[email protected] ستطالعون اعتباراً من صباح اليوم الكثير من النواح والبكائيات. ستقرأون لمن كانوا حتى الأمس القريب يبشرونكم بهلال نار ويحدثونكم عن إدارة رشيدة ومدرب بارع، كلاماً مغايراً تماماً، وكأن ما كُتب خلال الفترة الماضية سطره آخرون غيرهم. ستجدون بين سطور البعض انفعالات وعواطف تشبه مشاعر المشجعين العاديين ولا علاقة لها بأعمدة الرأي، وهذا هو ما يجعلنا نتجرع الهزائم المريرة. على المستوى الشخصي لم أتوقع أن يخسر الهلال بهذه النتيجة الكبيرة، لكن كرة القدم تحفل بكافة الاحتمالات دائماً ولا تحترم سوى العطاء داخل وخارج الملعب. الأندية التي ترغب في تسجيل أسمائها بأحرف من نور تبدأ بالتخطيط الجيد وحشد كافة الإمكانيات المادية والبشرية والفنية. لكننا في السودان نعمل دائماً وفقاً لمبدأ " رزق اليوم". وبالرغم من التخبط والعشوائية وانعدام روح المسئولية هناك من يوهمون جماهير الكرة كل يوم بالحديث عن هلال نار ومريخ لا يقهر.. الخ العبارات الرنانة التي تحتفي بها الكثير من جماهير الكرة للأسف الشديد. أكثر الكتاب الرياضيين رواجاً هم من يسوقون مثل هذه الأوهام ويصرون على تسلية القراء دون أن يقدموا لكرة القدم التي تعاني الكثير أي إضافة تذكر. وبعد كل ذلك نريد أن نتقدم كروياً. كيف لنا أن نتقدم كروياً ونحن نفتقد لصحافة رياضية واعية وراشدة ونزيهة وصادقة تبصر بالأخطاء وتحث الإداريين على العمل الممنهج المدروس. تعادل الهلال مع المريخ بعد أن قدم مباراة كبيرة، كنت أعلم ألا علاقة لها بتطور أداء الأزرق لأن تطور فرق الكرة لا يأتي بين عشية وضحاها.. حدث ذلك فدلق الكثير من كتاب الأزرق حبراً غزيراً في التريقة على المريخاب والتباهي بناديهم، متناسين عن عمد أن المواجهة الأفريقية كانت على بعد أيام معدودة، وأن مثل ذلك الإطراء المبالغ فيه لمجرد لعب مباراة كبيرة أمام الند التقليدي من شأنه أن يضر أكثر مما يفيد قبل المغادرة لساحل العاج. فجاءت النتيجة التي سيكتبون اليوم عن كارثيتها وعن مرارتها وقسوتها رغم أن صحافتنا الرياضية هي السبب الأول في مثل هذه الهزائم غير المتوقعة. بعض من كانوا حتى الأمس القريب يعتبرون البرير رئيساً مدهشاً أو غارزيتو مدرباً فذاً سينقلبون عليهما اليوم وسيمسحون بهما الأرض. ومثل هذا الإعلام الانفعالي الانطباعي لا يمكن أن يقدم أي عون للخروج من مآزق كرة القدم السودانية. نواح وعويل بعد كل هزيمة.. وتضخيم وتهويل بعد كل فوز.. وبرضو دايرين نصل لمنصات التتويج القارية!! من يريد أن ينتقد البرير أو غارزيتو أو لاعبي الهلال اليوم لابد أن يكون قد حدثنا قبل بدء معسكر أديس أبابا عن التخبط والعشوائية والتردد في اختيار مكان المعسكر.. ولابد أن يكون قد كتب عن تذبذب مستوى الهلال إبان ذلك المعسكر وبعده. ويجب أن يكون قد أشار إلى أن الفوز على أنديتنا المحلية الصغيرة قبل انطلاقة الموسم لا يعني شيئاً.. وأن الأهداف الصاروخية لمهند وكاريكا وتراوري في تدريبات الأزرق لا تستحق أن تفرد لها المساحات في الصحف اليومية. وعليه أن يكون قد نوه إلى إفراط غارزيتو في تبديل وتغيير اللاعبين وخطط اللعب.. لا أن يصور لنا غارزيتو