كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرات في ترجمة "موسم الهجرة إلى الشمال" إلى الإنجليزية (1) .. بقلم: عبد المنعم عجب الفيّا
نشر في سودانيل يوم 30 - 01 - 2013

للقارئ أن يتعجب ويستغرب إذا علم أن ترجمة، فريدة كل العصور، رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) إلى الانجليزية، قد اكتمل بالتزامن مع الانتهاء من كتابتها !! فكان الطيب صالح كلما فرغ من كتابة فصل من الفصول بخط يده يقوم بتسليمه لدينيس جونسون ليقوم بترجمته إلى الانجليزية وهكذا إلى أن اكتملت الرواية. "كنت اتلقى كل بضعة أيام في مكتبي رزمة من الورق، هي حلقة جديدة في الرواية، وسرعان ما انتهت الرواية مع اكتمال الترجمة في الوقت ذاته تقريبا". (انظر: دينيس جونسون ديفيز- ذكريات في الترجمة) وهذه تجربة فريدة لا اظن انه يوجد ما يماثلها في تاريخ ترجمة الآداب.
سألت دينيس جونسون ديفيز، على هامش ندوه اقيمت بدبي لاحياء الذكرى الأولى لرحيل الطيب صالح- كيف تشرع في ترجمة رواية فصلا بفصل قبل اكتمالها وقبل قراءتها مكتملة. ما الدافع الذي جعلك تفعل ذلك، وكيف عرفت انها ستكون رواية ناجحة؟ قال لي فيما معناه انه كان يؤمن بموهبة الطيب صالح في الكتابة وكان يعرف انها ستكون رواية غير عادية. فهو قبل (موسم الهجرة إلى الشمال) قد اطلع على القصص الأولى للطيب صالح وترجم ونشر (حفنة تمر) و (دومة ود حامد).
ومن الطرائف المثيرة التي يذكرها ديفيز في كتابه (ذكريات في الترجمة) عن حكاية كتابة وترجمة ونشر، رواية، موسم الهجرة إلى الشمال، أن الطيب صالح عندما همَّ بنشر النص الاصلي للرواية كان متحرجا من نشر فقرات " آيروسية" فقام بحذفها. وكان ديفيز قد ترجمها سلفا في النص الانجليزي. وعندما شرعوا في نشر الترجمة تساءلوا هل يبقوا على الصفحتين المحذوفين من النص العربي خاصة وان جونسون لا يرى فيهما ما يمكن ان يثير حفيظة القاريء الانجليزي. واستقر الرأي أخيرا أنه لا جدوى من تضمين الترجمة فقرات لا وجود لها في الأصل. يضيف جونسون ديفيز "وفي مكان ما بين أوراقي توجد لدي هذه الفقرات مكتوبة بخط الطيب صالح في ورقتين وربما ستجدان ذات يوم طريقهما الى صالة مزادات لتباعا لقاء مبلغ جسيم الى مليونير يحرص على اقتناء هذه الاشياء المثيرة للفضول".
دينيس جونسون ديفيز مستشرق أو (مستعرب) كما يحلو للبعض، انجليزي، مولود بكندا، وقد عاش جزءً من طفولته بوادي حلفا بالسودان. يقول:" في طفولتي في وادي حلفا كنت قد نشأت بين الأطفال السودانيين. كنت اتحدث العربية بطلاقة إلا أنني نسيت كل كلمة منها فالمرء في طفولته يتعلم لغة ما بسرعة لكنه ينساها بيسر مماثل". وفيما بعد درس دينيس اللغة العربية بمعهد الدراسات الشرقية بجامعة لندن. ولا اشك ان ما تعلمه من العربية في وادي حلفا رغم نسيانه الظاهري، له، ظل محفورا في لاوعيه، يشكل خلفية ترسخ ما يتعلمه في الجامعة. وكان قبلها قد تخصص في الانجليزية بجامعة كمبريدج الأمر الذي أهله العمل محاضرا بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة في الاربعينات، واستاذا زائرا بالجامعة الامريكة بالقاهرة فيما بعد، كما عمل بهيئة الاذاعة البريطانية، وقد تعرف على الطيب صالح بلندن اثناء عمل الاخير بالاذاعة البريطانية. عشق دينيس مصر ولا يزال يعيش فيها حتى الآن وقد ناهز المائة سنة من العمر. ويعد ديفيز رائد ترجمة الأدب العربي الحديث إلى الإنجليزية أو بعبارة الطيب صالح The doyen of translators "سيد المترجمين".
