[email protected] أكملت لتوي قراءة تقرير صحفي عن قضية طرحة أميرة التي تفجرت مؤخراً (المهندسة أميرة عثمان تم توقيفها وإحالتها للمحاكمة لانها ضبطت وهي تسير في الطريق العام بدون غطاء للرأس. علماً بأنه سبق ان وجهت لها تهمة مماثلة عام 2008 لارتدائها البنطال). عندما اكملت القراءة هززت رأسي وقلت لنفسي: يا ألطاف الله، من بنطلون لبنى الى طرحة أميرة، يا قلبي لا تحزن! بعض فتية العصبة المنقذة، نفعنا الله بفتوتهم، لهم ولع عجيب بإشعال فتائل أزمات وكوارث وفضائح علاقات عامة دولية تجعل من رقابنا، نحن المهاجرين، مثل (السمسمة) بين شعوب العالم. نضطر في أحيان كثيرة الى أن نكذب عندما يسألنا بنو الفرنجة: "ما هذا الذي رأيناه وسمعناه في أخبار التلفاز؟ هل صحيح ان المرأة عندكم تقاد الى السجن اذا لبست البنطلون"؟ أحبابي في العصبة المنقذة يعرفون عني أنني رجل عاقل ورشيد ومتزن، ولا يمكن ان تكون اجابتي مثلاً: "نعم للأسف. ولكن هذه حكومة يسيطر عليها جماعة من المهاويس، لا يحتملهم أحد. ولهذا نحن هنا"! فتية الانقاذ هؤلاء لهم مواهب نادرة وكفاءة استثنائية في التقاط القضايا الفضائحية التي تصلح للابتلاء، فينفخون فيها بأقصى ما يملكون من هواء في صدورهم حتي تنفجر في وجوههم. يأخذ الواحد منهم بيضة صغيرة لقضية تافهة ملقاه على الهامش فيتعهدها بالرعاية، ربما طلباً للأجر من الله سبحانه وتعالي، حتي تستحيل بين يديه الى دودة او يرقة تزحف، ثم تختبئ في شرنقة كالقوقعة، ثم تشق ذلك الغلاف فتظهر للدنيا في أبهى عنفوان، حشرة كاملة مكتملة، فتبارك الله أحسن الخالقين! قبل سنوات كانت قضية الصحافية لبنى تنمو وتتخلق بين يدي هؤلاء الفتية، والعالم كله يشهد. أحد أفراد شرطة النظام العام رأى الصحافية ترتدي بنطالاً فساقها الى المخفر بزعم ان البنطال خادش للحياء العام. وفي زمن وجيز تحولت لبني والبنطال، بفضل هؤلاء، من بلاغ عابر لدى نقطة شرطية، الى قضية دولية حبست انفاس العالم وأدلى فيها بدلائهم رؤساء دول عظمى! مسألة ارتداء الفتيات للبنطلون وتغطية الرؤوس هذه مسألة معقدة جدا فيما يبدو. اكثر تعقيداً مما كنت أظن. أعرف صديقاً فاضلاً من منسوبي الحزب الشيوعي يمنع بناته من ارتداء البنطلون منعاً باتاً، بدعوى ان لبس الفتاة للبنطلون (قلة أدب). في حين عرفت كثيراً من الاسلامويين داخل السودان وخارجه، ولاحظت أن بناتهم يرتدين من البنطلونات أشكالاً وألواناً. كما رأيت بعض بناتهم لا يلبسن الحجاب. وفي أحيان اخرى رأيتهن يلقين على اكتافهن واجزاء من رؤوسهم قطعاً جذابة فاخرة، ولكنها ليست الحجاب الذي أعرفه إذ ان اغلب شعر الرأس مكشوف. سألت، فقيل لي ان هذا نوع من الحجاب ترتديه طائفة من بنات اثرياء الاسلامويين، تطلق عليهن تسمية: "كوزات لندن"! العجب العجاب أنني رأيت