لعل مسمى غرب كردفان كواقع جغرافي لتحديد جهات كردفان الأربع لم يكن ذا أهمية تُذكر حين كانت كردفان الكبرى هي المظلة التي تُغطي كافة مساحة الإقليم المتجانس والمترابط إدارياً وثقافياً وبعضٌ من اقتصاديا كذلك . حتى جاء العهد الحالي بشعاراته المطاطة حول الحكم الإتحادي ذات البريق الممحوق حول مشاركة الناس في السلطة والثروة وتقصير الظل الإداري كما كانت تنادي به الأدبيات التي صاحبت تطبيق الحكم الإتحادي في العام 1994 م وما لبث حتى أصاب مهندس الحكم الإتحادي كثيرٌ من شظايا السلبيات التي صاحبت تطبيق الحكم الإتحادي ، ذلك لأن ما حواه الهدف المعلن شئ وما نتج وما عناه مشرع ومهندس الحكم الإتحادي شئٌ آخر. فسقط غالبية ممن جلس لإمتحان الحكم الإتحادي في الإمتحان إلا ما كان قائماً بالأساس من منظومة حكم متوارثة منذ عهود مضت في مناطق عُرف عنها تطبيق نماذج الحكم والإدارة وفق التجارب التي سادت وإستندت على معايير علمية نشأت كنتاج لدراسات بنهج وأسلوب علميين. وما أدلّ على ما نقول حالات الإنفراط الأمني والتمرد المعلن لقيادات منسوبة للحزب الحاكم في فترات متقاربة من زمان تطبيق تجربة الحكم الإتحادي حين تداخلت أسباب إقصائها مع مصالح لا شأن لها بالمشاركة بمعناها المتعارف عليه في تجارب الحكم والإدارة بل كانت انتهاء الصلاحية وفق هوى المركز وأجندته في إعلاء شأن بعضٌ من منسوبي الحزب الحاكم وخفض مستوى آخرين في سعي الحزب غير المحسوب في توطين الوظائف السياسية حسب الحاجة وقرب المحاسيب أو بعدهم من صانع القرار في الحزب الحاكم. الأمر الذي أدى لتفلتات وفق تعريف الحزب الحاكم وتمرد بالمعني الحرفي للكلمة لعدد من كوادر الحزب المعروفة. وتداخلت عوامل كثيرة بجانب عقيدة الحزب الحاكم في حيدة الحكم الإتحادي عن الطريق المأمول من تطبيقه ولو على المستوى النظري حيث ظن حزب المؤتمر الوطني أنه قادر على تسيير دفة الحكم في داخل السودان الذي كان وفق هواه وقناعته للبقاء والتمكين لأطول فترة ممكنة من الزمان مهما كان الثمن وبالفعل تم له ذلك حين جاء إتفاق السلام في العام 2005 والذي اقتضى تغيرات وتنازلات كثيرة في هيكل الدولة السوداني وحتى نهاية الشوط بذهاب ثلث السودان مؤسساً لدولة جنوب السودان وما تبع ذلك من نتائج لم يُحط بها ما تبقى من وطن مقدرةً على السير وفق ما خطط له صانع القرار السوداني بحزب المؤتمر الوطني. ولعل من ضمن النتائج التي لم تكن محل إلمام بكافة جوانب العملية السياسة والإدارية تذويب ولاية غرب كردفان وعطفاً على ما صاحب مجمل تجربة الحكم الإتحادي من سلبيات لعدم وضوح الرؤية لدى مهندس التجربة والأمانة في التطبيق والحِكمة من التجربة وتحديداً في تذويب الولاية مقروءاً مع بروتوكول جنوب كردفان وأبيي وعدم وصول البرتوكولين لمبتغاهما من إشاعة روح السلام والعيش المشترك لمكونات المنطقة وفق العقيدة الجديدة من السلام فقد كان الثمن باهظاً على المنطقة والسودان بشكل عام حين عمد حزب المؤتمر الوطني لمعالجات لم تراعي الواقع الجديد وفشل التجربة السابقة في إقناع الكثيرين بجدواها مما دفع بآخرين من مكونات الولايتين في الجهر بحقوقهم أسوةً بما يعيشه الآخرين مع فارق التوقيت والتجربة من الأساس كما اشرنا سابقاً وبدأ ذلك واضحاً حين أعلن النائب الأول لرئيس الجمهورية دون مراعاة لعامل الزمان والمكان وغياب شُركاء أصليين عن مسرح المناسبة التي جاء من أجلها مستبقاً أي تفاهمات ونتائج مبنية على التجربة السابقة من إعلان أن أعياد الاستقلال سوف تشهد عودة ولاية غرب كردفان بغض النظر عن تقييم كامل لتجربة الحكم الإتحادي وعن أي نتائج وتصعيد يعيشها المشهد العام في ولايتي جنوب وشمال كردفان بجانب قضية أبيي التي ظلت تراوح مكانها منذ العام 2005 م مما شكل حضوراً إقليميا ودولياً كبيراً بجانب تواصل أزمة دار فور الممتدة وإفرازات الحلول الهشة التي لم تسمن وتغني من جوع لحل يوفر الاستقرار والأمن لتطور طبيعي لتلك المناطق . ولعل الحراك الذي أفرزه إعلان عودة ولاية غرب كردفان لم يكن في بال حزب المؤتمر الوطني أو لعله لا يُعيره اهتماما يُذكر حيث ما لبث أن لبس جلده القديم في عدم الإكتراث لأي مكون سوداني مهما كان درجة حضوره وحرصه على حقه ومستوى التعبير عنه ، وهنا أشير للمحليات الست التي إقتضت مصلحة ساكنيها أن تكون من نصيب ولاية شمال كردفان حين عمد المؤتمر الوطني لتقسيم تركة ولاية غرب كردفان ما بين ولايتي شمال وجنوب كردفان، فقد كانت أربع محليات غطت منطقة دار حمر وإقتضت الضرورة إنشاء محليتين جديدتين هما محليتي الخوي والأضية لتصبح ست محليات ذات تجانس إثني وإقتصادي واجتماعي مشهود فحركت النية في إنشاء ولاية جديدة اشواق قديمة موعود بها متى ما سمح ظرف الدولة السودانية من إستيعاب تاريخ وجغرافيا تلك المنطقة خاصةً وأن مدينة النهود المقترح لها أن تكون عاصمة لتلك الولاية تأتي في المرتبة الثانية في سلم مدن غرب السودان بعد الأبيض مباشرةً بكل المعايير التي تجعل منها عاصمة لولاية قادرة على البقاء والعيش ضمن منظومة ولايات السودان الأخرى . لكن وكعادته فإن حزب المؤتمر الوطني لا يسمع كلام القصير إلا بعد أن تحمى الحر ويقول حينها يا ريت ولعل التعتيم الإعلامي الذي يلقاه وفد المنطقة منذ أن جاء للخرطوم للبحث عن حق مستحق يمكن تفسيره بالحساسية المفرطة من قبل المركز من كل مطلب عادل يجهر به الهامش لتحقيقه بأقل التكاليف في زمانٍ ومكان يكون نيله سهلاً للطرفين وربما تتبدل الظروف ويكون حل السنون المتاح بدل الأيادي الممدودة للحل الآن.