بسم الله الرحمن الرحيم من أجل ذلك علي الرغم من تعويدنا قبلا وفق صدور تصريحات سابقة من قبل الحزب الحاكم في السودان بعدم الشروع في التفاوض مع الحركة الشعبية قطاع الشمال في النيل الأزرق وجنوب كردفان أبداً طالما تصدر لطاولة المفاوضات السيد (ياسر عرمان) ، بدا لنا أن موقف (الحزب القائد لوطن رائد) الحاكم قاطعا ونهائيا خصوصا عندما يخرج هذا الموقف من أفواه (علية الرواد) ولن تتزحزح كما (تمترس) قبلا عند التفاوض مع جنوب السودان خلف قاعدة (فك الإرتباط) . لكن تعلمنا السياسة المعاصرة يوما بعد يوم أنها فن التحول والتمركز وفق المصالح فقط وليس غير . وكل يوم تثبت الأيام أن هذه قاعدة حاضرة بقوة في أروقة مركز الدول والجماعات ، فما أن هلّ شهر سبتمبر (وليس الفاتح من سبتمبر) من العام الماضي وبعد حوالي خمسة أشهر من احتلال (هجليج) ، حتى ظهر تغيير في (صخرة التعنت الوطني) تجاه التفاوض مع قطاع الشمال من الحركة الشعبية . وبدأ يطرق أسماعنا عبارة من شاكلة الدعوة للحوار وحل مشاكل البلاد ، وبعدها لا مانع لكن بشروط أهمها فك ارتباطهم مع جيش دولة جنوب السودان الوليدة . فأعتبر المراقبون للسياسة السودانية ونحن منهم ، أن هذا الموقف حصل فيه تحول يسابق الزمن بدأ في أروقة الحزب الحاكم في البداية المبكرة خلال هذه المرحلة من التفاوض مع دولة جنوب السودان والسير (المتناغم) في موقف الدولتين وعبارات ترابط المصالح ، وهي دراما تتابعها الجموع في البلدين الذين يحلمون بالتآخي الحقيقي الذي تتوفر مقوماته ، ويخافون من تغير المواقف حسب المصالح الضيقة وليست الحقيقية في الأوضاع علي الأرض . وهذه الأيام ونحن نتتبع تصريحات رئيس اللجنة الأمنية والسياسية المشتركة من الجانب السوداني وهو وزير الدفاع (عبد الرحيم محمد حسين) ، الذي كشف أن السودان وجنوب السودان أكملا ملف الترتيبات الأمنية ومهّدا الطريق لتأخذ الاتفاقيات الموقعة طريقها للتنفيذ ، بدأ كأن أهل السودان جنوبه وشماله غير واثقين من استمرار هذا (التناغم) بحكم (اللدغو ثعبان يخاف من الحبل) ويأملون أن يتحضر الطرفين (الحكومتين والمعارضة المسلحة) إلي خطوات محسوبة للتفاوض داخل نفس الفندق الوثير في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الذي شهد من قبل الشد والجذب والاتفاقات . ويمكن أن يُعد النجاح في توصيل الأمر وجمع قادة قطاع الشمال في الحركة الشعبية في الولايتين مع الوفد الحكومي الذي (كشط جلده) وتقلد رئاسته بروفيسور (الغندور) ، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بداية جديدة لفصل في تأريخ السودان بدايتها يشكل واقعاً يضع الاحتمالات بشأن إمكانية التوصل لحلول لأزمة المنطقتين . والمعروف أنه ساعدت كثير من الأحداث علي إحداث تبديل (كبير) في مواقف الحزب الحاكم ، ولا يخفى أكبرها التقارب مع جنوب السودان ، والتأكيد المتواصل علي ( قوة صحة اتفاق التعاون) الذي وقع في شهر سبتمبر ذاك وجُدد بداية هذا العام ، وبعض الضغوطات الدولية وأجواء الدعوة للحوار والتلاقي النوعي في (ألمانيا) وغير ذلك ، ليتم إعداد هذا التحرك التفاوضي والتراجع عن المواقف المشروطة بعض الشيء من قبيل من يجلس وكيف ولماذا ؟ ، إلي التمسك ببعض الشروط المقدور عليها من شاكلة تصريحات مساعد رئيس الجمهورية د.