تقول الطرفة أن مواطناً التقى بأحد أبناء شمال الوادي. وعلى طريقتهم المعروفة دخل الرجل في أخينا طولاً وعرضاً وكأنه يعرفه منذ سنين.. ثم قال: والله أنا بحب السودانيين أوي أوي .. أصلو هم حبايبنا ونحن حتة واحدة، بس حا نؤؤل إيه في المستعمر .. فرؤؤؤؤنا عن بعضنا ... منهم لله بأأه !!! ثم دار بينهم الحوار التالي: - حصل مشيت السودان قبل كده: - آه وآمال إيه .. أنا رحت السودان كتير أوي .. يجي خمس مرات ... بلدكو حلوة أوي .. - مشيت وين في السودان بالتحديد .. - آه دا أنا رحت الخرطوم .. ورحت "أموّضورمان".. وحاجات كتير أوي .. - مشيت برّاك؟ (يقصد لوحدك) - آه .. ورحت "برّاك" كمان .. على فكرة "برَاك" دي حلوة أوي!! تذكرت هذه الطرفة وأنا أشاهد بعض الإعلاميين المصريين خلال الأسابيع الماضية وهم يتناولون الشأن السوداني بصورة سطحية وساذجة وجهل مركب. وليتهم اكتفوا بجهلهم ذاك مثل صاحبنا الذي أدعى أنه سافر إلى "براك". لقد تجاوز بعض الإعلاميين المصريين كل خطوط الأدب والاحترام والمعايير الأخلاقية التي تحكم الممارسة الإعلامية، وبلغت التجاوزات حداً وصل لدرجة السخرية والإساءة لكل الشعب السوداني على النحو الذي جرى مع أحد أدعياء الإعلام في مصر ويسمى أحمد آدم. المدعو أحمد أدم مصنف أساساً كممثل كوميدي لم يبلغ درجة النجومية، فظل لسنوات طويلة يقبع خلف صفوف المقدمة لممثلي السينما والمسرح. وعندما كسدت بضاعته توجه للإعلام... ففتحت له بعض القنوات المصرية الباب على مصراعيه ليمارس تفاهته ونكاته السمجة. ثم أستبد به غروره فلم يجد حرجاً في إهانة الشعب السوداني، يطلق عليه "الإفيهات" المسرحية الساذجة ظناً منه أن ما يقدمه فناً أو رسالة هادفة. أحمد آدم لم يكن وحده، فقد سبقه آخرون مارسوا نفس المنهج البدائي في السخرية والاستهزاء والجهل المركب. ولعل الجميع يتذكر المباراة الشهيرة بين مصر والجزائر في أم درمان والتداعيات التي أعقبتها وعبر عنها بعض الإعلاميين المصريين أسوأ تعبير ليكشفوا لنا عن سوءتهم، وتكذبيهم لكل الشعارات التي رفعوها حيناً من الدهر. لم يترك "بعض" الإعلام المصري حينئذٍ وصفاً إلا ودمغ به السودان بلداً وشعباً، وحشد أسوأ المفردات وأقذع عبارات الإساءة والتجريح. هناك مشكلتان في مصر في ظني: الأولى تتعلق بالإعلام المصري الذي ارتضى أن يتولى قيادته بعض الأشخاص غير المؤهلين فكرياً أو أخلاقياً. أما المشكلة الثانية تتعلق بالناس أنفسهم الذين أودعوا ثقتهم في إعلام يعاني من أزمة أخلاقية حقيقية، ووصل فرط ثقتهم بإعلامهم أن وضعوه في منزلة القداسة، وآمنوا أن ما يقوله مصدق وموثوق طالما بث في تلفزيون أو نشر في جريدة: (الجرنال قال كده). "بعض" الإعلام المصري انفعالي، يتعامل في حدود الموقف دون التقصي والبحث في أبعاد الموقف نفسه. وقد كان هذا الإعلام سبباً مباشراً في تأجيج الكثير من المشاكل داخل مصر، والدليل على ذلك أنهم في كل أزمة تحدث يتولى الإعلام المسألة، ويتصدى بعض إعلامييهم لحشد المزيد من "الردحي" والمعارك الوهمية. إنه طبع لا نملك من أمرنا فيه شيئاً. Ayman Abo El Hassen [[email protected]]