تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    مناوي : حين يستباح الوطن يصبح الصمت خيانة ويغدو الوقوف دفاعآ عن النفس موقف شرف    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    ميليشيا الدعم السريع ترتكب جريمة جديدة    بعثة الرابطة تودع ابوحمد في طريقها الى السليم    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العيد الماسي لمؤتمر الخريجين 1938-2013: مقالات .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 03 - 03 - 2013


1-حسن الطاهر زروق: يا طاهر الجيب
فوجئت بذكرين قيمين لحسن الطاهر زروق، الزعيم الشيوعي الراحل، ممن لم استعد لهما. فقد نوه به كل من عبد الله الطيب و جمال محد أحمد بغير سابق اتفاق في كتاب واحد هو "في الثقافة السودانية" (1990) تحرير علي عثمان محمد صالح والبشير سهل. ذكرا زمالته على تفرق دروب الفكر والممارسة ونوها بمواهبه. والزمالة وحرمتها من المعدوم في سوق الخرطوم منذ تعلمت الصفوة نهش واحدها الآخر لبلوغ المآرب.
كتب عبد الله الطيب في الكتاب عن زروق من أنه كان يحسن الترنم ب "شذى زهر ولا زهر" من شعر العقاد. وقال كان "يترنم بصوت ذي غنن وعذوبة وعمق". وكان بشعر العقاد معجبا. وكان يحب شعر التيجاني يوسف بشير. و"أكاد اسمع الآن صفاء رنة غُنة صوته بقوله:
إيمان من يعبد الحسن في عيون النصارى".
في نفس الكتاب وضع جمال الكاتب بين طريقين وعرين: هل نصور حياتنا العامة "تصويراً حراً أم نصورها بما يرضي التقليد ويرضاه التقليد. فإن أرضيت التقليد لا تحسن لمواهبك كل الإحسان. وقال عن وعورة سكة الحرية إن من سلكوها "تعذر عليهم حراسة الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي والثقافي. وكان ذلك قول الشيوعيين ودأبهم. فالوظيفة كانت الطريق لا طريق غيرها لهذا الحس الوطني. (ولم أفهم العبارة السابقة). وأضاف جمال أن مواهب جيلهم جزعت حين تبين لها ضيق الخيارات. فطريق الحس الكامل (طريق زروق) بدت موصدة. وما تأتى لصاحب قلم ذكي التوفيق بين النزاعات داخله وبين التقليد وحراسه الأشداء. وراح كل الجيل مشطور الفؤاد. ولكن غير بعيد أن يكون طاف طائف حسن الطاهر زروق بخيال كتابنا الذين أتوا بعده. اختار طريق الحس الكامل حين ذعرنا نحن لداته (أي أبناء جيله). تسمرنا". لا نعرف ما نفعل ولم ندرك الأمر إلا ضحى الغد.و" كان حسن واحداً من أقوى العزائم وأنصع الأقلام وأطهر الجيوب. اختار الطريق واعياً، فكان من أمرنا معه. ما أبعد الذي رجونا منه في عهده المثمر، ما أقل الذي استطاع. ضاع وقته الأزهر بين موجات تقذف به بينها، كانت أعتى من أن يقاوم، وإن آزره المحبوه، بالذي يقدرون".
زروق استثنائي خطا غير مكترث في طريق الحس. وهو الشاهد على فساد فكرة تجددت الآن من أن قيام الحزب الشيوعي في 1946 كان مخاطرة غير محسوبة. فيقول العائبون أما كان يكفي الشيوعيون آنذاك أن يبقوا جناحاً يسارياً في الحركة الاتحادية الأزهرية وغيرها. وكان زروق وجماعة في يسار تلك الحركة قبل أن يكونوا شيوعيين. ويصح أن نسأل لماذا لم يجدوا أنفسهم في حركة الاتحاديين وأضطروا للخروج منها إلى الطريق الوعر. فهذه سبيلنا لنعرف عن الحركة الاتحادية ما لا نعرف أو ما لا نرغب في معرفته.
