وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    روسيا ترفض لتدخلات الأجنبية في السودان ومخططات تمزيقه    البرهان يودع سفيري السودان لمصر واثيوبيا "الفريق أول ركن مهندس عماد الدين عدوي والسفير الزين إبراهين حسين"    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    السودان..البرهان يصدر قراراً    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في نظرة تشاد إلي الأزمة الليبية .. بقلم: محمد علي كلياني
نشر في سودانيل يوم 03 - 07 - 2013

قراءة في نظرة تشاد إلي الأزمة الليبية .. هل الأوضاع هناك تغير خارطة السياسة التشادية والإقليمية برمتها؟؟
محمد علي كلياني
[email protected]
يمكن قراءة الأوضاع السياسية في المنطقة من خلال النظرة العميقة لمجريات الأحداث في ليبيا وعلي ضوء نظرة انجمينا المتخوفة من التطورات اللاحقة علي الساحة الداخلية ويوضح لنا تقرير مقتضب أعدته منظمة الأزمات الدولية حول حجم الاضطرابات السياسية الراهنة وهي تندرج ضمن ثلاثة مراحل تتداخل مع بعضها وتؤثر كل واحدة منها علي الاخري وبشكل كبير على المنطقة وقد فصل هذا التقرير إن حجم التأثير الأول يشمل المنطقة المغاربية(الثورة التونسية والامتعاض الشعبي في المغرب والجزائر)منذ بداية هذا العام 2011، وأشار التقرير أيضا إلي إن الأزمة الليبية تبدو أنها الأكثر خطورة.علي مستوى المنطقة كلها.
في البداية تطرق التقرير إلي أن الأزمة الليبية وللمرة الأولى، ومنذ الانتفاضة الشعبية والتي شكلت التمرد الشعبي المسلح والتي أثرت سلبا على اثنين من البلاد، ثم إلى الغرب، من خلال حملة حلف شمال الأطلسي ضد القذافي، والتي جاءت بغطاء من القرار رقم 1973(2011م)الصادر من الأمم المتحدة الخاص بحماية المدنيين الليبيين من قمع كتائب القذافي، وعرج التقرير إلي التعاون الدولي مع الشباب المتمرد المتطلع إلي الحرية والتخلص من قهر القذافي منذ أربعة عقود، وهذا الشباب المتمرد يراهن على كسب الحرب الخاطفة والتوسع علي بعض المناطق الليبية في مناهضه سطوة القذافي ومواجهه قمع آلته العسكرية الساحقة، وهي المناوشات التي امتدت أحيانا إلي تخوم الأرض التونسية(معقل الثورة العربية)، فضلا عن أن آثارها الإنسانية تثير شفقة اللاجئين الهاربين من جحيم الاقتتال الدائر هناك إلي البلدان المجاورة.
وذهب التقرير إلي انه بالضبط ما يفسر ذلك طبيعة إقليمية هموم الأزمة الليبية في انجمينا، والصلة السياسية التي تربط بين الدول العربية -الأفريقية والجيوسياسية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ويتجلى هذا من خلال هروب الآلاف من المهاجرين الفارين من اتساع دائرة العداء لهم والتوجه نحو الصحراء واستخدام الآخرين منهم جنودا لصالح القذافي وهم يمثلون من اغلي الثروات البشرية الحية في دول أفريقيا جنوب الصحراء"قوات متدربة علي القتال الجيد"في مواجهة اعتي العقبات القتالية والتعامل مع جميع صنوف التمرد وقمع التظاهرات الشعبية المعقدة(حرب الشوارع والمدن).
وأوضح التقرير الدولي أن سرعة إقليمية الأزمة تبين بعض الآثار الجانبية الأخرى، ولم تكن متوقعة للجميع وربما يطول أجل الصراع هناك والذي بات يلوح في الأفق.