في مدينة أمريكية قاضياً سودانياً زائراً، أخاف ان أقول انه تولى رئاسة القضاء في نهايات العهد المايوي فأكشف شخصيته بغير داع ولا طائل. ولا اريد ان ازيد الطين بلة فاشير الى انه تولي دوراً قيادياً في تنظيم الجبهة الاسلامية القومية بعد انتفاضة ابريل. المهم عندي هو انني عرفته، وعرفه السودان قبلها، من عتاة قضاة محاكم شريعة الطوارئ والعدالة الناجزة الشهيرة في ثمانينات القرن الماضي. تلك المحاكم التي أحصت على الناس أنفاسهم، وجلدتهم بالسياط جلداً لأهون الأسباب. وروّعت الفتيات لمجرد ان اغطية رؤوسهن انفلتت من (الدبوس). رأيت القاضي الجليل، هو وابنته الشابة الفاضلة، في ساحة عامة، والابنة ترتدي بنطالاً جميلاً، وشعرها (الغجري المجنون) يسافر في كل الدنيا، لا حجاب ولا بطيخ. ألم أقل أن قضية لبس البنطال وفك الشعر أكثر تعقيداً مما نظن؟! وقد تفهمت موقف ذلك القاضي تماماً، بعد أن شاهدت في احدى الفضائيات، قبل فترة، برنامجاً تلفزيونيا جمع المفكر والداعية الاسلامي المعروف فهمي هويدي وزوجته. أدهشني أن زوجة الداعية لم تكن محجبة. ويبدو أن الدهشة اخذت بتلابيب مقدم البرنامج أيضا، بدليل أنه لم يستنكف أن يسأل الداعية عن حجاب زوجته. فرد الاستاذ فهمي هويدي، بكل بساطة وفي هدوء تام، بأنه طلب منها أن تتحجب ولكنها لم تسمع كلامه! وأضاف بأنه لا يستطيع أن يلزم أحدا - حتي زوجته - بأن تفعل أى شئ بغير قناعة شخصية. تعجبت أن يصدر هذا الحديث من خليفة الشيخ العلامة محمد الغزالي، قدس الله سره. ولكنني تفهمته تماما. بل وجدت فيه ما يبعث على الاعجاب. قلت في عقل بالي: الداعية والمفكر الاسلامي العملاق لم يستطع اقناع زوجته بارتداء الحجاب، وحظ القاضي الجليل في اقناع ابنته بارتدائه (وعدم لبس البنطلون) لم يكن افضل من حظ الداعية. فإذا كان هذا، أعنى عدم الاقتناع من جانب الزوجة والابنة، مسوغاً كافياً لعدم الالتزام بمقتضيات الشرع، كما يراه هؤلاء، فلماذا لم يكن هذا المسوغ كافياً في حالة لبني التي ارتدت البنطال او أميرة التي لم تغط رأسها؟ عروض (بنطلون لبنى) انتهت قبل ثلاث سنوات. وقد استحال الابتلاء الذي تعرضت له (المتهمة) بفضل الله ثم بفضل فتية العصبة المنقذة، الى خيرعميم ونعيم مقيم، لها ولاسرتها، كما هو في علم الكافة. وقديماً قال الامام المهدي عليه السلام: (المزايا في طي البلايا، والنعم في طي النقم). الفيلم الجديد الذي تعرضه سينما الانقاذ هذه الأيام هو (طرحة أميرة). ولو استمر أداء فتية العصبة المنقذة على ذات المنوال الذي عرفناه وألفناه، فأغلب الظن اننا سنرى المهندسة الشابة في القريب العاجل وهي ترفل في طرقات لندن او باريس او أمستردام تحف بها أضواء الرعاية الدولية. وفي الحكمة الشعبية "رزقاً تكوسو ورزقاً يكوسك"! نقلا عن صحيفة (الخرطوم)