حتى الأمس القريب وكأنه عبقري زمانه ليأتي اليوم وينتقده لنا.. هذه ليست صحافة وهذا ليس نقداً، بل هي مجرد انطباعات وانفعالات يمكن لأي قارئ أن يقدم أفضل منها بكثير. ليس من الحكمة بالطبع أن نخوض في الجوانب الفنية لمباراة لم نشاهدها، لكن يبدو واضحاً أن هناك خللاً كبيراً أدى لهذه الهزيمة الكبيرة. من الأشياء التي استغربتها في تشكيلة غارزيتو دخول الحارس جمعة أساسياً، رغم اقتناعي التام بإمكانياته، إلا أن الحارس الذي شارك في آخر ثلاث أو أربع مباريات هو المعز محجوب، فكيف يفوت على مدرب مثل غارزيتو أن حارس المرمى لا يقحم في المباريات الهامة من دكة البدلاء وأن الأفضل دائماً أن تشرك من لعب آخر المباريات التنافسية! ليس معنى ذلك بالطبع أنني أفترض بأن جمعة هو سبب الهزيمة، بل على العكس فقد يكون أحد أفضل اللاعبين، لكن المهم أن فكرة إشراكه أساسياً لم تكن حكيمة. لن تتاح لنا قطعاً فرصة مشاهدة المباراة حتى نقف على أسباب الهزيمة، لكن المهم في الأمر أن النتيجة عقدت حسابات الهلال كثيراً. لم يعد أمام الهلال فرصة للتأهل على حساب قاهره سيو إلا عبر تسجيل ثلاثة أهداف نظيفة في مباراة الرد. أمر ممكن وجائز في كرة القدم، فمثلما سمحت للخصم أن يسجل في مرماك أربعة أهداف يفترض أن تتحلى بالجسارة والقوة والروح لتسجيل ثلاثة أهداف في مرماه. لكن تحقيق مثل هذه النتيجة أشبه بالمستحيل على فريق سوداني، بحكم ما نعانيه من مشاكل قتلناها بحثاً وتشريحاً. صحيح أن الهلال سبق أن تأهل على نساروا النيجيري رغم تأخره هناك بثلاثة أهداف، لكن الظروف كانت غير ظروف اليوم. وإن رغب الأهلة في التمسك ببصيص الأمل هذه المرة، فلابد أن تتضافر جهودهم. لكن كيف تتضافر الجهود وهناك من كان ينتظر مثل هذه الهزيمة للتشفي من المجلس! وهناك من سيدافع عن المجلس ومدرب الفريق ظالمين أو مظلومين، لمجرد الرد على الفئة الأولى ومحاولة قفل الطريق أمامها! أولاً وقبل كل شيء على مجلس الهلال أن يعرف كيف يكون حكيماً وشجاعاً في مواجهة هذه الأزمة وأن يتحلى بالروح التي تمكنه من جمع الشمل بدلاً من المحاولات المستمرة للتصدي للمعارضين والرد عليهم بمختلف الوسائل. لن أطالب المعارضين بشيء لأنني أعلم أن بعضهم يرتبط بمصالح محددة لا تجدي معها أي نصائح. لكن على مجلس الإدارة أن يخطط بشكل جيد ومدروس لكيفية الخروج من هذا المأزق. وعلى مستشاريه أن يقدموا له العون الحقيقي وأن يمتلكوا الجرأة في البوح بالسلبيات كما يرونها، بدلاً من ركوب موجة التبشير بالهلال المولع هذا العام. فقد أثبتت أول تجربة حقيقية أن هلال 2013 لا هو نار ولا مولع. ومثلما سخر بعضنا من عصام الحاج على عبارته فارغة المضمون " موسم الخبت" عليهم أن يتحلوا بالشجاعة ويقولوا للدكتور قاقرين: أين النار التي بشرتمونا بها! وعلى المدرب غارزيتو أن يكف عن الفلسفة والتنظير. نُقل عن غارزيتو اليوم أنه طالب اللاعبين بالتماسك وهذا حديث جيد ومطلوب من أي مدرب. لكن الغريب أن غارزيتو قال أن سبب الخسارة هو الضغوط التي تسببت فيها مباراة المريخ!!!! هل تعيش بلا ذاكرة يا غارزيتو أم ماذا! بالأمس القريب تقدمت بشكرك الجزيل لاتحاد