عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    اهلي جدة الاهلي السعودي الأهلي    أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صِحافِيون بلا عيوب وحُكومات بلا قُلوب ... بقلم: فتحي الضَّو
نشر في سودانيل يوم 30 - 08 - 2009

لم يدهشني السيد محمد ناجي عطري رئيس مجلس الوزراء السوري، وهو يشير إلى «وجود نزعة من الإحباط والتشاؤم لدى بعض الصحافيين» وأضاف مسقطاً قوله على أرض الواقع حتى يكتسي بلون الإثارة «إن العديد من المقالات والتحقيقات الصحافية تسعى إلى ترسيخ الإحباط لدى الشعب» وهو هنا يبريء حكومته بالطبع من بث هذا الداء القاتل في نفوس مواطنيه، وتلك ربما خصلة من صميم اختصاصه ولب وظيفته. لكن الذي ليس من حقه وأدهشني به السيد عطري حقاً، تصنيفه اولئك النفر من الصحفيين إلى ثلاثة فئات، قال منهم: «إعلاميين ملتزمين وأوفياء لقضايا الوطن ومصلحته، وإعلاميين غير ملتزمين إلا لمصلحتهم الشخصية ويتنقلون بين القطاع العام والخاص ويكتبون بطريقة متناقضة، إضافة إلى الإعلامي المعادي الذي لا يوجد أي أمل منه» جاء ذلك في لقاء جمعه ورهط من الإعلاميين العاملين في صحيفة البعث الرسمية الاسبوع الماضي، وحضره أيضاً هيثم سطايحي عضو القيادة القطرية لحزب البعث رئيس مكتب الثقافة والإعلام والإعداد، ووزير الإعلام محسن بلال، ومساعد وزير الإعلام، والمديرون العامون للمؤسسات الإعلامية ورؤساء تحريرها. وبالطبع لم يكن مأمولاً من الصحيفة الرسمية أن تبرز تلك التصنيفات، فإقتصرت تغطيتها ومثيلاتها أيضاً لحديث دولة رئيس الوزراء عن أهمية دور الإعلاميين في رصد ومتابعة الثغرات أثناء تطبيق سياسية الحكومة الإقتصادية، في حين وجد التسريب الخبري أعلاه طريقه إلى صحيفة (الوطن) السورية الخاصة التي تجرأت ونشرته في عددها الصادر في 25/8/2009 والمفارقة التي لن تدهش أحداً هي أن الإعلام السوري يفتقر إلى قانون ينظم عمل الاجهزة الإعلامية، كما أن الإعلام الخاص كان محظوراً إلى أن أصلح الأسد الإبن عثراته، ومع ذلك لم يستطع اتحاد الصحافيين الذي أُنشيء مؤخراً ضمه إلى حظيرته، وعليه ما تزال (إمتيازاته) حكراً على المنتسبين للمؤسسات الرسمية كالتي تحدث رئيس الوزراء أمام ممثليها، ونحسب أن بعضهم تحسس رأسه وهم يسمعون تلك الصواقع!
