و يتواصل تداعي المشروعات والمؤسسات الوطنية العملاقة مشروعا إثر مشروع، و مؤسسة بعد اخري. تلك المشروعات الضخمة المشكلة لملامح الوطن القديم، يوم كان اسمه بلد المليون ميل في تلك السنين الخوالي. من لدن زمن الانجليز وحتي سنوات الحكم الوطني الي ما قبل الحقبة الانقاذية. فبعد ان انتهت السكة الحديد، و مشروع الجزيرة و مصانع الغزل و النسيج، و مصانع تعليب اللحوم، و مصانع تعليب الفاكهة والبريد والبرق و و و ...الخ ، يتهاوي اليوم (من عُلاهُ) الناقل الوطني الجوي الوحيد الخطوط الجوية السودانية(سودانير). تهاوت سودانير يوم ان فقدت مصداقية احترام الوقت فصار المألوف ان تتأخر الرحلات ساعات طوال و ربما اكثر من يوم او التأجيل احيانا كثيرة. و من غير المألوف ان تقلع رحلات ناقلنا الوطني العزيز في زمنها المشار اليه في تذاكر السفر. فصارت سودانير محل تندر المسافرين الوطنيين و الاجانب. و حيكت النكات والطرف لتعكس الحال الذي وصلت اليه تلك المؤسسة العملاقة. يحكي ان احد الاطباء من جنوب الوطن القديم ذهب مساء ذات يوم لأستقبال احد اقاربه القادم من بلاد المهجر عبر الخطوط السودانية، ولكن الطائرة لم تصل في مواعيدها و امضي صاحبنا الساعات الطوال منتظرا و كثيرا ما ذهب مستفسرا مكتب الاستعلامات الذين تكون اجابتهم دائما: (الطيارة نازلة بعد ساعة او بعد ساعتين) ثم مرة اخري ( سوري يا استاذ الطيارة حتقلع من دبي بعد نص ساعة) و هكذا حتي اذا اشرقت شمس التالي يعلن موظف الاستعلامات ان الرحلة قدتم تأجيلها ليوم الغد. ولما كانت مواعيد العيادة قد حانت فما كان من الطبيب الجنوبي الا ان توجه الي عيادته مباشرة بدلا من العودة الي المنزل. ثم و بينما هو في داخل عيادته اذا به يسمع صوت ضوضاء و مشادة كلامية بين بعض المرضي و موظفة الاستقبال. خرج الطبيب في فزع الي الاستقبال: ( مالكم ؟؟ في شنو؟؟) اخبره موظف الاستقبال ان هذه السيدة تصر ان تدخل قبل الاخرين الذين هم امامها في الحجز. يخاطبها الطبيب بلكنة اخواننا الجنوبيين المعروفة و المحببة الينا :( لا يا اُكت ما في نزام، في سستم، زول جا اول تخش اول و كدة ) تعلق السيدة: ( يا دكتور لكين ولدي دا ما عيان) يعلق الطبيب متنرفزا وساخرا وفي خاطره السهرة الاجبارية بسبب سودانير: ( و مال ديل راجيين تيارة) . و شاع ايضا ان الاخوان في شمال الوادي اطلقوا علي طائرة سودانير ( ستهم) اي بمعني انها تأتي وتقلع في المواعيد التي تعجبها ولا تكترث لعلوق الركاب في المطارات لساعات طوال. تداعت سودانير و اسطول طائراتها المتهالك يدخل الرعب في نفوس المسافرين سيما و حالات الهبوط الإضطراري صارت سيناريو مألوف للجميع ،علاوة علي التحطم المتكرر للطائرات خصوصا الرحلات الداخلية والارواح العزيزة التي فقدت مرات عديدة. و قد اصدرت مؤسسة السلامة الجوية العالمية قبل سنوات تقريرا عن عدم صلاحية طائرات الخطوط الجوية السودانية وعدم توفر إجراءات السلامة في ناقلنا الوطني العزيز. ماتت سودانير سريريا و توزع دمها بين القبائل. أسند مجلس ادارتها لخبراء تدمير المشروعات الكبيرة، الذين كان لهم القدح المعلي في قتل مشروع الجزيرة و نثر رفاته في الهواء و ما ادراكما مشروع الجزيرة. تابع الجميع المحاكمة الاعلامية الموفقة للمسؤلين عن ضياع العزيزة سودانير عبر البث الفضائي لقناة الشروق و حاصر المذيع اللامع طلال مدثر و الكاتب الوطني الغيور الفاتح جبرا ضيف البرنامج الذي كان يرأس مجلس ادارة سودانير حصارا جعله يتململ كثيرا . كان طلال مدثر جريئا في محاصرة ضيفه الذي يشئ إضطرابه الواضح ان ما وراء الأكمة ما وراءها. جبهه المذيع بالسؤال عن من قص الجناح ( في إشارة الي بيع خط هيثرو) و عن شركة عارف الكويتية التي بيعت لها سودانير بعد الخصخصة وان هذه الشركة ليست متخصصة في مجال النقل الجوي و كيف حصلت هذه الشركة بالذات علي هذا الامتياز و من الذي وقع عقد البيع و و و غيرها اسئلة كثيرة لا اعتقد ان احدا قد حصل علي اجابة واضحة لها لأن الضيف كان ك (ود الموية) كما سماه الكاتب الصحافي فيصل محمد صالح، (يزوغ) يمنة و يسرة من جحيم الاسئلة. ثم يأتي الاستاذ الفاتح جبرا ليتلاعب بدفاع الخصم و يهز شباكه اكثر من مرة. و بهت الذي افسد و تلاعب بالمال العام و كان مهيض الجناح اما هجوم جبرا الشرس. ولا يحتاج الامر الي خبراء علم نفس او علم إجتماع لتحديد ان المسؤول الذي شاهدناه مجرم و يجب تقديمه للعدالة فورا. ارجو ان يشاهد كل متشكك تلك الحلقة الشهيرة علي اليوتيوب او عبر موقع قناة الشروق الالكتروني ليتأكد بنفسه من صدقية ما ذهبنا اليه. اخيرا و سودانير تحتضر في وحدة العناية المكثفة لا نملك الا ان نردد مع الشاعر الرقيق عزمي احمد خليل و الفنان الراحل هاشم ميرغني : قالوا البعيش الدنيا ياما تشوفو تشقيهو بي فرقة عزيز بالحسره ريقو تنشفو