تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب " العادات المتغيرة في السودان" وترجمته .. بقل
نشر في الراكوبة يوم 02 - 03 - 2013

حسنا فعل معهد عبد الله الطيب للغة العربية بجامعة الخرطوم حينما عمد إلى تجميع وترجمة وطباعة ونشر مقالات الراحل الموسوعي أستاذنا الدكتور عبد الله الطيب التي كان قد كتبها باللغة الإنجليزية ونشرها متفرقة بمجلة Sudan Notes and Records (السودان في رسائل ومدونات) وهي مجلة متخصصة في الدراسات السودانية وظلت تصدر بالإنجليزية منذ 1918 ويتولى اصدارها الآن معهد الدراسات الآفرواسيوية بجامعة الخرطوم. نُشرت المقالات تحت عنوان واحد هو: Changing Customs of the Riverain Sudan وذلك على التوالي في السنوات: 1955، 1956، 1964، 1998 .
ومما يُحمد للقائمين على الأمر، أن الكتاب ضم بين دفتيه الأصل الإنجليزي للمقالات وترجمتها إلى العربية. وقام بالترجمة الأستاذ محمد عثمان مكي الفحيل وراجعها كل من الأستاذين: الدكتور سيد حامد حريز والدكتور محمد المهدي بشرى. صدر الكتاب تحت عنوان:(العادات المتغيرة في السودان النهري" النيلي") في 2012 المنصرم. وتدور مقالات الكتاب حول التعريف بالعادات السودانية فيما يتعلق بطقوس الزواج والطهور(الختان) والولادة (الوضوع) وألعاب الصبيان والبنات وأحاجيهم والأكلات الشعبية إضافة إلى دور الفكي في العلاج وبعض الشعائر الأخرى, وأساليب التعليم في الخلوة (مدرسة تحفيظ القرآن).
وكان أخي العلامة الدكتور خالد محمد فرح قد قدم عرضا شيقا وتحليلا ثاقبا للكتاب في مقالة نشرت قبل اسابيع في ثلاث حلقات بسودانايل. ولم يجانب خالد الصواب حينما وصف الدكتور عبد الله الطيب بانه رائد من رواد الدراسات السودانية الشعبية بله من رواد ما يُسمى بالسودانوية.
فقد نهج البروف عبد الله الطيب هذا النهج منذ ان كان مدرسا بمعهد بخت الرضا في الأربعينات حيث شارك في وضع المناهج الدراسية للمدراس الأولية والوسطي وتمثل ذلك في اختياره للأحاجي والقصص التراثية والأهازيج والأناشيد ذات الروح الشعبي، وكتابه (الأحاجي السودانية) أشهر من أن يُعرف به. كما تجلى اهتمامه بالموروث المحلي في استدلاله بالأهازيج والاغاني الشعبية والدوبيت، في كتابه " المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها" والذي يعتبر الكتاب العمدة في مجاله، والمؤلف من خمسة أجزاء.
إن ما يميز مناهج بخت الرضا أنها كانت تربط التلميذ بمكونات بيئته وثقافته المحلية ابتداء من رموز تعليم الحروف الهجائية. وخير دليل على ذلك كتاب "سبل كسب العيش في السودان" الذي يُعَرف الطالب بجغرافية وعادات وتقاليد الشعب السوداني المختلفة من الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب. وبرغم أننا لم ندرس هذا الكتاب بسبب تغيير المنهج إلا أننا كثيرا ما سمعنا عنه وأثره العميق ممن سبقونا في التعليم. وذلك لأنه عند مجيء انقلاب مايو في 1969 استبدلت مناهج بخت الرضا منذ الايام الأولى للحكم الجديد وذلك على يد محي الدين صابر أول وزير للتربية والتعليم في حكومة نميري، والمعروف بنزعته العروبية القومية التي حملته إلى ضرب الخصوصية الثقافية السودانية، بعرض الحائط، بذريعة توحيد المناهج بالدول العربية والارتقاء بها، ومن يومها اختفت المسحة والروح الشعبية التي كانت طابع مناهج بخت الرضا. وأذكر ان الدفعة التي جاءت بعدنا بالصف الأول الابتدائي وهي الأولى في السلم التعليمي الجديد، درسوهم لأول مرة "عاء" عنب وغيرها من أشياء لم يروها.
