د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    السجن لمتعاون مشترك في عدد من قروبات المليشيا المتمردة منها الإعلام الحربي ويأجوج ومأجوج    الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    المرِّيخ يَخسر (سُوء تَغذية).. الهِلال يَخسر (تَواطؤاً)!!    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهمية منظور القانون الدولي: فى ملفات السياسية الدولية: حالة السودان 1989-2013 . بقلم: د. أحمد المفتى
نشر في سودانيل يوم 14 - 04 - 2013


بسم الله الرحمن الرحيم
14 أبريل 2013
ملف 316
د. أحمد المفتى المحامى مدير مركز الخرطوم الدولى لحقوق الإنسان (KICHR)
لا تخطئ العين أنجازات حكومة الانقاذ منذ إستيلائها على السلطة عام 1989 ، وفى تقديرى تنحصر اخفاقاتها فى غلاء المعيشة ، وبطء التحول الديمقراطى وبسط السلام ، وإهمال "منظور القانون الدولى" فى ملفات السياسية الدولية ، والأخفاق الأخير هو الذى نحن بصدد تناوله ، لأنه سبب للسودان مشاكل يصعب تداركها . ولقد حرصت على تناول ملفات محددة حتى لا اطلق الحديث على عواهنه ، كما حرصت على طرح البدائل التى يمكن العمل بها ، حتى يكون التناول للبناء وليس للنقد والهدم .
وابتداءاً فانه من الملاحظ ارتباط المنظور السياسى فى ملفات السياسية الدولية المتعددة ، والتى تشمل قرارات مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية وحقوق الإنسان والموارد المائية المشتركة والعلاقة مع جمهورية جنوب السودان ، ارتباطاً وثيقاً بمنظور القانون الدولى ، لأن الخلاف حول تلك الملفات يحدث بين الدول . وكما هو معلوم فإن الدول شخصيات اعتبارية انشأها القانون الدولى من العدم وليست شخصيات طبيعية خلقها الله ، ولذلك فإن القانون الدولى هو الذى يحدد طبيعتها وسلطاتها واختصاصاتها وواجباتها وحقوقها . اما الخلافات السياسية على الصعيد المحلى فإنها لا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقانون لأن الفاعلين السياسيين المحليين هم اشخاص طبيعيين خلقهم الخالق سبحانه وتعالى وحدد حقوقهم وواجباتهم وغرائزهم ، وما القانون المحلى إلا قواعد تنظيمية يتم الاتفاق عليها بين المواطنين على ضوء تلك الترتيبات الربانية . وقد لا يحتاج الشخص الطبيعى الى الاحتكام الى القانون طوال حياته ، فى حين أن الشخص الاعتبارى الدولى يتكون ويتصرف بموجب القانون الدولى .
ومع علمنا التام بان الساحة الدولية هى ساحة سياسية تختلف عن ساحات المحاكم والتحكيم ، وان الدول الكبرى على وجه التحديد تتحرك فى الساحة الدولية وفق مصالحها وليس وفق القانون الدولى ، إلا ان "منظور القانون الدولى" لا يغيب ابداً عن بال تلك الدول . والسبب فى ذلك هو أنه عندما انشئت تلك الدول النظام الدولى الجديد بموجب ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 ، وهو النظام الذى ينظم علاقات الدول مع بعضها البعض ، فإنها قد انشأته بموجب ميثاق الأمم المتحدة والذى هو وثيقة قانونية .
ولذلك فانه على الرغم من أن الكثير من الدول تعمل فى احيان كثيرة بالمخالفة للقانون الدولى ، إلا أنها تحرص حرصاً شديداً على ايجاد مبرر قانونى لتصرفاتها تلك ، ولا تتجرأ على جحود القانون الدولى صراحة . والشواهد على ذلك كثيرة ، فقد بررت الولايات المتحدة الامريكية ضرب مصنع الشفا بالسودان بانه دفاع عن النفس ، كما انها قد لجأت الى مجلس الامن لتقنين دخولها للعراق والذى بدأ استقلالاً غير مشروع للقوة . ولولا ان ميثاق الأمم المتحدة قد جعل استخدام القوة المسلحة غير مشروع إلا دفاعاً عن النفس أو بتخويل من مجلس الأمن ، لكانت الدول الكبرى قد اعتمدت اعتماداً كبيراً على قواتها المسلحة لحل خلافاتها مع الدول الأخرى ، كما كان يحدث قبل صدور ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 .
