بسم الله الرحمن الرحيم [email protected] عُدت بعد غيبة طالت و طال معها داء الوُطان و نوستالجيا الحنين لأرض الوطن, أرض العزة و الكرامة, ارض المعجزات و الانجازات... عُدت فكان العود أحمد و لله الحمد و المنة.. و كنت قد خرجت و ثورة الإنقاذ ما انفكت تطرح مشروعها الحضاري الضافي و الشامل لأوجه الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية..لتعف و إلى الأبد الواقع المزري و المرير و تخرج البلاد من نفقها المظلم الذي ظلت قابعة فيه منذ بذوق فجر الدولة السودانية الحديثة.. و الذي أفرزته السياسات العرجاء لحكومات ما بعد الاستقلال و العمل على استدامتها و إعادة إنتاجها على مر الحقب و الأزمنة..و كانت المحصلة النهائية لتلك السياسات إهمال الأرياف و إفقارها و اندلاع حرب ضروس قضت على الأخضر و هشيمه و أقعدت البلاد من اللحاق بركب الدول النامية و المتقدمة.. و أضحت مخلب قط للتدخلات الأجنبية و زرع بزور الفتنة بين أبناء الوطن الواحد و تهديد كيان الدولة الموحد. و رهنت إرادة البلاد للسفارات الأجنبية و فقدت الحكومة شرعيتها و الدولة سيادتها. لازم ذلك اقتصاد فقر مدقع و ندرة في السلع و الخدمات الضرورية وتدهور في الخدمات الصحية و انفراط لعقد الأمن الاجتماعي و السياسي. مؤامرات و دسائس وحالة من الفوضى أشبه ما تكون بحالة حرب الكل على الكل. و تكأكأت و تنادت عليه بغاث الطير من كل جنس و تربص به الأعداء من كل صوب و حدب, يذيعون مثالبهم الوضيعة في العلن و في ظلمات الخفاء بالدون من الوسائل للنيل من عقيدة الوطن و عزته و كرامته ووحدته. و هكذا كان فراش الموت يُدثر الوطن و للموت حوله جيئة و ذهاب.. و فيء الشمس يزاور حوله يمنة و يسرة.. و جيش مهيض الجناح مهمل مفلول, يفتقد السرابيل و يعج بالمعازيل.. و حتى الأرض السبخة المعطاة قد أُهملت و أضحت صعيداً جرزا لا تنبت و لا يُنتفع منها..ففي قر الشتاء يُفتك الزرع و يغرز الضرع.. و في شواظ هاجرة الصيف يضيع اللبن و السمن. و الحالة هذه و قد كُب الوطن على وجهه و مُدد للذبح و أحزاب التشتت و الشتات و الكلام تغط في نوم عميق حتى اشرأب الفساد و طفح الكيل. و لم يكن هذا بمستغرب من أحزاب موميائية الحنوط لا تملك إلا الحديث المطوح و اللغة الخنثى. ورثت الإنقاذ كل هذه التركة المثقلة, كل هذا الوضع المزري, فحملته و معها سروات الناس و خيارهم إلا من أبى على متن السفينة من غير نول أو تنويل إلا التمسك بحبل الله المتين. فكانت طوق النجاة ليس فقط لمن هو بالمتن بل الوطن عامة. و ما أن استقلت السفينة في البحر و لججت حتى طفق رهط من الشانئين يرجمون بالغيب من غير استناد على دليل و برهان. . و انطلقوا يناطحون نواميس الكون و يسبحون عكس تيار الحياة و طبيعة الأشياء. و تهامسوا جهراً على أن السفينة غارقة لا محالة. فما أن تمخر عباب البحر اللجي حتى تتقاذفها أمواجهه الهائجة و المتلاطمة و يلتهمها الحوت و تهوى في قاع سحيق. و نسوا و تناسوا بأن الله مجراها و مرساها و أن الحوت كان سرباً و لموسى و فتاه عجبا..