الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القانون الواجب التطبيق فى عقود النفط .. بقلم: إعداد: د. أحمد المفتى المحامى
نشر في سودانيل يوم 13 - 01 - 2013


بسم الله الرحمن الرحيم
إعداد: د. أحمد المفتى المحامى رئيس مركز الخرطوم الدولى لحقوق الإنسان (KICHR)
سوف نتناول القانون الواجب التطبيق فى عقود النفط من خلال دراسة المادتين الثامنة عشر والرابعة والعشرين من اتفاقية شيفرون التى ابرمت بتاريخ 12 اكتوبر 1975 وذلك علي النحو التالى:
اولاً: المادة الثامنة عشر – القوانين واللوائح:
(1) تنص المادة الثامنة عشرة من اتفاقية شيفرون علي الاتى:
(‌أ) يخضع المقاول لقوانين السودان وللوائح الصادرة لتنفيذها بما في ذلك اللوائح الخاصة بسلامة وكفاءة اداء العمليات التى تتم تنفيذا لهذه الاتفاقية وللمحافظة على الثروات البترولية للسودان ، بشرط الا يكون اى من تلك القوانين او اللوائح او التعديلات او التغيرات متعارضة او غير متمشية مع نصوص هذه الاتفاقية .
(‌ب) تكون مصالح وحقوق والتزامات الحكومة والوزير والمقاول الواردة في هذه الاتفاقية والسارية طوال اجلها خاضعة لاحكام هذه الاتفاقية ، وطبقا لها ولا يمكن تغييرها او تعديلها الا باتفاق مشترك بين الاطراف المتعاقدة .
(‌ج) يخضع مقاولو المقاول ومقاولوه من الباطن للاحكام الخاصة بهم في هذه الاتفاقية ، كما يخضع لجميع اللوائح التى تصدرها الحكومة بصورة صحيحة من وقت الى آخر" .
(2) شرح المادة الثامنة عشر وتحليلها:
ننوه ابتداء الى ان المادة الثامنة عشرة الوارد نصها اعلاه تتضمن موضوعا قانونيا هو اكثر الموضوعات القانونية جدلا في الاتفاقيات البترولية ، بالاضافة الى انه اهم الموضوعات القانونية في الاتفاقيات المذكورة دون منازع . والموضوع المعنى هو ان شيفرون لا تضخع للقانون المحلى (قوانين السودان) اذا ما تعارض ذلك القانون مع نصوص الاتفاقية . فالفقرة (أ) من المادة المذكورة تنص صراحة علي ان تخضع شيفرون لقوانين السودان بشرط عدم تعارضها مع نصوص الاتفاقية . ولقد نصت اتفاقية شيفرون علي ذلك الموضوع مرة أخرى في المادة الرابعة والعشرين التى تنص علي الاتى: "تطبق قوانين جمهورية السودان علي هذه الاتفاقية وذلك مع مراعاة احكام المادة الثامنة عشر" والتى سوف نتطرق لها لاحقاً .
ان استعباد تطبيق القوانين السودانية علي النحو الموضح اعلاه له سابقة في القانون السودانى حيث ان المادة 25 من قانون الثروة البترولية لسنة 1972 (ملغى) تنص علي ان تسود نصوص الاتفاقية علي اى حكم مخالف من احكام ذلك القانون بالقدر الذى يزيل التعارض ينهما .
ونشير بوضوح الي ان المادة الثامنة عشرة من اتفاقية شيفرون ابعد مدى حيث انها تجعل نصوص الاتفاقية تسود علي كافة القوانين السودانية التى تتعارض معها في حين ان المادة 25 من قانون الثروة البترولية المشار اليها اعلاه تجعل احكام الاتفاقية تسود فقط علي احكام قانون الثروة البترولية التى تتعارض مع الاتفاقية . ويناء علي ذلك لا يمكن القول بان المادة الثامنة عشرة من اتفاقية شيفرون لها سند قانونى في نص المادة (25) من قانون الثروة البترولية لسنة 1972 .