(نافع) والذي طالب ( أن تتسم العملية بالموضوعية وإقبال الطرفين عليها بعقل وقلب مفتوحين ) . والمؤكد أن هذا المطلب ليس بغية الحكومة فقط بل هو مطلب شعبي وأهلي وطالب به عدة مرات أبناء المنطقتين عدة مرات ، بل طالبوا إمعاناً في الموضوعية بفصل التفاوض كل منطقة من الأخرى ، والتوجه إلي إمكانية التحاور دون شروط ، وهو أمر أصبح مربوط بتفاؤل الوصول إلي تسوية للوضع الراهن . ليجيء مناشدة الهيئة البرلمانية لنواب جنوب كردفان بالمجلس الوطني ومجلس الولايات بإشراك أهل المصلحة من الفعاليات السياسية والأهلية في مفاوضات الحكومة مع الحركة الشعبية قطاع الشمال متسقة مع التوجه العام ناحية ضرورة الجلوس والتفاوض . وهو ما أكدته مصحوبا بدعمها للتفاوض للخروج بسلام يحفظ حقن الدماء بالولاية . وناشد رئيس الهيئة (سليمان بدر قيدوم) أطراف التفاوض بوضع مصلحة المواطن بالولاية كأساس للتفاوض باعتبارهم أكثر المتضررين من استمرار الحرب . ورغم هذا الموقف المتلبس بغيوم التغيير في الخرطوم والتحضير لجمع نقاط (التلاقي) علي الهضبة الإثيوبية حول التفاوض مع قطاع الشمال بالحركة الشعبية ، تصبح هذه الأجواء فرصة متاحة لكل الأطراف في تسويق ما تريد من قضايا ومواقف تترقب منها فائدة تجنيها ، منها ما يمكن وصفه (بتغيير) صورة السودان الخارجية وتخفيف الضغط علي الحزب الحاكم . فلم تخرج تصريحات السفير (أبوبكر الصديق) المتحدث باسم وزارة الخارجية قبل أيام عن هذا الإطار الذي دعا فيه الولاياتالمتحدة إلى استصحاب التطورات الايجابية التي شهدها السودان مؤخراً على مستوى العلاقات مع دولة جنوب السودان والانخراط في التفاوض مع قطاع الشمال وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ودعوة الرئيس البشير إلى إجراء حوار وطني حول الدستور إلى جانب التوقيع على اتفاقية السلام مع حركة العدل والمساواة ، مضيفاً أن الكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية . لكن المسلم به أن رحلة التفاوض لن تكون سهلة الوصول عبرها إلي نهاية ترضي الطرفين وتمهد لحل أغلب الصعاب وقضايا (النيل الأزرق) وجنوب (كردفان) . فالتنافر الشديد بين الخلفيتين المختلفتين للحكومة وقطاع الشمال وافتقار الثقة من طرف عن الطرف الآخر وطمع كل منهما أن يحصد الثمار أكثر الآخر ، فهذه كلها امتحانات (إجبارية) للنفوس والمعتقدات والهم الوطني . ولا يوجد مراقب للسياسة السودانية حكومة ومعارضة إلا ولديه تخوف من فشل هذه المفاوضات ولو بشكل جزئي ، كما تعودنا أن (الشيطان في التفاصيل) . يصاحب ذلك كله ومن غير أن ننسي أثر التعاطي الحكومي علي المعارضة الداخلية لنظام المؤتمر الوطني الحاكم في سير وعقد هذه المفاوضات . (من أجل ذلك) كله تبقى جدية دعوة الحوار (الوطني) التي أطلقتها القيادة الحاكمة في البلاد تجاه القوي المعارضة ، هي (الفيصل) في سير وعقد المفاوضات من حيث البداية ، ولكم نجحت الحكومة في تلطيف الأجواء بعض الشيء (رغم قسوة الأوضاع الاقتصادية والغلاء الفاحش) ، وهي تفرج عن المعتقلين السياسيين قبل فترة وجيزة . فالحامل للسلاح المعارض والمحارب ضد (المؤتمر الوطني) يرصد جديته في طرحه الأخير للحوار حول قضايا السودان وسير اتفاقيات (دارفور) والشرق مجتمعين . والأهم من ذلك قبلا أو بعدا اتفاق التعاون بين دولتي السودان وجنوب السودان ، فله الأثر الواضح والكبير المعروف للجميع في عقد أو فشل هذه المفاوضات ومغادرتها نقطة البداية إلي المحطات الأخرى وصولا إلي نهاية التفاوض ، رغم التشاؤم من البعض حول هذه الرحلة برمتها . [email protected]