اختار زروق الطريق الوعر للحس الكامل. وما زال هناك من انتظر منه التعثر في طريق معبد.
2-يسار الخلا ويسار البيت
قلت بالأمس إنه يسود إعتقاد قديم جديد بإن قيام الحزب الشيوعي في 1946 كان مجازفة وخطأ كبيراً. ومن رأي المخطئن أن شيعة أستاذنا عبد الخالق محجوب، ممن أشهروا الحزب الشيوعي، لم تنتصح بدعوة عوض عبد الرازق بأن يبقى الشيوعيون جناحاً يسارياً في الأحزاب الوطنية الداعية للوحدة كع مصر. وقلت أمس إننا بحاجة إلى معرفة أوثق بالحركة الاتحادية لنتأكد من صحة الزعم بأن بيئتها تهيأت للترحيب بتيار يساري وسطها أو لديمقراطية الأداء عموماً
وللوقوف على البئية الطاردة لكل عقيدة جذرية بين الاتحاديين أحيل القاريء إلى كتاب جيد لفيصل عبد الرحمن علي طه " الحركة السياسية السودانية". عرض فيه ل"مجزرة" يسار الاتحاديين الخالصين في 11 يوليو 1951. ففي ذلك اليوم فصل الزعيم الأزهري لحزب الأشقاء المهندس خضر عمر من عضوية الحزب وسكرتاريته معاً لإتهامه بقيادة تكتل ضد الزعيم في أوساط الحزب . وكانت في خضر عمر "جذرية" سياسية دفعت بعض الأشقاء للاعتراض على توليه منصب الأمانة العامة اصلاً. ولكن ناصره صديقه يحي الفضلي الذي استدرجه من مدني للخرطوم. وكان خضر ينادي بضرورة وضع برنامج للأشقاء ناقش مفرداته في منزل علي حامد، الصحفي الاتحادي المعروف، بحي العمدة مع جماعة من أصدقائه وهم أحمد خير المحامي وعبد الرحيم أحمد وأحمد عبد الله المغربي وميرغني علي مصطفى وأحمد محمد خير ومحجوب محمد عبد الرحمن وعثمان خاطر. وهم الذين سندوا ترشيحه لسكرتارية الأشقاء ودخل ثلاثة منهم لجنة الأشقاء التنفيذية. وصار بعض هؤلاء لاحقاً من مؤسسي الحزب الشيوعي. أيعقل إذاً، والحالة كتلك، أن يتسع الاتحاديون ليسار الخلا وهم الذين تخلصوا من يسار البيت؟ مالكم كيف تحكمون؟
ونقول استطراداً إنه تمر في عامنا هذا الذكرى الماسية لمؤتمر الخريجين (1938). ونحن نعلم عن ميلاده وحياته القصيرة الحافلة أكثر مما نعرف عن مصرعه. والدرس المستفاد ربما كان في مصرعه. وهذه من حكمة مولانا عبد الباقي العجيمي. قال لي الصوفية تكثر من موالد المصطفى ولا بأس. ولكن الحكمة من موته أكبر. وكان الذي صرع المؤتمر هو حركة الأشقاء التي فازت بقيادته في 1944 ولم يعد بعدها شيئاً. فقد طوته تحت جناحها وصار جهازاً خاضعاً لها. بل صارت متى انقسمت على نفسها كان مؤتمر الخريجين بعض الغنيمة. فلما انقسم محمد نور الدين في 1951 كون مؤتمراً للخريجين باسمه ضم كثيراً من شيعة خضر عمر وسماه مؤتمر السودان. وكان يجتمع بنادي الخريجين بالخرطوم. بل جر الاتحاديون مؤتمر الخريجين كهيئة اعتبارية لمباحثات وحدتهم في القاهرة في 1952 برعاية حكومة محمد نجيب. فكان مندوبو الأشقاء هم مندوبو مؤتمر الخريجين. وقد أنب الضمير الشقيقين مبارك زروق ويحي الفضلي في البداية أنه لا يصح ان يختلط المؤتمر، وهو هيئة تعليمية ثقافية، بالأحزاب.ولم يدم ذلك الأرق الأشقائي طويلاً. فتأمل!