ان موضوع القانون الواجب التطبيق في اتفاقيات البترول هو اهم موضوع قانونى في تلك الاتفاقيات لانه يتعلق بسيادة الدولة وحق السلطة التشريعية او التنفيذية (كما هو الحال في اتفاقية شيفرون) في تقييد السلطة التشريعية في تاريخ لاحق ومدى دستورية مثل تلك النصوص وما الي ذلك . ولقد تناول ذلك الموضوع العديد من الفقهاء كما انه كان موضوع العديد من القرارات الصادرة من محكمة العدل الدولية ومن هيئات التحكيم ومن منظمة الامم المتحدة ومن منظمة البلدان المصدرة للبترول . وسوف نتناول الموضوع بشئ من الاسهاب نسبة لان حقوق الطرفين والتزاماتهما لا تتبلور ولا تنفذ بصورة واضحة إلا في ظل القانون الواجب التطبيق . ولقدر رأينا ان نتناول القانون الواجب التطبيق بالشرح والتحليل علي النحو التالى: اولا: القانون المحلى ، ثانيا: القوانين الاخرى (وهى عبارة عن ثلاثة انواع: القانون الذاتى للاتفاق وقانون عبر الدول والقانون الدولى) .
(i) القانون المحلى:
من المقبول بصفة عامة ان القانون الذى يتفق عليه طرفا الاتفاقية له الصدارة في التطبيق علي كافة القوانين الاخرى القابلة للتطبيق عن عدم وجود مثل ذلك الاتفاق . وتجدر الاشارة الي ان موضوع تحديد القانون الواجب التطبيق بوساطة الطرفين ليس موضوعا سهلا كما يبدو حيث ان هنالك خيارات كثيرة متاحة . فقد يتفق الطرفان علي اختيار قانون معين ليحكم كافة جوانب العقد ويسمى ذلك بالاختيار العام للقانون الواجب التطبيق ، وقد يتفق الطرفان علي اختيار جزء من قانون او اختيار قانون ليحكم جزء فقط من الاتفاق ويسمى ذلك بالاختيار المحدود للقانون الواجب التطبيق بالاضافة الي ذلك قد يتفق الطرفان علي عدم تطبيق قانون معين ويسمى ذلك بالاختيار السلبى للقانون الواجب التطيبق . وقد يقوم الطرفان باختيار عدد من القوانين بحيث يحكم كل منها جانبا معينا من الاتفاق ويسمى ذلك بالاختيار المتعدد للقانون الواجب التطبيق ، وهنالك انواع اخرى من الخيارات . ومجمل القول ان الاتفاقيات البترولية في البلاد العربية تتضمن انواعا متباينة من طرق اختيار القانون الواجب التطبيق . ومن ناحية اخرى نشير الي ان اختيار القانون المحلى في دولة معينة يشمل اختيار قواعد تنازع القوانين المضمنة في ذلك القانون المحلى الذى تم اختياره . (1)
وفيما يتعلق بحرية الطرفين في اختيار القانون الذى يحكم اتفاقهما ينبغى التفرقة بين ذلك الاختيار وبين صحة ونفاذ العقد شكلا وموضوعا وهو امر يخرج عن دائرة ارادة الطرفين واختيارهما وينظم بصفة مطلقة بوساطة القانون المحلى للدولة المتعاقدة .(2) ولعل اوضح مثال علي ذلك الموضوع هو ان المادة 25 من قانون الثروة البترولية لسنة 1972 تجيز لوزير الطاقة والتعدين ابرام الاتفاق بموافقة رأى الدولة وبناء علي ذلك لا يكون الاتفاق نافذا إلا اذا وافق عليه رأس الدولة حتى لو رأى الطرفان خلاف ذلك . واعترافا بذلك الوضع نجد أن ديباجة اتفاقية شيفرون قد تضمنت اشارة لذلك حيث نصت علي الاتى: "وحيث ان قرارا جمهوريا سوف يصدر ليفوض الوزير صراحة السلطة في ابرام اتفاقية اقتسام الانتاج هذه وتنفيذها" ، وذلك حتى تؤكد انها قد ابرمت وفقا لنصوص القانون المحلى الذى يلزم الوزير بأخذ موافقة راس الدولة . وعلي الرغم من وجود ذلك النص إلا اننا نعتقد ان ابرام اتفاقيات البترول في السودان بموافقة راس الدولة ودون أخذ موافقة السلطة التشريعية هو أمر غير دستورى لانه يتعارض مع دستور 1973 السارى المفعول آنذاك ونشير في ذلك الصدد الى ان غالبية اتفاقيات البترول تشترط اصدارها في شكل قانون صادر من السلطة التشريعية .(3)
