عندَما جَعلنَا الحَضَرِي (في عَدّاد المَجغُومِين)    حكومة أبو نوبة.. ولادة قاتلة ومسمار آخر في نعش "تأسيس"    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    السفير عدوي يشيد بدراسة إنشاء منطقة لوجستية على الحدود السودانية    الاهلي المصري نمر من ورق    الجمعية العمومية الانتخابية لنادي الرابطة كوستي    السجن والغرامة على متعاون مع القوات المتمردة بالأبيض    ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    "حكومة الأمل المدنية" رئيس الوزراء يحدد ملامح حكومة الأمل المدنية المرتقبة    الفوز بهدفين.. ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو    "الأمة القومي": كامل ادريس امتداد لانقلاب 25 أكتوبر    لما سقطت طهران... صرخت بورسودان وأبواقها    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    هل سمعت عن مباراة كرة قدم انتهت نتيجتها ب 149 هدفاً مقابل لا شيء؟    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا قالت الصحف العالمية عن تعادل الهلال مع ريال مدريد؟    تقرير رسمي حديث للسودان بشأن الحرب    يوفنتوس يفوز على العين بخماسية في كأس العالم للأندية    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    السودان والحرب    عملية اختطاف خطيرة في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفهوم التمكين بين التفسيرين الديني والسياسي .. بقلم: د.صبري محمد خليل
نشر في سودانيل يوم 20 - 08 - 2013

د.صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم
تمهيد: مفهوم التمكين هو مفهوم قراني كلى ، ولهذا المفهوم تفسيرين ، التفسير الأول هو التفسير الديني ( الشرعي) له ، وهو التفسير الذي يتسق مع التعدد الدلالي للمفهوم في القران، ومع تفسير السلف وعلماء أهل السنة للمفهوم، فضلا عن انه يتسق مع مقاصد وضوابط الشرع ، وطبقا له فان مفهوم التمكين هو مفهوم شامل، فهو يشمل الكثير من المجالات ، ولا يقتصر على مجال معين (كالمجال السياسى مثلا) ، كما انه يشمل جماعه المسلمين لا ينفرد به فرد أو جماعه دونها كما هو الحال في قسمه التكليفى، بل قد يمتد فيشمل بني ادم كما هو الحال في قسمه التكويني كما في قوله تعالى (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) (10: الأعراف )، وطبقا لهذا التفسير أيضا فانه على تعدد غايات التمكين الدنيا ، فان غايته القصوى ليست السلطة أو الثروة أو المنصب بل هي أقامه الدين. أما التفسير الثاني لمفهوم التمكين فهو التفسير السياسي له ، ويقوم على التأكيد على البعد السياسي لمفهوم التمكين، لكنه يتطرف في هذا التأكيد لدرجه إلغاء الأبعاد الأخرى للمفهوم، فهو تفسير يتصف بالقصور لأنه يقصر مفهوم التمكين على مجال معين (هو المجال السياسي)، كما يقصره على جماعه من المسلمين، بينما المفهوم اشمل من ذلك ه، كما أن هذا التفسير يتناقض مع التعدد الدلالي للمفهوم في القران، ومع تفسير السلف وعلماء أهل السنة للمفهوم.
التعدد الدلالي للمفهوم في القران : وقد ورد مصطلح التمكين في القران الكريم بدلالات متعددة، تشير إلى تعدد غاياته ومجالاته ، ومن هذه الدلالات
أولا:اقامه الدين كما في قوله تعالى ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)( الحج:41)، وهى الغاية القصوى للتمكين.
ثانيا: تسخير الأرض لبنى ادم كما في قوله تعالى (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا
تَشْكُرُونَ) (10: الأعراف )، يقول ابن كثير في تفسيره (يَقُول تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عَبِيده ،فِيمَا مَكَّنَ لَهُمْ مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَرْض قَرَارًا ،وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِي وَأَنْهَارًا ،وَجَعَلَ لَهُمْ فِيهَا مَنَازِل وَبُيُوتًا ،وَأَبَاحَ لَهُمْ مَنَافِعهَا ،وَسَخَّرَ لَهُمْ السَّحَاب لِإِخْرَاجِ أَرْزَاقهمْ مِنْهَا ،وَجَعَلَ لَهُمْ فِيهَا مَعَايِش أَيْ مَكَاسِب وَأَسْبَابًا يَكْسِبُونَ بِهَا وَيَتَّجِرُونَ فِيهَا وَيَتَسَبَّبُونَ أَنْوَاع الْأَسْبَاب، وَأَكْثَرهمْ مَعَ هَذَا قَلِيل الشُّكْر عَلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ "
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَان لَظَلُوم كَفَّار) .
ثالثا:حيازة الثروات وامتلاك الأموال كما في قوله تعالى(أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ )،وقوله تعالى(وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ).
