في ظل المناخ السياسي السائد حاليا" الذي يتميز بسيطرة المؤتمر الوطني على كافة مناحي الحياة السياسيه و الإقتصاديه و الإعلاميه و على أجهزة الدوله التشريعيه و التنفيذيه و القضائيه لا أعتقد أن المؤتمر الوطني سوف يسمح لأي رؤى مخالفه لرؤاه أن تجد طريقها لوثيقة الدستور التي يقوم هو وحده بصياغتها الآن . و يساعد المؤتمر الوطني في ذلك ضعف الأحزاب السياسيه الأخرى سواء" كانت أحزاب اليمين أو أحزاب اليسار . و لذلك الحديث عن المشاركه في صياغة الدستور إنما هو حديث سابق لأوانه و يستبق مرحله مهمه للغايه و هي مرحلة إعادة بناء المؤسسات السياسيه المعبره عن قطاعات الشعب السوداني بمختلف أعراقه و ثقافاته و بمختلف طباقاته . و قد يتطلب الأمر أكثر من إعادة البناء ليصل لمرحلة إنشاء كيانات سياسيه جديده ذات برامج و أيدولوجيات مغايره تماما" لبرامج و أيدولوجيات الكيانات السياسيه المعروفه الآن ، بدون ذلك سيظل برنامج و أيدولوجية الحزب الواحد هي السائده و المسيطره بدون أي مقاومه أو منافسه جديه من الأحزاب و الكيانات السياسيه الأخرى . * و لكي تتم إعادة بناء المؤسسات السياسيه يحيث تصبح مؤسسات قويه ذات نفوذ حقيقي ، فإن الأمر لا يحتاج لفترة إنتقاليه أو حكومة إنتقاليه ، و إنما يحتاج لأن تسرع تلك المؤسسات السياسيه يمينا" أو يسارا" في عملية إصلاح ذاتها بكل جديه و صرامه من القاعده حتى القمه من الحي إلى المدينه إلى العاصمه ، فبدون ذلك ستنتهي الفترة الإنتقاليه لنجد نفس المؤسسات السياسيه الضعيفه فاقدة النفوذ و القوه و سوف نعيد إنتاج الأزمه السياسيه من جديد حيث سيكون هناك حزب حاكم قوي و معارضه ضعيفه و سينتج عن ذلك إنفراد الحزب الحاكم بوضع السياسات المصيريه للبلاد دون أي رادع . * هذا من جانب ، و من الجانب الآخر ، يجب ألآ يترك لحزب المؤتمر الوطني و من يشابهونه في الفكر أن يصرفوا أنظارنا عن المبادىء الجوهريه للدستور بإثارة موضوع الإسلاميه و العلمانيه لأننا إذا كنا سننجر لهذا الأمر فإننا نكون قد قسمنا القوى السياسيه إلى إسلاميين و غير إسلاميين و هذا هو عين مايريد المؤتمر الوطني أن يغرسه في أذهان الناس ، فما ينبغي أن يتم التأكيد عليه أن الغالبية العظمى من سكان السودان الآن هم من المسلمين و أن تلك الغالبية ( 2 ) المسلمه لا تنتمي إلى المؤتمر الوطني أو مايسمى بالحركة الإسلاميه بل أن تلك الغالية تنتمي لأحزاب أخرى كانت لها الغلبه أبان الفترات الديموقراطيه سواء" كانت ضمن حزب الأمه أو الإتحادي أو ضمن الأحزاب اليساريه بما في ذلك الحزب الشيوعي السوداني . و لذلك لا يهم إن كان إسم الدستور إسلامي أو غير إسلامي ، المهم هو كيف سينظم ذلك الدستور أمور دنيانا التي قال لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله تركها لنا . و بالتالي يجب أن يهتم ذلك الدستور بإدارة التنوع العرقي و الثقافي بما يحفظ الحقوق العامه للكل دون نقصان و يجب أن نهتم و نحن بصدد صياغة الدستور بالمبادىء الجوهريه لشكل الحكم و ممارسته و تكريس مبدأ إستقلال السلطات و سيادة حكم القانون الذي يجب أن يصاغ لحماية مصالح الناس و حفظ كرامتهم ، و في ذلك يجب أن ننوه إلى أن المقاصد في الشريعه الإسلاميه لا تتعارض أو تتناقض مع الإرث القانوني الإنساني العالمي المتعلق بالنظم السياسيه و الدستوريه و لا يمكن بالطبع أن نفصل في ذلك في هذا الحيز الضيق . * لا يمكن الحديث عن صياغة دستور جديد و الحرب الأهليه تستعر في أجزاء واسعه من البلاد من جنوب النيل الأزرق إلى جنوب كردفان و من دارفور غربا" حتى شرق السودان . فهذه الرقعه الواسعه من السودان آثرت أن تفرض برنامجها بقوة السلاح و تفكر في الوصل إلى السلطه بمركز البلاد بقوة السلاح ، فإذا تأتى لها ذلك ، ألن تكون مؤتمرا" وطنيا" آخر يفرض رؤيته و فكره بسلاحه و ميليشياته ؟ . قبل أن نجلس لصياغة الدستور لابد من إنهاء الحرب في تلك الرقعه الواسعة من البلاد و لا بد من أن تضع الحركات المسلحه سلاحها لتجلس بعد ذلك مع بقية القوى السياسيه لصياغة الدستور ندا" بند و كتفا" بكتف . أحمد صلاح الدين عووضه الدوحه قطر Ahmed Salaheldin awouda [[email protected]]