بالاضافة الى صحة نفاذ العقد شكلا وموضوعا وفقا للقانون المحلى نجد ان الامور الداخلية المألوفة مثل علاقات العمل ورخص الانشاءات والمرور والاجراءات القضائية يحكمها جميعا ً في غالبية الحالات القانون المحلى اذا لم يتفق الطرفان علي غير ذلك وقد ورد ذلك المعنى في قضاء المحكمة فى تحكيم ارامكو . (4)
أما فيما يتعلق بخضوع العقود المبرمة بين الدولة والاجانب في القانون المحلى نجد ان المحكمة الدولية قد قضت بذلك في كثير من القضايا ولعل أشهرها قضية شركة البترول الانجلوايرانية وقضية الفنارات وقضية القروض العربية . (5)
والى جانب قضاء المحكمة الدولية نجد ان هنالك آراء فقهية كثيرة تؤيد خضوع العقود المذكورة للقانون المحلى وان الخرق التعسفى للعقد من جانب الدولة المضيفة والذى ييبلغ حد انكار العدالة هو فقط الذى يدعو دولة جنسية الطرف الاجنبى للتدخل دبلوماسيا إلا اذا تم استبعاد التدخل الدبلوماسى بموجب تبنى شرط "كالفن" والذى سوف نتعرض اليه لاحقاً في هذا الفصل . وعلي الرغم من ان تلك الآراء تؤيد تطيبق القانون المحلى علي العقود المشار اليها ، إلا انها لا تتفق علي الاسس النظرية لتطبيق ذلك القانون كما انها لا تتفق علي تحديد مجال تطبيق القانون المحلى بالنسبة للقانون الدولى .(6)
بالاضافة الى ما ذكر اعلاه نرحظ ان الجمعية العامة للامم المتحدة اعلنت في قرارها رقم 1803 الخاص بالسيادة الدائمة علي الموارد الطبيعية في الفقرة (3) علي الآتى: "في حالة منع الأذن يسرى علي رأس المال المستورد ودخله شروط ذلك الأذن ، واحكام التشريع الوطنى النافذ ، والقانون الدولى ....(7)
ولقد كررت الجمعية العامة ذلك الاتجاه في تاريخ لاحق واشارت الى ضرورة خضوع نشاط رؤوس الاموال الاجنبية الى اشراف حكومى يهدف الى ضمان استخدامها لمصلحة التنمية القومية للبلد المعنى واكدت "ان استغلال الموارد الطبيعية في كل دولة يجب ان يجرى دائما وفقا لقوانينها وانظمتها الوطنية . (8)
ومن جانب آخر نشير الي انه حتى يعد اعتماد تطبيق القانون المحلى توجد مشاكل تتعلق بالتطبيق ، مثال ذلك ما حدث في قضية ما فروماتس حيث انه وعلي الرغم من ان اليونان وبريطانيا اتفقتا علي ان القانون الذى يحكم مشروعية اتفاقات الامتياز هو القانون العثمانى . إلا انهما اختلفتا فيما اذا كانت اتفاقات الامتياز تعد مشروعه طبقا للقانون العثمانى كما طلبت اليونان ام تعد باطلة كما طلبت بريطانيا . (9)
ومثال آخر علي ما ذكر اعلاه ، يوجد في قضية شركة البترول الانجلوايرانية حيث اقرت كل من بريطانيا وايران بخضوع العقد (المبرم بين الدولة واجنبى) لقانون الدولة الطرف ومع ذكل اختلفتا فيما اذا كان هنالك مجرد وجود لقواعد دولية تمنع الدولة من أن تنهى بتشريع عقد امتياز مبرم مع طرف احنبى خاص بالمخالفة لاحكام العقد المبرم بين الطرفين .(10)
ولعل أوضح مثال علي المشاكل القانونية التى يمكن ان تطرأ علي الرغم من اتفاق الطرفين علي القانون الواجب التطبيق هو قضية ارامكو . لقد اتفق الطرفان في القضية المذكورة علي وجوب تطبيق نصوص عقد امتياز سنة 1933 والقانون السعودى والمبادئ العامة للقانون المعترف به فى الامم المتحدة والقانون الدولى إلا انهما اختلفا حول طبيعة ومضمون عقد الامتياز والقواعد واجبة التطبيق في القوانين المذكورة وكيفية تفسيرها . (11)