المعروف أن الأنظمة الشمولية دائماً ما تخلط بين الولاء للوطن، والولاء للدولة أو السلطة التي تتحكم في مفاصلها وتحتمل الاتفاق والاختلاف بقدر سواء، كما أنها تعتقد - بذات المعيار - أن النقد الذي يوجه لها هو بالضرورة نقد يمس عصب الوطن وينتقص من وطنية المواطن، وعلى العكس كلما خفف المواطن من النقد وغلوائه كلما علت مرتبته في سلم الوطنية. ومن هنا تبدأ إشكالية تلك العلاقة المرتبكة في الظهور، وتتداخل مفاهيم التخوين والتدجين والتمحين. في حين ينتفى هذا الخلط تماماً في الأنظمة الديمقراطية، حيث المؤسسية التي تجمع منظومة السلطات الثلاث...التنفيذية والتشريعية والقضائية. وقد درج العرف على إعتبار الصحافة سلطة رابعة، مع إنها تبدو لنا أكبر من ذلك بكثير، نظراً لأنها تُعد بمثابة العين الساهرة والجسر الذي يربط بين السلطة بأجهزتها الثلاثة ومواطنيها. ولا يُعرف أحد عبَّر عن هذا المفهوم وأعطى الصحافة مكانتها الرفيعة في التاريخ المعاصر، مثلما فعل الرئيس الأمريكي الثالث توماس جيفرسون، الذي قال: «لو أنني خُيرت بين أن تكون لدينا حكومة بدون صحافة أو صحافة بدون حكومة، لما ترددت لحظة في تفضيل الخيار الثاني» ولم يكن ذلك غريباً أن يصدر من جيفرسون، لأنه لم يكن رئيساً عادياً في التاريخ الأمريكي، فهو يُعد من زمرة الرؤساء الذين يطلق عليهم جيل (الآباء المؤسسين) Founding Fathers إلى جانب جورج واشنطن وبنيامين فرانكلين وجون آدامز وآخرين، وهو الرجل الذي ناهض الاستعمار البريطاني وصاغ وثيقة إعلان الاستقلال (1776) والحقوقي الذي دافع عن الحريات الشخصية وخصوصاً حرية العقيدة (فصل الدولة عن الكنيسة) ووقف بشدة ضد العبودية ونظام الفصل العنصري، ومع ذلك لا تجد صوره تملأ الشوارع والمكاتب والمنازل، ولا تُنظم له المظاهرات التي تنادي (بالروح وبالدم نفديك يا قائدنا) ولا تلك التي تزعق بالفردانية (يا رمز عزتنا وكرامتنا) ولا التي تختزل السلطة في شخصه (يا باني نهضتنا وملهم حضارتنا) ولا نقول أن الأمريكيين براء، فقد سبق واختاروا رئيساً افتقدته البرامج التلفزيونية الفكاهية الآن أكثر من شعبه كجورج بوش الإبن، وانتخبوا ممثلاً درجة ثانية لأنه بطل من أبطال هوليوود كرونالد ريغان، وفشلوا في توصيل إمرأة إلى سدة الرئاسة رغم أنهم بلغوا شأوا عظيماً في الرقي والتحضر، ولكن في كلٍ تبقى المؤسسة هي التي تحكم، ولا مجال للحاكم للانفراد بالسلطة مهما كانت حكمته وعبقريته وكاريزميته!
بيد أنه يمكن للصحافة الأمريكية أن تفتخر بصونها ومحافظتها على وصية ذلك الرئيس الإستثنائي، فهي التي اخترقت جدران البيت الأبيض وأسقطت رئيساً بمثلما فعل بوب وود ودورد وكارل بيرنستين مع الرئيس ريتشارد نيكسون فيما اصطلح بتسميته بفضيحة (ووتر جيت). كما يمكن لسيمور هيرش أن يفتخر كذلك بأنه هو مفجر قضية (سجن أبو غريب) والتي نشرها على صفحات مجلة النيويوركر بعد حصوله على صور التعذيب البشعة وكافة انتهاكات حقوق الانسان في ذاك السجن القمييء، ومع هذا لم يفرض على تحقيقه رقابة قبلية أو بعدية أو حتى في الأحلام. كما لم يعتقله زوار الفجر، ولم تشن عليه حملة من بطانة السوء الذي يخلطون القضايا بذريعة إنه أصبح مهدداً للأمن القومي الأمريكي. وفي الواقع لم تكن تلك هي القصة الأولى لهيرش فشهرته تعود إلى العام 1969 حيث استطاع آنذاك الكشف عن مذبحة (ماي لاي) التي نفذتها القوات الأمريكية في فيتنام وبسببها منح جائزة بوليتزر في العام 1970 وهي من أرفع الجوائز الصحافية الأمريكية، ليس هذا فحسب بل يجب أن نعلم أن هيرش هذا من أكثر الصحافيين الأمريكيين إنتقاداً للدولة الصهيونية بالرغم من أنه يهودي الأصل. من أجل كل هذا لا غروَّ إن قلنا أن الإعلام الأمريكي عموماً ظلَّ يلعب دوراً مؤثراً في صناعة وتوجيه الرأى العام، ولهذا يظل التعديل الأول في الدستور الذي كفل للصحافي حق نشر كل ما يريده مع منحه حرية تقديره الشخصي لما يترتب على ذلك النشر، هي مزية لا توجد حتى في أعتى النظم اللبيرالية مثل بريطانيا، ونعتقد أنه من أجل هذا أصبحت الثقة وافرة بينها وبين المواطن وفي اطار من الاحترام المتبادل، على الرغم من أن هذه العلاقة لا تخلو من بعض الشوائب أو الهنات إلا أن القانون يبقى الحكم، والخصم هو من يتجرأ عليه!
