هذه هي المرة الثالثة التي أزور فيها ولاية نهر النيل في الثلاثة الأشهر الماضية من هذا العام، اثنتان منهما برفقة وزير المعادن كمال عبد اللطيف، الأولى كانت إلى أبو حمد ومنها إلى منجم (قبقبة) وزيارة أمس التي قمنا بها إلى عطبرة ومنها إلى العبيدية للوقوف على تجربة سودانية خالصة للتعدين عن الذهب وإنتاجه في منجم السلام. عندما وصلتني الدعوة الأولى من وزير المعادن لاختيار إحدى الشركات الوطنية التي تعمل في مجال التعدين كنت سأقترح تأجيل الزيارة لحين انقضاء شهر رمضان المبارك، لكنني كنت قد عزمت مسبقا زيارة موقع شركة رضا (أم درمان للتعدين) بمحلية بربر لأنني أكنُّ لهذه الولاية ولأهلها الطيبين معزة خاصة، على الأخصّ لمدينة الحديد والنار والرجال عطبرة التي شهدت مولدي وكانت مرتعا لسنوات صباي. أتاحت لنا هذه الزيارة المشهودة من كوكبة من رؤساء التحرير وقادة الرأي والإعلام فرصة الوقوف والمعاينة الميدانية لملحمة سودانية خالصة ابتدرتها شركة رضا للتعدين، رغم محاولة المسؤولين عن التعدين عند تقديم طلبهم للتصديق ثنيهم عن هذه (المغامرة)، بل اختاروا لهم موقعا غير مطروق من قبل (مربع 23) باعتباره غير مشجع لهم، لكنهم استطاعوا بعزيمتهم وإصرارهم على التعدين فيها- استطاعوا قهر المستحيل وشرعوا في إنتاج الذهب في هذه المنطقة (الصقيعة). استمعنا لجانب من ملحمة إنتاج الذهب في منجم السلام من العضو المنتدب ل «شركة رضا» عبد الله عمر عبد السلام ومن أحد أبطالها الخبير الجيولوجي الدكتور عدلي عبد المجيد، وكيف أنهم وصلوا بإنتاج الذهب في النصف الأول من هذا العام إلى طن ومائتين وخمسين كيلو جراما من الذهب الخالص، ومن المتوقع أن يرتفع الإنتاج مع نهاية العام إلى 2 طن ليصبح إنتاجهم أكبر إنتاج للذهب في السودان بل وفي أفريقيا. بعد ذلك طفنا على مراحل التعدين من (الكرته) وموقع المنجم عبورا بالكسارة إلى أن وصلنا المصنع وشاهدنا بأعيننا عملية صهر الذهب وتحويله إلى سبائك. لم نحسّ بمشقة السفر رغم حرارة الجو والسفر البريّ الذي يسره الطريق المسفلت والمعبد، خاصة ونحن وسط كوكبة من الجنود السودانيين الذين حملوا أمانة هذه التجربة المتميزة في التعدين وسط ظروف أصعب ، وجلّهم من الشباب الذين ضربوا المثل في العمل المخلص الذي جسد لنا هذه الملحمة السودانية الخالصة لإنتاج الذهب في منجم السلام.. نورالدين مدنى [[email protected]]