وبالمثل في قضية التحكيم بين حاكم قطر وشركة البترول البحرينية الدولية المحدودة سنة 1953 قرر المحكم سير الفرد بكنل الي ان هنالك عوامل موضوعية عديدة تشير الي ان القانون الإسلامى هو القانون المطبق في قطر باعتباره القانون المناسب بيد انه غير مقتنع بان القانون المذكور يتضمن مبادئا كافيه لتفسير ذلك النوع من العقود .(12)
(ii) القوانين الاخرى :
وهى ثلاثة أنواع كما سبق ان ذكرنا ونتناولها كلا علي حده وذلك علي النحو التالى:
(أ) القانون الذاتى للاتفاق:
يقسم بعض مؤيدى استبعاد القانون المحلى الاتفاقات المبرمة بين دولة واجنبى الي اتفاقات عادية واتفاقات تنمية اقتصادية . ويشير ذلك التقسيم خلافا قديما حول ما اذا كانت الاستثمارات الاجنبية المتعلقة باستغلال الموارد الطبيعية في الدول النامية حققت زيادة في دخل تلك الدول بحيث تعتبر اتفاقات تنمية اقتصادية ام انها كانت مجرد مصدر ربح فاحش للمستثمرين .(13)
بالاضافة الى ما ذكر نجد انه في تقرير اعده بنك مانهاتن لنشاط تسع وعشرين شركة بترولية امريكية يلاحظ انه فيما يتعلق بتأثير استثمارات الامريكية الخاصة في صناعة البترول في الخارج علي ميزان المدفوعات الامريكى ان العائدات منصناعة البترول تعد عنصرا اساسيا في ميزان المدفوعات الامريكى ، وتبلغ 10/1 التدفق الدولارى الدولى تقريبا في السنوات الخمسين الاخيرة . (14)
وسواء وجدت مبررات لذلك التقسيم ام لا فان مؤيدوه يرون استغلال تلك الاتفاقات بذاتها علي اساس انها تبرم بين الاطراف وفق مبدأ "المتعاقد عبد تعاقده" Pacta sunt servanda ولذلك فهى تنشأ مستقلة عن اى قواعد قانونية وضعية موجودة من قبل . (15)
وحول نفس الفكرة نادى الاستاذ فيردروس بفكرة الاتفاق شبه الدولى المستقل بذاته علي اساس ان الاتفاقات التى تبرمها الدولة مع اجانب لا تعد عقودا خاضعة للقانون المحلى لدولة معينة وذلك لأن الاطراف لا يخضعون لقانون محلى واحد فضلا عن انها ليست معاهدات يحكمها القانون الدولى وتوصل الى ان ذلك النوع من الاتفاقات طائفة ثالثة جديدة يحكمها نظام قانونى جديد انشأته ارادة الاطراف وذلك النظام القانونى هو قانون العقد الذى ابرمه الطرفان . (16)
مما سبق يتضح ان فكرة القانون القائم بذاته او الاتفاق الذى يحكم نفسه او القانون الذاتى للاتفاق فكرة جديدة تتعارض مع كثير من المبادئ الاساسية للقانون كما أوضح العديد من الفقهاء ومن ذلك بتلك الصفة . ويرى د. عشوش ان نظرية القانون الذاتى للاتفاق لا تؤهل نفسها لحل المشكلات المرتبطة باتفاقات التنمية الاقتصادية حيث نجد في مجال اتفاقات البترول مشكلات المحافظة علي الموارد الحيوية الآيلة للنضوب ودمج صناعة البترول في الصناعات الأخرى ولذلك فانه يرى ان الحماية التى تسعى النظرية المذكورة الى توفيرها لحقوق المستثمرين الاجانب هى حماية نظرية اكثر مها واقعية .(17)
(ب) قانون عبر الدول او المبادئ العامة للقانون:
