مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    عثمان ميرغني يكتب: إيقاف الحرب.. الآن..    البرهان بين الطيب صالح (ولا تصالح)..!!    دار العوضة والكفاح يتعادلان سلبيا في دوري الاولي بارقو    مان سيتي يجتاز ليفربول    التحرير الشنداوي يواصل إعداده المكثف للموسم الجديد    كلهم حلا و أبولولو..!!    السودان لا يركع .. والعدالة قادمة    وزارة الثقافة والإعلام والسياحة: قناة "سكاي نيوز عربية" ممنوعة من العمل في السودان    البرهان يطلع على أداء ديوان المراجع العام ويعد بتنفيذ توصياته    مساعد البرهان يتحدث عن زخم لعمليات عسكرية    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السُودانيين ديل .. أساساً .. بقلم: تاج السر الملك
نشر في سودانيل يوم 18 - 07 - 2012

حدثني عزو في ليلة وصولي وأنا مجهد، مسهد، نائم في صحوي، فقال بعد أن حمد الله و أثنى عليه : أهلا بيك ومرحب بيك في البلد، ثم ودون سابق إنذار: لكن كان داير نصيحتي، أبعد من (السودانيين ديل)، وأضاف (مابتجيك عوجة، أساساً)، ثم أنصرف راضياً عن نفسه مرضيا.
لم أعر النصيحة إهتماماً، فقد بدت أقل أهمية وأدنى إثارة، وسط أمواج بحر النصائح الأخرى، قروشك لمها عليك في حِزتك أساساً، والتمباك في الشُراب، الساعة تحت المخدة، والضراب شعيرية، ولو بالصد ابتك، ولو بالنار صلتك، برضو ما تنساها، وخت اللوم على نفسك، ولا تتحسر على عمرك، وهكذا. توالت الأيام و الشهور، وأنا أقترب من إكمال عدة السيستم، فعادت العبارة تطرق أذني بإلحاح، تتشكل باشكال متعددة، فمن قائل (أنا حاجات السودانيين ديل ما بمشي ليها)، وقائل (أعمل حسابك من السودانيين ديل)، وقائلة وهي مزهوة زاهية متبرئة:
(صاحباتي كلهن مغربيات ومصريات وامريكانيات وفرنسيات وحبشيات واوكرانيات، صابئات، قانِتات، أساساً).
وصديق يقول وهو يبتسم
(الحتة الساكنين فيها، سوداني واحد بالغلط ما بجي بهناك).
ويعيد ابتسامة النصر، وينحني تواضعاً لنمنحه نوط الجدارة عن استحقاق، عفارم.
في السنين التي تلت، عكفت على البحث عن (السودانيين ديل)، خشية ملاقاتهم، ومخافة أن يفتكوا بي، وأنا على ظهر بعيري في بادية الشام، بحثت في القوقل، والبيديا بانواعها والبزيانوس، وفي كل كتب الأنساب، والتراث، ومراجع الأحماض النووية، وكوشة الجبل، وال(Junk yard)، وأفرح حينما يسالني الناس (آر يو اثيوبيان)، استقيل مؤقتاً عن جوازي، وابتسم فس بلاهة أحسد عليها، فلكل منا سودانه الذي يخصه، لا يشبه (أساساً)، ولا يطابق سودان شخص آخر، ولا يماثله إلا في بعض (زيدان) وقليل (أبو اللمين)، لك أن تدسه في مخلاية، إن لم يوافق الحال ظهوره، وكل ما يخصك منه، لا يخص غيرك، شكله حسب مزاجك، كالطين الصلصال في خاطري، ثم أنام أحلم به وحدي.
وكلما لاقيت رهطا من البني كجة، سألتهم، يا جماعة السودانيين ديل وين، فيشيرون بأصابعهم، إشارة من يتبرأ من الطاعون (أمشي لقدام، تلقى طرمبة)، ثم يلاحقونني بنظرات الرثاء وماعون به زاد النصيحة (أعمل حسابك)، بحثت سادتي في كل ركن، قعدت (تجقجق) فيه حلة (كوارع)، وانهد سقفه من صيحات الكونكان، ولحظاته الخمسينية الحرجة، فما وجدت (السودانيين ديل)، وحين حلقت مركبة الفضاء (ديسكفري) فوق سماء واشنطن للمرة الأخيرة في حياتها، تحملها الجمبو العملاقة على ظهرها، توقفت حركة السير والحياة في العاصمة الأمريكية، توقف الناس ليشهد الإنسان مجد الإنسان، هزوا رؤوسهم من عجب وافتتان، وصاح الأطفال من غبطة وامتنان، وحلمت النساء بالكباتن في مراقدهم، ومن سعادتي (هويت)، فقصدت البقالة العربية لشراء أغراض الطعام، فوجدت البني كجة، منشغلين في حوار فلسفي عميق، غارقين في طروحات تبز كل طموحات العلماء الذين سخروا من الأرض وجاذبيتها، "المِش ده لسه ما استوى، الماعون لازم يكون خشب، ويتغطى بشاشة رهيفة، تكب الكمون والحلبة، وفص توم ... وتنسى على كده، أساساً"، وهنا يتدخل افلاطون، قرن الشطة الأخدر، قلت لنفسي، هاهم العلماء يعلمون ما لانعلم، سألت في حياءٍ، عفواً يا سقارطة، (السودانيين ديل) نلقاهم وين؟، فأشاروا جميعاً دون أن يتكلف أي منهم مؤونة الإلتفات، أمشي لقدام، و كانت الوجهة التي أشاروا إليها جميعاً، ناحية جهنم بالظلط.
