لماذا عندما يطالب البعض من ابناء هذا الوطن بدولة علمانية, ينسحب تفكير البعض الآخر مباشرة الى الوجه السلبي للعلمانية ؟ . الى الالحاد والدولة المعادية للدين ؟ . لماذا لا نميط هذا اللثام الضيق وننزع عنا ذهنية التكفير تلك وننظر لآلية نبني من خلالها دولة تسع الجميع ؟ . ان كلمة العلمانية حسب القاموس الاوروبي او secular بالانجليزية او laique بالفرنسية , تعني الذي ليس من رجال الدين , او كل من ليس كاهنا , ثم اصبحت تعني كل ما ليس صادرا من الكنيسة , ثم اصبحت تعني كل ما ليس متخصصا . فمثلا اذا تكلم مهندس في الشأن الطبي فهو كلام علماني . لأن الكلام الرسمي والموثوق هو كلام الطبيب . وبالتالي فلما نشب الصراع بين الكنيسة والدولة في أروبا والغيت سيطرة رجال الدين .. استقل (العلمانيون) – الغير متخصصون في الدين – بادارة الدولة وقام المجتمع العلماني الذي لا يحكمه رجال الدين . وبالتالي لا علاقة بين اللفظ (علماني) والعلم إلا تأوّلاً , كما انه لا علاقة حتمية بين العلمانية والالحاد ... مجرّد وجهة نظر (2) بعد الاجواء السلمية التي رافقت عملية الاستفتاء – وهذا فضل من الله - شهدت البلاد والعاصمة القومية بالخصوص هجرات سلسة للاخوة الجنوبيين قافلين الى دولة الجنوب, ولكن رحلة هذا الجنوبي من الشمال الى الجنوب راسماً بمساره في تلك الرحلة خطاً فاصلاً بين دولتين ذات مكون شعبوي اجتماعي واحد وإرث ثقافي حضاري متأصل في وجدان الطرفين , لا ينمحي بتقرير طرف من الاطراف والاعلان عن حقه في تقرير مصيره . لذلك طرأت عدة علامات استفهام في رأسي وانا اجوب شوارع الخرطوم . كيف نستطيع ان نفصل جزء من الوطن الكل , طالما هذا الجزء لا يتجزأ انثروبولوجياً من كيان هذا الكل , كما لا تكتمل هوية هذا الكل الجمعي الا بهذا الجزء ؟ . هل نتنكر فيما بعد لهذا الجنوبي ونمحي تاريخه من كتب المدارس وندّعي فجأة أنه آخر لا علاقة لنا به , بل وننعته ب(الغريب) ؟ . في وقت ما – حتى اليوم حسب علمي - عندما يزور زائر اجنبي البلاد يغدق عليه المسئولون بالهدايا الجميلة ذات الطابع المحلّي والتي تحمل دلالات فنية فولكلورية وتعرّف الزائر بتراث وهوية هذا البلد , وبالتالي يهرع من هم في المراسم الى شارع الغابة المعروف , وبعضهم الى شارع الجمهورية لجلب اسنان الفيل ومجسمات وحيد القرن الابنوسية والعاجية وغيرها من الاعمال الفنية الرائعة التي يبدعها انسان الجنوب . تلك هي ثقافة وتراث وهوية هذا البلد الغالب عليه السحنة الافريقية الزنجية . هل نشهد بعد اتمام مراسم الانفصال في يوليو(المشئوم) ان تعد الدولة محرقة لهذه الاعمال الفنية القابعة في سفارات السودان بالخارج وجميع مكاتب الدولة بما فيها الرئاسة , على اساس انها لا تمثل دولة السودان الان , وانها اصبحت الان تعبر عن ثقافة دولة اجنبية اخرى وانسان آخر (اجنبي) ؟ . كيف يعرّف الانسان السوداني الغير شمالي والغير جنوبي – حسب جغرافية السودان ككل - هويته وثقافته بمعزل عن هذا الارث الزنوجي/الافريقي , خصوصا اذا كان يريد ان يحتفظ في تعبيره هذا – في ذات الوقت - عن حقه الاصيل من الموروث الثقافي الزنوجي/الافريقي مستصحبا معه ارثه الثقافي الشمالي/العروبي ؟ . اين تنتهي الحدود الشمالية/الجنوبية واين تبدأ ؟ . هل نقول ان النميري هو من فصل السودان قبل اربعة عقود مضت عندما قام بتغيير شعار جمهورية السودان , لافظاً شعار وحيد القرن ذو السمات الزنجية/الافريقية , متبنياً شعار صقر الجديان ذو الدلالات العربية ؟ . انها أسئلة اذا اجبنا عليها , سنجيب تلقائيا على الاسئلة الخاصة بهويتنا المتأرجحة بين الافروعربية . !! .... مجرد وجهة نظر. (3) يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) صدق الله العظيم . في هذه النص نجد تفريقا لغويا واضحا بين القبيلة كمعنى للقبائلية المؤصلة لمعنى العنصرية, والشعوبية كمعنى أوسع لمفهوم التضامن والترابط بين الناس .إذ أن المجتمع يتكون من الفرد الذي يكوّن العائلة التي بدورها تعتمد كليا على عائلات أخرى حتى تعضض من قوتها ويعين بعضهم البعض في قضاء حاجياتهم وبالتالي رفع سحابة الخوف المضمر من المجهول , فتعتمد العوائل على عائلات أخرى وبالتالي يتشكل ما يسمى بالقبيلة تحت مسمى ما , وهكذا تنجم عن هذه الدوائر الإجتماعية قبائل وقبائل فتتآلف وتتحالف فيما بينها لتقوي شوكتها عند البأس , فعندما يستنجد أحد أفراد القبيلة ويستصرخ بإسم قبيلته أو أحد القبائل المجاورة يجد النجدة والأمن . هذا في البيئة البدوية , فتتشكل هوية الفرد من إعتماده الملموس لما هو منه - هو هو – فليس هناك شيئ خارجي لا وجود لقوة أو منعة غير معروفة لديه , حتى الأساطير التي يؤمن بها وجعلها آلهة , هي من صميم صنعه ليأمنها ولتكون تحت سيطرته , مسكنه ملبسه طعامه شرابه دابته أرضه ... حتى إلهه من صنع يديه فهنا يعتز بما صنعت يداه وبالتالي يعتز بماهيته وهويته يعتز بذاته وذاتيته , يعتز بتحكمه بماضيه الذي صنعه هو هو , يعتز بتربيته لولده الذي/التي يتربى بين كنفيه ويداعب مهره في الخلاء فيشب/تشب الطفل والمهر معا في باحة وساحة واحدة يألفان بعضهما البعض , من هنا تنشأ الهوية بمعرفة الفرد لريحة ترابه وتفاصيل حياته إذ تسكن فيه عبق رائحة جدته . هذا فيما مضى , فما هو التعريف الحقيقي لمعنى الهوية – الأن - ....؟ هل نحن ... نحن ؟ كيف تتشكل هويتنا وندّعي أنها من صنع ذاتنا/أيدينا إذا كنا نعتمد في تربية أبنائنا على فلبينية ونحتسي القهوة الحبشية ونفطر ببيرقر أمريكي وغدائنا بيتزا إيطالية ؟ كيف ؟.... كيف تتشكل هويتنا إذا كنا نبني منازلنا ببلوك تركي وأسمنت مصري وعامل بناء صيني ونمتطي صهوة دابة كورية ..؟؟ . كيف تتشكل هويتنا طالما نفتخر بأن أبنائنا يتحدثون بلغات اجنبية في سن مبكرة ونتناسى اللغة المحلية , اللغة الأم. من جهة أخرى, ماهي هوية الألماني "مثلا" أو الأفريقي عموما ؟ : إذا كان حروفه التي يعتمدها في الكتابة لاتينية وأرقامه الحسابية عربية ومسيحه يهودي ؟؟ .كيف تتشكل الهوية طالما نعتمد في عملياتنا الحسابية على أرقام هندية وكل ما هو بين أيدينا لا يمت بصلة لثقافتنا المحلية ؟ . كيف تنبع الوطنية والغيرة إذا كنت لا أعرف جاري اللصيق ؟ . كيف تدوم المودة والألفة إذا وجدت نفسي في موقف لا أجد عونا سوى الإتصال ب999 وهو رقم شرطة النجدة , ولكن أليس هذا ما يقال عنه بالدولة المدنية ؟ ولكنها من زاوية اخرى هي ليست سوى بداية النهاية لسلسلة بدأت بالترابط وجسدت كل معاني المحبة والألفة والترابط , وإنتهت بمدنية وحداثة ما بعدها حداثة مبنية بالأساس على عدم الثقة بالغير ونكران الذات والتخلّي عن القيم الموروثة ؟ ألا يجب أن نعيد النظر في معنى الهوية ...؟!! إنها مجرد وجهة نظر أخرى . MOHAMED MOSA [[email protected]]