يرى قسم آخر من مؤيدى استبعاد القانون المحلى وجوب تطبيق قانون آخر علي الاتفاق بخلاف القانون الذاتى للاتفاق الذى نادى به الاستاذ فيردروس وبخلاف القانون الدولى . ويتكون النظام القانونى الذى يدعون الي تطبيقه من المبادئ العامة للقانون ويطلقون عليه قانون عبر الدول . وما زال ذلك النظام القانونى يؤسس علي دراسات الفقهاء اكثر من استناده علي سلوك الدول والمنظمات الدولية والاجهزة القضائية . ويتناول قانون عبر الدول كافة المسائل التى يدخل فيها عنصر اجنبى وعليه فهو يشمل القانون الدولى العام والخاص بالاضافة الي بعض القواعد التى يصعب ادخالها في القانونين المذكورين حبق انه يتضمن القواعد التى تطبق علي الجماعة الدولية بمختلف تركيباتها فعلى سبيل المثال فهو يحكم العلاقات بين المنظمات الدولية والافراد وبين المنظمات الدولية والدول بالاضافة الي العلاقات التعاقدية بين الدول والاجانب وهو الجانب الذى يعنينا في هذه الدراسة . ولقد اوضح فاتورس ان الاعتبارات التى عارضت تطبيق كل من القانون الدولى العام او القانون المحلى على عقود الدولة هى ذاتها التى تدعو لتطبيق قانون عبر الدول علي العقود المذكورة .(18)
أما فيما يتعلق بتطبيق قانون عبر الدول يلاحظ انه لا يزال هنالك العديد من المشاكل تعترض ذلك التطبيق . ولعل اكثر تلك المشكلات أهمية هو تحديد شروط التطبيق وتحديد مضمون القانون المذكور . ومن الحلو المقدمة لبعض تلك المشاكل ما ذهب اليه كارلستون من ان قانون عبر الدول يطبق عندما لا ينص في الاتفاق علي نظام قانونى آخر يحكما لعقد او من اجل تكملة قواعد قانونية اخرى قابلة للتطبيق او عندما ينص الاطراف صراحة علي ذلك .(19)
وفي الختام نشير اليى أن الاعمال التحضيرية للمادة 38 من النظام الاساسى لمحكمة العدل الدولية توضح أن اضافة المبادئ العامة للقانون (قانون عبر الدول) باعتبارها احد المصادر الرسمية للقانون الدولى لم نتهدف الى اعتبارها بديلا للمصادر الاتفاقية او العرفية للقانون الدولى انما قصد تزويد تلك المصادر بمصدر احتياطى ليسد ثغراتها ولا يمكنها بمفردها تقديم حلول ذات فاعلية لكافة المشكلات والمنازعات المتعلقة بالاتفاقات البترولية الاكثر تعقيداً بسبب اختلاف جنسية الاطراف وشخصياتهم القانونية والملكية العامة والأهمية المتعاظمة للموارد الطبيعية ، ونخلص الى انه وان كان لا يحق التشكيك في وجود مثل تلك المبادئ العامة الا ان كفايتها مازالت محل شك كبير .(20)
ويلاحظ انه في جميع المنازعات التى عرضت علي التحكيم بشأن اتفاقات البترول التى ابرمتها الدول العربية مع الشركات وعلي الرغم من تسليم محاكم التحكيم بأن القانون المحلى للدولة هو الواجب التطبيق إلا انها تبدر الي عدم تطيقه بدعوى عدم كفايته . وتلجأ المحاكم المذكورة الى تطبيق المبادئ العامة للقانون (قانون عبر الدول) وتضغى عليها مسميات مختلفة اما "القانون الحديث للطبيعة" او "المبادئ التى تأصلت في الفهم الواعى والممارسة الشائعة لكافة الدول المتدينة" كما في تحكيم ابى ظبى ، او" مبادئ العدالة والمساواة وحسن النية" كما في تحكيم قطر ، او "المبادئ العامة للقانون" كما في تحكيم ارامكو . وتطبق في تلك المبادئ مبدأ "المتعاقد عبد تعاقده" أو "الحقوق المكتسبة" ، او "الاثراء بلا سبب" ، او "التعسف في استعمال الحق" وكلها مبادئ موجودة في الشريعة الإسلامية التى تمثل القانون المحلى لكل دولة من تلك الدول المعنية بالتحكيم . (21)
(ج) القانون الدولى:
يمكن القول بوجه عام بأن القانون الدولى ينطبق اذا سمح القانون المحلى بذلك أو او وفقا لقوة القانون الدولى ذاته وذلك عندما ينص علي ذلك فيب احد المعاهدات ، او اخيرا اذا قضت الاشتراطات العقدية بذلك . بالاضافة الي ذلك فان كثيرا من قوانين الدول تعترف بان القانون الدولى يشكل جزءا من قانون الدولة المحلى ويمكن بتلك الصفة تطبيقه كلما كان القانون المحلى واجب التطبيق .