هذا، وقد حمل كتاب عبد الله الطيب موضوع قراءتنا، عنوان المقالات المنشورة وهو Changing Customs of the Riverain Sudan اي "العادات المتغيرة في السودان النهري". ويقصد المؤلف بعبارة "السودان النهري" مناطق شمال السودان حول نهر النيل. غير أنه بعد الاطلاع على هذه المقالات يتبين للقاريء أن هذه العادات والتقاليد ليست خاصة بالمناطق المحددة في العنوان، ولكنها تُمارس في مختلف انحاء السودان الشمالي، سواء تلك المتعلقة بعادات النُفاس وطقوس العُرس والختان وألعاب الصبيان وأحاجيهم، أو تلك المتعلقة بالأكلات الشعبية مثل الكسرة والعصيدة أو تلك المتعلقة بأساليب العلاج البلدي والديني وطرائق التعليم في خلاوي تحفيظ القرآن.
صحيح أنه توجد بعض الاختلافات هنا وهناك سواء في بعض تفاصيل العادة نفسها سيما تلك العادات المتعلقة بنهر النيل لعدم وجوده في المناطق الأخرى. أو أن لعبة ما تحمل اسماء مختلفة باختلاف المناطق. فلعبة "حِرِيْنا" مثلا كما وردت عند عبد الله الطيب تسمى عندنا في كردفان "حَارّة" ولكن الوصف الذي اورده لهذه اللعبة ينطبق على لعبة أخرى تُسمى "شدَّتْ" والمنتشرة على نطاق واسع. أما "شليل" و "هو-لاب – لب: كم في الخط؟" فهي هي و"الميس" هو "الميس". ولكن الميس ليست لعبة قائمة بذاتها كما ورد عند البروف، وانما الميس هو نقطة النهاية المحددة لوصول "العريس" وبورودها يُعتبر فريقه فائزا. والصحيح في هذه اللعبة وأمثالها، العريس، وليس العروس. فاللعبة خاصة بالصبيان. وكنت قد ظننتها أول وهلة، خطأ في الترجمة وبالرجوع للأصل الانجليزي وجدت الدكتور عبد الله قد كتبها نحو أربع مرات في سياق شرح اللعبة: bride"العروس". – انظر ص 39، وربما حدث ذلك بسبب النسيان والسهو.
وكذلك الألعاب التي وصفها بالنهارية مثل "صفرجت" و"سيجة" و"بت أم لعّاب" وغيرها وحتى العبارة التي تُفتتح بها الأحاجي: "حجيتكم ما بجيتكم" وتلك العبارة التي تختم بها، كل ذلك نجده معروف في معظم نواحي السودان الشمالي. أما لعبة الثعلب، فيقول البروف، أنها جاءت إلينا من مصر. ويدلل على ذلك بعبارة:" في ديله" فهي من اللهجة المصرية. ويضيف إلى ذلك، الدكتور خالد فرح أن كلمة "ثعلب" غير سودانية وهي عندنا "البعشوم". ومصداقا لكل ذلك أقول أننا لم نتعرف على لعبة "الثعلب" إلا من خلال المقرر الدراسي بالمدارس الابتدائية.
