جادَكَ الغيثُ . . أيُّها الرّاحل.. كلمة السفير جمال محمد إبراهيم في تأبين السفير الشاعر عبد المجيد حاج الأمين مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي- أم درمان 25 يناير 2013 أيها الجمع الكريم ، عرفته الدبلوماسية وقد جاءها ولواء الشعر بيده. عرفته بعض سفارات السودان، كما عرفته ردهات الأممالمتحدة، دبلوماسيا ناشطا ووجها سودانيا مشرقا في المحافل العربية والدولية . كنت أؤمن دائما أن بين الشعر والدبلوماسية، علاقة ووشائج. السفير يرحل في أسفاره ببدنه، والشاعر في الجانب الآخر، هو السفير إلى الخيال البعيد ، وظني أن بين الرحلتين تلاقٍ و استلهام. . نعرفُ عن الدبلوماسيةِ، أنها فن الممكن، وفن إعمال الخيال، وفن السعي لابتكار البدائل وصيد الخيارات ، وما الشعر إلا رحلةُ لاختبارِ الخيالِ، وصياغةِ الكلامِ ، من اللغةِ المحضة إلى لغةِ التطريبِ الوجداني ، وموسيقى الفكرِ الخلابة . تجسدت عند الراحل عبد المجيد موهبة الشعر وموهبة الدبلوماسية. أيها الأعزاء.. تشكّلت تجربته الشعرية والدبلوماسية من عناصر شتى .. هو الأمدرماني المتجذّر في ثقافتها والرّاسخ في أسرة من أبرز أسرها هي الهاشماب. للشيخ أبي القاسم هاشم مرجعيته الدينية كما له مرجعيته الأدبية ، وحضوره المشع وأثره البيّن في تنشئة أبناء الهاشماب، ممن لعبوا أدواراً مشهودة في مسيرة الحركة الوطنية. ولعل التنافس في الرؤى التي عكفت على صياغة الحراك الوطني ومجابهة المستعمر، بين "الأبروفيين" و أبناء الهاشماب، كان تنافساً إيجابياً مثمرا ولم يكن محض صراع خاوٍ من معاني الوطنية. من جماعة "الفجر" ، عرفات محمد عبد الله وأحمد يوسف هاشم أبو الصحف، وكبار مثل محمد أحمد محجوب ودكتور عبد الحليم محمد، والأخوان عبد الله ومحمد عشري الصديق والشاعر السفيريوسف مصطفى التني. ومن عباءة "الهاشماب"، خرج إلينا الخير هاشم رائد السينما في السودان، ومن ذات العباءة رائد الصحافة في السودان أحمد يوسف هاشم. في تلك البيئة الثقافية والسياسية وفي ذلك البيت، ترعرع الراحل عبد المجيد حاج الأمين. هو إذن صياغة "هاشمابية" أمدرمانية وطنية خالصة . أيها الحاضرون ، نحا الراحل منذ بواكير تجربته الشعرية منحىً عروبيا ، ينظم الشعر الرصين، ثم ينضوي عضواً راسخاً في جماعة إخوان الصفا الأمدرمانية، وفيهم صنوا روحه صديق مدثر أبو القاسم وعبد الكريم الكابلي، الذي أخذ عن صديق قصيدته الرائعة ضنين الوعد، ومن عبدالمجيد أنشودته الرائعة في الزعيم العربي جمال عبدالناصر وهي الأنشودة التي جلس الرئيس الراحل عبد الناصر واستمع إليها مباشرة من غناء عبد الكريم الكابلي في مسرح أم درمان القومي ... أقبل الصباحْ ..... مشرقاً وزاهرْ.. حدّث البطاح...... عن زعيم ثائرْ.. أسمر الوشاح...... اسمُهُ ناصرْ ثم تغنّى له الكابلي بقصيدته الثورية الحالمة في ثورة 21 أكتوبر 1964 : هبّت الخرطوم في جُنح الدُّجَى ضمّدت بالعزم هاتيكَ الجراحْ وقفتْ للفجر حتى طلعَا مشرق الجبهة مخضوب الجناحْ والتقينا في طريق الجامعَه مشهداً يا موطني مَا ارْوَعه.. ثم ها نحن نستعيد غنائياته "زمان الوصل" في إصدارة بهية من مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، وهي مجموعته الشعرية الثانية، ثم ندشن كتاب حوى المساجلات التي دارت بين عبدالحليم علي طه ومحمود الفكي من جمع واختيار الراحل عبد المجيد. الحضور الكرام.. في نظرة عجلى إلى الحراك الثقافي والسياسي منذ نيل السودان إستقلاله، نجد أن الشعر رافق الدبلوماسية منذ نشأتها كأوَّلِ وزارةٍ سودانية خالصة، فآخاها زمانا. عرفنا شيخها المحجوب مهندس وقانوني ووزير ولكنه قبل وبعد ذلك شاعرٌ مفوّهٌ رقيق الحاشية . عرفنا سفيرنا الأول في مصر يوسف التني ولكن عرفنا وتعشقنا شعره المُغنّى: "في الفؤاد ترعاه العناية". ذلك جيل الأوائل من بناة الوطن ، ثمّ يأتي الجيل الوسيط من الدبلوماسيين والسفراء والشعراء والأدباء: صلاح أحمد إبراهيم، ومحمد المكي ابراهيم، وسيد أحمد الحردلو ، قامات شعرية سامقة.. أيها الجمع الكريم.. عطر عبد المجيد الساحة الدبلوماسية وقد عاصر عهدها الوسيط، بفوحٍ من شعرٍ كامل الدّسم، فشكل صوتاً مُميّزاً وبصمة متفرّدة في الإبداع الدبلوماسي منذ سنوات الستينيات وإلى ساعة رحيله عام 2010.. وليس أنبل من احياء ذكرى رحيله بإصدارة في زمان تمناه أن يكون زماناً للوصل .. وليتنا نبقيه زماناً للوصل .. والسلام. الخرطوم – 25يناير 2013 jamal ibrahim [[email protected]]