ويلاحظ ان المحاكم الدولية اكدت في مناسباتها عديدة سمو القانون الدولى على القانون المحلى مثال ذلك قرار محكمة العدل الدولية في قضية المناطق الحرة سنة 1925 والذى ورد فيه ان فرنسا لا يمكنها ان تعول علي تشريعها المحلى للحد من مجال التزاماتها الدولية .(22)
ومما يلاحظ كذلك انه يندر ان يشير اتفاق امتياز بترولى الى القانون الدولى باعتباره القانون الذى يحكم تفسير الاتفاق ولعل من امثلة تلك الاتفاقات النادرة ما تضمنته الفقرة (و) من المادة 22 من الاتفاق المبرم بين حكومة ايران وشركة البترول الانجلو فارسية سنة 1933 . ولقد توالى ابرام اتفاقات امتياز بترولية في البلاد العربية منذ ذلك التاريخ . ولقد تضمنت تلك الاتفاقات نصوصا صريحة تحدد القانون الواجب التطبيق بيد ان ايا منها لم يشر الى القانون الدولى باعتباره القانون الذى يحكم الاتفاق وذلك يوضح عدم رغبة الدول العربية في تحكيم القانون الدولى. (23)
علي الرغم مما ذكر اعلاه ذهب جانب من الفقهاء الي امكانية اخضاع اتفاقات البترول والاتفاقات الاخرى المشابهة الي احكام القانون الدولى العام مباشرة وترتبط تلك الفكرة باسم الفقيه الالمانى مان . ويستند مؤيدو تلك الفكرة الى نظرية القانون المناسب للعقد وانه للاطراف الحرية في اختيار القانون الدولى العام عندما يكون العقد مبرما مع شخص دولى .(24)
ولا شك في تقديرنا ان وجهة النظر الواردة اعلاه تتجاهل حقيقة ان بعض الدول لديها قواعد تشريعية تلزم بتطبيق القانون المحلى واستبعاد اى قانون آخر فيما يتعلق باستغلال المواد المنجمية مثال ذلك ما نصت عليه المادة 57 من قانون البترول الاسبانى الصادر في 29 ديسمبر 1958 ، والمادة الرابعة من قانون الهيدروكربونات الفنزويلى سنة 1943 .(25)
الخلاصة:
تعرضنا في شرحنا وتحليلنا الوارد اعلاه للمادة الثامنة عشرة من اتفاقية شيفرون الى كافة الاتجاهات الفقهية والعملية التى تتعلق باختيار القانون الواجب التطبيق علي الاتفاقات التى تبرم بين دولة ذات سيادة وشخص اجنبى وعلي وجه الخصوص الاتفاقات البترولية .
ونخلص من شرحنا وتحليلنا الى ان المادة الثامنة عشرة الوارد نصها في مقدمة هذا الفصل والمادة الرابعة والعشرين التى تحدد القانون الواجب التطبيق يخضعان اتفاقية شيفرون الى احكام الاتفاقية حيث تنصان صراحة علي انه في حالة وجود تعارض بين القوانين السودانية واحكام الاتفاقية تسود احكام الاتفاقية .
ونضيف الى التحفظات التى ذكرناها اعلاه فيما يتعلق بتطبيق القانون الذاتى للاتفاق واستبعاد القانون المحلى الى ان وجوب تطبيق قانون الدولة الطرف في الاتفاق البترولى لا يقوم فقط علي اساس من النظرية التقليدية المذكورة في اولا اعلاه ولكن ايضا كنتيجة للاتجاه الذى ساد في فترة ما بعد الحرب والذى يدعو لتطبيق قانون الدولة الطرف لتحقيق تنمية الاقتصاد القومى للدولة المعنية وتشجيع التعاون الاقتصادى الاقليمى والدولى . ولقد اكد ذلك المعنى قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 1803 الذى ركز علي عدم انكار سيادة الدولة علي مواردها الطبيعية وعلي تأثير الوظيفة الاقتصادية للسيادة كوسيلة لزيادة التنمية الاقتصادية الوطنية والتعاون الدولى . ولقد اعادت الجمعية العامة تأكيد ذلك المعنى في قرارها رقم 2158 الذى نص علي ان استغلال الموارد الطبيعية في كل دولة يجب ان يجرى وفقا لقوانينها وانظمتها الوطنية .(26)
ومن ناحية اخرى يمكن القول من خلال تحليل المنازعات القضائية والتحكيمية المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق ان معظمها يؤكد وجوب اللجوء الي القانون المحلى باعتباره اكثر النظم القانونية التصاقاً بالاتفاق ومشاكله .