رابعا: الوصول إلى موقع ذو نفوذ كما في قوله تعالى( وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )(يوسف:56)، وقوله تعالى (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ( يوسف:21).
خامسا: تحقيق الاستخلاف في الأرض كما في قوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ) (النور:55)، يقول ابن كثير في تفسيره (هذا وعد من الله لرسوله بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي: أئمة الناس، والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد وتخضع لهم العباد( وكما في قوله تعالى( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ )(القصص).
سادسا: الحصول على ملك عظيم كما في قوله تعالى (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكراً، إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء
سبباً)(الكهف: 84(، يقول ابن كثير في تفسيره ( أي أعطيناه ملكاً عظيماً متمكناً فيه، له من جميع ما يؤتى الملوك، من التمكين والجنود، وآلات الحرب والحصارات؛ ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض، ودانت له البلاد، وخضعت له ملوك العباد، وخدمته الأمم من العرب والعجم.
أولا: التفسير الديني(الشرعي) للمفهوم : التفسير الديني لمفهوم التمكين هو التفسير الشرعي له ، وهو التفسير الذى يتسق مع التعدد الدلالي للمفهوم في القران، ومع تفسير السلف وعلماء أهل السنة للمفهوم، فضلا عن انه يتسق مع مقاصد وضوابط الشرع.
تعريف التمكين: وطبقا لهذا التفسير فان التمكين لغة تفعيل من المكان، وهو في الأصل إقرار الشيء وتثبيته في مكان،ثم استعير لدلاله على التملك والقدرة والسيطرة والتحكم . أما اصطلاحا فهو مظهر من مظاهر الفعل الالهى المطلق يتيح للفعل الانسانى امكانيه تحقيق غاياته المتعددة، في حال تقيده بالفعل الالهى المطلق تكوينيا( بالالتزام بالسنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود)، وتكليفيا( بالالتزام بقيم وقواعد الوحي).
غايات التمكين : وطبقا لهذا التفسير فان للتمكين غايات دنيا متعددة، لكن له غاية قصوى واحده هي اقامه الدين بالالتزام بمفاهيمه وقيمه وقواعده ، وهو ما أشار له القران في قوله تعالى( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).
أقسام التمكين :وطبقا لهذا التفسير فان للتمكين عده أقسام رئيسيه هي:
أولا: التمكين الخاص:هو تمكين فرد معين، كما في قوله تعالى في حق يوسف (عليه السلام)(إنا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرض واتيناه مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً )( الكهف: 82)، وهو مقصور على الأنبياء والرسل، وبختم النبوة وانقطاع الوحي بوفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) انتهى هذا القسم من أقسام التمكين .
ثانيا:التمكين العام: وهو تمكين الجماعة ولا ينفرد به فرد أو فئة دونها،وينقسم إلى قسمين:
ا/ التمكين التكويني : ومضمونه ما سبق ذكره اقامه الدين كما في قوله تعالى(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:41)،وهو مقصور على جماعه المسلمين ، لكن لا ينفرد به دونها فرد أو جماعه..
ب/التمكين ألتكليفي:مضمونه تسخير الطبيعة لبنى ادم كما في قوله تعالى(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ)(سورة الأعراف: 8) ،فهو يشمل الانسانيه كلها.
شروط التمكين : تشير الايه(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55) إلى الوعد الالهى للمسلمين بالتمكين، كما تشير إلى أن تحقيق هذا الوعد الالهى معلق بمعرفه والتزام شروطه الذاتية" والتي عبر القران عن جملتها بالإيمان، "
والموضوعية" والتي عبر القران عن جملتها بالعمل الصالح" ، وقد تولى القران بيان الشروط المطلقة للتمكين, وترك للناس أمر الاجتهاد في تحديد شروطه المحدودة بالزمان والمكان, وهنا نشير إلى الحرية والشورى والعدل والمساواة كشروط لتحقيق البعد السياسى للتمكين، والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية كشروط لتحقيق البعد الاقتصادي للتمكين، والوحدة كشرط لتحقيق البعد الاجتماعي للتمكين،والتجديد والاصاله والمعاصرة كشروط لتحقيق البعد الحضاري للتمكين .
