ابتسامات ساخرة تراها موزعة بين قاطني العاصمة القومية وهم يتساءلون بسخرية وأمل في المستقبل: - والجيش وين؟ ويتساءل آخرون عن مليشيات المسئولين : (أين اختفت؟) ، ويتفلسف أحد شاربي الشاي وهو يجترع كوبه بطريقة تظهر أهميته : - أصلو الناس ديل فتتو الجيش وبعدين الكانوا بحاربو زمان كان بحاربو لي قناعات معينة .. اكتشفوا حسي إنهم كانوا مخدوعين .. يتدخل أحد سائقي الشاحنات الضخمة : - الناس ديل كان كدة .. بخشو الخرتوم .. ويظل الحديث حول انتصارات الجبهة الثورية هو مدار الجدل ، حتى تقطعه مغازلات بريئة وخبيثة لبائعة الشاي الحبشية . ورغم حرارة الأجواء ، فإنني شعرت من هذه الأحاديث وغيرها أن الجبهة الثورية قد منحت الشعب أملاً في الخلاص وقد توالت عليه النكبات الواحدة تلو الأخرى دون أن يحرك ساكناً . قال أحدهم متسائلاً : - حسي عرمان بيجي رئيس ؟ رفض البعض ذلك بشدة ولكنه لم يبرر رفضه بوضوح ، قال المناصرون بأن عرمان انتصر على البشير في الإنتخابات السابقة رغم الصفقة التي أزاحته عن الترشح ورغم التزوير الواضح . ورد الرافض: - عرمان ادوهو الشرامة .. فقال أحدهم غاضباً: - والشرامة ديل ما بني آدمين. وقال آخر ساخراً: - انت ذااااتك ما شرامي ... وهكذا انقطع الحديث مرة أخرى وتحول إلى مناكفات ساخرة ، غير أن انتصارات الجبهة الثورية غيرت من الأجواء المقطبة إلى القليل من المرح والانفتاح . ويتردد السؤال الذي لا يرغب سائله في إجابة : - والجيش وين ؟ يقول أحد ركاب الحافلة : - البلد تراهي فاااااضية ... ويهمس أحد المصابين بفوبيا الأمن : - يعني الجماعة ديل بقدرو على الغلابة بس .. المساكين الزينا ديل .. لقد أدمن الشعب السوداني تحلية مرارته بالقفشات والتعليقات الساخرة حتى يخرج من أزمة الرقيب الأمني ، نرى ذلك بوضوح في الصحف السودانية التي أصحبت هي الأخرى تتبنى أسلوب الكوميديا السياسية لتغلف ما تريد قوله بشيء من العبط. مجمل ما يمكن قوله أن الجبهة الثورية قد أولجت أنبوب أكسجين لتتنفس منه جثة الشعب ، والغريب أن الشعب الآن لم يعد يتساءل كثيراً عن البديل ، لا حباً في الجبهة الثورية بقدر ما هو رغبة في الخلاص النهائي من إرهاب الدولة والإنهيار الإقتصادي والقانوني والمؤسسي والثقافي والسياسي والرياضي ..الخ أياً كان البديل ؛ حتى لو كان إبليس نفسه . الجبهة الثورية منحته بعض الأمل للمواطنين ، فهل الجبهة الثورية على قدر وعودها ؟ هذا ما سيجيب عليه المستقبل .