المهدي الأكبر قال أن أمر المهدية قد هجم عليه وهو بين اليقظة والحلم. وأنا أقول أن عنوان هذا المقال قد هجم عليّ وأنا في القطار بين بودابست وفيينا، أفكر في مشاركتي الفنية في مؤتمر يعقد الأسبوع القادم إن شاء الله بمدينة سانت بيترسبورج الروسية- ستالين، ولينين جراند سابقاً- وتناقش فيه مسائل الذبح الحلال والحرام، علاوة على دور معامل الكيمياء والأحياء في ضبط الجودة، فصرت بقدرة القادر من المتخصصين في إجادة الذبح الحلال نظرياً. وهذا كله مربوط بما أورده أخونا الصحافي والكاتب مصطفي البطل في شأن السيد نصر الدين الهادي المهدي وبيانه الذي ناشد فيه الأنصار بعدم التعرض لثوار الجبهة الثورية بقيادة الحلو وجبريل وعرمان ومني وعقار وهجو. نقل البطل – وناقل الكفر ليس بكافر-:- تواترت الأنباء أن أول ما فعله (الثوار)، عند دخولهم أبو كرشولا، هو أنهم ذبحوا-على رأس من ذبحوا- عضو حزب الأمة وكيان الأنصار العالم محمد أبكر وشقيقه، وعدد من أبناء عمومته. قال الرواة أن (الثوار) بعد أن ذبحوا الأنصاري العالم محمد أبكر، ذبح الشاة، قطعوا جسده الى نحو من عشرين قطعة، ثم كوموا قطع اللحم، امام ذويه، فوق طاولة خشبية، تماماً كما تكوم لحوم الحيوانات في محلات القصابين.!) أصبت بحالة كادت أن تفقدني عقلي و تفكيري....وتساءلت هل يعقل هذا؟... وكتب أحد أحبابي معلقاً:- يصعب عليّ أن أتصور حدوث ما كتبه البطل!.....نعم هذا لا يعقل أبداً....لكن هل تعرف من هو الضحية؟..إنه العالم محمد أبكر. إن أول من أورد هذا الخبر هو الصحافي ضياء الدين بلال العائد لتوه – حينها- من معسكرات النازحين من أبكرشولا, ذاكراً ذلك على الهواء في برنامج الطاهر حسن التوم، في حلقة تناولت الهجوم على أم روابة وأبكرشولا. ومن وقتها وأنا أطالب قادة الجبهة الثورية بالتحقيق في مثل هذه الأخبار،خاصة وان إعلام الإنقاذ علمنا أن نتشكك حتي في أسمائنا....ألم ينسبوا بالأمس لجون قرنق مقولة شرب القهوة بالمتمة!! وراحت بسببها أرواح عزيزة فداءً لشرف عشعش في الخيال. شخصي الضعيف من الحريصين على قراءة ما يكتبه البطل وأثمن كتابته الناقدة، فقد تعلمنا ضمن ما نلناه من معرفة في زمن الإتحاد السوفيتي العظيم، فضيلة النقد والنقد الذاتي. ولكن عندما أنهيت قراءة مقاله عن السيد نصر الدين الهادي المهدي، قلت في نفسي:-هل يا تري هذا المقال للبطل أم مدسوس عليه؟...لقد أسهب البطل في- غير حاجة- للنيل من شخصية رجل لم يكن له دورٌ محوري في صناعة السياسة السودانية!! وراح في تحليل شخصيته رغم معرفته المحدودة به، بل قد تعامل معه وجالسه لأوقات قصيرة. أما أنا كاتب المقال فأقر بعدم معرفتي الشخصية بالسيد نصرالدين، وقد تعلمت في حياتي أن المظاهر خدّاعة.- قالوا...هل تعاملت معه بالدرهم والدينار؟...هل سافرت معه؟....هل سكنت معه؟- لم ألتقيه رغم إنتمائنا المشترك للجزيرة أبا والنيل الأبيض، عشنا فترة أوائل الثمانينات في ألمانيا..