ثانيا: التفسير السياسي للمفهوم: أما التفسير السياسي لمفهوم التمكين فيقوم على التأكيد على البعد السياسي لمفهوم التمكين، لكنه يتطرف في هذا التأكيد لدرجه إلغاء أو التقليل من أهميه الأبعاد الأخرى للمفهوم،وله صيغ متعددة بعضها محل اتفاق بين من يتبنى هذا التفسير (أهمها الصيغة التي تفيد إن التمكين هو وصول جماعه من المسلمين إلى السلطة)، وبعضها محل اختلاف بينهم(كالصيغة التي قد تفيد أن التمكين هو فعل انسانى قائم بذاته ، أو التي قد تفيد أن التمكين هو انفراد جماعه من المسلمين بالسلطة دون جماعه المسلمين، أو التي تفيد نسبه التمكين الخاص إلى فرد أو جماعه بعد وفاه الرسول "صلى الله عليه وسلم" )، هذا التفسير يتناقض مع التعدد الدلالي للمفهوم في القران، ومع تفسير السلف وعلماء أهل السنة للمفهوم،
القصور: حيث يقصر هذا التفسير مفهوم التمكين على مجال معين (هو المجال
السياسي)،كما يقصره على جماعه من المسلمين ، بينما المفهوم اشمل من ذلك ، فطبقا لتعدده الدلالي في القران الكريم بشمل الكثير من المجلات منها المجال السياسى، وطبقا لأقسامه المتعددة فان المفهوم يشمل جماعه المسلمين في التمكين التكليفى، بل هو يشمل بن ادم في التمكين التكويني.
السلطة من الوسيلة إلى الغاية : وهذا التفسير يجعل الغاية هي السلطة والوسيلة هي الدين ، يتناقض مع أن الغاية القصوى للتمكين ليس السلطة ولكن اقامه الدين قال تعالى(وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55).
الفعل الانسانى من التقييد إلى الإطلاق: وبعض صيغ هذه التفسير تفيد أن التمكين هو فعل انسانى قائم بذاته ، فتسنده إلى الإنسان( فردا أو جماعه)، وهو ما يتناقض مع تقرير القران أن التمكين هو احد مظاهر الفعل الالهى المطلق، فيسنده إلى الله تعالى( مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ) (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ) (إنا مكنا له في الأرض)، ليس المقصود بذلك إلغاء الفعل الانسانى بل تحديده(تقييده) بالفعل الالهى المطلق تكوينيا( بالالتزام بالسنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود)، وتكليفيا( بالالتزام بقيم وقواعد الوحي).
السلطة من الوكالة إلى الانفراد : كما أن بعض صيغ هذه التفسير تفيد أن التمكين هو انفراد جماعه من المسلمين بالسلطة دون جماعه المسلمين)، وهو ما يتناقض مع تقرير الإسلام أن السلطة السياسية (التي عبر عنها القران بمفهوم الأمر) مخوله بموجب التمكين العام للجماعة(وأمرهم شورى بينهم) ، أما الحاكم فنائب ووكيل عنها لها حق تعيينه ومراقبته وعزله ، يعرف الماوردي البيعة بأنها ( عقد مرضاة واختيار لا يدخله اكراة ولا إجبار)(الأحكام السلطانية، ص 7 ).ويقول أبو يعلي أن الخليفة ( وكيل للمسلمين ).
من التمكين العام إلى الخاص : وبعض صيغ هذه التفسير تفيد نسبه التمكين الخاص إلى فرد أو جماعه من المسلمين بعد وفاه الرسول (صلى الله عليه وسلم)،وهو ما يتناقض ما سبق ذكره من أن التمكين الخاص مقصور على الأنبياء،كما يتناقض مع مفهوم ختم النبوة،و يفضي إلى مساواة بين هذا الفرد أو هذه الجماعة والرسول صلى الله عليه وسلم) في المرتبة.
من التفسير السياسي للدين الى التفسير الديني للسياسة الى وهذا التفسير هو جزء من مذهب التفسير السياسي للدين،الذي هو مذهب معين في تفسير طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة، ظهر في المجتمعات المسلمة في العصور الحديثة،كرد فعل على العلمانية التي نفت اى علاقة بين الدين والدولة، ويقوم هذا المذهب على تأكيد واثبات العلاقة بين الدين والسياسة ، ولكنه يتطرف في هذا التأكيد والإثبات،إلى درجه تجعل العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط ، لا علاقة ارتباط ووحده، وبالتالي يساوى بين الدين والسياسة في الدرجة، وقد يتطرف فيجعل السياسة اعلي درجه من الدين حين يجعل الغاية هي الدولة – السلطة، والوسيلة هي الدين، هذا المذهب يستند إلى افتراض مضمونه أن الامامه- السلطة من أصول الدين، وهو يخالف ما ذهب إليه أهل السنة من أن الامامه من فروع الدين وليس من أصوله ويقول الإيجي ( وهي عندنا من الفروع ، وإنّما ذكرناها في علم الكلام تأسيّاً بمن قبلنا ) (المواقف : ص 395)، كما أن هذا التفسير يتناقض مع التفسير الديني للسياسة الذى يجعل الدين هو الأصل – والسياسة هي الفرع، اى أن يكون الدين " ممثلا في مقاصده وضوابطه " للسياسة بمثابة الكل للجزء، يحده فيكمله ولكن لا يلغيه .
- للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان
http://drsabrikhalil.wordpress.com)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.