ويحمل التقرير بعض التخمينات المتناقضة عن وضع العقيد القذافي ومستقبله السياسي في ليبيا حيث أشار إلي أن التغييرات في الساحة الليبية وتطوراتها لم تفهم بعد ملامحها في السقوط المحتمل للزعيم الليبي علي الأقل في وقت قريب.. وعليه فان القذافي هو بالتأكد من حمل الكثير من القضايا في منطقة الساحل الإفريقي منذ زمن طويل، فهو يجمع ما بين النفوذ السياسي والوجود الاقتصادي ومن بين أهم هذه الدول هي تشاد، والذي تم تنفيذه فيها خلال العقود الأخيرة، وهي البلد الأفريقي الوحيد الذي أضحي حقلا تجريبيا للسياسة الليبية - الأفريقية في المنطقة ..
ورغم مرارة الأزمة الليبية وانعكاساتها علي الأوضاع الداخلية في تشاد خاصة علي الجانب الاقتصادي السياسي وهي الأكثر وضوحا في هذه اللحظة، فإن الأزمة الليبية لديها تكاليف كثيرة من حيث الوضع الداخلي في تشاد(اقتصاد الهجرة بين البلدين) لان الوضع المتدهور في ليبيا له عواقبه الفورية علي هجرة شعوب دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والتي استفادت علي مدي السنوات الماضية من عائدات النفط الليبي رغم العنصرية المحيطة به، وكان هؤلاء المهاجرين يمكنهم الحصول على فرصة عمل جيدة وتوفر لهم ظروف معيشية أفضل مما كانت عليه أحوالهم في بلدانهم الأصلية، وتساعد تلك أيضا علي اكتمال دخل أسرهم في وطنهم الأصلي ولكن الموجة الأخيرة من وصول هؤلاء المهاجرون في ليبيا عام 2000م ومن بين تلك بلدان بعيدة مثل(ساحل العاج والكونغو وليبيريا ليبيا..الخ)وهناك ممن استقروا في شعورهم المستدام للهجرة منذ الطفرة النفطية في ليبيا 1970م وكانت تشاد والنيجر وحتى اندلاع الأزمة أهم دول جنوب الصحراء الكبرى ذات الجماعات المستقرة في ليبيا، فإن التقديرات الأكثر ملائمة يبين عدد المهاجرين في ليبيا بين تشاد يصل الي300000/ 500000 نسمة.
وفقا للمنظمات الإنسانية، منذ اندلاع الأزمة في ليبيا أن المهاجرين التشاديين والذين عادوا من ليبيا نظرا لسوء الأحوال هناك وكوارثها بلغ حوالي 64000. وهذا التقدير يبدو معتبرا بأقل من قيمته الحقيقية كونه يأخذ في الاعتبار المهاجرين الذين حصلوا على المساعدة الإنسانية أو قد مروا عبر شمال تشاد فقط أضافه إلي غيرهم من المهاجرين أتوا عبر مصر والسودان والنيجر بعد معاناة العديد منهم من التجاوزات والسرقات التي لا يعرف حجمها بعد. وإذا كانت الأرقام لا تزال تقريبية، والأثر الإنساني على أرض الأمر الذي جعل السلطات التشادية أن تضع على وجه السرعة لجنة وطنية لإدارة الهجرة ونصبت مخيمات العبور أنشئت في مدينه فايا لارجو الرئيسية في الشمال .كما أن السلطات التشادية كانت تتوقع مضاعفة وصول المواطنين التشاديين، وزيادة عدد المهاجرين الأفارقة الآخرين، ولاجئ ليبيا وقبائل التماس المشتركة(التوبو)أيضا.. بالإضافة إلى الارتباك في المناطق الرمادية التي تحيط بالأحداث الجارية حاليا في ليبيا، وبحسب التقرير أن المعارضين الليبيين والتشاديين يزعمون، أن السلطات التشادية ترسل شاحنات لنقل العائدين بينما تستخدم في الوقت ذاته إرسال قوات تقاتل إلى جانب المؤيدين للقذافي ورغم نفى هذا التأكيد مرارا وتكرارا من قبل السلطات التشادية والتي اقترحت نشر مراقبه في المنطقة ذات الوجود الإنساني الدولي إلا أن هنالك قرائن تثبت واقعة(شبكة الارتزاق الأفريقية لصالح القذافي).
