القائد العظيم هو الذي يكون على استعداد للعبور على دم الاخ والابن حينما تلوح فرصة حقيقية للسلام: مقوله شهيرة لاحدي قيادات جنوب اقريقيا،، فالتفاوض حتى بين الدول المتحاربة مفيد لكل الأطراف وهو إحدى الوسائل للتعرّف على أفكار الطرف الآخر وإحدى وسائل تقصير أمد الحرب إذا جرى مع تبادل المعلومات، وهذا يمكن أن يغيّر النوايا أو إشعار أحد الأطراف أن مقصده لن يتحقق بسبب توفر المعلومات، والنظر للمفاوضات كأنه بديل للحرب غير صحيح بل يمكن أن تكون هناك حرب ومفاوضات في وقتٍ واحد والخط الساخن للتفاوض بين البيت الأبيض والكرملين أنشئ بعد أزمة 63 التي كادت تشعل الحرب بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا وأنشئ خصيصًا ليكون إحدى وسائل التواصل الذي يعين في وقت الحرب ووقت السلم وأصبح معلومًا حتى أثناء الحروبات لا تغلق سفارتها إلا لأمر التأمين وتحيل أمرها لرعاية مصالحها، بحيث يكون هناك خط للتواصل المستمر، فليس بالضرورة أن أثق بالخصم لأتفاوض معه ولاسيما وان الثقة بين المتقاتلين منعدمة اصلا. والمفاوضات بين الاطراف المتحاربة ستوضح إن كانت هناك فرصة لبناء الثقة أم لا. ليلة عودة رئيس الجمهورية عمر البشير الإثنين الماضي من اديس ابابا، وبعد لقاءه مع رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت اعقبها اعلانه بان "كل الامور تمام". ولاحقاً القي خطاباً عاطفياً أمام مئات السودانيين الذين خرجوا في مسيرات عفوية بمناسبة تحرير (أبوكرشولا) حتى ابكي وزيرة الدولة بالكهرباء تابيتا بطرس، اعلن خلاله الغاء أي مفاوضات مع متمردي الجبهة الثورية بعدما رفض الاعتراف بهم، بل زاد حماس الحضور من الجماهير بالتهديد بوقف تدفق نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية في حالة تقديم حكومة الجنوب الدعم للمتمردين.. كل العالم على يقين بان ما قامت به الجبهة الثورية تجاوز للقوانين وانتهاك لحقوق الانسان لقتلها الابرياء العزل وتخريبها منشأت خدمية فضلاً عن التسبب في نزوح الالف المدنيين، ولكن رغم ذلك إذا كانت المفاوضات يمكن أن توقف الحرب فهي أفضل الوسائل لانه ليس بالامكان جعل الموتا يعودون ولكن من الممكن جدا جعل الاحياء يعيشون حسبما قال الشاعر الالماني بريخت. لكن مواقف الحكومة بشأن التفاوض مع قطاع الشمال ظلت متأرجحة ما بين القبول والرفض لمبدأ التفاوض، وحتى بعد الأحداث الأخيرة التي وقعت بشمال كردفان لم يكن الموقف واضحًا بشأن استئناف عملية التفاوض، وكان رئيس وفد التفاوض قد أعلن استمرار التفاوض مع القطاع الشمال لكن الرئيس البشير نسف هذا القول بتصريحاته امس الاول. بينما اللافت ان الحكومة ظلت تتخذ مواقفاً تكتيكية وليست إسترتيجية خصوصاً تصريحات البشير الاخيرة لانها اتت مرتبطة بظروف محدد كان يستدعي مثلما قاله من حديث. لاسيما وان التفاوض شر لا بد منه طالما انه الطريق الوحيد لانهاء التمرد، ورفض الحكومة للتفاوض في هذا الظرف قد يكون مبررا ومقبولاً ايا كان شكلة تكتيكي او استراتيجي. فالخرطوم تتجاذبها تيارات أبرزها القائلة بضرورة الجلوس للتفاوض لتفويت الفرصة على المتربصين بها لفرض عقوبات عليها، ولاسيما ان التفاوض فى حد ذاته يقطع الطريق على القول بأن الخرطوم تتجاوز الشرعية الدولية فى نص القرار 2046 الصادر من مجلس الأمن، ولكن الواضح ان موقف الخرطوم اصبح الان اقوي مما كان علية ابان جلسة التفاوض الاولي باديس ابابا التي اعقبتها ضربة ام روابة وابوكرشولا حيث انها تحللت من الضغوط الدولية باعتبار انها معتدي عليها وكان لابد ان تدافع عن نفسها كدولة ذات سيادة، وتنتظر الخرطوم الان من المجتمع الدولي مواقف ايجابية لصالحها باعتبار ان قطاع الشمال من اخرق الاتفاق، ولكن شرط الحكومة الان ينحصر في التزام دولة الجنوب بعدم تقديم الدعم للجبهة الثورية ولقطاع الشمال في اعتداءه على السودان. ودون الايفاء بهذا التعهد فالخرطوم تظل على موقفها دون فرض ضغوط من اي جهة لاستئناف التحاور خاصة وان الاعتداءات الاخيرة وجدت استنكارات وادانات من قبل المجتمع الدولي. اليوم تغيرت المعادلة بالنسبة للخرطوم بعد استعانة الحركة الشعبية قطاع الشمال بمقاتلين من مسلحي الحركات المتمردة بدارفور للدخول معها في المعارك التي تخوضها ضد الحكومة في ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان، ما استدعى اعادة تغير اجندة ونهج التفاوض. ويبدو ان الخرطوم رات ان انتقال العدل والمساواة والحركات الدارفورية الاخرى الى ولايتى شمال وجنوب كردفان يجب ان يدفع باجندة جديدة على الطاولة حيث برز اتجاه قوي وسط قيادات الحزب الحاكم باعادة تقيم النهج التفاوضي مع قطاع الشمال، لوجود اطراف مقاتلة في تلك المناطق من حركات دارفور، وارادت الخرطوم اجابات حاسمة على تساؤلات قبل الدخول مرة اخري في التفاوض مع قطاع الشمال اهمها كيفية التفاوض حول المنطقتين وهل ستشمل قضية دارفور؟. وبالرغم من التشاؤم بعدم استئناف التفاوض مرة اخري بين الحكومة وقطاع الشمال يبدو ان هنالك من يريدون احلال السلام ويسعون جاهدين لذلك من اجل وقف نزيف الدم بالضغط على دولة الجنوب بايقاف دعم وايواء الحركات المسلحة، فالوسيط الأفريقي المشترك في عملية السلام بين الحكومة وقطاع الشمال ثابو امبيكي حدد استئناف جولة المفاوضات المقبلة ب"أديس أبابا" في السادس عشر من يونيو المقبل، وتعكف سكرتارية الوساطة الأفريقية هذه الأيام على تحضير الملفات الخاصة بالمفاوضات والدفع بمقترحات جديدة من شأنها فك الجمود بين طرفي التفاوض، ولاسيما وان امبيكي أخذ في حسبانه تطورات الأوضاع الميدانية والأمنية الأخيرة ضمن أجندة السلام، ولكن هل ستقبل الحكومة العودة لطاولة التفاوض بعدما اعلن الرئس رفضه، لاسيما وان الحرب في النهاية ليست غاية في حد زاتها وانما هي وسيلة لمواصلة السياسية بشكل اخر. asmahan faroog [[email protected]]