وفيما يتعلق بطقوس الزواج والختان مثل الجرتق والحريرة والضريرة والحنة والدلكة والكركار والدخان وقطع الرحط، ولمس القُصة، والسيرة وغناء الدلوكة والعرضة، ولبس هلال الذهب على جبهة العريس "وود الطهور" ولبسه بعض الأسورة الذهبية والفضية وامساكه بالسيف والسوط، فلا تكاد تخلو منها منطقة من مناطق السودان الشمالي. حتى عادة مبارزة الجلد بالسوط أو ما يسمى "البطان" عند قبائل الجعليين، نجدها في مناطق أخرى مثل كردفان. واذكر أن جيل ابائنا كانوا يكشفون لنا عن ظهورهم لنرى عليها أثر السياط غير أن هذه العادة انقرضت في جيلنا ولكنها لا زالت تمارس في بعض مناطق المديرية الشمالية.
وسبب انتشار هذه العادات والطقوس بمختلف مناطق السودان الشمالي، هو أنها ترجع إلى أصل مشترك هو في الغالب أصل يعود إلى الثقافة النوبية القديمة. وهنا يجب التنبه إلى أن الحضارة النوبية القديمة لم تنحصر فقط حول حوض النيل كما هو الاعتقاد السائد، وانما امتدت حتى شملت دارفور غربا وشرقا حتى الحبشة وامتدت جنوبا إلى جنوب النيل الازرق ومناطق أعالي النيل.
هذا، وبرغم أن الدكتور عبد الله قد رد معظم عادات وطقوس العرس والطهارة والنُفاس إلى الثقافات النوبية - الوثنية والمسيحية القديمة، إلى درجة أنه يصف العريس: "في الجرتق والضُفرة والصندل والمحلب على رأسه والهلال الذهبي على جبهته وهو ممسك بالسيف والسوط كأنه أحد ملوك مروي القديمة في معبد الشمس بالمصورات والنقعة". برغم ذلك نجده يتفادى رد بعض مفردات هذه الطقوس إلى أصلها النوبي الصريح، ويعمل جاهدا في ايجاد وشائج لها في العربية. مثال ذلك كلمة "جرتق" التي يقول أنها من "درداق" العربية وتعني صغار الناس والبهائم. وهذا غير صحيح، فالجرتق نوبية وأصلها "جِرْت" أضيفت قاف في نهاية الكلمة المُعرّبة كما هو شأن كثير من الكلمات الاخرى المعربة عن النوبية.
والدُرْدُق في اللهجة السودانية تعني صغار الأطفال والبَهَم. ولا تزال الكلمة مستعملة عندنا في كردفان. وهي كذلك في المعجم. جاء في لسان العرب:"الدَّرْدَقُ: الصِّبْيان الصِّغار. يقال: وِلْدانٌ دَرْدَقٌ ودَرادِقُ. والدَّرْدَق الصغير من كل شيء، وأَصله الصغار من الغنم، والجمع الدَّرادق. والدَّرْدَقُ صغار الإبل والناس؛ قال الأَعشى: يهبُ الجِلَّةَ الجَراجِرَ، كالبُسْ تانِ، تَحْنُو لِدَرْدَقٍ أطفالِ."
ومن أسماء طقوس العرس والنفاس التي أرودها دكتور عبد الله "الكُجرة" وهي الحجرة التي تحبس فيها العروس أثناء شهر العسل والنفساء في فترة الوضوع. يقول عون الشريف الكُجرة ستارة على السرير تكون خباء للعروس أو غيرها. ويذهب عبد الله الطيب في تخريج أصل الكلمة إلى القول إنها" بلا شك تحوير للكلمة العربية "خِدر" أي خيمة المرأة". وهذا لعمري تخريج بعيد النجعة، على قولة الدكتور خالد فرح. فالثابت أن أصل الكلمة نوبي. يقول عون الشريف الكُجرة:"في النوبية هي البرش الكبير المزخرف". وواضح ان هذا البرش كان يستخدم ستارا.