ثانياً: المادة الرابعة والعشرون – القانون الواجب التطبيق
(1) نص المادة الرابعة والعشرون: تنص المادة الرابعة والعشرون من اتفاقية شيفرون علي الآتى:
"تطبق قوانين جمهورية السودان علي هذه الاتفاقية وذلك مع مراعاة احكام المادة الثامنة عشرة" .
(2) شرح المادة الرابعة والعشرون وتحليلها:
لقد سبق لنا شرح القانون الواجب التطبيق حيث اوضحنا اننا سوف نكتفى هنا بايراد النصوص المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق .
ان السبب الرئيسى الذى جعلنا نشرح موضوع القانون الواجب التطبيق عند تناول المادة الثامنة عشر من اتفاقية شيفرون علي الرغم من ان عنوان المادة الرابعة والعشرين من تلك الاتفاقية هو "القانون الواجب التطبيق" يكمن في ان الاشتراط الوارد في المادة الثامنة عشرة يكاد يحول دون تطبيق قوانين السودان علي الاتفاقية حيث ينص ذلك الاشتراط علي خضوع الشركة لقوانين السودان بشرط ان لا تكون تلك القوانين متعارضة او غير متمشية مع نصوص الاتفاقية . ولقد اشرنا عند تناولنا للمادة الثامنة عشر الي أن سيادة احكام الاتفاقية علي القوانين السودانية قد بدأت اساسا بالمادة 25 من قانون الثروة البترولية لسنة 1972 التى ادخلت بموجب تعديل صدر عام 1975 .
ونشير الى انه بالنسبة للتحكيم نصت الفقرة (ي) من المادة الثالثة والعشرين علي الاتى:".. يتعين بالنسبة للتحكيم ان يجرى تنفيذ هذه الاتفاقية وتفسيرها وتطبيقها وفقا للمبادئ القانونية المشتركة في السودان والولايات المتحدة الامريكية وفي حالة عدم وجود هذه المبادئ المشتركة . فان ذلك يجرى وفقا للمبادئ القانونية المتعارف عليها في الشعوب المتمدينة عموما بما في ذلك المبادئ القانونية التى طبقتها المحاكم الدولية" .
ولقد سبق أن قسما القانون الواجب التطبيق الى نوعين" النوع الأول هو القانون المحلى ، والنوع الثانى هو القوانين الاخرى (القانون الذاتى للاتفاق ، قانون عبر الدول ، القانون الدولى). ويتضح من النصوص الوارد في اتفاقية شيفرون فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق والموزعة في ثلاث مواد (المادة الثامنة عشرة والمادة الثالثة والعشرين والمادة الرابعة والعشرين) ان الاتفاقية قد عملت علي تحاشى تطبيق القوانين المحلية فهى لا تطبق إلا في المرحلة السابقة للتحكيم وشريطة ألا تتعارض مع نصوص الاتفاقية ، اما بالنسبة للتحكيم فان تنفيذ الاتفاقية وتفسيرها وتطبيقها يتم وفقا للمبادئ المذكورة في الفقرة (ي) من المادة الثالثة والعشرين وهى المبادئ القانونية المشتركة في السودان والولايات المتحدة الامريكية ، واذا لم توجد مبادئ قانونية مشتركة تطبق المبادئ القانونية المتعارف عليها في الشعوب المتمدينة بما في ذلك المبادئ القانونية التى طبقتها المحاكم الدولية . ولقد اصطلح علي تسمية تلك المبادئ ب"قانون عبر الدول" ولقد سبق أن ناقشنا قانون عبر الدول بالتفصيل .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.