ومما لا شك فيه أن جل اقتصاد شمال تشاد قد تأثر بشكل كبير من استمرار الأزمة الليبية، والتي تعتمد حصرا على ليبيا ولكن هناك البعد الآخر للأزمة الاقتصادية وهي قضية الاستثمارات الليبية في تشاد، والتي تم أنشاؤها على مدى العقد الماضي، لا سيما وان ليبيا لم تعزز فقط نفوذها السياسي من خلال العمل في تشاد كوسيط لها في القارة الأفريقية فحسب، ولكنها وضعت في إستراتيجيتها المصالح الاقتصادية المتنوعة والهامة لصالح أشخاص معنيين في تشاد(من حاشية حول الرئيس ديبي ومنسوبيه)، وقد استثمرت ليبيا في جميع الاتجاهات ومع القليل في القطاع العقاري من خلال بناء فندق في نجامينا(كامبسكي)، وفي المجال الصناعي حيث تمول ليبيا مصنع المياه المعدنية وفي المناطق الزراعية والطاقة، مما يجعل الرهان على أن زيادة القدرة التشادية في هذه المجالات وسيكون من المفيد للاستثمارات المستقبلية هناك.. خاصة وأن ليبيا لها وجود معتبر في تشاد عن طريق القطاع المصرفي والتجاري(مصرف شاري)ومصرف الساحل والصحراء للاستثمار والتجارة الذي هو جهاز تابع لجماعة دول الساحل والصحراء(س ص)..
و في عام2008 - 2009م، أطلق رسميا إدريس ديبي بناء مجمع تجاري في ليبيا وفي عام2010م، اكتسبت شركة الاتصالات الليبية الشبكة الخضراء 90 مليون دولار من رأس مال في تشاد وهي شبكة اتصالات ليبية تخطط لاستثمار 100 مليون دولار في تطوير خدمات تلك الشركة.
وان كيفية حفظ هذه المشاريع، ونحن نعلم أنها في المقام الأول نتيجة لقربها من معمر القذافي وإدريس ديبي، وقد استندت هذه الأخيرة جزءا من سياستها الاقتصادية خارج تحالفها في مجال الطاقة مع الصين الأكثر حضورا في ليبيا حتى الآن، ولذا فإن السلطات التشادية لم تعلق على هذه المسألة الحساسة، ولكن ليس من المستبعد أن رجال الأعمال فقدوا ذويهم من قبل الحكومة التي خصصت لهم الاستثمار فقط في ظروف غامضة، أو أن الدولة التشادية تحاكي رواندا في هذا الشأن، ومع انعكاسات ذلك على العلاقات المستقبلية مع السلطات الليبية.
فان المخاطر السياسية للأزمة الليبية في تشاد هي لا تقتصر على الأزمة الليبية بأشكالها الاجتماعية والاقتصادية والتي هي في تصاعد مستمر، ولكن تتقدمها أيضا سلسلة من الشكوك السياسية والأمنية التي لا يمكن تجاهلها في انجمينا ..وأن الخطر الأول على السلطات التشادية، بالطبع، هو وجود عدوى عدم الاستقرار في الشمال والشرق، والمناطق الحساسة من الناحية التاريخية. والمفارقة في الجغرافيا السياسية الإقليمية وهي ستكون أيضا قوة دافعة لزعزعة الاستقرار، لان ليبيا في الماضي ساهمت في سلام نسبي في مناطق التيبستي الشمالية. وان لم يكن ذلك برعاية مباشرة، فقد جعل طرابلس وضع تشاد أن يربطها بشكل وثيق بكل مختلف اتفاقات السلام بين الحكومة التشادية والجماعات المسلحة العاملة في منطقة التيبستي (قبائل التوبو)على الحدود بين البلدين. أضافه إلي رعايتها الاتفاقات الرسمية، وينبغي أن يضاف إلى ذلك العديد من الاتصالات السرية أكثر أو أقل وسعت ليبيا إلي المصالحة بين الرئيس ديبي ومعارضيه في هذه المنطقة في منبر سرت للسلام. وهي مساعي تري انجمينا أنها حميدة من قبل القيادة الليبية، على سبيل المثال، تستخدم طرابلس قوتها الحصول على حشد من معارضين للنظام، وإبرام اتفاقات السلام مع الفصائل الرئيسية كالحركة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد (MDJT)، وهي آخر مجموعة مسلحة تقوم بدور مسلح نشط في المنطقة.
