القول أن الأستاذ العشري وصف الطيب صالح بأنه قصصي شاعر من خلال ما اتسمت به لغته من جمال وبيان وسحر إضافة إلى ما حوته رواياته من أحداث ومواقف وشخوص ونماذج حية
ومحمدالحسن حميد هوالوجة الآخر لعملة الطيب صالح فهو شاعر قصصي أمسك كلاهما بعنان اللغة يطوعها في قدرة نادرة وحضور فذ إدراكاً لمعانيها وتفجيراً لطاقاتها ونثراً لجوهرها.
ولكن حسبنا من هذه المقارنة أن نقَلُب وجه حميد الروائي متناولين نماذجه الأنسانية الحية وشخوصه النابضة وما أكثرها على هذه المساحة المحدودة عسى أن نحصي منها ما يمثل معياراً في بابه يصلح أن تندرج تحته شخوص وعوالم أخرى يغنينا عن إحصائها مايجمعها من صفات وملامح وأبعاد ومكنونات .
ومما مايساعد في هذا الجانب أنّ أشعار حميد أشبه بالقصص أو هي اشعار قصصية في كثير من الأحيان تحفل بالشخوص والمواقف الإجتماعية والقوالب السردية والإيقاع الدرامي الذي يهدأ حيناً ويصخب حيناً آخر فتعلو معه الأنفاس وتنخفض وتغالب النفس الحسرة والعبرات وتتملكها الدهشة والجمود في مواقف الصدمة وترقب الكارثة ومن ثمّ وقوع المحذور ولعل أبلغ دليل على ذلك منظر عم عبد الرحيم وقد طوقته الهموم وأحاطت به المشاكل وأصبح يدور في حلقة لايدري أين طرفاها منشغل البال لايعي ماحوله من أهوال وأخطار :-
السكة الحديد ياعمو القطر
ياعم عبد الرحيم قدامك قطر
وسال الدم مطر وطارت دمعتين وتشايح وتر
ياطاحن الخبر مابين القضا ومرحاكة القدر
الشدة أم دموع والدمع انهدر
ايدهم في التراب والعين في القطر
فعم عبد الرحيم نموذج الرجل البسيط العامل الذي يكابد أسباب الحياة ويعاني ضيق الحال وضنك العيش ولكنه يقابل ذلك بيقين صادق وصبر نادر تعينه في ذلك أمرأه على شاكلته مؤمنة صادقه تؤثر حاجاته على حاجاتها وتقدم أولوياته على أولوياتها في كثير من الأناة والصبر ونكران الذات ، ورغم قله حظها من تعليم تقوم بواجب الزوجة على أكمل وجه وتقدر ظروف زوجها حتى فيما يتعلق بأمورها الضرورية، فترتسم صورة من الفقر والبؤس قاتمة موغلة في المراره تغطيها الكآبة ويظلها الألم صورة موحية قريبه الشبه من صور ديستويفسكي في المقامر من حيث الإنعكاس والتأثير النفسي بله من حيث المعطي والأحداث :
الدنيا أم صلاح بتبدأ من التكل
من حجة صباح في حق الملاح
في اللبس الجديد
في القسط القديم بيناتن عشم
في الفرح البعيد
أمونه الصباح قالتولو النعال والطرقة انهرن
ماقالتولو جيب شيلن يالحبيب غشهن النقلتي والترزي القريب
وعم عبد الرحيم رغم الفقر والضنك ورداءة أسباب العيش إلا أن نظرته للمجتمع والناس ملؤها التفائل والأمل والمحبة والترقب لحال أفضل وحياة يسد فيها ثغرات واقعه ويلم بها شعث الزمان
عم عبد الرحيم مابخبر زعل
كل الناس هناك مابتخبر زعل
تزعل من منو وتزعل في شنو
كل الناس حنان – كل الناس صحاب – كل الناس اهل
والماهم قراب قربهم العمل
الطاق اليطق
عشت أبو بالحال العليك – بالفال بالأمل
