مراسل قناة النيل المصرية للأخبار- الخرطوم العديد من كبار القادة السودانيين الشماليين الذين قابلتهم في غضون السنوات القليلة الماضية ، أخبروني أن الرئيس عمر البشير قرر علي نحو شخصي في عام 2002 الشروع في التفاوض لتحقيق سلام دائم مع قادة المتمردين الجنوبيين لأنهاء الحرب الأهلية التي أودت بحياة مليونين ونصف المليون شخص لأنها أصبحت تجفف خزانة الخرطوم وتزعزع أستقرار الشمال ، لكن البشير أعتقد أنه حتي أذا أنجز الجنوب استقلاله فأنه سيتفكك لعدم مقدرة القبائل الجنوبية علي ادارة علاقتهم كل مع الأخر بصورة سلمية مما يحتم تفكك الجنوب الأمر الذي سيوفر ذريعة للشمال للتدخل لأعادة النظام. وفي حين تبدو حسابات البشير المتشائمة مبالغاً فيها فأن اضغاث الحلم الشمالي من المحتمل أن تصبح الأن حقيقة قادمة نظراً لتصاعد التوتر القبلي والعنف في الجنوب ، عند هذه النقطة القادة الجنوبيون وأتتهم الحكمة باستخدامهم سبل الاقناع والمفاوضات عوضاً عن استخدامهم القمع والمكائد السياسية لمعالجة مظالم الأقاليم والقبائل في الجنوب التي لا ينال رضاها الوضع الراهن هذا يتغير الآن المؤامرة القبلية حول أختيار رئيس جديد للحزب الحاكم في جنوب السودان وحملة جوبا العسكرية ضد قبيلة المورلي هي الدليل علي أنحلال توازن السلطة بين المجموعات العرقية في الجنوب. طوال العام الماضي أستقرار دولتي السودان ، الشمال والجنوب يتدهور بأطراد مع المخاطرة بالأنهيار السياسي والأقتصادي ، في الشهرين الماضيين توصلت الحكومتان لاتفاق تعاوني سمح لما يزيد علي 700 بئر نفط بمعاودة الضخ بعد أكثر من عام علي وقفهم له ، بسبب النزاع علي قسمة عائدات النفط بين الحكومتين ، هذه الاتفاقية كان من المحتمل أن تنقذ كلا الأقتصادين الشمالي والجنوبي من الأنهيار الوشيك ، لكن البشير الآن يهدد بأنهاء الأتفاقية ويغلق مرة أخري أنابيب النفط ، تهديد البشير دليل علي مرحلة جديدة في توترات شمال – جنوب ، لقد أتهم الجنوب بأستئناف شحنات الأسلحة لقوات المتمردين في الشمال وهو الأمر الذي وأفق الجنوب في وقت سابق علي أنهائه ، أذا أغلق البشير خط أنابيب النفط فأن ذلك سيؤدي لتداعيات وخيمة علي الأقتصاد الشمالي المتصلب بالفعل والذي يعاني منذ عامين من التصاعد المتسارع للتضخم ،والبطالة ، والنمو السلبي للأقتصاد ، وضعف العملة الشمالية ، والعجز الكبير في الميزانية بسبب فقدان عائدات النفط. وأذا ما نفذ البشير تهديده علي أرض الواقع فهذا يعني أن حكومته والقوات الشمالية في حالة يأس ، وقد أعلن عن عدم رغبته في عدم أعادة الترشح في عام 2015 وما أشيع عن أصابته بسرطان في الحنجرة أدي الي أندلاع نزاع حاد علي السلطة داخل الحزب الحاكم حول خلافته ، وحزب البشير تحت وطأة الضغوط في الشمال يعمل علي استقطاب المعارضة التقليدية والمجتمع المدني لحكومته الذين يعلمون ما يجب عليهم فعله للبقاء ، لكنهم يخشون أن يفقدوا السيطرة علي الحكومة أذا ما فعلوا ذلك ، أذاً هم يصرون علي المجازفة ووضع أنفسهم والشمال في خطر أكبر من الأنهيار. كلا الحكومتين ، وما يسميه علماء السياسة طبقات الوقف أو المحسوبية التي تعني المحافظة علي النظام الأجتماعي والأقتصادي عبر شبكة من التحالفات بين قادة القبيلة أو العشيرة الموالون للحكومة المركزية التي تضمن لهم عبر ترتيبات المحسوبية أن تمرر لهم العقودات الحكومية ووظائف القطاع العام. عندما يوقف تدفق النفط فأن الحاجة للعائدات لأزمة للمحافظة علي هذا النظام الأجتماعي والأقتصادي الذي بدأ يتزعزع أستقراره ، عدد من الشخصيات الكبيرة في الحزب الجنوبي الحاكم أعلنت عن عزمها تحدي رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت علي رئاسة الحزب عندما يحل موعد مؤتمر