اذا سمعنا بمشكلة العطش فسرعانما يتبادر الى الأذهان المناطق الصحراوية والأرياف النائية التي تقع بعيدة عن مصادر المياه بأنواعها سطحية أو جوفية أو غيرها. ولكن ان كانت المدن المعنية هي الدويم وعطبرة والدامر (النيل يجري بين أحيائها)، فالآمر يكون أمر وفي ذلك سر، نأمل من مصلحة المياه تفسيره لنا وتوضيحه. فالدويم تقع على الضفة الغربية للنيل الأبيض (بحر أبيض) ذي المخزون الاستراتيجي من المياه العذبة الحلوة، وعطبرة والدامر ترقدان على ضفاف النيل العظيم فضلا عن (الاتبراوي) الذي فاض وامتلأ هذا العام من وقت مبكر. والعطش المقصود هو ليس انعدام الامداد بالمرة ولكن الماء الذي يضخ الى البيوت غير صالح للاستعمال المنزلي ناهيك عن الشرب من شدة (العكورة)، فبدل أن ينظف فهو (يوسخ) الملابس والأواني والناس خائفة على صحتها وخصوصا الكلى. لقد زرت هذه المدن المعنية في صدر شهر يوليو الماضي وشاهدت تلك المياه بنفسي. والناس يشكون مر الشكوى من هذا الأمر وكثير منهم لجأ الى استخدام (الأزيار) لكي تصفى تلك المياه من أجل الحصول على مياه نقية للشرب. أما استخدام الماء للاستحمام وغسيل الملابس فهذه مشكلة كبرى، اذ أن تلك المياه غير صالحة لمثل تلك الاستخدامات. وبالمناسبة فهذا ليس (حصريا) على تلك المدن التي تحدثت عنها فهناك العديد من المدن الأخرى التي تقع على ضفاف الأنهار أو النيل وهي ليست بأوفر حظ من تلك، وهي تعاني من نفس المشكلة (المستعصية) والمزمنة. وقد اطلعت على تقرير أوردته احدى القنوات الفضائية يتحدث عن المشكلة وأحد المسئولين (يبرر) وجود هذه المشكلة ولم اقتنع بالأسباب والمبررات التي ساقها في معرض حديثه عن المشكلة العامة (أحواض الترسيب قليلة وكميات الشب كذلك). الأمر كما يبدو لي هو مجرد استخفاف واستهتار وتهاون شديد في مقابل الأمور الصحية التي تتعلق بالصحة العامة، وعدم وجود محاسبة أو متابعة ورقابة من الهياكل الرقابية داخل تلك المؤسسات الخدمية التي ينبغي ان تخضع لرقابة صارمة ومتابعة متصلة من كل الجهات المعنية، وأين هيئة المقاييس والمواصفات وضبط الجودة ومسئولي الصحة؟؟؟؟ أما نحن في قلب الخرطوم وعلى مرمى حجر من النيل الأزرق فنشرب من مياه (الآبار) المشكوك في (عذوبتها)، صحيح أنها صافية ونقية ولكنها كزائرة المتنبي دائمة (الحياء) و (شحيحة) الحضور ولا تزورنا الا في الظلام!!!!! alrasheed ali [[email protected]]