بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. إن الكتابة عن الإسلام بعظمته أمر لا يطاله أمثالي من الذين لم يحظوا بعلم يمكنهم من الخوض والغوص في بحره الواسع ولا يحملون من سمت العلم والعلماء ما يجعلهم في مقدمة الصفوف ولكني بفضل الله ومنته منتسب وملتزم للإسلام بأن أغرف من بحره حسب وسعي وبقدر ما أستطيع حمله ، فإن كانت غرفتي هي الحق فلله الحمد والثناء الحسن وإن كنت فيها حاطب ليل فذلك من نفسي ومن الشيطان . الإسلام دين العلم: ولكم أعدت ا لبصر كرات ومرات في دنيا المسلمين ومآلاتهم ، فوجدتهم يعيشون في واقع غير ما دعا له دينهم. دين الإسلام يدعو للعلم والمعرفة ولكن منتسبيه جلهم من الجهلاء ، فقد قال تعالى في سورة العلق (اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم) ، قال عليه الصلاة والسلام (خيركم من تعلم القرآن و علمه) وما سمي القرآن إلا لقراءته وتعلمه، فالتعليم ووسائله كلها فرض على هذه الأمة ولكن ما لها قد نسيت حظاً مما دعاها إليه دينها وما ذلك إلا أنها ركنت للتقليد وكأن عقلها الباطن يقول فلتقم طائفة منا بهذا، مالنا والعلم ، ولكنه فرض فردي يجب أن يحققه كل واحد من المسلمين .. أن يقوم بهذه المهمة بعض من المسلمين فهذا تعاجز وتباطؤ وعدم فهم لرسالة ديننا الحنيف العالمية والتي أتت لتخرج الناس من دنيا البداوة والشرك والخرافة والقساوة إلى دنيا الحضارة والتوحيد ، وقد حذر القرآن الكريم تحذيراً غليظاً حين قال موجهاً خطابه لنبينا الكريم عليه الصلاة والسلام (إني أعظك أن تكون من الجاهلين) لو كان للجهل مزية أو حتى قلة أهمية لما جاء خطاب التحذير منه بهذه الغلظة!! ما هوى بالعلم إلى جب النسيان في أمتنا حسب اعتقادي يعود إلى أسباب أربعة: السبب الأول : عدم فهم فرضية التكليف بالقيام بالعلم فهماً حقيقياً . السبب الثاني : الركون إلى التقليد وعدم الاجتهاد في الدين بحجة أن ديننا قد اكتمل وما أتى به الأقدمون الأعلام يكفي للعبور بنا إلى بر السلامة . السبب الثالث : القطيعة الكاملة بين العلم الديني والدنيوي . السبب الرابع : الاستبداد وغياب الحريات جاء زمان على الناس واعتبروا التعليم فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، وهذا منطق سقيم يخالف تعاليم الإسلام الذي حض على العلم والمعرفة وقرظهما (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) . إن الأمم قد ضحكت ملء شدقيها من جهل أمتنا التي تراجعت عما كانت عليه حين كان الغير يعيش في ظلم الجهالة والحيرة ، فجاء الإسلام وأنار الدنيا بنور العلم (وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله غليك عظيماً) . وقال عليه الصلاة والسلام (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة). لن يستقيم حال أمتنا ما لم تعلي من فرضية العلم والتعلم الديني والدنيوي فهما كتابان يجب أن لا تتغافل الأمة عن قراءتهما لأن الدنيا هي معبر الآخرة ، لقد فهم بعض من سلف الأمة لأهمية العلوم جميعها فكان أحدهم فقيها ومحدثاً وطبيباً وفلكياً وكيميائياً وله معرفة بأحوال البلدان والأنساب (إن في خلق السموات و الأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب). لم يقللوا من شأن علوم الدنيا ولكن وزنوها بضوابط الشرع وبالتالي فهموا الرسالة المحمدية فهماً عميقاً لأنها جاءت لسعادة الدارين ، فكيف ينال الناس سعادة الدارين وهم لم يصحبوا علوم الدنيا معهم ؟ إنه منطق أوردنا مهالك الذل والمهانة ، وجعل على رأس الأمة الفويقهة والرويبضة والجهلاء وما ذلك إلا لأن الأمة نسيت حظاً مما ذكرت به؟؟!! إن ميزانية التعليم في كثير من بلاد المسلمين لا تتجاوز 02% من الميزانية العامة ؟؟؟!! من أس هبوط العلم والتعليم في أمتنا الركون إلى التقليد ، عاش بعض علماء السللف عليهم رحمة من الله قبل أكثر من ثمانية قرون أو يزيد من زمانا وما زلنا نتجادل ونتجه بأبصارنا إلى كتب عتيقة كتبها هؤلاء في زمان غير وبيئة مختلفة لنسقطها على واقعنا . في عالمنا وواقعنا اليوم علامات كبرى ، لو ذكرت في غير وقتها لقيل لراويها لقد جئت ببهتان عظيم . لم نسقط الواقع ونعود إلى الوراء ونحن أبناء الحاضر ؟!. إن من نقلدهم اجتهدوا حسب عصرهم ولم يلبسوا ثوب سلفهم . راجع – يا رعاك الله - اجتهاداتهم ستجدها في وقتها وزمانها بما فيها مؤلف الفتاوى الكبرى لتقي الدين أحمد بن تيمية ، شيخ الإسلام . رفض الإمام مالك بن انس بن عامر الأصبحي إمام دار الهجرة أن يحمل الناس على كتابه الموطأ عندما أمره الخليفة أبو جعفر المنصور بذلك خوفاً من التقليد وأن يتخذه الناس الحق الذي ليس دونه باطل وهو