ولذلك فإننا نرى أن الذين يتحدثون عن الشؤون الدولية من منظور سياسى ، عليهم ان يتذكروا دائما ان اى وجهة نظر سياسية فى تلك الشؤون لا تؤسس على القانون الدولى يكون حظها من القبول ضعيفاً ، وقد تؤدى الى ضياع الحقوق ، إلا إذا كانت وجهة النظر مدعومة بنفوذ سياسى أو اقتصادى أو عسكرى كبير . وبما أنه من المعلوم ان نفوذ السودان السياسى أو الاقتصادى أو العسكرى على الصعيد الدولى ضعيف فى الوقت الراهن ، فانه لابد ان يكون السودان من اكثر الدول حرصاً على مراعاة القانون الدولى فى تصرفاته ، وفى مطالباته تجاه الدول الأخرى أو المجتمع الدولى . وفى تقديرنا أن تجاهل تأسيس المنظور السياسى على القانون الدولى هو السبب فى العديد من الصعوبات التى يواجهها السودان حالياً على الساحة الدولية .
وفيما يلى نستعرض بعض الامثلة التى نتصور ان معالجتها لم تكن موفقة بسبب عدم الاهتمام بمنظور القانون الدولى :
اولاً: مثلث حلايب:
يتمثل عدم الاهتمام بمنظور القانون الدولى فيما يتعلق بالنزاع بين السودان ومصر حول مثلث حلايب فى عدم إعتراض السودان القانونى الرسمى على الجهود المصرية المستمرة فى تمصير حلايب والتى وصلت الى أوجها ببناء حاجز من السلك الشائك على خط 22 ، بحيث أصبح الدخول او الخروج من مثلث حلايب يخضع لموافقة السلطات المصرية منذ تسعينات القرن الماضى . وبالاضافة الى ذلك صرح العديد من المسؤولين السودانيين على ان تكون منطقة حلايب منطقة تكامل بين السودان ومصر ، ولا شك ان ذلك الموقف السياسى يتجاهل المنظور القانونى الذى من المرجح ان يعتبر الموافقة على منطقة التكامل تنازلاً دون مقابل عن 50% من أراضى حلايب ، أو على أقل تقدير يضعف حق السودان فى المطالبة بحلايب ، لأن صاحب الحق فى حلايب لا يبادر باقتراح جعلها منطقة تكامل .
اما الجانب المصرى فانه يحرص على اتخاذ كل الترتيبات السياسية من منظور قانونى يعضد موقفه القانونى ، ومن ذلك عدم قبولهم بفكرة منطقة التكامل كما يتضح من البيان الذى الذى صدر عن رئاسة الجمهورية المصرية مؤخراً عقب زيارة الرئيس مرسى للسودان ، والذى اكد على ان مثلث حلايب بكامله يعتبر أرضاً مصرية . ونذكر بان موقف حكومة السودان حول حلايب فى خمسينات القرن الماضى قد كان من منظور القانون الدولى لأنه عضد حق السودان فى حلايب فى مواجهة التحركات المصرية آنذاك .
ثانياً: المحكمة الجنائية الدولية:
(1) إنشاء المحكمة الجنائية الدولية:
لقد كان السودان من اكثر الدول مناهضة لإنشاء محكمة جنائية دولية من قبل الأمم المتحدة ، وذلك عندما تم نقاشها لأول مرة بصورة رسمية خلال المؤتمر العالمى لحقوق الإنسان عام 1993 بفينا لولايتها الجبرية على كافة الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة . ولقد كان أساس المناهضة قانونياً على اعتبار ان محكمة العدل الدولية التى هى أحد أجهزة الأمم المتحدة ليست لها ولاية جبرية على الدول ، وعلى اعتبار ان مجلس الامن جهاز سياسى ، ولذلك فان ميثاق الأمم المتحدة لم يعطيه الحق فى احالة النزاع بين الدول الى محكمة العدل الدولية ، وعليه فانه لا يستقيم ان يمنح الحق فى احالة الدول للمحكمة الجنائية الدولية ، والتى هى ليست جهازاً من أجهزة الأمم ا لمتحدة ، على نحو ماهو منصوص عليه فى المادة 13(b) من ميثاق روما .