غير أن هنالك كلمة أخرى بخلاف الكُجرة نجدها مستخدمة عندنا في كردفان ومناطق أخرى وهي "الحَجَلة ". و"برش الحَجَلة" برش كبير وعريض مزخرف يحيط بالجزء الأسفل من القطية التي تتخذ محبسا للعروس والنفساء ويقوم مقام الستائر. وكانت الحَجَلة مستعملة حتى أيام طفولتنا. وتسمى عند الكبابيش "الحَجيّل" وذلك وفق ما يذكره عون الشريف، حيث يقول: الحجيل خيمة صغيرة مربعة من الدمورية تُعمل خصيصا للعروسين".
والحَجَلة مفرد حِجال، ومنها قولهم : ربّات الحِجال. أي النساء المخبوءات بالحَجال. وجاء في لسان العرب في معنى حجلة: " وحَجَلة العروس: معروفة وهي بيت يُزَيَّن بالثياب والأَسِرَّة والستور؛ قال أَدهم بن الزَّعراء: وبالحَجَل المقصور، خَلْف ظُهورنا، نَوَاشِيءُ كالغِزْلان نُجْلٌ عيونُها. وفي الحديث: كان خاتَم النبوة مثل زِرِّ الحَجَلة، بالتحريك؛ هو بيت كالقُبَّة يستر بالثياب ويكون له أَزرار كبار؛ ومنه حديث الاستئذان: ليس لبيوتهم سُتور ولا حِجال؛ ومنه: أعْرُوا النساء يَلْزَمْن الحِجَال، والجمع حَجَل وحِجَال؛ قال الفرزدق: رَقَدْن عليهن الحِجَال المُسَجَّف قال الحِجال وهم جماعة، ثم قال المُسَجَّف فَذَكَّر لأَن لفظ الحِجَال لفظ الواحد مثل الجِرَاب والجِدَاد، ومثله قوله تعالى: قال مَنْ يُحْيي العِظَام وهي رَمِيم، ولم يقل رَمِيمة. وحَجَّل العَروسَ: اتَّخَذ لها حجلة". – انتهى.
أما الحِجل بالكسر فهو الخلخال وهو سوار يلبس بقدم المرأة. يقولون نمشي معاك الحِجل بالرجل. أي النعل حذو النعل.
وفي الحديث عن الأطعمة فقد أفادنا الدكتور عبد الله الطيب بمعلومات قيمة حول تاريخ أنواع الأكلات الشعبية في السودان. فهو يقول إن الطبيخ أي المُلاح (الإدام) الذي يصنع من الخضروات كالبطاطس والفاصوليا لم يعرف في السودان إلا في ظل الحكم التركي المصري، وكذلك العدس والفول المصري. وإن الكسرة والعصيدة هي الأكلات الشعبية التي كانت سائدة قبل ذلك في السودان الشمالي. تؤكل بمُلاح "أم شعيفة" أو "أم بُلط" و مُلاح "السخينة" وأحيانا "الشرموط" أي القديد. ومصداقا لذلك أننا لا نجد بكتاب "الطبقات" لود ضيف والذي أُلِف في عهد مملكة سنار أي إشارة إلى أي نوع من الطبيخ. هنالك فقط الكسرة والعصيدة والمديدة ومُلاح الويكة(البامية الناشفة) والخُضرة "الملوخية".
ويضيف ان العصيدة بشكلها المعروف الآن ومُلاح "التقلية" لم تكن معروفة بمناطق حوض النيل. وهو يقصد بذلك أن عصيدة أهل بحر النيل، لينة وأقرب الى المديدة، وليست جامدة القوام مثل عصيدة أهل دارفور وكردفان. وأن أصل التقلية يرجع إلى هذه المناطق. الحقيقة أن مهارة أهل دارفور في صنع ملاح العصيدة مثل التقلية وغيرها معروفة.