القائل " كل يؤخذ من رأيه ويرد إلا صاحب هذا القبر ، إشارة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم". هم رجال ونحن رجال ، بارك الله فيهم وصلَّوا ووصلوا ، كما قال الإمام محمد أحمد المهدي . اعتقد إن أمتنا ستواجه صعوبات جمة بسبب انقطاع الأزمان ، هناك حاجة حقيقية لاجتهاد جديد في ظل ثورة الاتصالات وقفزات التكنولوجيا الهائلة ، فراسخ قليلة كانت توجب استصحاب محرم للمرأة والآن هذه الفراسخ تعبر في لمح البصر وعلى ذلك قس . فتطور الطب التقني والاستنساخ والخريطة الجينية والخلايا الجزعية والبصمة الوراثية (DNA) وتكنولوجيا النانو (Nano Technology) وغزو الفضاء ، كلها فتوحات علمية هائلة تجعل من اجتهادات الأقدمين مجرد شخبطات على صفحة الماء. إن قراءة واقعنا أصبحت حتمية لنوجد لها اجتهاداً معاصراً يخرج الأمة من التقليد إلى التجديد لشباب الإسلام. إن من أشد البلاء على أمة الإسلام هو القطيعة الكاملة بين العلوم الدنيوية والعلوم الدينية ، فعباداتنا الآن أصبحت ميسورة بفضل الله ثم بفضل منجزات علوم الدنيا ، إن الإسلام قد استصحب كتابين مفتوحين ليقرأهما الناس على مكث هما (القرآن الكريم ليدبروا آياته والكون المفتوح) (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم واشد قوة وآثاراً ي الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ) (أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي على صراط مستقيم) . لم يفصل الدين بين العلم الديني والدنيوي . جهلنا دورنا الديني والدنيوي فضاعت منا الحلقة ( إن المنبت لا ظهراً ابقي ولا أرضاً قطع). من أسباب جهل أمتنا وتخلفنا هو في اعتقادي يرجع للنظرة المتخلفة لتعليم المرأة ، فهي نصف المجتمع وأساسه وكما قال الشاعر : الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق بعض الأقدمين قالوا بأن المرأة لا يجب أن تعلم أي شيء والواجب عليها أن تكون خاضعة لخدمة الرجل ، وذكر آخرون (علموهن سورة النور وكفى) وهذه كلها اجتهادات قاصرة ، أضرت بالأمة أي ما ضرر ، وهذا قول مجانب لما كان عليه السلف في صدر الإسلام فكانت المرأة تراجع الرجال في قولهم وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عليه قولته المشهورة (أخطأ عمر وأصابت امرأة) ، ولكن جاءت عصور نسينا مما خطه الأعلام الأوائل . قال أستاذ التربية ومعلم الأجيال في التلفزيون والإذاعة السودانية عبد العزيز عبد اللطيف رحمه الله (إنك لن تجد أمياً في بيت امرأة متعلمة ولكنك يمكن أن تجده في بيت رجل متعلم). وهذا قول صحيح لأنه بجهل أمهاتنا رضعنا الجهالة . والسبب الرابع في ظني يعود لما اعترى الأمة بعد الخلافة الراشدة من حكم عضوض عندما قال معاوية رضي الله عنه (أنا آخر خليفة و أول ملك ) وما تبعه من استبداد وحكم للفرد خالف ما أمر به الله سبحانه وتعالى (وأمرهم شوري بينهم ) (وشاورهم في الأمر) ، فتحولت بلادنا إلى معاطن للاستبداد والفساد لأن الحاكم المستبد لا يرى إلا التحكم في رقاب العباد وهذا لن يتأتي له في ظل أمة متعلمة وبذلك نجده وقد أحاط نفسه في الغالب الأعم بأنصاف المتعلمين وعاطلي الفكر وضامري القدرات ويكثر في مجلسه بطانة السوء والتي تزين الباطل لإرضاء سيدها ، وهذه المجموعات في عمومها تحتقر العلم والعلماء ولا تقدره حق التقدير. و ما تعرض له بعض العلماء من ظلم وتعذيب كالإمام أبو حنيفة ومالك و أحمد بن حنبل وابن تيمية وغيرهم ما هي إلا دلالات على احتقار العلم والعلماء وعدم وضعهما المكان اللائق بهما . كحالة شخصية أحس بتضاؤل وضيق شديدين عندما أرى أمماً لم تكن في يوم من الأيام شيئاً وقد تقدمت وطاولت الشمس وأصبحنا نحن أهل الريادة و الحضارة نتسابق لكسب ودها وجلب علومها ، إنه لعيب كبير وظلم ماحق لأمتنا أوردناها فيه بقصد أو بدونه. الغرب اليوم يتسابق لاكتشاف الجديد والمثير ونحن نتسابق لصنع أكبر وجبة في العالم ونحن جياع من أي معرفة . الكتاب رفيق إنسان الغرب ونحن رفيقنا سفاسف الأمور ، ما أصدرته منظمة اليونسكو عن الكتب التي تقرأها الشعوب تؤكد أننا شعوباً حظها من القراءة ضئيل جداً ونحن المأمورون بها شرعاً (ربي إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً) ، تأبط الكتب عادة الدول المتحضرة ، أما نحن فنتأبط أشياء أخرى ، ويح أمتي ونحن صرنا أعداءاً للكتاب!!! يتبع .... أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم إنه سميع مجيب . والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته ،،، الطيب كباشي الفزاري الرياض/ المملكة العربية السعودية altayb kabashi [[email protected]]