3-جريدة مؤتمر الخريجين: البرش المضاد
مرت في فبراير المنصرم الذكرى الماسية لمؤتمر الخريجين (1938). وهي مناسبة لدراسة المؤتمر دراسة تاريخ لا مناقب. وأعني بالمناقب الكرامات يرويها المريدون عن الشيخ. أما التاريخ فهو للعلم بحقيقة الشيء ما وسعنا. وصار ممكناً الآن دراسة المؤتمر كتاريخ بفضل توفر محاضره التي نشرها المعتصم احمد الحاج في 3 أجزاء وملحق من مركز محمد عمر بشير بالجامعة الأهلية. وقد خص بالعرفان مؤسسة حجار الخيرية التي أعانت على النشر وسيد مصطفى حسين الذي وضع خبرته الوثائقية في خدمة البحث عن تلك المحاضر في الغياهب. ونأمل أن يلقى مشروع مركز محمد عمر بشير للاحتفال المستحق بالذكرى الفضية عناية الرعاة (زين ودال وسوداني و م ت ن وغيرها) والدولة. ونذكر لمنظمة أروقة أنها ناقشت هذه المحاضر في ندوة لها بالأمس. وأول السيل قطرة.
وأود هنا لفت النظر بنفع أن نستصحب في هذه الذكرى البليغة كتابين قيمين عن مؤتمر الخريجين من وضع المرحوم محجوب عبد المالك وهما "الصحافة والسياسة في السودان" (1985) (بالإنجليزية) و "بين السياسة والصحافة في السودان، 1924-1960" (2001) (بالعربية). ونسارع للقول بوجوب إنتهاز سانحة فضية المؤتمر لتعريب الكتاب الأول. وسبب تقريظي بمباحث محجوب أنه عرض بتفصيل لحياة جريدة "المؤتمر" منبر مؤتمر الخريجين بما سيلقي الضوء على كساد صحيفة "لسان الحال" الحزبية أو المؤسسية في تاريخ لصحافة السودانية. وخلص محجوب من دراسة سياسة الجريدة في إدارتها وتحريرها وسيطرة جماعة الأشقاء عليها إلى أن المؤتمر حمل بذرة فنائه في داخله للفرقة بين أطرافه. وأضاف أن الله لم يقيض لمواقف تلك الأطراف المتباينة أن تأتلف خلال الممارسة ولا أن تصفي حساباتها بينها على بينة. ولم تخدم صحيفة المؤتمر، لسان الحال ، في تنقية هذه الخلافات وتقريب شقة الخلاف لأنها كانت أكثر الصحف محافظة. وتفادت الخوض في مسائل الخلاف حرصاً على الوحدة في المدى القصير. ولكنها لم تتحسب لضمان دوام هذه الوحدة على المدى الطويل.
وتوقفت بالذات عند تواطؤ الأشقاء لإبعاد الدكتور حليم رئيس تحرير "المؤتمر" ذي الاتجاهات الاستقلالية. فنشر حليم كلمة ينتقد الأشقاء المتنفذين لخرقهم دستور المؤتمر في جمعيته العمومية في 1941 بمنح العضوية لمتعلمين من غير خريجي المدارس العليا. وكان الأشقاء بثوا العيون لضبط ما يُنشر في الجريدة .فصادروا العدد من المطبعة. وانتهزوا فرصة استقالة حليم بسبب الرقابة والانشغال بغير المؤتمر فقبلوها وذكروا تفرغه لوظيفته وصمتوا عن احتجاجه على الرقابة. وقيل أن حليم تحسر وقتها على اللطف النسبي للحكومة مع الصحف لأنها لم تبلغ بخشونتها الدرك الذي بلغه المؤتمر داعية الحرية. وقال محجوب إن حليم لم يترك رئاسة التحرير فحسب بل ترك صحيفة في مهب الريح.