لعل حديث رئيس الوزراء السوري خير مثال للعلاقة النقيضة، مع أنه تناسى في جزئه الأول أن يعزي ظاهرة الإحباط إلى العلاقة الملتبسة وإنعدام الشفافية بين الصحافة والسلطة في العالم الثالث بصورة عامة وبلاده بصورة خاصة. والمفارقة إنه حينما اباح لنفسه الحديث بتلك الشفافية المفقودة لم يتوان في رمى أثقالها على الصحافيين. ومن نكد الدنيا على هؤلاء الصحافيين أن الحكومة التي في يدها السلطة أو القوة – سيان – طالما أباحت لنفسها استخدام كافة وسائل الترهيب والترعيب والعنف اللفظي، في حين أنها تضع كل المتاريس للحئول دون وصول أي كلمة شاردة أو واردة تعتقد أنها ستنال من هيبتها المصطنعة. لهذا يبدو أن رئيس الوزراء السوري وهو يرمى بحجارة من سجيل على رؤوس الصحفيين لم يدر بخلده أن المتهمين الذين عناهم يجلسون قبالته، ذلك لأنهم صحافيو السلطة التي يمثلها، وبدليل إنهم حجبوا حديثه عن القراء وإكتفوا بنشر أشياء لا تغني ولا تسمن من جوع. وبما أن الشيء بالشيء يذكر فقد تذكرت حدثاً مماثلاً وهو ما كان قد جاء على لسان الفريق أول صلاح عبد الله قوش رئيس جهاز الأمن والمخابرات السابق الذي أحسب أن القراء سيفتقدونه مثلي، ولا نملك سوى أن نتمنى له التوفيق والسداد في مهامه الإستشارية الجديدة، كان ذلك في مؤتمر صحافي برفقة وزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين يوم 9/2/2009 وبالرغم من أن المؤتمر كان خاصاً بشرح تطورات الوضع في تشاد كما أُعلن، إلا أن السيد قوش إلقى قولاً ثقيلاً على حاضري المؤتمر واتهم مجموعة لم يسمها من الصحافيين «بتلقي مبالغ مالية من منظمات وسفارات أجنبية» وقال إنهم «مجموعة بسيطة وغريبة على الوسط الصحفي يجب بترها» ولم يبترها بالطبع ليس لأن ثمة اشكالية ظهرت في الكواليس تبحث في الفرق بين المال الاجنبي والمال الوطني، ولا لأن القائل هو صاحب نظرية قطع الرؤوس والأوصال، ولكن لأن الاتهام نفسه من جنس الاتهامات التي لن يجرؤ لسان على التصدي لها، وإن فعل فسيكون حتماً هو المعني بالقول الطائش!