ويتطابق ذلك المنظور القانونى السودانى مع موقف دول عدم الانحياز خلال مناقشات ميثاق روما ، وبالاضافة الى ذلك فان دول عدم الانحياز كانت ترى انه لا يجوز اعطاء المحكمة الجنائية الدولية اختصاص على جرائم الحرب التى ترتكب اثناء النزاعات المسلحة الداخلية . إلا أن السودان أهمل ذلك المنظور القانونى ، بل انه قد وقع على ميثاق روما ، إلا انه قد استدرك لاحقاً أهمية المنظور القانونى فى أمر التوقيع ، ولذلك قام بسحب التوقيع ، كما فعلت اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية .
(2) إحالة ملف دارفور للمحكمة الجنائية الدولية:
عندما أحال مجلس الامن ملف دارفور للمحكمة الجنائية الدولية ، غلب على تحرك السودان المنظور السياسى ، وذلك بتصويب سهامه نحو نوايا اعضاء مجلس الأمن والدول الأوربية والمحكمة الجنائية ذات نفسها والمدعى العام والذى هو عبد المأمور ، ولم يتذكر السودان ان مناهضته للمحكمة الجنائية الدولية منذ العام 1993 ، وكذلك مناهضة دول عدم الانحياز تقوم على منظور قانونى لا يهتم بالنوايا ، وهو عدم قانونية إعطاء سلطة الاحالة لمجلس الأمن ، كما سبق أن اوضحنا . كما أنه لم يفطن الى ان تلك الاحالة تتعارض مع مبادئ القانون الدولى الأساسية الملزمة لمجلس الأمن ، والتى تمنع تطبيق اى معاهدة دولية على دولة ليست طرفاً فيها .
وفى ذلك الصدد فإنه قد سبق لمحكمة العدل الدولية ان أوضحت أن التعامل مع قرارات مجلس الامن التى تتعارض مع القانون الدولى ليس بالضرورة أن يكون عن طريق رفضها او قبولها ، ولكن توجد منطقة وسطى للتعامل معها “an ambiguous and indeterminate area lies" ولكن السودان لم يكلف نفسه عناء البحث عن تلك المنطقة الوسطى ، وهو احوج ما يكون اليها ، وظلت كل مواقفه تدور بين الرفض والقبول . وبما أن دول عدم الانحياز ترفض اساساً تلك الإحالة ، فانها كان يمكن ان تساند موقف السودان إذا ما لجأ الى الجمعية العامة للأمم المتحدة ، كما فعلت بعض الدول فى خمسينات القرن الماضى عند العدوان الثلاثى على مصر ، وفى ستينات القرن الماضى فى النزاع فى الكنغو ، عندما فشل مجلس الأمن فى القيام بدوره .
