بسم الله الرحمن الرحيم لقد تناولت في مقالاتي السابقة امور عديدة تتعلق بالطبابة فى السودان و قد كنت عظيم الرجاء ان تدفع تلك المقالات الاطباء و شرائح المجتمع المختلفة الى الادلاء بدلوهم ، فلست صاحب "غبينة" ولست بصدد ملاحقة جمهرة الاطباء وتشويه سمعتهم. وليس من أغراضي نشر الذعر في اوساط المرضى واهليهم. ولكن شأني شأن غمار الناس فى هذا البلد السخى قد هالني كما هال الكثيرون غيرى تردى السلوك المهني القويم والممارسة الطبية المبرأة من الجشع والاهمال من قبل بعض زمر الاطباء. هذه الممارسات الجائرة اوصدت باب العناية الطبية المكفولة بالإحسان و الكفاءة امام من اعتلت اجسادهم وجار عليهم زمن خؤون واثقلت كاهلهم مسغبة لا فكاك منها. لست وحدى من ينافح عن حقوق هؤلاء فالمواقع الاسفيرية تتري بأحداث يشيب لها الولدان وليس من مغيث. وقد آن الاوان لكى تقف كل شرائح المجتمع مع هؤلاء بغية المحافظة على حقوقهم غير القابلة للتصرف والتي تم ازدراؤها ليس على نحو ممنهج فحسب بل على نحو يتصف بالصلف ويعوزه العدل والانصاف. واملى جد عظيم أن يدلى الاخوة الاطباء بدلوهم فى المسائل المثارة فالأمر اضحى قضية رأى عام بامتياز ولا بد ان يتعرف الناس على ما يجول فى خاطرهم . كتب لي احد الاصدقاء ان أكتب فى تشخيص وعلاج ادواء القانون والدبلوماسية ورغم ان اوجه قصور عديدة قد اعتورت مسار القانون والدبلوماسية، لكنه قد غاب عن الصديق الكريم أننى لم ادع معرفة موسوعية بالطبابة وشؤونها ولم اوجه اتهاما لاحد بعينه وانما دلفت الى مشاكل الطبابة بوصفها قضية رأى عام يكتوى من اثار ممارسة بعض زمرها عديد الناس. ولست فى حاجة لاستذكار ان القانون والدبلوماسية لهما اطر ومطلوبات بعينها. أما اوجه القصور فى الطبابة فإنها تشكل اللحظات الفارقة بين الحياة والموت وتهم سراة الناس وغمارهم ، الخاصة والعامة منهم خاصة وهناك شواهد تشير وتؤكد اتسام ممارسات بعض زمر المهن الطبية بالجشع وعدم الكفاءة والاهمال وازدراء حقوق المرضى ونكران بين صراح لفضائل مهنة الطب المقدسة. إن من حقي وغيرى ان ندلوا بدلونا. السودان بلد شاب بكل المقاييس حيث يشكل الذين اعمارهم اقل من 5 سنوات واقل من 15 سنة نسبة 60%من عدد السكان. يبلغ عدد الذين يتجاوز عمرهم 65 سنة نسبة 4% من عدد السكان. وهنالك هجرة متوالية من الريف الى المدينة وقد يتعادل سكان الريف مع سكان المدينة فى غضون السنوات القليلة المقبلة. هذه الارقام مقروءة مع تدنى الخدمات الصحية وغيابها فى العديد من مجتمعاتنا تنذر بشر مستطير، فليس من كابح لتنمية اقتصادية اجتماعية مستدامة سوى خدمات تعليمية وصحية متدنية معدومة الكفاءة يكون على رأسها زمر الجشع والاهمال. وليصمت الذين يرددون ان العلاج فى السودان لا يزال اقل تكلفة وليتهم يتطلعون الى وجوه النساء وهن محسورات جراء عدم قدرتهن على سداد تكلفة علاج جائر او شراء ادوية مشكوك فى نجاعتها تم انتاجها فى معامل عالم ثالث. الامر جد خطير وقد كانت الخدمات الطبية فى السودان فى سابق العصر والاوان خدمات ذات كفاءة مهنية عالية مشمولة بالتجرد والاحسان وقد فاقت رصيفاتها الافريقية والعربية.