و أن الله ربط على قلوب من بالسفينة فقاموا و قالوا ربنا الله. فتية هيأهم الله لإعادة ترتيب البيت مما كان عليه من اضطراب دُف وفوضى رقص صاخب. و صبّرهم و ثبتهم على مقارعة مؤامرات و دسائس الأعداء و الأمم المتكالبة و المؤججة لنيران الفتن و الحروب. و قد هيأ الله لهم هذا الأمر ليرتفقون به و يسطرون بأحرف من نور بصماتهم لتبقى نبراساً سرمدي يضئ الطريق لكل متطلع للحياة الحرة الكريمة. تحضيضاً و حثاً على تحرير الإرادة و السيادة و ارتقاءً لمصاف الأمم الراقية و المتحضرة. عدت لأرض الوطن بعد حقب من الزمان و الثورة لم و لن تلين عريكتها و لم تجد النصب بعد. عدت إلى الوطن و قد خُلع منه دريس ثوبه القديم, ثوب الذل و المهانة, و تسجى بثوب الإيمان القشيب, ثوب العزة و الكرامة. فالمعاذير تُلتمس لأسوق الحديث سوقاً إلى معالم الانجازات التي أنجزت و المعجزات التي تحققت في ظل هذا الحكم الرشيد. متناولا لها على سبيل الإجمال و الاختصار لا التفصيل و الإطناب. فقد سبقني في هذا المضمار أناس كُثر أبانوا فأفصحوا و عددوا و فنّدوا. و لكن مهما تبارت القرائح و الأقلام وتعددت الألسن فستقف عاجزة عن الوصف و التوصيف, مهما استنطقت من خيال و توفر لها من دُويٌ و مداد. و عندما وطأت قدماي أرض الوطن صعقت من هول ما رأيت وجمد الدم في عروقي و لم ادري ما إذا كان ذالك حلم أم علم و لا أماري. فقد بهرتني الخرطوم الكبرى و هي تنداح روعة و جمالاً بهندسة شوارعها الرائعة و كباريها العملاقة و أفنان حدائقها الغنّاء الوارفة الظليلة و امتداد عمرانها الواسع و المتسع بعد أن كانت فرسخاً في فرسخ. وكان لابد من الاستعانة بمطوف لمعرفة مداخلها و مخارجها و مجاهلها, وبترجمان لكسر طلاسم ثقافاتها الوليدة. فهنالك ثقافات الركشة و الهايص و أمجاد و الموبايل و التي أجهزت على معضلة التواصل و الاتصال. و هنالك أيضا ثقافات المنتجات الجديدة و الأماكن و أسمائها, و فوق الكل ثقافة العملة و التداول. فكانت هذه بحق ثورة اجتماعية جامحة تستحق الدراسة و التوثيق. و لا بد من الاعتضاد و الاعتداد هنا بالثورات المماثلة.. فهنالك ثورة الطاقة و السدود و التي يمثلها سد مروي العملاق, و هناك ثورات البترول ,السلام , البناء و التعمير, التعليم العالي, الزراعة, الاتصالات و ثورة التصنيع الحربي. و لا توجد حاجة للقول أن هذه المشاريع ظلت أشواقاً و أحلاماً وردية على مر الحقب السياسية حتى قيّض الله لها ثورة الإنقاذ فترجمتها لواقع ملموس لخدمة البلاد و العباد. فتحقق السلام و اُستغل الزيت الأسود و أنشأت السدود و الجسور. و الثورة التي ترّفعت عن جَدا كل جبس توسعت في الزراعة رأسيا و أفقيا و شقت الترع و القنوات فتحولت الأرض الهامدة البلقع و تحركت بالنبات و حُييت بعد موتها و أنبتت من كل زوج بهيج. و تثوير التعليم أطاح برأس الهرم التعليمي المختنق و ألاختناقي فأنشأت عشرات الجامعات و المعاهد بتخصصات و مناهج علمية فريدة و متعددة تندر في محيطنا العربي و الأفريقي. و بمناهج تتماشى مع قيم و عقيدة الأمة. ففي الماضي القريب كانت المناهج تسيء لاسم المصطفى (ص) بعناوين " طه القرشي مريض و طه القرشي في المستشفى". اليوم الطلاب يرتلون "محمد رسول الله و الذين معه .. ألآية)في تأدب و خشوع تعظيما و تبجيلا للخالق و إكراما و حبا لنبيه عليه أفضل الصلاة و التسليم. و هكذا تأصّل التعليم و أصبح شعبياً ولائياً بعد أن كان صفوياً مركزياً و قمة هرمه الآن تستوعب عشرات الآلاف من الطلاب بعد أن كانوا لا يتعدون بضع مئات. و ارتكزت كل هذه الانجازات على بنى تحتية