صدرت الترجمة الإنجليزية لرواية (موسم الهجرة إلى الشمال) لأول مرة سنة 1969 أي بعد ثلاث سنوات من صدورها بالعربية وكان ذلك ضمن سلسلة كتاب أفارقة التي تصدرها دار نشر انجليزية مرموقة تسمى هاينيمان Heinemann . ويقول ديفز أن العديد من النقاد الانجليز قد اطنبوا في مدح الرواية عند صدورها بالانجليزية، حتى أن صحيفة الصنداي تايمز قد اختاراتها "رواية العام".
غير أن الطيب صالح يتوقف في المقدمة الانجليزية التي كتبها لطبعة "بنجوين" للأعمال الكلاسيكيةPenguin Classics ، للرواية، الصادرة سنة 2005 يتوقف عند رأي سالب عبر عنه ناقد انجليزي وقت صدور الرواية، وذلك بالملحق الادبي لجريدة "التايمز"، يقول الطيب، كان ذلك الكاتب حاد المزاج، ومتغطرسا، فاصدر حكما مبتسرا على الرواية، واصفا أياها بكل عجرفة انها تدور حول حدث واحد رئيسي episodic وهذه نقطة الضعف التي تسم كل الكتابات العربية!! .
من ناحية أخرى، يرى الطيب صالح، في مقدمته، لطبعة دار بنجوين المشار إليها، أن الاحتفاء الذي قابلته الرواية في باريس في ترجمتها الفرنسية اكبر بكثير من ذلك الذي وجدته الرواية في لندن. ويقول ان الترجمة الفرنسية ظهرت بعد مدة وجيزة من صدور الترجمة الانجليزية، وان المستشرق الفرنسي الكبير، جاك بيرك، الأستاذ بالكوليدج دي فرانس، بباريس، والذي يُحظى باحترام وسط المثقفين العرب، قد تفضل بكتابة مقدمة وافرة الثناء generous للترجمة الفرنسية، وأن الصحف الباريسية الكبرى قد حفلت بالمقالات النقدية المقرظة للرواية ومن ذلك أنه قد جاء في مقالة للكاتب فرانسوا مورياك: " لم يحدث أن قرأنا شيئا كهذا من قبل، ونحن الذين قد قرأنا كل شيء".
وعطفا على ذلك يذكر للطيب صالح في مقدمة طبعة بنجوين، ان سيدة باريسية، حكت له: أنها التقطت الرواية عن طريق الصدفة من أحدى المكتبات الباريسية وبدأت في قراءتها في القطار المترو، فاستغرقتها الرواية، حتى تجاوزت، من غير أن تدرى، المحطة التي كان عليها النزول عندها".
هذا، وقد تُرجمت الرواية، حسب الطيب صالح وديفيز، إلى إحدى وعشرين لغة معظمها ترجمات ثانية عن ترجمة ديفيز الانجليزية. وبعيد رحيل الطيب صالح في 2009 أصدرت دار "نيويورك ريفيو بوكس" New York Review Books بنيويورك الرواية لأول مرة بترجمة دينس جونسون ديفيز، بمقدمة ممتازة كتبتها الكاتبة والروائية الجزائرية ليلى لالامي. ونُذكِر بأن الملتقى الادبي بالنرويج كان قد اختار سنة 2002 الرواية بين أعظم مائة أثر أدبي عبر التاريخ. كما أن الاكاديمية العربية بدمشق كانت قد أختارت سنة 2001 الرواية، أفضل رواية صدرت بالعربية في القرن العشرين.
وبالنظر إلى الترجمة التي أنجزها جونسون ديفيز لهذه الرواية المعجزة، نقول أن هذه الترجمة، ترجمة نموذجية بكل المقاييس وأنها تُشكل مثالا يحتذي لما يجب ان تكون عليه الترجمة الأدبية. فاذا كانت الترجمة فن وإبداع، فدينيس، قد تفنن وأبدع في انجاز عمل عظيم. ومن أولى الدلائل على ذلك أن القاريء لا يكاد يحس بأنه يقرأ نصا مترجما. وآية نجاح الترجمة الأدبية، بل وكل ترجمة، ألا يشعر القاريء أن النص الذي أمامه منقول عن لغة أخرى وهذه مهمة عصية المنال لا يقدر على الوفاء بها إلا الأقلون. ولا أخالني أغالي إذا قلت أن المتعة التي أحسها في نص الرواية المنقول إلى الانجليزية لا تقل كثيرا، عن تلك التي أحسها في الأصل العربي.