ولكن "البروف" لم يتوقف عند الأصل اللغوي لكلمة "مُلاح". وعندي أنه من المِلح. أطلقوا الجزء وأرادوا الكل، لأن المُلاح بلا مِلح لا قيمة له ولا فائدة. ورد بلسان العرب: "المِلْح: ما يطيب به الطعام، وقد مَلَحَ القِدْرَ يَمْلِحُها ويَمْلَحُها مَلْحاً وأَملَحَها: جعل فيها مِلْحاً بقَدَرٍ. وفي الحديث: إِن الله تعالى ضرب مَطْعَم ابن آدم للدنيا مثلاً وإِن مَلَحه أَي أَلقى فيه المِلْح بقَدْر الإِصلاح.... والمُلاَّحُ، بالضم والتشديد: من نبات الحَمْضِ؛ وفي حديث ظَبْيانَ: يأْكلون مُلاَّحَها ويَرْعَوْنَ سِراحَها: والسِّراحُ: جمع سَرْح، وهو الشجرُ؛ قال أَبو حنيفة: المُلاَّحُ حَمْضَة مثل القُلاَّم فيه حمرة يؤكل مع اللبن يُتَنَقَّلُ به". – انتهي. و"يُخفق" مُلاح العصيدة بالمفراك أو المفراكة وهي عربية كما أشار البروف.
والكِسرة تُطلق أحيانا لكل من الكِسرة والعصيدة، فاذا أرادوا التمييز قالوا كسرة رهيفة أو كسرة خمير. والكسرة تُعاس ب"القرقريبة" على صاج العواسة أو الدوكة. أما العصيدة فتُساط بالمسواط. ورد في لسان العرب: " السَّوْطُ: خَلْطُ الشيء بَعْضِه ببعض، ومنه سمي المِسْواطُ. وساطَ الشيءَ سَوْطاً وسَوَّطَه: خاضَه وخَلَطَه وأَكثَرَ ذلك. وخصَّ بعضُهم به القِدْرَ إِذا خُلِطَ ما فيها. والمِسْوَطُ والمِسْواطُ: ما سِيطَ به".
وفي معنى العصيدة جاء بمعجم لسان العرب أيضا:" العَصْدُ: اللَّيُّ. عَصَدَ الشيءَ يَعْصِدُه عَصْداً، فهو مَعْصُود وعَصيدٌ: لواه؛ والعَصِيدَةُ منه، والمِعْصَدُ ما تُعْصَدُ به. قال الجوهري: والعصيدَةُ التي تَعْصِدُها بالمسواط فَتُمِرُّها به، فتنقلب ولا يَبْقَى في الإِناءِ منها شيء إِلا انقلب. وفي حديث خَوْلَةَ: فقَرَّبْتُ له عَصِيدَةً؛ هو دقيق يُلَتُّ بالسمن ويطبخ".
أما عن الكِسرة فقد جاء في اللسان: "والكِسْرَةُ القِطْعَة المَكْسورة من الشيء، والجمع كِسَرٌ مثل قِطْعَةٍ وقِطَع. والكُسارَةُ والكُسارُ: ما تَكَسَّر من الشيء. قال ابن السكيت ووَصَفَ السُّرْفَة فقال: تَصْنعُ بيتاً من كُسارِ العِيدان، وكُسارُ الحَطَب: دُقاقُه".
وهذا كله في المعنى العام ولكن الكِسرة بمعنى الخبز السوداني ورد في قوله في ذات المادة: ".. وفي حديث العجين: قد انْكَسَر، أَي لانَ واخْتَمر. وكل شيء فَتَر، فقد انْكسَر؛ يريد أَنه صَلَح لأَنْ يُخْبَزَ". إذن سُميت الكِسرة من انكسار العجين أو الخمير وصيرورته جاهزا لأن يٌخبز ويٌعاس. والعواسة من عاس يعوس عوسا أي يقوت ويقتات.
