ان تسليم أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم لأبنه الأمير الجديد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تشكل سابقة في الدول العربية والإسلامية ، ونهجا جديدا في تسليم السلطة للجيل الشاب وعدم التمسك بها بأي ثمن . لقد تم نقل السلطة بشكل سلس وسلمي، ولكن سلاسة عملية التغيير ستتبعها مهمة صعبة تتعلق بتشكيل و اعادة توظيف التوجهات المختلفة لقطر تجاه دول المنطقة لتساهم دولة قطر بشكل افضل في ترتيب الاوضاع الاقتصادية و السياسية و الامنية و القانونية في داخلها وفي منطقتها وفي المجتمع الدولي. تظل المرحلة القادمة لما بعد التغيير مهمة لكونها تعيد جدولة اهتمامات قطر و تهيئ المناخ لإعادة صياغة التوجهات الكلية والجزئية لقطر ودول الخليج والحكومات العربية و منظومات العمل العربي الشعبية و الرسمية باتجاه تنمية بشرية حقيقية وتغيير ديمقراطي حقيقي في المنطقة. لقد ظلت دولة قطر و منذ العقد الماضي تحقق نجاحات دبلوماسية غير تقليدية وتساهم بصورة فاعلة في معالجة المشكلات السياسية و الازمات الوطنية في المنطقة وأستطاعت قطر ان تؤسس لشبكة علاقات دولية وضعتها علي رأس عدد من المبادرات السياسية والاقتصادية في المنطقة والعالم. كما ساهمت قطر في العمل الخيري والإنساني، وكان لقيادة الشيخة موزا بنت ناصر للعديد من المبادرات الانسانية ؛ من آخرها مبادرة " علم طفلا"، دور كبير في تخفيف آلام كثير من الاطفال والنساء في العالم، فوق جهدها لتنمية وتطوير حال المرأة القطرية. لقد اثبتت قطر عملياً من خلال انشطتها الاقليمية و الدولية وحيويتها الاستثمارية ان الدول لا تقاس بأحجامها انما بديناميكية انظمتها وطموحات قادتها السياسيين، مما جعل منها رقما دبلوماسيا لا يمكن تجاوزه في المنطقة. أما في المجال الداخلي فقد خطت قطر خطوات واسعة باتجاه الدولة العصرية و ادخلت جملة من الاصلاحات السياسية و الهيكلية للتماشي مع واقع التطور الثقافي والدستوري للدولة والمجتمع. ساهم اقتصاد قطر القائم علي سياسات الانفتاح و الاهتمام بالمواطن كمحور للتنمية في تطوير واقع الشعب القطري حتى اصبحت قطر واحدة من اعلى الدول دخلاً للفرد ومستوى حياة المواطنين. ساهمت قطر ايضاً في الدفع لحل ملف الصراع المسلح في السودان عبر منبر الدوحة للحوار والذي افضي الي وثيقة الدوحة للسلام. و بالرغم من ذلك الدور، إلا ان الواقع يؤكد ان القضية السودانية متشابكة و مرتبطة بعوامل تاريخية يصعب معالجتها عبر التسويات الجزئية. كما ان غياب قوى فاعلة في الساحة العسكرية السياسية من مفاوضات الدوحة واتفاقياتها ، وعدم جدية النظام السوداني في الوصول الى حل، قد ادى الى تدهور ذلك المشروع، رغم الجهد القطري الكبير فيه. ان الواضح من خلال التجارب السياسية المريرة علي مدي عقدين من الزمان ان الحلول الجزئية للازمات السودانية هي مسكنات مؤقتة تضاعف التدهور السياسي و الامني و لا تساهم اطلاقاً في طرح حلول نهائية. إن التغيير السياسي الشامل في السودان عبر تصفية نظام الحزب الواحد واستعادة الدستورية وتحقيق التداول السلمي للسلطة عبر الديمقراطية والفيدرالية هو الحل الاوحد الذي سينهي اطول ازمة سياسية في القارة الافريقية . ان الدور القطري – اذا اُعيد توجيهه- يمكن أن يساهم في الدفع باتجاه التغيير السياسي في السودان، ويكون خطوة لصالح دور عربي ايجابي في قضايا أفريقيا والمجتمع الدولي. ان اعلان قطر دعم بنك تنمية دارفور ، ومساهمتها في رأس ماله بأكثر من 200 مليون دولار حتى الآن، هو جهد ينبغي ان يستمر ويتضاعف، وهو يجد الدعم من شعب السودان . لكن هذا البنك ولكي يحقق اهدافه فلا بد من ان ينشط في ظل سلام شامل وكامل في الاقليم وفي عموم السودان، وشرط ان يكون بعيدا عن مخالب النظام الحاكم في الخرطوم، المعروف بالفساد المطلق، حسب ما تورده بصورة راتبة تقارير منظمة الشفافية العالمية. لقد تعاملت قطر بخير واحترام مع الجالية السودانية الضخمة العاملة بها، وهذا مما نشكره لها. كما قامت بنشاطات استثمارية مقدرة في السودان. ان الحزب الديمقراطي الليبرالي اذ يرحب بالتعاون مع دولة قطر تحت قيادتها الجديدة، يعلن ترحيبه بالتعاون الاستثماري والثقافي والعلمي والسياحي بين البلدين ، شريطة أن يتم تحت قواعد الشفافية والمحاسبية ، وبضمان مصالح الشعبين الحيوية، والا يرتبط بالنظام الفاسد القائم . كما يحث القيادة القطرية الجديدة على مزيد من التعاون مع ممثلي الشعوب السودانية كافة ، ومع كل القوى السياسية والإجتماعية، وليس فقط مع الحزب الحاكم، باعتبار ان العلاقات بين البلدين – وبين جميع بلدان العالم- يجب ان تقوم على المصالح الاستراتيجية للشعوب، وليس فقط العلاقات بين الحكام. ان الحزب الديمقراطي الليبرالي اذ يهنئ حاكم قطر الجديد الامير تميم بن حمد آل ثاني بمنصبه الجديد، ويشيد بالانتقال السلمي للسلطة في قطر ، يتمنى انجاز مزيد من الاصلاحات في قطر في اتجاه الدستورية والحكم النيابي والسوق الحر، كما يتمنى للشعب القطري الشقيق مزيدا من الانجاز في مجالات النهضة الاقتصادية والتعليمية والعمرانية، ويدعو لعلاقات جديدة بين البلدين لما فيه خير الشعبين. د. ميادة عبد الله سوار الدهب رئيسة الحزب الديمقراطي الليبرالي - السودان 26-6-2013