وبينما تعزز ليبيا نفوذها السياسي والاقتصادي في تشاد، وكان القصد منها أيضا تدخل طرابلس لمنع زعزعة الاستقرار انطلاقا من منطقة التيبستي جنوب ليبيا خاصة المناطق الآهلة بالقبائل الجنوبية حيث تقطن التوبو اليوم والمهشمة من قبل السلطات الليبية، والحكومة التشادية تشعر بأن الأزمة الليبية سوف تؤدي إلى تدفق عرقيات التوبو الليبية إلي التيبستي. وان تعسكر التوبو هناك ينتابهم شعورا بالامتعاض تجاه سياسة ديبي في ملف التيبستي في الماضي(اغتيال يوسف تقويمي)وإنهاء تمردهم بتآمر ديبي مع القذافي وتمويع قضيتهم وهم اليوم يضعون نصب أعينهم أيضا بأن ديبي كان في الماضي يفق وراء الهجرة القسرية لقبائل التوبو باتجاه ليبيا إبان الاضطراب وعدم الاستقرار الذي شهدته مناطقهم(نزاع كوكوني ودي وحسين هبري في الشمال)وهم حاليا- أي التوبو- استفادوا كثيرا من التجارب والأحداث ماضيا وحاضرا ومن خلال خبراتهم في الجماهيرية في الحرس المدني وبالتالي يمكنهم المطالبة بحقوقهم السياسية في تشاد ذاتها في إطار التداخل القبلي بين البلدين(حينما تتوفر الفرص السانحة والتخلص من سياسة استخدام القذافي لهم بدوافع إستراتيجية الليبية ضدهم).
وأفاد التقرير هنا أن هناك اتصال وثيق للمتمردين السابقين في منطقة التيبستي، حيث السلام لا يزال هشا، وهي واحدة من أكبر المخاوف التي تواجه حكومة ديبي في انجمينا كما كان في 1980م،"مشكلة الشمال"ويمكن تنشيطها وتهدد استقرار النظام التشادي أكثر من أي وقت مضي في حال فقدانه حليفه القذافي وهذه المنطقة بالذات تمتلك إمكانيات هائلة ومماثلةلزعزعة استقرار في الأزمة الدار فورية في السودان. وفي الواقع الميداني والاجتماعي والسياسي لتدفقات الهجرة التي تسببها هذه الأزمات وهي تتشابه مع تحركات السكان في تلك المناطق(من دارفور إلي جنوب ليبيا)حيث أن ندرة الموارد غالبا ما كانت دائما سببا وعاملا يذكي الصراعات، وحيث مفهوم الدولة والحدود سوى معنى ثانويا للتضامن العرقي والقبلي والعشائرية ك(تضامن قبائل الزغاوة في دارفور ضد الخرطوم انطلاقا من تشاد). وكذلك في شرق تشاد وغرب السودان تتطابق المشكلات الشعبية وتحكمها العديد من نظم التحالفات التقليدية المعقدة، وفي شمال تشاد وجنوب ليبيا حيث المجموعة العرقية المشتركة، وهنا يبدو التوبو من أكثر القبائل المنافسة المحتملة. وفي الشرق كذلك، وبالمقابل فقد كانت الأزمة الليبية فرصة لاختلاف المواقف السياسية بين تشاد والسودان العدو السابق(وبحسب المصالح). فقد أكد الرئيس ديبي أن التهديد الإسلامي بات وشيكا في المنطقة محذرا من احتمال أن تراجع نفوذ القذافي وعمر البشير سيساهم بدوره في الضغط الشعبي علي نظامه والانقضاض عليه بصورة تلقائية، ويأتي اعتراف رئيس الدولة السوداني بالمجلس الوطني الانتقالي (CNT)يعبر عن الاختلاف في وجهات النظر السياسية بين البلدين علي المديين القريب والبعيد.. حيث يري السودان انه سوف يكون لذلك تأثير كبير في عملية المصالحة بين البلدين(السودان وليبيا)، وإنهاء حالات العداء التي خلفها القذافي في سياساته ضد السودان عبر ضربة الإذاعة السودانية وتمويله الهجوم علي مدينه أم درمان وسيساعد التقارب مع الثوار في المجلس الانتقالي علي إعادة الثقة تجاه السودانيين في مواجهة أفعال القذافي وحصرها وتلك لم توقف كذلك عملية الاندماج مع تشاد والتي بدأت قبل عامين بين الخرطوم انجمينا والتي ساهمت مؤخرا على تأمين الحدود الثلاثية ل(جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وتشاد).