ثالثاً: الموارد المائية المشتركة:
(1) اتفاقية عنتبى:
إن اعتراض السودان على دخول اتفاقية عنتبى الى حيز النفاذ ، وهو منظور قانونى ، ظل صامداً طوال السنوات المنصرمة ، وهو يقوم على أهمية الوصول الى رؤية مشتركة لكل دول حوض النيل ، اما من خلال الوصول الى توافق حول نقاط الخلاف فى اتفاقية عنتبى ، أو من خلال الفصل بين تلك الاتفاقية وبين مبادرة دول حوض النيل ومواصلة التعاون بين دول حوض النيل على اساس المبادرة . إلا أن السودان أصبح حالياً يتعامل مع الموضوع من منظور سياسى ، ومن الشواهد على ذلك الفقرة التى وردت فى البيان الرئاسى المشترك الذى صدر عقب زيارة الرئيس مرسى الأخيرة للسودان ، والتى تجاهلت بلورة المنظور القانونى للسودان ومصر من اتفاقية عنتبى ، واشارت الى الموضوع بامنيات وطموحات سياسية ، لا تعبر عن الواقع ، حتى فيما يتعلق بالعلاقة المائية بين السودان ومصر . والدليل على ذلك أن الموقف الحقيقى لمصر قد عبر عنه مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية عقب تلك الزيارة على لسان الاستاذ/ هانى رسلان ، والذى أوضح استياء مصر من الموقف السودانى فى مجال الموارد المائية مؤخراً ، لأنها ترى أنه ينسق مع اثيوبيا فيما يتعلق بسد الألفية .
والأخطر من اغفال المنظور القانونى هو تبنى البعض لمنظور قانونى غير سليم ، وهو ضرورة ان يوقع السودان على اتفاقية عنتبى بصورتها الحالية ، وغاب عنهم أن التوقيع على تلك الاتفاقية قد تم اقراره بالأغلبية دون موافقة السودان ومصر ، ولذلك فان اتفاقية عنتبى سوف يترتب عليها الغاء الاتفاقيات السابقة بنفس الطريقة ، وبالتالى فانها سوف تهدد الأمن المائى السودانى . والشاهد على ذلك أن رؤيتهم تلك تتفق مع ما ذهب اليه وزير الموارد المائية بدولة جهورية جنوب السودان مؤخراً ، بأنهم يسعون الى التوقيع على اتفاقية عنتبى بصورتها الحالية ، وانهم لا يعترفون باتفاقية 1959 . وذلك موقف جديد خلاف موقفهم الذى عبروا عنه فى رواندا فى الاجتماع الوزارى لدول حوض النيل الذى عقد فى يوليو 2012 ، عندما قدموا طلب الانضمام لمبادرة دول حوض النيل . ويبدو ان تقاعس السودان عن مواصلة مناهضته لاتفاقية عنتبى بمنظور قانونى قد شجعهم على ذلك الموقف الجديد .
(2) سد الألفية الأثيوبى:
ليس لأحد الحق فى الاعتراض على استفادة اثيوبيا من الموارد المائية لنهر النيل ، لكن بشرط ان تكون تلك الاستفادة بمنظور قانونى واضح يتمثل فى عدم تسبيب ضرر والاعتراف بالاتفاقيات السابقة على نحو ما ورد فى المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون استخدام المجارى المائية فى الأغراض غير الملاحية . أما مناقشة سد الألفية عبر الاطار التفاوضى الحالى عن طريق لجنة فنية ثلاثية شكلتها وزارة الموارد المائية فى كل من السودان واثيوبيا ومصر ، فإنه منظور سياسى يعتبر فى تقديرى من أكبر مهددات الأمن المائى السودانى ، لأن تلك اللجنة ليس لها أى صلاحيات ، وانما هى لجنة صورية لاستيفاء متطلبات القانون الدولى لصالح اثيوبيا .
وبالاضافة الى ذلك فإن تشكيل اللجنة ينبغى أن يكون من قبل الحكومات وليس من قبل وزارات الموارد المائية ، كما هو الحال فى الوفود التى كانت تتفاوض حول الاتفاقية الاطارية التى كانت قد شكلت من قبل الحكومات وليس من قبل وزارات الموارد المائية . وينبغى أن يكون تشكيل اللجنة من منظور قانونى بهدف الوصول الى اتفاق رباعى بين السودان واثيوبيا ومصر وجنوب السودان لتحديد الاطار القانونى والمؤسسى والفنى للسد على ضوء اتفاقية 1902 ، وبحيث يكون ذلك التعاون الرباعى جزءاً (SUB-BASIN) من التعاون مع كافة دول حوض النيل .