وإذا كان أهم ما يميز رواية موسم الهجرة إلى الشمال، هو لغتها الشعرية والنبرة الغنائية الساحرة، والبنية الروائية الحاذقة والمذهلة، فان الترجمة الانجليزية قد نجحت في نقل هذه الشعرية وهذه الغنائية والبناء الحاذق، إلى القاريء الانجليزي بكل دقة وشفافية ورشاقة وسلاسة، وطلاقة، وانسيابية، ومطابقة، ولا أقول حرفية. ويكفي دليلا على كل ذلك عبارات المديح التي قيلت في حق الرواية من قِبَل النقاد والأدباء المتكلمين بالانجليزية.
فقد جاء في صحيفة الاوبزيرفر البريطانية في وصف الرواية: An Arabian night in reverse.., Powerfully and poetically written and splendidly translated by Denys Johnson-Davies' “الرواية، ألف ليلية وليلة أخرى... لقد كتبت برصانة وشاعرية فاتنة وترجمها ببراعة إلى الانجليزية دينس جونسون ديفيز".
ووصفتها صحيفة الناشرون الاسبوعية اللندنية: An arresting work "عمل أدبي آسر" بينما وصفتها جريدة النيويورك تايمز الأمريكية بالقول:A brilliant miniature.., Swift and astonishing in its prose." "تحفة حاذقة...تمتاز برشاقة اسلوبها وبسلاستها المذهلة".
(ملحوظة : أخذنا هذه الاقتباسات من الإفادات المكتوبة على الأغلفة الخلفية للطبعات الإنجليزية للرواية). وكل هذه الإفادات في مدح الرواية تؤكد براعة الترجمة ودقتها ولولا ذلك لما أحدثت الرواية هذا الأثر الفعّال والعميق لدى النقاد وقراء الانجليزية ولضاعت عليهم قيمة ومتعة الرواية.
من القضايا التي تواجه أي مترجم لنقل نص أدبي، بل وكل نص، ترجمة الخصائص الثقافية والعاديات واسماء الأدوات والأشياء والأمثال والعبارات الاصطلاحية التي لا يوجد ما يقابلها في اللغة المنقول إليها. والخيارات المتاحة أمام المترجم هي إما أن ينقل هذه الاشياء نقلا صوتيا كما هي في لغة النص أو أن يلجا إلى ما يسمى بالترجمة التفسيرية أي ان يقوم بنقل المعنى الدالة عليه هذه الأشياء.
وهذا ما اتبعه دينس جونسون بحصافة في ترجمة موسم الهجرة إلى الشمال. فالاشياء التي يوجد ما يقابلها في الانجليزية يورد هذا المقابل، كإيراده لكلمة acacia مقابلا لشجر الطلح، مع أن الأكاسيا فصيلة، تشمل الهشاب، والطلح. ولكن ذلك أفضل بكثير من الاكتفاء بايراد لفظ "طلح" كما هو في الترجمة. أما الاشياء التي لا يوجد ما يقابلها في الانجليزية فعمد الى نقل بعضها كما هي في لغة النص إذا رأي أن القاريء يمكن أن يدرك المعنى من خلال السياق العام أو بالرجوع إلى المعاجم والمصادر الاخرى أو ان شيئا لم يفوته إذا لم يلم بطبيعة الشيء المعين. ومن اسماء الأدوات والاشياء التي ينقلها نقلا صوتيا كما هي في النص الاصلي:
ديوان – وادي – سنط – سيّال – عرقي – عفريت – جني – حراز – صندل- أردب – كاكي- جبة – جلابية – كُحل، وغيرها.
ولكنه حينما يرى ان المعنى يمكن ان يضيع على القاريء الانجليزي اذا أبقى على الكلمة كما هي في لغة الأصل، فانه يلجأ إلى الترجمة التفسيرية ومثال ذلك ترجمته للكلمات الآتية ترجمة تفسيرية:
سبحة، فروة الصلاة أو المصلاية، برش، ساقية، قربة، دلكة، فركة القرمصيص إلخ. فقد ترجم السبحة: string of prayer-beads وترجم البرشstraw mat وترجم الساقيةwater-wheel وهكذا.
