قد يبدو الاسم غريبا" على الاجيال الحديثة وبخاصة اهل المدن والاماكن الحضرية ، وحتى نحن الذين عاصروا وشاهدوا المرحاكة فى الاقاليم تبدو لنا الان كاثر من اثار الماضى ، ولكن لا استبعد وجودها فى بعض انحاء السودان والتى لا يزال يغمرها التخلف . والمرحاكة كانت هى الاداة المستخدمة فى طحن الذرة او الدخن او اصناف الحبوب الاخرى وذلك لعمل الكسرة والعصيدة ، وبتقدم الحياة والمخترعات واحلال الالة مكان الجهد اليدوى للانسان حلت الطاحونة مكان المرحاكة فوفرت الوقت والجهد والتعب ومكنت من طحن وسحن كميات كبيرة من الغلال فى وقت وجيز ، واحسب ان النساء كن سعداء اذ جعلتهم الالة الحديثة يتخلصن من الارهاق الجسدى فى طحن الذرة فى كل يوم لاعداد الكسرة او العصيدة ، فالطاقة المحركة للطاحونة مستمدة من الوقود اوالكهرباء فى المدن بدلا" من سواعدهن وايديهن وقوتهن وتحريك اجسادهن كبندول الساعة للامام والخلف فى حركة مستمرة حتى يتم طحن الكمية من العيش المعدة للطعام فى اليوم الواحد . والمرحاكة تتكون من قطعتين من الحجر وهو نوع صلب لا يتكسر او يتفتت ، والجزء الكبير يتكون من حجر املس طويل وعريض نوعا" ما ، والحجر الثانى قصير تمسك به المراة من اعلاه وتضع يديها فوقه ، ويوضع الحجر الكبير فى مستوى عال مائل للامام ، ويوضع تحته فى الطرف الاسفل اناء يتجمع فيه العجين او الذرة المطحونة ، وتبرك المراة ساجدة فى طرف الجزء الاعلى وبجانبها اناء فيه الذرة ، وتاخذ منه وتضعه على الحجر الكبير وتبدا فى طحنه ضاغطة عليه بجسمها مستخدمة يديها وساعديها فى حركة دائبة الى الامام والخلف ، وينزل الطحين الذى تزيحه بيدها الى الاناء فى الاسفل ، وهكذا تستمر المراة فى هذا العمل الدائب حتى يتم طحن الذرة كله، ويتصبب منها العرق وينال منها التعب ، ثم تاخذ قسطا" من الراحة وتستعد للخطوة التالية وهى عمل الكسرة او العصيدة . وهذه كانت الطاحونة ، او الطاحونة البشرية ! وقد شاهدت المرحاكة للمرة الاولى والاخيرة فى الستينات من القرن العشرين الماضى فى مدينة المناقل عندما كانت قرية كبيرة معظم مساكنها قطاطى من القش عند بداية مشروع المناقل ، وعندما لم تخطط الارض للمساكن بعد ، وذهبت لاعود خفير المدرسة الذى كان مريضا" بمنزله ، وكان منزله ، مكونا" من قطيتين وراكوبة ، وشاهدت زوجته تعمل شيئا" وهى ( باركة )، ومن حركاتها سالته من باب الفضول عن ذلك العمل ، وضحك ونادى عليها بان تحتشم ثم تخبرنى ، وبعد ان سلمت عليها شرحت لى الامر وان هذه هى المرحاكه . وحقيقة كانت تلك اول مرة اشاهد فيها المرحاكة لانه فى الحلة التى اتيت منها فى امدرمان كان يوجد طاحونتان، ولطالما حملت العيش فى القفة الى الطاحونة طاحونة اسكندرانى بالموردة لاطحنه عندما كنت صغيرا" . وبعد العهد بينى وبين مدينة المنافل التى اصبحت مدينة كبيرة عامرة بالمساكن الحديثة وان كانت عامرة قبلها باهلها ، وعندما كنت هناك كانت توجد مدرسة متوسطة واحدة للبنين كان لى شرف فتحها وتاسيسها ، ومدرسة اولية واحدة للبنات وشفخانة بها مساعد حكيم ونقطة بوليس حكمدارها رقيب ، وحاليا" تغيرت الصورة كلية " ، فهناك مستشفى ومدارس لكل المراحل ومصانع ، ولقد اشتريت علبة مربى من سوق الخرطوم منذ عدة سنوات كتب عليها صنعت فى المناقل ، واسعدنى اكثر اننى قابلت فى تورنتو بكندا قبل شهرين احد تلاميذى بمدرسة المناقل المتوسطة ، ويؤسفنى ان لا اتذكر اسمه فقد فعل الزمن فعله فى الذاكرة ، ولكن يبقى فيها حلو الذكريات . واخبرنى بان اهل المناقل يذكرون دائما" بالخير من الذين خدموا بالمناقل شخصين هما شخصى والدكتور واعتقد انه اول طبيب عمل بمستشفى المناقل الجديد . هلال زاهر الساداتى Hilal Elsadati [[email protected]]