وصف الناس جريدة "الثورة" لسان حال حكومة عبود ب"البرش". وهناك بروش مضادة مثل "المؤتمر".
3-المعهد العلمي: ودارهم الآخرة
استضافني في الأسبوع المنصرم غسان عثمان على القناة السودانية والروائي إبراهيم إسحاق لنتحدث عن الثقافة والسياسة. وتطرقنا كما لابد لمؤتمر الخريجين في عيده الماسي (1938). وجاء إبراهيم بزاوية "فاشرية" للنظر إلى همة ذلك المؤتمر. فقال إن من وقفوا مع المؤتمر في الفاشر كانوا من خريجي المعاهد الدينية فعبأوا الناس ضد الإنجليز حتى حرقوا العلم الإنجليزي من فوق سارية المديرية في 1952.
يحفزنا قول إبراهيم إلى وجوب دراسة مؤتمر الخريجين كما أسفر في غير مدني، مرحلة الدعوة له، وأم ردمان حاضنة نشاطه المركزي. والمفارقة في حالة الفاشر أن الجماعة من خريجي المعاهد كانت لن تحظى بعضوية مؤتمر الخريجين نفسه لأن عضويته اقتصرت حصرياً على خريجي غردون وقواعدها الأخرى. فجهاد معهديي الفاشر كان احتساباً. وما تجلت ثنائية التعليم في مؤتمر الخريجين في مثل ما ذكره أحمد محمد البدوي في كتابه القيم عن التيجاني يوسف بشير. فرفض نادي الخريجين تأبينه لأنه من غير كلية غردون. وتمكنت هذه الثنائية من الغردونيين حتى أنهم (مع ما يبدونه من عناية جلَّافية بتطوير المعهد) رفضوا نقل مدرسة الشريعة من كليتهم للمعهد العلمي بأم درمان لتخريج قضاة شريعة في للمحاكم. ومن طرائف هذه الثنائية ما رواه لي الوسيم عبد الله الشيخ البشير من تكوين خريجي المعهد العلمي لمؤتمر خاص بهم تعويضاً عن استبعادهم من المؤتمر. وكانت دارهم متواضعة وجلوسهم على البروش. فسموها "الدار الآخرة".
قادني هذا السياق للقول في البرنامج إننا ينبغي أن نحسن نقد رواد القومية السودانية الغردونيين. فأنت تسمع طوال الوقت أنهم أبناء القومية الصغرى (العربية الإسلامية) التي أرادت حمل القوميات الأكابر على محامل ثقافتها خاصة في ما صار يعرف ب"البوتقة". اي أنها تحصر تعريف "السوداني" ومواطنته في تبنيه الثقافة العربية الإسلامية في آخر مطاف خلطة الأقوام في الوطن. وستكون الدولة طرفاً رئيسياً في هذا التعريب والأسلمة كما هو مشاهد.
ما تقدم من نقد لقومية مؤتمر الخريجين صاح. ولكن في قصر الثقافة العربية الإسلامية عليهم غلو. فبالله عليك كيف تنسب غردونيّ المؤتمر للثقافة العربية الإسلامية حصرياً وهم من "فرز كومه" من المعهديين ذوي الكعب العالي في علم العربية والإسلام؟ وقد فعلوا ذلك بذريعة الحداثة. فالمعهد عندهم "رجعي" واهتمامهم به كان من باب ولاء المضطر للهوية العربية الإسلامية لأغراض الوطنية.
يأتي نقد قومية مؤتمر الخريجين لسعيه لتمكين العربية والإسلام من "قوميات الهامش". ولكنهم لو دققوا لوجدوا ""المركز العربي الإسلامي"، الواحد في نظرهم، هو مراكز شتى في الواقع. فهناك قومية المعهديين وقومية الطبقة العاملة والكادحين وقومية النساء وغيرها. ومعظمها "إسلاموعربي" ولكن منها ما نادى بتآخى الثقافات في الوطن ونزع الدولة من دفة إدارة التنوع.