الكرة على إقامة مباراة القمة في موعدها وقلت أنها قدمت لكم تجربة ممتازة قبل المواجهة الأفريقية. واليوم بعد الهزيمة تعزي الهزيمة لتلك المباراة وضغوطها!! لن ألوم غارزيتو وحده فاختزال المشاكل في شخصه يجافي الحقائق، فقد عودنا لاعب الكرة السوداني أن يكون يوماً في السماء وفي اليوم الذي يليه في الأرض. هذا ليس واقعاً جديد، بل هي أزمة عانى منها لاعبنا على مدى سنوات طويلة. وكم من مدربين جاءوا ورحلوا دون أن تحقق أنديتنا شيئاً. بس أزمة غارزيتو والمجلس الحالي الوحيدة هي أنهم لم يتمكنوا من المحافظة على تقدم الهلال للمراحل المتقدمة من البطولة الأفريقية خلال السنوات الفائتة. سيقول قائل أن ما تحقق في الفترة الماضية كان بفضل نجاح سياسات صلاح إدريس، وأنا أقول أن الهلال بلغ نهائي كأس أفريقيا في فترة كانت فيها المنافسة أكثر صعوبة مرتين قبل أن نعرف اسم صلاح إدريس. وعلى جماهير الأزرق أن تحاسب نفسها أيضاً، حيث لعبت هذه الجماهير دوراً في حالة عدم الاستقرار التي عانى منها الفريق في الفترة الأخيرة بسبب مشكلة لاعب واحد انتقل في نهاية الأمر للغريم التقليدي. مثلما التف الأهلة حول ناديهم قبل مباراة ناساروا النيجري، يمكنهم أن يكرروا ذات الشيء اليوم، وهذه مهمة المجلس فإن عرف كيف يجيد التصرف مع هذه الأزمة تمسكنا بالأمل وإن فشل راحت كل الآمال أدراج الرياح. حتى إن تحقق الهدف المطلوب، فلن يعني ذلك بأي حال أن الهلال سيضع نفسه على طريق منصات التتويج هذا العام، لكن دعوهم أولاً يردوا الاعتبار أمام سيو، لأن الخروج بهذه الطريقة مذل حقيقة وسيضيف لآلام جماهير الكرة الكثيرة أصلاً. نقاط أخيرة: عوداً حميداً مجنون ليلى وألف لا بأس عليك وأتمنى أن تكون أمورك قد استقرت تماماً.. نعم كان هيثم مشتت ومهزوز وكنت أعلم منذ البداية أنه حينما يفيق الفتى من صدمته سيكتشف أن ما فعله غير قابل للتطبيق لا بحسابات الاحتراف ولا بأي حسابات في الدنيا. يبدو يا أخي أبو البنات أن توقعاتك في طريقها لأن تتحقق، لكن دعنا نتمنى ألا تصدق تلك التوقعات ويتخطى الناديان هذه المراحل الأولى على الأقل.. أما عن المهذلة فهي بالجد محزنة، لكن أسبابها توفرت منذ فترة وليست وليدة اليوم. اتفق معك يا أبي أريج في أن بوي يلعب على الأجسام أكثر مما يلعب على الكرة، لكنه في مباراة المريخ تجلى تماماً وقدم أفضل مبارياته مع الهلال على الإطلاق. عجبت لكتاب كبار يعتبون على العجب لكونه قد زعل أخيراً بعد أن مد حبال الصبر طويلا جداً.. كيف تطلبون من العجب أن يكون بلا إحساس يا من كنتم حتى وقت قريب ضد فكرة تسجيل هيثم بالمريخ. من غير المنطقي ولا المقبول أن يجلس العجب في الدكة طوال الوقت ويشارك هيثم الوافد الجديد لتسعين دقيقة كاملة بغض النظر عما يقدمه داخل الملعب، فإن ثار العجب لنفسه فليس عليه حرج. هيثم يشارك بقرارات إدارية بحتة، لا علاقة للرأي الفني بها، وكنت أعلم قبل أن يتعاقد الكوكي مع المريخ أن الوضع في الناديين الكبيرين مختلف جداً وقد نبهت لذلك، لكن المشكلة أن غالبيتنا لا تسمع لصوت العقل ويهيجون ويفورون مع كل تغيير حتى إن كان للأسوأ وبعد وقوع المصائب يبدأ النواح.