في المساء توجهت إلى الدافوري، قلت أحرك دورة الدماء قليلا، دافروا وعافروا وسبوا الدين، أنا من بكرة بلعب مع الحبش ولا الإسبان، قالوا، وكان ميدان الكرة غير شرعي، استأجرناه سراً بنظام البلصة، من رجل عامل فقير، يعمل موظفاً في حكومة المقاطعة، يضع مال النحس في جيبه، فتنفتح الأبواب على مصاريعها، والكشافات العظيمة تضئ، ويبدأ ماتش التمرغ في الميري. ثم أن البني كجة افتضحوا، فتم فصل الرجل من وظيفته، و لعله اودع السجن الفدرالي العتيد، فكلفته بمهمة البحث عن (السودانيين ديل) هناك، فوعدني خيراً، وهو يرفل في (عفريتة) السجن البرتقالية، أساساً.
وفي ندوة لكاتب سوداني معروف، قال، بأن السودانيين من أفضل خلق الله إذا اجتمعوا وكان عددهم أربعة، وبظهور الخامس، ينقسم الأربعة إلي حزبين، وفي هذه الأثناء يقوم الخامس بمهمة نقل الشمار، وإذكاء روح العداء بين المعسكرين، وحدثني آخر، قال عن أبيه أنه ذكر حكمة مفادها
(طالما دخلت فيها يد سوداني، ما بتنفع تاني، أساساً)
وفي خاطره عربته، وعملية جراحية اجريت لأبنه الآخر.
وأبو خليل أيقظني في عز نومتي، ففزعت من أخبار الشؤم التي تجيئك من البلاد:
(التاج التاج، تصدق سند اليماني قالي، خامس فيزيائي في العالم سوداني)
هززت رأسي، لأ أعني نعم أولا، إنما عنيت
(Get the f ...... أساساً)
ولكنه غضب مني، ومضي بخطوه الثقيل وهو يبرطم
(يعني أنت كنت عارف وما كلمتني، أساساً؟).
ما تركت الأمل يغيب عن ناظري لحظة، وأنا أبحث عن (السودانيين ديل)، وفي حديقة عامة، رأيتهم جماعة من البني كجة، ملتفين حول زجاجات ملأى وأخريات فارغات، ثم ان معظمهم كانو قد (كسرو ركبة أساساً)، فناموا على المقاعد في مشهد سريالي بديع، فكانوا وكأنهم صفحة منتقاة من رواية (كل شئ هادئ في الميدان الغربي)، والعشاء في مكانه بارد لم يمس، لحم (عتود بالصلصة أساساً)، نصف والنصف الثاني شطة، والفنان يطرق باصابعه المنضدة، يغني لنفسه بكل تجرد وأمانة، والقوم نيام، حتى إذا أتى إلي مقطع محدد من الأغنية، هبوا من رقدتهم صائحين، مرددين، بصوت كورالي واحد، أفزع الطيور في مراقدها:
سمونا، سمونا، سمونا.
ثم عادوا إلى غطيطهم، أما الفنان فقد أشار لى بيده حينما سألته (أمشي لقدام، بالمناسبة، ولو سايق أساساً أرميني معاك على شمبات قبل الطرمبة).
وفي البيت الكبير طمأنني جدي، وأغدق على من فيض حكمته الصائبة، والتي تعتمد أساساً على ويكيبيديا (الحقيبة)، قال ( ستلاقيهم يا بني فلا تجزع، ماهو عارف قدمو، الشنو؟ أساساً)، وحكي لي قصة ضابط عظيم، كان قائداً لقوات (السودانيين ديل) المسلحة، قال بأنه صرح مرة يشرح مشكلة السودان
(السودان ده مشكلتو كلها، في الشذوذ الجنسي أساساً)
إنخلعت أفئدة القوم، فصاحوا وكيف ذلك يا (سيادتو)؟، أجاب في حكمة وروية
(ياخي البقول ليك أنا شايقي و البقوليك أنا جعلي، في شذوذ أكتر من ده؟ أساساً؟).
فقلت لنفسي ، والله إننا شذاذ من يومنا، أول الشهادة السودانية، يتوجب فيه أن يكون شاذاً، وهنالك شاذ الرياضيات، وشاذ الإنجليزي، وإذا أتيت أمراً عجيباً، عبر الناس عن إعجابهم بالقول (شذيت)، و(بتشذ)، ومن اغنياتنا الحبيبة (شذى زهر ولا زهر)، أفضل من الزهر الشذى، فإن وجد فلا حاجة بنا للزهر، فمالنا نغضب إن وصفنا وليس على وجهه مزعة حياء، المنفلت على شرعية الدستوربالشذاذ؟، قلت لنفسي، ورب العرش، أن من زمرة الهؤلاء، هو، الذين كرهنا انفسنا، وسوادنا، و سوداننا، بسببه، وسبب من يدور في فلكه.
أصلاً.
Taj Elmelik [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.