هو في هامبورج وأنا في ميونيخ. ولكنني سكنت مجاوراً لشقيقه المرحوم الفاضل الهادي، في عنبر دينار بداخلية النيل الأزرق في كوستي الثانوية. جاء الفاضل منقولاً من مدارس العاصمة الثانوية، حيث الراحات والحلاوات، الى مدرسة كوستى الثانوية المخشوشنة. كان الفاضل لا يرفع صوته بالكلام كما يفعل السيد الصادق المهدي (ربما تأثر أخونا البطل بذلك)، ولكنه كان مثالاً في التواضع والأدب الجم وإقتحام مجتمعات الغبش والمساكين. كان يأكل مما نأكل..ولا تفرق البعوضة بين دمه العاصمي و دماء الغلابة من أمثالنا. ولا شك أنه ورث ذلك عن أبيه الهادي المهدي الذي عرف بمحبته وإهتمامه بأمر أنصاره الغبش....وعلى عكس ذلك كان السيد عبد الله الفاضل....الذي كثيراً ما سمعه البعض يردد مقولة.... أهل الغرب(مش أمريكا) الما بسروا القلب، ولذلك إتجه شمالاً وأختار لإبنه مبارك خوالاً في مصر.المرحوم الفاضل الهادي كان عندما يعسعس الليل ونحن في الداخلية أسمع منه همهمات وكلمات وحكايات من القلب الى القلب، كان فخوراً بالدماء النيلية التى تجري في عروقه ولا تخطئها العين المجردة. والدهم الأمام الهادى رباهم على حب كل أهل السودان، ولذلك ليس بغريب مصاهرتهم لأسرة ميرغني حمزة الختمية. إن قراءتي المتواضعة لموقف نصر الدين بن الهادي المهدي وإنتمائه للجبهة الثورية، أستلهمه من ذلك التاريخ الذي عشته، ومن زهدي في زاد من يسمون بالمفكرين. فقد مضى علينا زمن كنا نهرول ونصيح خلف العربة:- عاش الصادق أمل الأمة!! ويحدثنا السيد مبارك الفاضل-حسب تجربته- أن الصادق لا يساعد أحداً في فتح( كنتين) دكان. وهل أكذب إن ذكرت لكم أن جزيرة أبا قد صارت صحراء جرداء ينعق فيها البوم. لقد صوروا لنا الإمام الهادى وقتها بالجاهل الذي لا يحسن الخطابة، بل أن عصابة مايو جاءت بالخمور والمنكرات وبثوها تلفزيونياً لإغتيال شخصيته الروحية بعد أن أجهزوا على بدنه. ولذلك ثقتنا فيما يبث رسمياً ولو بإسم الجيش قليلة. واليوم تجد من يحدثك عن الإمام الهادي فترى فيه ذلك الدر المكنون. نسأل الله الرحمة والمغفرة للعالم محمد أبكر وأخوانه ولكل السودانيين أين كان مشربهم السياسي والديني والعرقي، فكلهم سودانيون وأمرهم يهمنا. ونسأل الله أن يأتي ذلك اليوم الذي يكشف فيه العارفون ما أرتكبت من جرائم في جنوبنا السليب وغربنا الحبيب وجبال النوبة والأنقسنا العزيزة وضحايا رمضان وفيهم صديقي وزميلي من كوستي الضابط محمد عبد العزيز. في تاريخ الأنصارية نجد أنصاراً قتلوا في الزمن الخطأ والمكان الخطأ. وأذكر منهم الأنصاري محمد سعيد الأسد الذي قتل في حوادث ود نوباوي في العام 1970. وفي حوادث مارس 1954 ، قتل كل من ميرغني عثمان صالح والشاب المحامي، أبو القاسم ميرغني محمد الذي لم يمض على تخرجه في جامعة الخرطوم اسبوع واحد. وإذا حدثتكم عن أحداث ربك والجزيرة أبا فإن القائمة ستطول. وأخيراً وليس بآخر.....لا بد من دولة المواطنة الحقة ولو طال السفر وكثرت التضحيات. والله أكبر ولله الحمد! abdalla sharief [[email protected]]