الحزب أواخر 2013 ، كير سيعاد أنتخابه كرئيس في عام 2015 أذا ما أعيد أنتخابه رئيساً للحزب ، بينما المنافسة ينظر أليها عادة علي أنها شئ جيد في النسق الديمقراطي ، في هذه الحالة فأن المرشحين الأربعة يتحدرون من أكبر وأهم أربع قبائل مؤثرة في الجنوب وأذا ما تحور النزاع علي القيادة في الحزب الحاكم الي صراع قبلي ، فأنه من الممكن أن يؤدي لعدم أستقرار توازن السلطة في جنوب السودان . الأحزاب السياسية والترشحات السياسية علي أساس القبيلة أو الأثنية في بلد له تاريخ من الصراع الأثني لعنة شقيت بها العديد من الديمقراطيات الجديدة وبشكل خاص في أفريقيا و أسيا الوسطي ، العديد من القتلي في الحربين الأهليتين الأولي والثانية في السودان – أربعة ملايين شخص قتلوا في الحربين – قتلوا حين قتلت قبيلة جنوبية الأخري بأسلحة وأدوات وفرتها حكومات الخرطوم المتعاقبة لينقلب الجنوبيون علي أنفسهم ، الحرب الأهلية السودانية الثانية أنتهت بأتفاقية سلام عندما أتحدت كبري القبائل الجنوبية لتشكل معاً جبهة موحدة ضد الشمال سياسياً وعسكرياً هذا التحالف الجنوبي يمكن أن ينفرط أذا لم تكن قيادة الجنوب حذرة فأنها تضع أستقلال الجنوب الذي حصل عليه بشق الأنفس في مخاطرة . أما القرائن الأشد تشوهاً من التحول هي الطريقة التي بدأت بها القيادة الجنوبية مؤخراً للتعامل مع الصراعات القبلية ، الصراع بين المورلي واللاو نوير القبيلتين المهيمنتين علي ولاية جونقلي توسع ، المورلي من بين القبائل الأكثر عزلة ، وتخلفاً وعجزاً في الجنوب وتتقاتل مع القبائل الأخري في المنطقة وبشكل خاص اللاو نوير ، القيادة الجنوبية رفعت يديها عن محاولة التوصل لأتفاق مع المورلي وتستخدم الآن القوة العسكرية والقمع لنزع سلاحهم بدلاً عن محاولة دمج المورلي داخل بنية سلطة الجنوب. الشمال بتدبر وبغير تحفظ يرسل السلاح سراً لديفيد ياوياو قائد متمردي المورلي مع قوة صغيرة لمهاجمة القوات الجنوبية لتغذية مزيد من الصراع آملاً أن رد فعل الجنوب سيكون بالقمع العسكري عوضاً عن الأقناع والمفاوضات ، ليبدو أن الجنوب ألقي باللأئمة علي كل أفراد قبيلة المورلي بسبب خيانة ياو ياو ، فيما يبدو أن استراتيجية الشمال تعمل علي أثارة أنتفاضة قبلية في الجنوب ، وحلفاء الجنوب الغربيون ، منظمات حقوق الأنسان والمجموعات الكنسية يتزايد قلقها جراء أستجابة الجنوب العسكرية لتحدي المورلي ، لكنه ليس فقط في الجنوب فهذه التوترات الداخلية تزعزع التحالف الحاكم فحتي الشمال يواجه المزيد من التحديات الصعبة . الضعف المركزي لحكومة البشير في الخرطوم منذ أمد طويل يتمثل في عجزها أو رفضها لمعالجة المظالم المشروعة للشعب في دارفور ، النيل الأزرق ، جبال النوبة في جنوب كردفان ، ومنطقة أبيي عبر المفاوضات السلمية عوضاً عن القوة العسكرية ، وحين فشلت حملة القصف التي شنتها الخرطوم علي السكان المدنيين في هذه المناطق في طرد قوات التمرد استهدفت السكان المدنيين وحاولت قطع أمدادتهم الغذائية في محاولة لتجويعهم ومن ثم أستسلامهم ، اليوم قرابة المليون شخص في حاجة لمساعدات أنسانية عاجلة في النيل الأزرق وجنوب كردفان وأعداد النازحين والمتأثرين بالنزاع في دارفور عاودت الأرتفاع مرة أخري . أذا كان بأمكان القيادة الجنوبية أستعادة الوحدة لتحالفها الحاكم ، فيمكنها الأستفادة من ضعف الشمال ، ولايزال هناك وقت للقيادة الجنوبية لجذب المورلي لمفاوضات حول مظالهم المشروعة وأنهاء الحملة العسكرية علي كل القبيلة وتركيزها فقط علي ديفيد ياو ياو وحده ، بعد كل ذلك فأن جنوب أكثر أستقراراً يطرح أكبر تهديد للبشير وحزبه في الخرطوم . *المقال نقلاً عن موقع "" World Report" " ، 10 يونيو الجاري khalid hashim [[email protected]]