بقلم د. طبيب عبدالمنعم عبدالمحمود العربي - لندن [email protected] لم أكن أبداً سياسياً أو أنصارياً أو ختمياً أو إخوانياً أو شيوعياً أو صوفياً أوعلمانياً رغم أنني ولدت وعشت في كل تلك البيئات وتعاملت مع كل تلك الفئات (ولي منهم كثير من المعارف والأصدقاء) وحتي كذلك بين أهلي الذين يتصوفون حتي النخاع بالطريقة الختمية أو التجانية منذ أكثر من مائة عام فلم أتأثر. بقيت مسلم وبس (علي السكين)، ربما تأثرت بنصائح الوالدين رحمهما الله (لا تكن إمَِّعَة). لكن رغم ذلك يبقي يأثرني الجمال وحده في شكله وكمه ومعناه الكبير المطلق. جمال الطبيعة والفنون والإبداع والكلمة الجميلة والخلق والسلوك الحسن. في مجتمع سودان اليوم توجد ثلاثة إهرامات (حبيبان وشيخ). الأول الحبيب النسيب السيد محمد عثمان الميرغني والثاني الحبيب الإمام السيد الصادق المهدي والثالث البروفيسور الدكتور الشيخ حسن الترابي. لهم التحية والإحترام. ثلاثتهم معروفون بل حتي في خارج السودان. للأسف السياسة كانت الطريق الذي سلكوه وبالتالي حرمت المجتمع من الإستفادة من قدراتهم الأخري الكثيرة المتفردة وليتهم قد تفرغوا لتلك القدرات والمهارات وأولوها إهتمامهم فالمجتمع بجميع أطيافه لفي حاجة إلي مفكرين وهادين. بالنظر إلي البروفيسور الترابي كان يفكر ويؤلف ويحاضر في الداخل والخارج وكان له من المعجبين خارج السودان ما يفوق عدد من هم داخل السودان ولكن تغيرت تلك النظرة والإعجاب بعد أن تمكن داء السياسة في شخص البروفيسور وصار حاكماً وفي عالم السياسة شرار يتطاير كشرار نافخ الكور لا ينجو منه إنسان. ليت البروف يعود الي الإبداع الفكري . أما السيد محمد عثمان الميرغني فليته تفرغ إلي أمور الدين كرمز فأنا أكاد أجزم أنه سيهتدي به الكثير من الناس والشباب لأن الدين المعاملة وفي السودان نفتقد المرشد الديني الحق بمقياس ما يوجد في بلاد عالمية . الشيخ عبد الرحيم البرعي عليه رحمة الله لم يعمل بالسياسة لكنه ترك وراءه الآلاف من المريدين والشباب الذين تشربوا من هديه وطيب معاملته وحسن خلقه وتسامحه. أي إنسان في رأيي ممكن يدخل باب السياسة ويكون سياسي ومسؤول كبير ولكن ليس بمقدور كل سياسي أن يكون مُفكراً أو مُنَظِّرَاً خلاقاً، بل قد يفشل تماماً. أما السيد الصادق المهدي ليته تفرغ للأكاديميات من فكر وبحوث وتنظير لما يملك من قدرات عظيمة وحضور وذكاء إذا تحدث أو كتب في أي موضوع علمي أو أدبي أو ديني كان ، لا يهم ولا فرق عنده في سهولة هندسة الإتقان والإبداع. ليته يذهب ويحاضر في الجامعات والمعاهد لطلاب كل الكليات. اليوم ومع بداية عطلة الأسبوع البريطانية الطويلة (ثلاثة أيام) أثلجت صدري كلمته التي قالها في حفل زواج شابة سودانية حباها الله بصوت جميل فصارت تمدح. أعجبتني أنها كلمات وإن جاءت في مناسبة إجتماعية خاصة إلا أنها كانت كلمات نصح حقيقي ولفت نظر لكل السودانيين من شيخ تعتقت تجربته وخبرته عبرالسنين الطوال في كل مناحي الحياة بأن التطريب والطرب مقبولان وأن الصوت الجميل هبة ونعمة من الله يخص بها أشخاصاً دون الآخرين وأيضاً ينبه أن هناك سلوكيات دخيلة بدأ يسري سرطانها في مجتمعنا الذي كان حتي السبعينيات كان يوصف عالمياً بمجتمع البراءة والصدق والطيبة والعفة والكرم والإعتزاز بالتراث من زي وعادات وتقاليد ما هي إلا موروث حضارات قديمة كان لها شأن عظيم ودين سمح لا غلو وتشدد فيه. كلمة السيد الصادق في رأيي تستحق أن تُدَرَّسْ في المدارس وأن تناقش في الجامعات التي تدرس علوم المجتمع وأن يستفيد منها كل الناس الآباء والأمهات وحتي رجال الدين والمتشددين (لن يشاد الدين أحد إلا غلبه) . فالعادات الدخيلة علي الزي السوداني الجميل ومراسيم الأفراح وحتي الأتراح صارت جداً مكلفة ومرهقة في بلد يقل فيه دخل الفرد وترتفع بالموازي فيه الأسعار بجميع أنواعها نتيجة الضرائب الباهظة. كلمة السيد الصادق دعوة لمراجعة أمورنا الإجماعية سلوكية أو تراثية كانت للحفاظ عليها من الضياع مع إصلاح ما يمكن إصلاحه. هذا ما فهمته لك كل الشكر والتجلة الأستاذ الإمام الدكتور الصادق المهدي وأنت تمتعنا من وقت لآخر بالنصح والإرشاد في قالب سهل لكنه في الواقع يولد لوحة فنية راقية، وجمال الكلمة يبقي شاهداً وكالمرآة يحمل جمال وروعة كاتبها. حفظك الله د. عبدالمنعم عبدالمحمود العربي