[email protected] لم أرَ غبطة كالتي علت محيا الأمين العام للمجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي د.تاج السر محجوب وهو يروي لنا بأن أولاد المدارس في طابورهم الصباحي يرددون عقب نشيد العَلم عبارات تحرص إداراتهم على سماعها :"تنمية- بناء- تشييد".ذكر لنا هذا في إحدى جلسات ملتقى الإعلاميين العاملين بالخارج منتظراً سرعة اندهاش هؤلاء الآتين من الخارج وكأنهم آتين من كوكب آخر، غير مدرك أن سرعة التقاط من بالخارج ونبشهم في تفاصيل التفاصيل بمكنونات الداخل هي بعضٌ من هبات الغربة وواحدة من ضرائب البُعد الحسي عن الوطن. سمعنا قصة أولاد المدارس من مخطط الاستراتيجية كما سمعنا قصة الاستشهاد بالتجربة الماليزية في مجال التنمية،وقد كان رد فعل القصة الأخرى هو ما حرضنا على البحث والتنقيب في خبايا الأولى.وبعد كل هذا وذاك أظن أنه باستطاعتنا أن نتساءل وفقاً لمعلومات أولية عن إحصائية قامت بها اللجنة الشعبية بمنطقة الشجرة جنوبالخرطوم الأسبوع الماضي أي بعد أقل من شهرين من حديث د.تاج السر محجوب .تفيد الإحصائية بأن حوالي 1219 تلميذاً وتلميذة من أربع مدارس فقط بالمنطقة لا يتناولون فطورهم الصباحي لضيق ذات اليد ، فهل باستطاعة هؤلاء الجوعى ترديد أي شعار عن التنمية ، ناهيك عن الإيمان به؟ ومن يساهم في تنمية ... من !!! حالة حرمان أولاد المدارس من فطورهم الصباحي وإقامة حملات أهلية من أجل توفير سندويتش لكل تلميذ هي حالة ذات أبعاد ثقافية واجتماعية ، تعكس لنا الصراعات الموجودة داخل هذا المجتمع المصغر المتمثل في الفضاء المدرسي وتعكس لنا أيضاً التكافل كقيمة اجتماعية يتحقق بعدها لدرء الآثار السالبة لهذا القصور الذي يسده الأهالي نيابة عن الدولة. ومدرسة الشجرة كمثال يمكن أن تعكس لنا جلياً حالة المجتمع الخارجي بكل تناقضاته الاجتماعية ومفارقاته الطبقية الصارخة والتي هي نتاج ممارسة العنف الرمزي متمثلاً في الجوع من خلال نظام تربوي أو تعليمي يعاني هو أيضاً من تصحر مناهجه. وهذا المصطلح الذي ساد زمناً طويلاً اخترعته عبقرية باحثين ذوي عراقة أكاديمية بجامعة الخرطوم من خلال أوراق قُدمت لمناقشة أزمة المناهج التعليمية في السودان.ولم ينصلح بذلك الحال المائل لأن الأكاديميين في واديهم ذي الثلاث شعب يعقدون المؤتمرات ويدشنون البحوث والدراسات لاستكشاف أسباب تصحر المنهج المدرسي بينما الوزراة ترفل في خضر أودية الاستثمار في مجال التعليم. لا يمكن اختزال المشكلة كلها في الفطور الصباحي ولا يمكن أن تُحل وفقاً لرؤية اللجنة الشعبية بالمنطقة باستجداء أهل الخير للتبرع بتوفير السنتدوتشات ،وإنما يتجلى هذا الصراع على مستويات أكبر كمسؤولية وزارة التعليم عن دك قواعد الهوية والانتماء والتي بفضلها تحولت المدارس إلى فضاء الكراهية الذي يتغذى عليه التلاميذ الفقراء شعورياً ولاشعورياً بدلاً عن طعامهم وشرابهم ، وإلى تعقيدات الحقد الطبقي بدلاً عن غذاء عقولهم بمناهج وكتب دراسية قيمة. و لايتشكل هذا الصراع بهذه الخصائص النفسية والاجتماعية الصارخة إلا في مجتمع كالذي صار إليه المجتمع السوداني مولّداً مجتمع طبقات تتصارع وتتناحر لتنفي وتزيح بعضها الآخر. فليسألوننا نحن أبناء ثورة التعليم عما آل إليه حال التعليم ،فما رأينا غير قوانين تخطط للتعليم منذ عام 2000م وتهدف لتوفير البيئة المدرسية الصالحة للتعليم ورياضة عقول الناشئة وتربية أجسادهم وتزكية نفوسهم وتدريبهم على إعمال الفكر وإحسان المعاملة. فليسألونا نحن ، ونحن من سمعنا منذ أوائل التسعينات عن توفير فرص التعليم للجميع بدءاً من انعقاد مؤتمر سياسات التعليم في عام 1990م ثم إستراتيجية التعليم في عام 1992 م بمحاورها في مجالات التخطيط والتقويم والتعليم الأساسي والثانوي والمناهج والمعلم والنشر والتقنيات . نسمع ولا نرى غير خطب الاحتفاء بتطور التعليم وتقاريره التي تسد الأفق ، بينما أطفال المدارس يعانون من نقص مستوى الحديد في الدم ، وكلما ارتفعت الشعارات انخفضت نسبة الهيموغلوبين في عروق تلاميذ مدارس الشجرة والمدارس المشابهة .