ويقول عبد الله الطيب إنه قبل انتشار استعمال الطواحين الحديثة كانت هنالك "المُرْحَاكة". والمرحاكة معروفة على نطاق واسع بالسودان الشمالي وبذات الاسم وهي الرحى عند العرب. وكانت واسعة الانتشار عندنا إلى وقت قريب وكان البعض يتمسك بالمرحاكة خوفا من اختلاط غلته، بغلة الغير في الطواحين. غير أن أهل دارفور يغلب عليهم استعمال "الفُنْدُك" في طحن العيش (الذرة)، يسمون العيش المفندك "الدامرقة". ولذلك فان الفندك ليس مقصورا على أهلنا الفلاتة، كما ورد عند عبد الله الطيب. والآن يبدو ان الفندك نفسه قد اختفى كما اختفت المرحاكة قبله، وذلك بسبب انتشار "السّحانة".
وكانت الكسرة تُعاس على سطح فخاري يسمى "الدُوكَة" وذلك قبل انتشار صاج الحديد. والدوكة كما يقول عبد الله الطيب غير عربية. وتُتخذ الدوكة كذلك اسم علم مذكر. واللفة هي اللفافة الواحدة من الكسرة الرهيفة، ولكنه لم يورد الاسم الاخر لها وهو "الطَرَقة". وسُميت طرقة تشبيها لها ب"طَرَق" أي صفق، بعض الأشجار العريض كالعُشر.
أما دور الطبيب الذي يقوم به فكي "فقيه" القرية في العلاج عن طريق الرقى الشرعية كالمحاية والبخرة والعزيمة والحِجاب، وأساليب تعليم القرآن في الخلوة، مثل الكتابة على الألواح المصنوعة من خشب الهجليج واستعمال القصب كأقلام والحبر المصنوع من السخام ِوالصمغ والذي يحفظ بالدواية "المحبرة" كل ذلك لا تكاد تخلو منه بقعة من بقاع السودان الشمالي. فقد حل الفقهاء (جمع فكي) والشيوخ، محل، الكهان والعرافين والكجور، في الثقافات النوبية القديمة.
هذا، وهنالك الكثير الذي يستحق الوقوف عنده والتعليق عليه لكنا نخشى الاطالة. وفي ختام هذه الحلقة نقول أن الدكتور عبد الله الطيب قد وُفق حينما وصف هذه العادات ب"المتغيرة". الحقيقة هي ليست متغيرة فحسب بل مندثرة أيضا. فكثير منها قد اندثر للأسف وبعضها في طريقه للاندثار. فألعاب الصبيان والبنات سواء النهارية او الليلية القمرية قد تراجعت منذ عقدين وأكثر، أمام أفلام والت ديزني الكرتونية التلفزيونية والتي تطورت الآن إلى ألعاب الكترونية. أما أحاجيهم فقد طواه النسيان بعد أُزيحت "الحبوبة" من الحُبّ - الجدة - عن عرشها التقليدي وغابت شمسها كمؤسسة ثقافية*. أما طقوس العُرس والختان فكادت ان تختفي بعد ان حلت الزفة المصرية محل السيرة السودانية وحل فستان الزفاف مكان الزينة التقليدية للعروس. ولا عزاء إلا باجترار الذكريات واعادة انتاج هذه العادات كايقونات تراثية.
في الحلقة القادمة نقف عند ترجمة الكتاب التي أنجزها المترجم البارع، الاستاذ محمد عثمان مكي العجيل.
_________
* "الحبوبة: غروب شمس مؤسسة ثقافية" مقال نشره الدكتور عبد الله علي ابراهيم، بمجلة الدوحة، القطرية في 1980 او 1981 لا اتذكر على وجه التحديد.
مصادر:
(1) العادات المتغيرة في السودان النهري(النيلي) د. عبد الله الطيب، ترجمة: محمد عثمان مكي الفحيل، طباعة وتوزيع دار المصورات للنشر، الطبعة الأولى 2012.
(2) محمد النور ود ضيف الله، كتاب الطبقات، تحقيق وتعليق د. يوسف فضل حسن، دار التأليف والترجمة والنشر، جامعة الخرطوم، الطبعة الرابعة 1992
(3) عون الشرق قاسم، قاموس اللهجة السودانية، المكتب المصري الحديث، طبعة 1985.
(4) ابن منظور، لسان العرب.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.