أما الأمثال والعبارات الاصطلاحية التي تجري مجرى الأمثال- فمهمة ترجمتها أصعب ولكن دينس جونسون اجتهد ببراعة في ايجاد المقابل لهذه العبارات ومن ناحية أخرى عمد إلى ترجمة بعضها ترجمة تفسيرية، وقد وُفِق في ذلك أيما توفيق. جاء في الرواية: "وضربني ود الريس بكوعه في جنبي قائلا: " قالوا نسوان النصارى شيء فوق التصور؟ فقلت: لا أدري. فقال: أي كلام هذا؟ شاب مثلك في عز الشباب يعيش سبع سنين في بلاد الهنك والرنك وتقول لا أدري؟"
فكيف يمكن نقل عبارة "بلاد الهنك والرنك"؟ لقد أوجد دينيس عبارة في الانجليزية مقابلة تماما لهذه العبارة وهي عبارة:land hanky-panky . وفي ذات السياق يرُد بكري على ود الريس قائلا:" النسوان نسوان في مصر أو السودان أو العراق أو واق واق. السوداء والبيضاء والحمراء كلهن سواسية". من المتوقع من اي مترجم اخر ان يترجم عبارة "الواق واق" ترجمة صوتية وينقلها كما هي على اعتبار أنها اسم لبلاد بعينها. ولكن لا توجد في الواقع، بلاد تسمى، الواق واق. والغرض البلاغي من هذا التعبير، المبالغة والايغال في الغرائبي والمستحيل. والعبارة مستوحاة من لغة "قصص لف ليلة وليلة" وكان دينس واعيا بذلك، لذلك لم يكتف بنقلها كما هي، بل اجتهد وأوجد المقابل الذي ينقل الغرض البلاغي لهذه العبارة بكل ما تحمله من ايحاءات اسطورية وسحرية، فترجمها إلى الانجليزية بعبارة :the land of Mumbo-jumbo التي تعطى ذات الدلالة البلاغية.
وحرصا من المترجم على نقل النص دون أدني غموض أو ابهام لا يكتفي بالترجمة التفسيرية بل يلجا إلى التصرف في النص، تصرفا ربما يرى فيه البعض نوعا من التجاوز، ولكنه تجاوز حسن لا يغير في النص شيئا بل يجعله أكثر وضوحا فهما للقاريء الانجليزي. ومثال ذلك تصرفه في نقل المثل السوداني السائر:" الغزال قالت بلدي شام". ففي مجلس اُنس ومسامرة، ضم عجائز فوق السبعين، يرفهون فيه عن انفسهم باحاديث الصبا وذكريات الشباب، يحكي جد الراوي: حاج أحمد، عن سفره إلى مصر وعرض أحد المصريين عليه الزواج من أحدى بناته، ولما يهم بذلك ياتيه تلغراف من البلد بوفاته والدته، فيعود إلى ود حامد. فيعلق ود الريس على حكاية حاج أحمد بقوله: "يا خسارة. الدنيا هكذا تعطى لا يريد أن يأخذ. على اليمين لو كنت في محلك كنت عملت عمايل. كنت تزوجت وقعدت هناك وذقت حلاوة الحياة مع بنات الريف. ماذا أرجعك لهذا البلد الخلاء المقطوع؟". فيرد بكري على ود الريس:" الغزال قالت بلدي شام". فيترجم دينس المثل ترجمة تفسيرية مع شيء من التصرف باضافة عبارة "فاستشهد بكري بالمثل" محل عبارة :" قال بكري " الموجودة بالأصل. وذلك لكي يفهم القاريء الانجليزي ان ما قاله بكري مثلٌ، وليس حديث عادي. وجاءت الترجمة كما يلي:
“The gazelle said; to me my desert country is as beautiful as Syria", Bakri quoted the proverb.
لاحظ أنه ترجم المثل ترجمة تفسيرية واتى بكلمة سوريا مكان الشام وذلك خشية ان تكون كلمة شام غير معروفة لكثير من القراء، ولا بأس في ذلك. وأبقى على "غزال" كما هي لانها جزء من المثل وربما لظنه انها سوف يشكل فهمها على القاريء، ولكن لا أرى بأسا لو أنه ترجم "غزال" إلى الانجليزية لان جريان الأمثال والحكم على لسان الحيوانات معروف في ميثيلوجيا شعوب العالم. وعلى أية حال فان دلالة المثل تتضح أكثر بربطه بجملة ود الريس السابقة له مباشرة، وهي قوله لحاج أحمد: "ماذا أرجعك لهذا البلد الخلاء المقطوع؟". وما أجمل ترجمة دينيس جونسون لهذه العبارة:
What brought you back to this barren good-for-nothing place?'
