فرحة العيد تغمر الكون بهجة ومسرة تمسح الدموع وتغسل القلوب وتصفي النفوس وتزرع فيها المحبة والتسامح ويلتمس الناس الرحمة من رب العباد، حيث تتنزل الملائكة وتسد الطرقات وتؤمن على دعاء المصلين وتحف مجالس وحلق الذاكرين. فعلينا ألا نفوت تلك الفرصة الثمينة وذلك الموسم الكبير ونحن نحتفل بعيد الفداء الذي تتجسد فيه تلك المعاني الكبيرة والقيم العظيمة التي علمنا لها خليل الرحمن، معان سامية شامخة تجلت في التسليم المطلق لرب العباد الذي له ملكوت السموات والأرض، فهي تعمل على تقوية الإيمان وتوطيده في القلوب، ايمان وتصديق وعمل خالص لوجه الله تعالى كما جسده عزم واخلاص سيدنا ابراهيم الذي كاد أن يذبح فلذة كبده وقرة عينة لولا أن أدركته رحمة الله واهتزلموقفه الكون ورقت له قلوب الملائكة، فكان ذلك الفداء، علينا أن نحذو حذو الخليل في تأصيل ذلك السلوك الرفيع النبيل وأن ننبذ كل ما من شأنه أن يفرق بيننا ونسلم لله رب العالمين طائعين موقنين بأن رحمة الله قريب من المحسنين وأنه عنده حسن الثواب وهو التواب الرحيم. فرحة العيد كأنها سحابة ممطرة ينتظرها الجميع في شوق وتشوق ولهفة، بل هي كذلك تلطف أجواء النفوس وتغذي أشجار التواصل الاجتماعي والأسري الذي تبلغ ذروته أثناء أيام العيد، فعلينا أن نستغل تلك الأجواء (الفرائحية) في تعزيز وتوثيق عرى التواصل والترابط والمحبة بين أفراد العائلة بمعناها الصغير والكبير، وردم (برك) سوء الفهم والتناحر بين الأهل والأقارب والعمل على احترام الصلات وتقوية روابط الاحترام والتقدير والعفو عن كل أذى أو ضرر والتجاوز عن الخلافات وأسباب القطيعة والحساسيات. علىنا أن نضع نصب أعيننا كل تلك القيم المستفادة من قصة سيدنا ابراهيم مع ربه وابنه الذي رأي في المنام أنه يذبحه وعلى الابناء بنفس القدر امعان النظر في الأسلوب والمنهجية التي اتبعها الابن المؤمن البار بوالده حيث امتثل هو الآخر لآمر رب العباد، وجسد معاني الاحترام والتوقير دون أن يتبرم أو يتذمر من أمر الله النافذ فكان مثالا رائعا تجلت فيه تلك القيم الرائعة، التي تعلمها واقتبسها من ذلك الصرح الشامخ والطود الراسخ، الذي اجتاز الاختبار والابتلاء بدرجة عالية من الإيمان واليقين والتصديق بربوبية الخالق الرحيم الرؤوف بعباده. فكان تسليمه وتصديقه للرؤيا بشكل تجلت فيه أسمى المعاني والقيم الأصيلة المتجذرة في نفس ابراهيم الذي خاض العديد من المعارك الفكرية والايمانية مع والده وقومه الذين تحرشوا به لمجرد أن نور الهداية قد لامس شغاف قلبه وأخذتهم العزة بالاثم انقيادا لأعمدة الكفر والجهل والباطل والطاغوت حيث أوغلوا في ظلمات الجهل والفساد. علينا أن نعي الدرس بكل معانيه وصوره ونعمل على الاستفادة منه في حياتنا، وفي مناسك الحج نستصحب كل تلك الأفعال من سعي وطواف ورمي للجمرات بحيث نضعها في نصابها الايماني ووعائها اليقيني حتى تعيننا على تجاوز كل ما يعتور حياتنا من مشاكل وعقبات وابتلاءات واختبارت ، من أجل الاستزادة بالجرعات الإيمانية التي تعزز من درجة يقيننا وصمودنا أمام كل مامن شأنه العمل على تثبيط الهمم والانهزام أمام جنود الباطل وسدنته الذين لا يألون جهدا في سبيل زعزعة الايمان واليقين لدى العديد من الناس والانقياد والامتثال لأفكارهم ومعتقداتهم الشيطانية. حتي وان لم نكن من الذين قد تشرفوا هذا العام بأن يكون ضمن ضيوف الرحمن الذين أكرمهم الله بأداء تلك الشعيرة الهامة، ونسأله تعالى أن ييسر لكل راغب في أداء هذه الشعيرة العام القادم، وأن يعيد جميع الحجاج الى دورهم سالمين غانمين بعد حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور. اسمى آيات التهاني والتبريكات مرفوعة الى مقام قرائي الأعزاء الذين ما انفكوا يعززون الروابط بيني وبينهم بالاطلاع على مايسطره قلمي ودعمهم وتشجيعهم المتواصل المتمثل في ابداء آرائهم النيرة عن طريق ما يصلني من رسائل عبر البريد الالكتروني، والتحية موصوله الى القائمين على أمر هذا المنبر على رأسهم الاستاذ طارق الجزولى الذين لولاهم لما وجدت السبيل الممهد الذي تنفذ منه كتاباتي المتواضعة الى تلك القاعدة العريضة، بكل أطيافها من القراء ذوي الثقافة العالية والتذوق الرفيع لما تنشره تلك الصحيفة الالكترونية المعطاءة. ونسأله تعالى أن يكون في عون السودان وأهله الطيبين ويحفظهم من كل سوء وشر ويبارك لهم في أرضهم ونيلهم وزرعهم وضرعهم ويزرع السلام والأمن في ربوع بلادنا كافة، وكل عام وأنتم بخير. alrasheed ali [[email protected]]