عقب سقوط نظام مايو وقف اللواء عمر محمد الطيب الرجل الثاني في النظام والنائب الأول للرئيس المخلوع جعفر نميري، وقف متهما أولا في قضية ترحيل اليهود الفلاشا من الأراضي السودانية مباشرة إلى إسرائيل وهي عملية معيبة حتى بمقاييس ما بعد إتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي جاءت بعد سنوات من ترحيل الفلاشا وذهب عمر ليقضي فترة قصيرة في السجن وما لبث أن عفا عنه قادة انقلاب 30 يونيو 1989م مثلما عفوا عن غيره من قادة نظام مايو ، ثم غادر السودان مغاضبا بعد ذلك ليعمل لعدة سنوات في وظيفة استشارية أمنية رفيعة ثم عاد للسودان مثل رئيسه نميري بطائرة خاصة، محاطا بمظاهر التكريم وكأن شيئا لم يكن، في ظل ضعف الذاكرة السودانية. تميزت فضيحة ترحيل الفلاشا باستناد الاتهام بشكل كبير على شهود ملك مشاركين بالفعل للإيقاع بالمتهم الأول عمر محمد الطيب ، وشاهد الملك في القضايا الجنائية هو الشاهد الذي يقدم له الإتهام خيار تبرئته إذا كشف اسرار القضية المفيدة للإتهام، وشاهد الملك من هذا المنظور مفيد للعدالة حسب معيار المصلحة العامة، لكن شهادة الملك في القضايا السياسية كثيرا ما تعتبر ممارسة غير أخلاقية لأن الشاهد يطعن رئيسه السياسي أو قائده العسكري في ظهره ، وكان الفاتح عروة شاهد الملك الأول مع مجموعة من ضباط جهاز الأمن الذين تحولوا من متهمين إلى شهود اتهام. وعلى العموم فعملية ترحيل اليهود الفلاشا نفسها ممارسة غير أخلاقية بجميع المقاييس ووخزت الضمير السوداني. بعد انقلاب 30 يونيو 1989م عرض بعض ضباط جهاز الأمن المنحل خدماتهم للسادة الجدد أو طلب السادة الجدد خدماتهم ،أيا كان الحال ، فالنتيجة واحدة ، فسارع بعضهم، مثل بعض قيادات نظام مايو بالاستجابة للعرض الذي لم يكن بلا جوائزه بطبيعة الحال، ربما كان ذلك انتقاما من النظام الديمقراطي الذي ساقهم للعدالة ، فوجد الفاتح عروة طريقه للمناصب والترفيع ورتبة الفريق التي تكاثر حملتها، تسنده في ذلك قدراته الأمنية وصلاته الاستخباراتية الدولية حتى بلغ درجة وزير الدولة ثم أصبح مندوبا دائما للسودان في منظمة الأممالمتحدة، وهذه الأخيرة ما كان له أبدا أن يشغلها في الظروف الطبيعية لأنها تتطلب خلفية علمية ومهنية واجتماعية خاصة ، ثم استقر به المطاف عضوا منتدبا ومديرا عاما لشركة زين سودان للاتصالات ، مع تردد الشائعات بين الحين والآخر عن ترشيحه لقيادة جهاز الأمن الوطني والمخابرات ، رغم الوظيفة الرفيعة المجزية التي يشغلها الآن و يسيل لها اللعاب. قام الفريق عروة في التاسع من يوليو 2012م بعقد مؤتمر صحفي في فندق كورال في الخرطوم مدشنا فيه خدمة حساب المكالمات بالثانية لجميع المشتركين ، وهي خدمة كما يقول العارفون تلقي بمزيد من الأعباء على المشتركين وتصب مزيدا من الأرباح في خزائن زين. بعيدا عن الخدمة الجديدة فإن السيد العضو المنتدب والمدير العام كشف عن كثير من الاسرار، والرجل صندوق أسود يحوي جوفه كل الأسرار. استنكر محاولة الحكومة تشكيل لجنة للإشراف على مشروعات الدعم الاجتماعي الذي تقدمه شركتهم لخدمة المجتمع والتي تقدر ب10% من أرباح الشركة وتستفيد منها 250 ألف أسرة سنويا. وقال "هم يريدون أن يختاروا من يتلقون المساعدة وأن يقولوا لنا اعطوا هذا وهذا لا يستحق". وكشف عن محاولات يقوم بها بعض أعضاء الحكومة للسيطرة على مشروعات شركته الخدمية. ومضي الفريق أكثر لثقول "تلقينا العديد من الطلبات من بعض المسئولين لتمويل مشروعات لمؤسسات (خيرية) تتبع لهم لكننا رفضناها كلها لأننا نعرف الطريق الصحيح لتوزيع أموالنا" . وقال إنهم دفعوا العام الماضي 25 مليار جنيه (وهو مبلغ ضخم بلا شك) لديوان الزكاة وانهم يدفعون للحكومة ما مقداره 30% من العجز الذي سببه انقطاع عائدات البترول بعد انفصال الجنوب. وهدد بأنهم ،أي شركة زين، سيضطرون لايقاف مشروعات الدعم الاجتماعي نهائيا متى ما تدخلت الحكومة فيها وقال "يجب على هذه اللجنة البحث وإيجاد وإعادة أموال الدولة الضائعة أولا". الفريق الفاتح كشف بصورة أو بأخرى عن الأرباح الأسطورية التي تحققها شركة زين في بلد منهك تفترس أهله المجاعات وذلك يجسد خللا ما، وكشف كذلك عن أرقام فلكية يبتلعها ديوان الزكاة وفضح ممارسات معيبة لا تليق برجال دولة لا يستحون من اللهث وراء الصدقات خدمة لمصالحهم الخاصة التي تمر أحيانا عبر ستار العمل الخيري بعد أن استنفذوا خزائن الدولة وبعد أن تقطعت بهم الأسباب وجفت النافورة النفطية، وكلها وقائع مؤسفة ، لكن أشد ما يثير الأسف امتناع من يعنيهم الأمر بصفة مباشرة عن الرد على اتهامات الفريق القوي الذي قال بلهجة متحدية ومستفزة "نحن لا كبير عندنا إلا الله"، مما يدفع للاعتقاد بصحة ما ساقه من اتهامات. ويبدو أن الأمر لن يخلو من الإثارة في مقبل الأيام. ومن الأرجح ألا تكون هذه المرة هي الأخيرة التي بفتح فيها الفريق صندوقه الأسود. (عبدالله علقم) [email protected]