وهناك عامل آخر وقد يكون عنصرا للاضطراب الخطير وهو يتمثل في الدور الذي سيلعبه دكتور خليل إبراهيم زعيم المتمردين على رأس الحركة العدل والمساواة (JEM) في المنطقة وهي الحركة الرئيسية المتمردة في دارفور والمجموعة التي رفضت التوقيع على اتفاق سلام نهائي مع الحكومة السودانية بعد أن استفادت لفترة طويلة من حماية تشاد، وجاء طرد خليل إبراهيم من تشاد في نيسان 2011 لأن القيادة في انجمينا تري انه أعاق عملية التقارب بين انجمينا والخرطوم وبناءا على طلب من الرئيس ديبي، منحت ليبيا له اللجوء علي أراضيها. ولا يمكن احتمال عدم عودة هذا الأخير إلي دارفور وبأسلحة حصل عليها في ليبيا ولا يمكن استبعاده ذلك تماما .. وقال المجلس الانتقالي والمعارضة التشادية أن مقاتلي حركة العدل والمساواة حاليا هي واحدة من اكبر ال"مرتزقة"التي تقاتل إلى جانب القوات الموالية للقذافي.
ومن غير الموكد حاليا أن إبراهيم خليل نفسه موجود في ليبيا، ولكن تعتقد الأجهزة الأمنية أنه لا يزال في ليبيا وأن تشاد والسودان تراقب عن كثب تحركاته بين البلدين وتعتقد أن قواته يمكن أن تقوض الاستقرار في المنطقة إذا لم يتم احتوائها في الوقت المناسب.
وأخيرا، يخلص تقرير منظمة الأزمات الدولية واصفا الأوضاع بين تشاد وليبيا إلي أنها تمثل النقطة الأهم للحكومة التشادية والقضية الأكثر إثارة للقلق، فان العلاقات بين طرابلس انجمينا لن تكون هي نفسها في المستقبل القريب(دعوة الخارجية الأمريكية للقادة الأفارقة بقطع علاقاتهم مع القذافي). وان اتهامات ديبي حول وجود حقيقة أو وهم لتنظيم القاعدة المسلحين في بنغازي أو امتلاكها صواريخ ارض- جو، ليست سوي أقل من الرد على تهمة أخرى على وجود التشاديين في"شبكات"منسقة من شمال البلاد يقدمون الدعم العسكري النشط للقذافي ضد الشعب الليبي.
وفي إشارة أخري إلى وجود أعضاء من المتمردين في ليبيا فرع شمال أفريقيا من تنظيم القاعدة، حيث اتهم ديبي في وقت مبكر من أن التنظيم يريد زعزعة الاستقرار في تشاد وغيرها من بلدان الساحل الأفريقي، وقد حاول ديبي رفض نقد ولائه للقذافي منذ عشرين عاما، علي الرغم من أن إدريس ديبي وجد في معظم الأحوال دعما فرنسيا للحفاظ علي سلطته، وتبرز ليبيا من جانبه بأنها الحليف الطبيعي رقم 2 ماليا وسياسيا. ومن هذا المنطلق يتوجب علي ديبي الوقوف مع القذافي ومساعدته من عدم السقوط وحتميا أن نهاية الزعيم الليبي يعني فقدان ديبي حليفا رئيسيا له في المنطقة وفتح أبواب كانت موصدة ويصعب قفلها بسهوله، ويعتبر ديبي أن قوي الامبريالية أضحت تتلاعب بمستقبله السياسي كما كانت المواقف الفرنسية في 2فبراير2008م(تقدمت فرنسا باقتراح إجلائه سالما من القصر الرئاسي بانجمينا)، ويري ديبي أن جهود القذافي سهلت له الكثير من العقبات للمصالحة مع العديد من المعارضين لسلطته في انجمينا. ولن تعرف بعد الحقيقة كاملة حول هذه"الشبكات"والتي أصبحت بعد تدخل حلف شمال الأطلسي أكثر القضايا المزعجة وبنحو متزايد لسلطة إدريس ديبي .وبهذا يبدو الافتراض بان هنالك وجود تنسيق من أعلى للدولة التشادية غير واضح للجميع في عملية شبكات المرتزقة أيضا، ويبدو أن تواطؤ دوسه ديبي، شقيق رئيس الدولة ليس جديدا مع المسئولين في طرابلس بشان تجنيد المرتزقة.