الواقعية تناهض المثالية والنقل الزائف لصورة الواقع فهي ترى أنّ الشر جزء أصيل من عالمنا وأنّ عالمنا ليس خيرا كله وأنّ صراع الخير والشر لن ينتهي، على هذه الشاكلة جاء رسم عمنا الحاج ودعجبنا فهو رمز القيادة ويمثل القدوة بين أهلة وناسه ،فيه الكثير من قيم الخير ومبادئ الأخلاق من شهامة وكرم ونجده ومرؤة يحاول أن يبثها بين الناس ويحضهم عليها :-
عمنا الحاج ود عجبنا في الفريق ياهو الركيزة
هو البشيل حمل الرضاعة في الطريق باقيلنا تاية
وكل طيب ليهو غاية
وللضعيف تلقاهو ساند
يقهر الكعب المعاند
وللضيوف ديوانو فاتح – ديل يهلوا وديل يقومو ا
ولكنه تحت ضغط الحاجة وتردي الأحوال المعيشية يضطر الى البحث عن ما يسد به رمق الضيف الطارق ليلاً فيقع في يد من لايرحم ضعفه ولايوقر شيبته فيجلد في منظر مشين ويزداد قبح المنظر ومرارته بجعل أولاده وأحفاده شهوداً على انكسار القدوة وإمتهان القيم وسقوط القمم:
أجلدوهو وغرموهو – نفذوا الحكم العليهو – نفذوا الحكم البهينو
شان يفتح تاني عينو
تسمع السوط ليهو خاوية
وفوق قفا الحاج ليهو داوية
وفجأة رفع الحاج عيونو ا
شاف بنات ولدوا وبناتوا
كلهن واقفات يعاينن
دمعتين في العين ترفرف
ووجعتن في الجوف تحرّق
والحزن ليهن يفرّق
دي النجوم الفي سماهن
كل سوط نازل عليهو من شعاع الضو عماهن
والقصه لاتنتهي كما في القصص الكلاسيكية والرومانسية بإنتصار قوى الخير على الشر ولكنها تنتهي بطغيان الشر وغلبة الجريمة وسقوط الرمز وإنهيار القدوة الذي ماعاد يقوي على مجابة أهله بعد ماكان فمات إنكساراً وغماً
عمك الحاج دمعو سرّف
وسيلو فوق اشنابو زرّف
تم حكموا وراح بيوتو
نفسوا مكسورة وذليلة
كيف ملاقات الحليلة
وصحوة الروح العليلة
فارق الدنيا المهينة
يقطع الذلة وسنينها
إذا كان النقاد قد أشاروا إلى كون الواقعية موقفا أكثر منها مذهباً أدبياً ، ففي (نورة) تتداخل المواقف مع المذاهب مابين عاطفة الحب المطلق الموغل في رحاب الرومانسية وما بين واقعيّة مرّة تتشرب هذه الرومانسية فتفضي بها إلى المجابهة وتبرئها من شبهة الهروب الذي وسمت به فتردها الى عوالم حقيقية وواقع محسوس ثم تستحيل رمزية فيها الغموض وفيها نورة عزة ونورة الوطن فبعد هذه اللوحه الخريفية الغارقة في الإنصراف الى معالم الطبيعة والرومانسية :-
فوق قفيك يام عوارض
يام عوراض مو دعاشة
ماها شبورة وتقيف
جاي ليك يانورة غيمة
تملا عينيك وتفضّل
يروي جواك العطاشة
الى صور واقعية خاطفة :
نورة عايزة تقرأ قالت
فوقا حيطه الدنيا مالت
ختت الكراس وشالت
منجلا صالت بو جالت
لامن إنجرحتبو شالت
للتراب في ايدا كالت
ومرة يوم في الدونكي لدغت
جا الفقير بالليل حواها
ويوم ملاها الهم قطايع
جاء البصير بالنار كواها
ثم تمتد نورة رمزاً للوطن الواسع :
أنت ياحضن الصحاري
شفع العرب الفتارى
البغنوا الشايلا ايدم
ويجروا كايسين القطارى
لا سراب الصحراء موية
لا حجار سلوم موائد
حالكم البصرخ وينادي
ياوطن عز الشدائد
وتمثل الرسائل المتبادله بين ست الدار بنت أحمد جابر و الزين ود حامد صورة مكررة لمجتمع الفقر والعوزالذي أثقلت كاهلة الديون وأعباء الحياة المعيشية رغم بساطه حياتهم وسهولة يسر مطالبهم .