وفى ذلك الصدد لابد من استيعاب انه ليس من مصلحة السودان مناقشة سد الألفية خارج إطار المنظور القانونى المشار اليه اعلاه والذى يحقق "الأمن المائى" للسودان ولغيره من دول حوض النيل ، والذى هو المرادف التفاوضى للاتفاقيات السابقة . كما أنه ليس من مصلحة السودان مناقشة الموضوع خارج اطار اتفاقية التعاون بين كافة دول حوض النيل (CFA) ، والتى حسمت كثيراً من الالتزامات الدولية فى مجال الموارد المائية المشتركة والتى كانت لا تعترف بها اثيوبيا .
وللذين يتعاملون بحسن نية ومن منظور سياسى بحث مع الموقف الأثيوبى نوضح لهم بأننا لسنا سئ الظن ، بل ندعو للحيطة والحذر بناء على حيثيات كثيرة لا يعلمها كثيرون تبرر ذلك ، وتوضح بان اثيوبيا تتعامل من منظور قانونى دقيق جداً ، ومنها أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد اعتمدت بتاريخ 28 يوليو 2010 قراراً حول حق الانسان فى الماء بأغلبية 122 صوتاً ودون معارضة من أى دولة ، إلا أن اثيوبيا كانت من بين الدول التى امتنعت عن التصويت . ومن تلك الحيثيات ايضاً ان اثيوبيا عند اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتفاقية قانون استخدام المجارى المائية الدولية فى الأغراض غير الملاحية بتاريخ 21 مايو 1997 قد قدمت ثلاثة تحفظات فى غاية الأهمية ومن منظور قانونى بحت . تضمنت تلك التحفظات الآثيوبية أن تلغى الاتفاقية الجديدة الاتفاقيات السابقة ، وعدم الاعتراف بمبدأ عدم تسبيب ضرر للآخر (هذا المبدأ تضمنته إتفاقية عنتبى التى وقعت عليها اثيوبيا نتيجة للجهود التى بذلها السودان خلال التفاوض حول اتفاقية عنتبى) ، واخيراً عدم الاعتراف بمبدأ الأخطار المسبق . فكيف يستقيم تكوين لجنة فنية ثلاثية مع دولة لها منظور قانونى يتعارض مع القانون الدولى بتلك الصورة الواضحة والموثقة دولياً .
رابعاً: إنفصال الجنوب:
من المعلوم ان انفصال جنوب السودان قد تم بمنظور سياسى بناء على اتفاقيات نيفاشا والاستفتاء الذى تم بناء على تلك الاتفاقيات بعد تضمينها فى دستور 2005 . ولو كان السودان قد أعطى اهتماماً أكبر للمنظور القانونى بحيث جعل الاتفاق على الموضوعات التى ما زالت عالقة حتى اليوم ، مثل النفط وترسيم الحدود والديون الخارجية والترتيبات الأمنية وخلافها ، شرطاً لبدء إجراءات الانفصال او الاعتراف به ، لكان الوضع افضل مما عليه الحال الان .
وفى الختام فإننا لا ندعو لاحتكار القانون والقانونيين لملفات السياسية الدولية ، ولكننا ندعو الى إستصحاب منظور قانونى فى ملفات السياسية الدولية ، الى جانب الاعتبارات الأخرى ، لأن تبنى المنظور القانونى لا يكلف شيئاً ، ونفعه أكبر من ضرره . علماً بأن الدول التى تستهدف الحكومة تفعل ذلك فى كثير من الاحيان مثل إحالة ملف دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية ، لأن الإستهداف القانونى أسهل وأقل تكلفة من الاستهدافات العسكرية والاقتصادية . ومن المعلوم انه لا أحد ينكر ان النزاع المسلح فى دافور قد أفرز العديد من انتهاكات حقوق الإنسان التى ينبغى محاكمة مرتكبيها وتعويض الضحايا ، كما حدث مؤخراً من قبل محكمة جرائم دارفور . ولكننا لا نعتقد انه يمكن لأحد أن يثبت أن الحكومة تستهدف مجموعة عرقية معينة ، أو الادعاء بأن الحكومة ليس لها الحق فى مواجهة كل من يحمل السلاح فى وجهها .
--- 0 ---
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.