وتبقى الحقيقة أن هذه"فرضية"غذت العداء المتبادل بين تشاد والمجلس الانتقالي المناهض للقذافي، وان العداء يهدد بقطع"علاقة أخرى"مع الجار الشمالي القوي. في حال سقوط القذافي وفي مناسبات عدة، فقد اتهم البعض أن وضع تشاد لا تحسد عليه في مصطلح المرتزق، والتي ردت عليه بالتشكيك في قدرة(أو استعداد)من أنها لن تكون حصنا حقيقيا ضد الإرهاب الإسلامي الذي يهدد الساحل(كما يفهم معمر القذافي).
وهذه التبادلات من شانها أن تترك آثارا ومضاعفات خطيرة على نظام معاد لانجمينا قد يستقر في طرابلس ويضطر ديبي لإعادة النظر في تحالفاته الإقليمية وبشكل كامل.
لان الأزمة الليبية ليست هي العاصفة الإقليمية الأولى، والتي من خلالها تحدد صمود نظام إدريس ديبي لمدة عشرين عاما، إلا أنه لم يبدو قادرا على التكيف مع المتغيرات والاضطرابات في محيطه الإقليمي. ومع ذلك، فقد لاحظت انجمينا مع بعض تخوفها من الأحداث التي تحاول أن تقرر مستقبل الجار الأكبر والشريك، مع الاعتراف بأن عدم الاستقرار في ليبيا أو قيام نظام معاد لها في طرابلس يمكن أن يشكل خطرا على سياستها الداخلية وعلي صعيد الجغرافيا السياسية في المنطقة بأكملها.
وفي هذا التقرير يتضح لنا أن نظام ديبي سيواجه عواصف سياسيه تهب رياح متغيراتها علي المنطقة من دارفور إلي ليبيا ومن ثم انه يقف علي مفترق طرق من تلك كل التطورات المحيطة به علي الصعيدين الداخلي والخارجي ومن المنتظر أنه سيدخل نظامه قريبا في نفق مظلم في قمة ألازمة الليبية الجارية حاليا وكذا تعثر الحل السلمي في إقليم دارفور المجاور.. وبهذا المعني فإذا كان يعتقد إدريس ديبي أن مشكله دارفور أضحت من مهددات النظام في الخرطوم المسلم به فانه بالمقابل فقد حان الوقت ذاته أن يجني نظام انجمينا ثمار سياساته الأخطبوطية في المنطقة المضطربة .. وكما أن اعتراف الخرطوم بالمجلس الانتقالي الليبي يحمل في طياته مضامين ودلائل تفسر سياسة التطويق والالتفاف التي تنوي الخرطوم نصبها حول نشاط وقدرات الحركات المسلحة في دارفور علي الأرض والتي من المرجح أن تفقد الدعم اللوجستي والعسكري من القذافي المتهاوي علي إيقاعات صواريخ الناتو.. وهذه السياسة ربما تجعل الاحتمال واردا في إعادة النظر في التطبيع الحالي بين الخرطوم انجمينا.. وفي ظل التطورات الراهنة ذاتها تفيد معلومات تؤكد تورط قائد القوات المشتركة بين البلدين في إرسال قوات عبر الحدود لدعم القذافي(الجنرال بشارة بوب)وهذا الدور المزدوج لتشاد قد يعرض علاقتها مع السودان والقيادات الجديدة في ليبيا إلي مهب الرياح ضمن رقعه جغرافية شاسعة وممتدة من جبال التبيستي والي صحاري دارفور وفي تلك الأوضاع يستحال سيطرة أي طرف عليها دون مشاركة باقي الأطراف الإقليمية في المنطقة .. وهو أمر ينتظر تشكيل مستقبل السياسة الإقليمية في المنطقة برمتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.