يلتقط منه حميد صوراً شتى من زوايا مختلفة تكاد تغطي كل جوانب الحياة الإنسانية والإجتماعية والإقتصادية
في هذه القريه حتى جدليات الأطفال العفوية ومحاجاتهم البريئة تتضمنها الرسائل:-
راشد حالف مايتطهر
إلا ابوهو وعمتو تحضر
وإلا يجيبو الغنايين
شان الشوق بت سرنا ترقص
ولا يخلو مجتمع حميد من صورة أرباب العاهات وأصحاب الحاجات الخاصة من المشردين والمنبوذين الذين يمرون على المجتمعات جيئة وذهاباً تطاردهم النظرات ويطاردهم الأطفال تمثلها عيوشه كما رسمها حميد :-
شعراتا منفوشه وشفع مبارياها عيوشة عيوشة
الليل هديماتها وشمس الله برطوشها
تشرب من الشارع وتاكل من الكوشة
لكنها رغم هذا الحال المزري والثياب البالية والمظهر القبيح رغم الحاجة والفقر الذي تعيشه لاتعدم بذرة الخير وروح الإيثار و العطاء :-
يالحاضر الغايب في الدنيا ماجايب
خبر المدينه الكان
على رغم ما فيها من فاقه من حرمان
مرت أياديها تعطف على الإنسان
بي فكة في قروشها باي كلمةً طيبة
أو برتكانايةً ضربانة في كوشة .
أما السرة بت عوض الكريم فهي نموذج المرأة البسيطة التي اكسبتها الأيام تجربة وصقلتها تلك التجارب فأصبحت تتكلم بلسان الحكمة رغم قلة حظها من التعليم في مجابهة معطى ثابت يواجه أغلب نماذج حميد الإنسانية وهو العيش في مواجهه ظروف إقتصاديه بالغة السوء تتبدى من خلال قولها لأولادها:
تصدقوا آولادي بقيت
أبيت الليل أفكر في التميرات
القدر فوق راس ما خمت سبيط
غلبا الجرورة فوق ضهرنا تنزلا
تطلق وشينا مع الجماعة
شن دهانا دي كم سني والحال وقف قط
وحلف ما قيهو لو نقاط بسيط
مع هذه الظروف تنساب معاني الحكمة من لسانها وهي تعدل نعالها تتحدث عن تبدل الحال من زمان إلى زمان ومن حكومة الى حكومة :
بي قلة المال في الجيوب
كانت رخيه العيشة إلا ترى العوين الكبرو
كبروا مليسين
علمن يطير إن كان هو مافدر عوج
مافدنا شي ومحق القبيل لمينا هين في هين في هين
وهي على ما اصابها من الشيخوخة والهرم والوهن تدعوا الى العمل على التغيير والثورة والخروج على الظلم فلا خيرفي حياة مع الذل والهوان فخيرمن ذلك الموت :
وقالت لي أبوي وفر ضراعك للبلد
وأدخر مروتك آولد
لي يوم بحين
وأحفظ كرامتك تحفظك
الموت ولا العيش المهين
الموت حياة المانفذ ... الموت حياه الميتين
أختاها جنه مع الفقر وأدخل جحيم المتعبين
فتلك هي السرة بت عوض الكريم :
مرة مابتلاوز لابتخاف
زي الضفاف
المابتهاب ضنب التماسيح والكلاب
قومه البحر ولا الجفاف .
تلك مساحة حسبنا أن تناولنا فيها ما يلينا من مجتمع حميد وشخوصه الحيّة وفي عوالمه الكثير الذي يستحق الدراسة والتمعن والنشر فطوبى له في الخالدين.
Alteraify abdella Yousif [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.