ولنا ان نذكر بكثير التقدير والامتنان الرواد الاوائل الذين تغمدهم الله برحمته ومد الله فى عمر عصبة الاخيار من أطباء السودان الذين قضوا زهرة عمرهم فى تطبيب الناس والبحث فى المختبرات والتدريس،لم تلن لهم قناة ولم تجرفهم التجارة وعروضها. لا ازعم معرفة موسوعية بالمختبرات وأدواتها لكنني اعلم انه منذ اختراع المايكروسكوب ظلت الفحوص المخبرية اداة لا غنى عنها فى تأكيد سلامة التشخيص وليست بذاتها وصفة علاجية. وقد اتفق ان الجودة وفقا للمعايير الوطنية والدولية هي اساس النشاط المختبري السليم. وعليه اوجب الخبراء ان تكون النتائج المختبرية ذات مصداقية وصحيحة.الحديث عن المختبرات الطبية فى السودان يحتاج لوقفة قد يطول امدها فقد زحف عليها خميس عرمرم قوامه مختبرات وافدة من دول الجوار وما وراء دول الجوار ميسمه تحقيق ربحية واوقن ان رفاهنا ليس من ضمن اولوياتهم. شوارع العاصمة المثلثة تذخر بالمختبرات و المعامل ذات الالوان الزاهية واللافتات الضخمة كأنى بها لافتات معامل التصوير الملون. و من المؤكد ان المختبرات قد اضحت "تجارة" رائجة شانها شأن محلات الحلويات الشامية. ويزعم الناس ان طلب الفحوصات المخبرية باهظة التكلفة صار من الامور الروتينية. وبكثير من الحذر اذكر زعم البعض أن بعض المختبرات تنتهج ممارسات لا تتفق وقيم مهنة الطب يشاركهم فيها بعض زمر الاطباء الامر الذى نتج عنه رواجا غير مسبوق في انشطة المختبرات. إنتجاربي الشخصية تؤيدان نتائج الفحوصات المخبرية غير دقيقة و ليست ذات حجية. و من اسف تتفاوت و تختلف من مختبر لآخر. وحتى عندما تصدق قراءة المعدات الرقمية يكون التفسير والخلاصة خاطئا ملتبسا. ولا أحد يدرى إن كانت بعض هذه المختبرات تستخدم معدات والات عفا عليها الزمن ومشكوك في دقتها و تفتقد الى المعايرة السليمة ام أن المعينات المستخدمة مشكوك في نجاعتها و صلاحيتها. وكما فى الممارسة الطبية يتعين على المختبرات ان تتبع بروتكولات بعينها للفحص والاختبار فى كافة مراحل التحليل وفضلا عن ذلك يزعم البعض ان بعض العاملين بها تعوذهم الكفاءة والخبرة. و قد تفاقمت أخطاء المختبرات مع ازدياد اتعاب الاطباء مما دفع العديد من رقيقي الحال الى اللجوء الى المعامل حيث يتم الفحص و وصف العلاج. وكيف لهذا الفحيص او الفني ان يشخص الداء و يصف الدواء. ومن حق الناس ان يعرفوا تصنيف المختبرات المرخص لها بالعمل فى السودان وسلامة اجراءاتها ومن حق المرضى على الاجهزة الرقابية تأكيد مدى كفاءة و خبرة العاملين بها. امر المختبرات الطبية يحتاج الى اعادة تقييم من حيث كفاءة المعدات وجودة المعينات وسلامة النتائج التي يصدرونها ومعقولية الأتعاب التي يتقاضونها. مرة أخرى لا بد من انفاذ رقابة صارمة تضع الامور في نصابها و لا نستعدى احدا على المختبرات الوطنية والاجنبية لكنهم كغيرهم من العاملين في المهن الطبية يتوجب انفاذ آلية حازمة تنظم نشاطهم من الناحيتين الفنية و القانونية. لقد ظلت مجتمعاتنا تنشد رعاية طبية ذات كفاءة ومهنية عالية ومبرأة من الاهمال والجشع. ولا يجوز ترك هذا الميدان الحيوي للمختبرات الوطنية والوافدة دونما رقابة صارمة حازمة ذلك أن غياب الية صارمة وعدم وضع الامور فى نصابها سيقود الى انهيار تام لمنظومة الرعاية الصحية فى السودان. وقد رأينا الاثار المقيتة والمدمرة والمحزنة لزحف التجارة والاستثمار على الطبابة فى السودان. وأسأل كغيرى من مواطني هذا البلد الطيب، حتام الصمت على الممارسة النهمة والكريهة لبعض زمر المهن الطبية والتي ظلت تزدهر مالا وجاها على تلف اجساد الناس. والله من وراء القصد. Kamal Abdel-Rahman [[email protected]]