أما جملة " بنات الريف" الواردة في قول ود الريس:" لو كنت في محلك كنت عملت عمايل. كنت تزوجت وقعدت هناك وذقت حلاوة الحياة مع بنات الريف" فقد تصرف فيها بأن ترجمها تفسيريا بعبارة: Egyptian girls وحسنا فعل ذلك، لانها سوف لن تعنى شيئا للقاريء الانجليزي إذا ما اكتفى بنقلها كما هي.
من المعلوم بالضرورة أن اسماء الأعلام (الأشخاص) لا تترجم ولكن من التجاوزات الابداعية أن دينيس تصرف في ترجمة الاسم "آمال" الوارد في قول الراوي:" وابنتي اسمها آمال". وذلك بنقله إلى كلمة Hope الانجليزية. وقد يبدو ذلك غريبا ومستنكرا لأول وهلة. ولكن السياق والدلالة العامة وادراك الغرض البلاغي من ايراد هذا الاسم تحديدا في هذا السياق هو الذي أملى على المترجم هذا التصرف. فقد جاء في الرواية في واحدة من أكثر الفقرات شاعرية وغنائية: "استلقيت على الرمل واشعلت سيجارة، وتهت في روعة السماء...في ليلة مثل هذه تحس انك تستطيع أن ترقى إلى السماء على سلم من الحبال. هذا أرض الشعر والممكن وابنتي اسمها آمال. سنهدم وسنبني وسنخضع الشمس ذاتها لارادتنا وسنهزم الفقر باي وسيلة".
اسم "آمال" هنا ليس مجرد اسم عابر يمكن لاسم آخر أن يحل محله، ولكنه مقصود لذاته وفي ذاته، لدلالته اللغوية المعنوية والايحائية التي تستمد ظلالها من الرغبة في الهدم والبناء وهزيمة الفقر واخضاع المستحيل للارادة في التغيير وتحقيق الآمال والطموحات. وقد فطن المترجم لكل ذلك فعمد إلى ترجمة اسم آمال إلى ما يقابله في الانجليزية حتى لا تفوت دلالته هنا على القاريء الانجليزي، ولو انه أورده في صيغة الجمع لكان أجمل، ولكن يبدو أن ذائقته الإنجليزية لم تستسغ أن ياتي اسم لمفرد في صيغة الجمع.
ومن الأمثلة التي يمكن ان تثير اعتراض البعض التصرف الذي أجراه المترجم لواحدة من الشتائم وهي عبارة "ابن الكلب" حيث لم يلتزم دينيس بحرفية النص وأوجد شتيمة اخرى مقابلة يكثر استخدامها في الانجليزية وهي عبارة you son of a bitch!. جاء ذلك في حديث الراوي عن التهذيب الذي قابله به مصطفى سعيد في بداية تعرفه عليه حين قال:"لماذا لا يترك هذا الأدب ونحن في بلد إذا غضب فيها الرجال قال بعضهم لبعض :يا ابن الكلب!"
هنا يبدو أن هدف المترجم كان منصبا على إيراد أقرب شتيمة يمكن أن يتلفظ بها الرجل الانجليزي إذا غضب من أحد، فأوردها مقابلا للشتيمة الواردة في الأصل.
بل ان دينيس حرصا منه ألا تفوت القاريء الانجليزي أي صغيرة أو كبيرة عمد إلى اكمال ما تحرَّج الكاتب من التلفظ به في الأصل وترك مكانه خاليا مع وجود النقط (...) للدلالة عليه. وهو قول مصطفى سعيد:" سأحرر أفريقيا ب...ي". لا شك أن القاريء للنص العربي سوف لا يتردد لحظة واحدة في ملأ هذا الفراغ في صمت. ولكن دينيس جونسون لم يرى في التصريح بالشيء المحذوف ما من شانه اثارة حفيظة القاريء الانجليزي فحذف النقط وذكر المحذوف مكانها.
في الحلقة القادمة سنعرض لرأي يرى غير ما نرى في هذه الترجمة البديعة.
المصادر:
1- Season of Migration to the North, Heinemann, London, 1969
2- Season of Migration to the North, Penguin Classics ,London ,2005
3- Season of Migration to the North, New York Review Books, New York, 2009
4- دينيس جونسون ديفز، ذكريات في الترجمة، ترجمة كامل يوسف حسين، اليربوع للنشر والتوزيع ، دبي، ط1 2007.
5- الطيب صالح، موسم الهجرة إلى الشمال،دار العودة، بيروت ط،13، 1981.
abdou alfaya [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.