4-جريدة مؤتمر الخريجين: البرش المضاد
مرت في فبراير المنصرم الذكرى الماسية لمؤتمر الخريجين (1938). وهي مناسبة لدراسة المؤتمر دراسة تاريخ لا مناقب. وأعني بالمناقب الكرامات يرويها المريدون عن الشيخ. أما التاريخ فهو للعلم بحقيقة الشيء ما وسعنا. وصار ممكناً الآن دراسة المؤتمر كتاريخ بفضل توفر محاضره التي نشرها المعتصم احمد الحاج في 3 أجزاء وملحق من مركز محمد عمر بشير بالجامعة الأهلية. وقد خص بالعرفان مؤسسة حجار الخيرية التي أعانت على النشر وسيد مصطفى حسين الذي وضع خبرته الوثائقية في خدمة البحث عن تلك المحاضر في الغياهب. ونأمل أن يلقى مشروع مركز محمد عمر بشير للاحتفال المستحق بالذكرى الفضية عناية الرعاة (زين ودال وسوداني و م ت ن وغيرها) والدولة. ونذكر لمنظمة أروقة أنها ناقشت هذه المحاضر في ندوة لها بالأمس. وأول السيل قطرة.
وأود هنا لفت النظر بنفع أن نستصحب في هذه الذكرى البليغة كتابين قيمين عن مؤتمر الخريجين من وضع المرحوم محجوب عبد المالك وهما "الصحافة والسياسة في السودان" (1985) (بالإنجليزية) و "بين السياسة والصحافة في السودان، 1924-1960" (2001) (بالعربية). ونسارع للقول بوجوب إنتهاز سانحة فضية المؤتمر لتعريب الكتاب الأول. وسبب تقريظي بمباحث محجوب أنه عرض بتفصيل لحياة جريدة "المؤتمر" منبر مؤتمر الخريجين بما سيلقي الضوء على كساد صحيفة "لسان الحال" الحزبية أو المؤسسية في تاريخ لصحافة السودانية. وخلص محجوب من دراسة سياسة الجريدة في إدارتها وتحريرها وسيطرة جماعة الأشقاء عليها إلى أن المؤتمر حمل بذرة فنائه في داخله للفرقة بين أطرافه. وأضاف أن الله لم يقيض لمواقف تلك الأطراف المتباينة أن تأتلف خلال الممارسة ولا أن تصفي حساباتها بينها على بينة. ولم تخدم صحيفة المؤتمر، لسان الحال ، في تنقية هذه الخلافات وتقريب شقة الخلاف لأنها كانت أكثر الصحف محافظة. وتفادت الخوض في مسائل الخلاف حرصاً على الوحدة في المدى القصير. ولكنها لم تتحسب لضمان دوام هذه الوحدة على المدى الطويل.
وتوقفت بالذات عند تواطؤ الأشقاء لإبعاد الدكتور حليم رئيس تحرير "المؤتمر" ذي الاتجاهات الاستقلالية. فنشر حليم كلمة ينتقد الأشقاء المتنفذين لخرقهم دستور المؤتمر في جمعيته العمومية في 1941 بمنح العضوية لمتعلمين من غير خريجي المدارس العليا. وكان الأشقاء بثوا العيون لضبط ما يُنشر في الجريدة .فصادروا العدد من المطبعة. وانتهزوا فرصة استقالة حليم بسبب الرقابة والانشغال بغير المؤتمر فقبلوها وذكروا تفرغه لوظيفته وصمتوا عن احتجاجه على الرقابة. وقيل أن حليم تحسر وقتها على اللطف النسبي للحكومة مع الصحف لأنها لم تبلغ بخشونتها الدرك الذي بلغه المؤتمر داعية الحرية. وقال محجوب إن حليم لم يترك رئاسة التحرير فحسب بل ترك صحيفة في مهب الريح.
وصف الناس جريدة "الثورة" لسان حال حكومة عبود ب"البرش". وهناك بروش مضادة مثل "المؤتمر".
Ibrahim, Abdullahi A. [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.