متينة من جسور و كباري و طرقات قد توسعت و تمددت و تعبدت بين المراكز و الأرياف و البوادي حتى لا تعثر بغلة بأرض منها. و فتحت المشافي العامة و المتخصصة معضدة بمراكز صحية و تثقيفية. و هكذا تحقق شعار " تمَديُن الريف" ليزيح سياسة " استرياف المدن" العقيمة و التي كانت سمة مميزة للأنظمة السابقة. و أضحى الريف مناطق جذب و كد و عمل بعد أن كان مناطق طرد و تبطل و تسكع, يدفع بالآلاف للمركز طلبا للعمل و العلاج و العلم. فاستقر الناس و انخرطوا في فلاحة الأرض و هم مفاريح بوفرة الإنتاج و برد اليقين بعد أن كانوا مجازيع. و صارت أرضهم بقرة حلوب بعد أن أدر الله لهم الثديين. و هكذا ُبنيت الدولة العابدة و تأثلت و تجزرت في النفوس و لا انفكاك لها. و أخذت الثورة الناس على الجادة و انصرف الشيب و الشباب عن سقط القول و إضاعة الوقت إلى العمل الجاد المثمر. فنشأ شباب عابد عامل لا تغريه زخرف الدنيا و زينتها و نعيمها الزائل. شباب يتلوا كتاب الله فينهش بالبكاء حتى تخضّل لحيته, و قد شيّبتهم القارعة و أخواتها, و كأنما عناهم القائل بقوله: تمر بنا الأيام تترى و إنما نساق إلى الآجال و العين تنظر فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى و لا زائل هذا المشيب المكدر و على الرغم من كل هذه الانجازات العظيمة و التي صارت كالشمس أكثر وضوحا و إسفارا, ما انفك شانئي الإنقاذ يتشبثون بمواقفهم المتعنتة و المتصلبة. و المرء ليعجب كيف تتصام و تتعامى ما يسمى بالمعارضة عن هذا الحق الأبلج؟. و يزداد المرء عجباً أ ن يرى المعارضة لا تزال رهينة لأدوات بالية و برامج و إن وجدت خاوية لا تعبر عن طموح قومي أو شعبي. فهي ماانفكت ترزخ تحت أحمال الوراثة و ترفض التجديد و الانفتاح و الحراك الاجتماعي.و لا تعي من الدرس قديمه و حديثه. و لم يستوعبوا الثورة الاجتماعية و التعليمية و الثقافية و أبعادها و آثارها و التي عفت و إلى الأبد على ما كان يعرف ب " الدوائر المقفولة". و شمّر الشباب عن ساعد الجد و انخرط بعد تجييشه في خدمة و حراسة الوطن و ثورته و مكتسباته و مقدساته. فكل دعاوي المعارضة مردودة عليها إذ لا يسيغها المنطق الرشيد و لا العقل السديد. فمجادلة هؤلاء و أولئك لا طائل تحتها و لم تكن الثورة باخعة نفسها حسرات عليهم و إنما عليها البلاغ فمن اهتدى فلنفسه و من ضل فعليها. و الأسئلة المشروعة التي كان ينبغي طرحها و إخضاعها للتمحيص و التحليل حتى يستفاد من عبرها و دروسها هي: كيف ولج هؤلاء الثوار تلكم المجالات المجاهيل و طرقوا أبواباً لا تمشي بواديها الأراجيل؟. كيف أنجزوا كل هذا الانجاز الاعجازي في ظل هذه الحصارات و الحروب المفروضة و الفتن و الدسائس؟.كيف أنجز هؤلاء كل الذي أنجزوا في بضع سنين معدودة؟ كيف دمدموا على كل الإرث الاستعماري البغيض و حولوه إلى كثيب مهيل؟. تلك كانت الأسئلة التي كان ينبغي للمعارضة طرحها و الوقوف عندها وقوف شحيح ضاع في التُرب خاتمه. وقفة تأن و تجل أمام هذا الجهد البشري الخارق. ففي ترو ٍ و مكث وُضعت لبنات كل هذه الصروح العملاقة. فالثورة لم تدع هنة و لا أنة, همسة و لا خلجة إلا وضعتها تحت مجاهر الفحص و أضواء الدراسة و النقد و التحليل العلمي.لذا كان البنيان محكماً و مجدولاً. كيف لا و هي ترتكز على قوائم الإيمان و العلم و تزاوج بينهما.