لكن الدكتور مصطفي عثمان إسماعيل مستشار رئيس الجمهورية، مضى في طريق أخف وطأة وأقل عثرة، إذ شن هجوماً عنيفاً على الإعلام العربي وقال أمام حشد من وسائل الإعلام جاءت لتغطية مؤتمر صحافي عقده قبل مغادرته مدينة الرياض في 18/3/2009 «للأسف لدينا إعلام غبي» وجاء حديث إسماعيل عن الإعلام العربي، في إطار انتقاده للتغطية الإعلامية في إقليم دارفور. واعتبر ذلك مشكلة السودان مع أجهزة الإعلام. وقال «مشكلتنا مع أجهزة الإعلام.. للأسف الشديد لدينا إعلام غبي.. لا يفرق بين الأمن القومي والسبق الإعلامي» وسمى المستشار قناة الجزيرة الفضائية كإحدى وسائل الإعلام التي كان يشير إليها بالغباء، مشيرا إلى مسارعة القناة بأخذ لقاءات إعلامية مع أشخاص تصورهم على أساس أنهم من قيادات الفصائل في دارفور «كلما حصلوا عربة فيها 7 أو 8 أشخاص يأخذون منهم لقاءات صحافية ويعتبرونهم قيادات الفصائل في دارفور» مضيفاً: يعتقدون أنهم إذا لم يسارعوا لتسجيل تلك اللقاءات فقد يخسرون سبقا صحافيا. ووصف بعض ما يظهر من وسائل الإعلام حول دارفور ب«البذاءات» معتبراً إياها فقاعات لا تلبث أن تذهب. وأشار إلى أنه «نتيجة لغياب الوعي الإعلامي عن الأمن القومي، فتحت أجهزة الإعلام الباب للبعض، وأصبح من لا يمثل شيئا يمثل كل شيء» إناء إسماعيل الذي نضح بهذا القول لم يكن غريباً، ولكنه في ذات المؤتمر الصحافي اخذته العزة بالإثم وشاء توسيع ميدان معركته لتشمل بكرمها الفياض أبناء شعبه ايضاً، إذ وصفهم بوصف اثار جدلاً وقال إن السودانيين كانوا قبل مجيئ الانقاذ الميمون في العام 1989 «شعب مثل الشحاتين» وقد حاول التبرؤ من الوصف لاحقاً، لكن الصحيفة (الشرق الأوسط 17/3/2009) التي نشرت وقائع المؤتمر فاجأته بوضع التسجيل الصوتي على موقعها الالكتروني، وقطعت به قول كل خطيب!
من الملاحظ أن الصحف في السودان أصبحت تتكاثر كالطحالب، والغريب إنه تكاثر مريب لا يخضع لأي معايير، وكلما ظهرت صحيفة تساءل الناس إبتداءاً عن مصدر تمويلها وإنتهاءاً عن سياستها التحريرية، وبعد حين تناسوا المصدر ونسوا السياسة التحريرية، ذلك لأن الأسئلة في الأساس مجرد تحصيل حاصل. فالصحافة السودانية رغم مرور أكثر من قرن على ميلادها إلا انها ما زالت تشكو من أمراض كثيرة وعلل مزمنة، تقف على رأسها الأسس التنظيمية الادارية قبل السياسات التحريرية، وبالتالي يصعب تصنيفها إن كانت صحافة خاصة تابعة لفرد أو جماعة أو مملوكة للدولة، وتتداخل خطوط الانتماء بحيث يلعب البعض دوراً مضللاً في الايحاء بإستقلاليته وفي نفس الوقت ثمة حبل سُري يربط بينه وبين السلطة بطريق مباشر أو غير مباشر، ويمكن للمراقب أن يضفي على المهنة آنئذٍ مسمى آخراً لا علاقة له لا بالسلطة الرابعة أو الخامسة عشر، كما أن المسألة في ظل التفريخ المستمر لصحف جديدة تفتح الباب لتساؤلات مشروعة ليس حول حاجة المجتمع لهذا الكم الهائل من الصحف في ظل أزمة اقتصادية أفرزت فقراً مستداماً، ولكن حول ما إذا كانت الصحف الموجودة قد أدت رسالتها على النحو المفترض. وأياً كانت التساؤلات فإن الاجابة العملية الماثلة تبقى إحدى إبداعات العصبة ذوي البأس التي إهتدت إلى أن الكثرة ستحقق لها هدفاً إستراتيجياً وهو بعثرة تركيز الرأي العام حول القضايا الحيوية، أي سلب الصحافة المحترمة فحولتها المهنية، وهي ذات السياسة التي أغرقت الساحة بنحو 74 حزباً. إنها سياسة تزييف الواقع وعدم القدرة على مواجهته وخداع النفس بالهروب إلى الأمام!
يبدو أنه من أجل كنت قد هذا قرأت أن وزارة الاعلام نظمت سمناراً لفن (الأوتوكيت)! فقلت بخٍ بخ!!
عن صحيفة (الأحداث) 30/8/2009
لمطالعة مزيد من مقالات الكاتب يرجى زيارة مكتبته على موقع الجالية السودانية بواشنطن
http://www.sacdo.com/web/forum/forum_topics_author.asp?fid=1&sacdoname=%DD%CA%CD%EC%20%C7%E1%D6%E6&sacdoid=fathi.aldaw


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.