[email protected] (1) هل يمكن أن نشهد هذا اليوم الذي يتم فيه سجن "شخص" ما , لأنه تعثر في سداد مبلغ اقترضه لكي "يضحّي" ؟ . ما هي حيثيات محاكمته ؟ هل سيبرئه القاضي ويتم إطلاق سراحه لأن أساس النية سليمة , والغرض من القرض هو"قربانا إلى الله" ؟ أم أنه سيبقى حبيسا إلى حين السداد ؟ . هناك عدّة علامات استفهام تقاطرت على ذهني إثر قراءتي لبيان مجمع الفقه الإسلامي (انظر صحيفة الصحافة الصادرة بتاريخ 14 اكتوبر 2012م – العدد 6899) والذي أجاز فيه اقتراض ثمن الأضحية , وتبعه استدراك على أن الاقتراض يجوز لمن "يظن الوفاء" أي أنه (يظن) أن قادر على السداد . لم يكن على علمائنا الأجلاء بمجمع الفقه الإسلامي أن يفتحوا مثل هذا الباب الذي إن كان القصد في وجه منه التيسير على المسلمين وإشاعة الفرحة بين الناس, إلا أن ما يخفيه الوجه الآخر هو رؤية قاتمة تنزل عواقبها ثقيلة على البعض الآخر, فمن يقترض ليسدد قيمة "الأضحية" وهي شعيرة من شعائر الإسلام, كمن يقترض ليتمم مراسم زفافه, وما إن ينفض الضيوف الكرام حتى يجد نفسه يحمل همومه وحيدا . في وقتنا الحاضر ووفقا للوضع الاقتصادي الذي يمر به عامة الناس "سواسية" كأسنان المشط , لا أشك في أنه إن تم تخيير أحدهم ما بين أن يقترض لينفق على دراسة أبنائه أو يسدد إيجار منزله .. أم "يضحّي" ؟, فإنه حتما سيختار أي خيار من هذه الخيارات ما عدى الأضحية, فبند الأضحية ليس له وجود في أجندة الفقراء, وما أكثرهم في هذا الزمان . وقد رأينا بعض التناقض والاضطراب في بيان مجمع الفقه الإسلامي, ففي الفقرة الأخيرة ناشد المجمع ولاة الأمر بالتيسير على المسلمين لأداء هذه الشعيرة "السمحة", كما أجاز لمن لم يملك ثمن الأضحية أن "يقترض" المال وذلك "إن ظن" وفاء القرض . في رأينا أن كل المعاملات التي يتم التعامل فيها بالدفع الآجل عبر "الشيكات" كان القاسم المشترك فيها هو "الظن بوفاء القرض" للمقرض, ولكن لتدخلات القدر وما تخفيه نوائب الدهر من مفاجآت, تتشكل عوامل غامضة تفرز نتائج أخرى تزج بالمقترض في ركن قصي تجعل قلبه ضيّقاً حرجاً كأنّما يصّعد إلى السماء, فيجد نفسه مَرْمِيّاً به أسفل الجُب, وكل ذلك للوفاء بتقديم القربان الأمثل إلى الباري عزّ وجلّ, الذي لم يطلب منه ذلك. هل نسينا قول المولى عزّ وجلّ في محكم تنزيله : "لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها" ؟. إننا جميعا نعلم علم اليقين بأن فريضة الحج ركنٌ من أركان الإسلام الخمس, إلا أنها جاءت في الحديث النبوي الشريف بصيغة "وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا" صدق رسول الله . وبالتالي فإن كان هناك ضرورة للاقتراض لأداء نُسُك ما, فعلينا أن نقترض لأداء فريضة الحج ... أليس هذا أقرب للعقل ؟ . إننا مجتمع يغلب عليه العاطفة الدينية, ولا يتوانى الفرد في مجتمعنا هذا أن يفعل أي شيء لتلبية نداء الوحي, خصوصا أن الذي يحمل الشفرة الخاصة بكلام الله هم سادتنا الفقهاء . فللفقيه والفقهاء مكانة خاصة وتبجيل اقرب إلى التقديس في مختلف الدول الإسلامية وبصورة أكثر عمقاً وتفانياً في دول إفريقيا . وبالتالي يجب أن يتحلّوا بالحكمة في إطلاق الفتاوى خصوصاً إذا كانت تستهدف عامة الناس, فمثل هذه الفتاوى يفهمها "العامة" بأنها أوامر وعلى المسلم لكي يحسن إسلامه أن يبحث عن قرض ليسدد ثمن أضحيته أو يلجأ إلى رهن شيء من ممتلكاته حتى يعتق رقبته, في حين كان بإمكان فقهائنا أن يمنعوا الناس من اللجوء إلى هذا الحل "المؤقت" درءاً للفتنة ويسدوا باباً تفتح بعده أبواب الرحمة على الأمة . (2) إن الأضحية هي الشاة تذبح يوم العيد تقربا إلى الله تعالى . وهي –كما جاء في منهاج المسلم- لأبوبكر الجزائري , سنة واجبة على أهل كل بيت مسلم وذلك "قدر أهله عليها" , لقوله صلى الله عليه وسلم "من كان ذبح قبل الصلاة فليعد" متفق عليه . وقد سأل بعض الصحابة رسول الله (ص) , ما هذه الأضاحي ؟ قال : سنة أبيكم إبراهيم . قالوا : ما لنا منها ؟ قال : بكل شعرة حسنة . قالوا فالصوف ؟ قال : بكل شعرة من الصوف حسنة " رواه ابن ماجة والترمذي "حسن" . وأننا نعلم جميعا بان العبرة من الرسالة المحمدية هي التبسيط وليس التعقيد , وكم كان الرسول صلى الله عليه وسلم رءوفا بصحابته في ذاك الزمان مثالا أعلى وقدوة حسنة للأتباع وأتباع الأتباع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . فمن عجز عن الأضحية من المسلمين ناله أجر المضحين , وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم عند ذبحه لأحد كبشين قال : "اللهم هذا عني وعمّن لم يضحّ من أمتي" . رواه احمد وأبو داوود والترمذي , ولكن لم يأتي التراث على ذكر اقتراض لإقامة شعيرة من شعائر الله , حتى العبادات التي تعتبر من الأركان الأساسية أتى ذكرها في القرآن عند العجز ببدائل هي أكثر يسرا للمسلم . و"خروف" الأضحية له مواصفات خاصة تجعل من العسير الحصول على "كبش" بذات المواصفات وبسعر قليل , وبالتالي يقوم "ولي أمر المسلمين" بالذبح نيابة عن بقية الأمة المستضعفة . وقد جاء في "منهاج المسلم" أيضا أن أفضل الأضحية ما كانت كبشا أقرن فحلا أبيض يخالطه سواد حول عينيه وفي قوائمه , إذ هذا هو الوصف الذي استحبه رسول الله (ص) وضحى به . إذ لا يجزئ في الأضحية سوى السليمة من كل نقص في خلقتها ولا المريضة ولا العجفاء . وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم أربع لا تجوز في الأضاحي : "العوراء البيّن عورها , والمريضة البيّن مرضها , والعرجاء البيّن ضلعها , والكسيرة التي لا تنقي – يعني لا نقي فيها – أي لا مخ في عظامها وهي الهازل العجفاء " . رواه مسلم . ولا يجزئ في الأضحية من الضأن أقل من الجذع , وهو ما أوفى سنة أو قاربها . وفي غير الضأن من المعز والإبل والبقر لا يجزئ أقل من الثني وهو في الماعز ما أوفى سنة ودخل في الثانية . وفي الإبل ما أوفى أربع سنوات ودخل في الخامسة . وفي البقر ما أوفى سنتين ودخل في الثالثة . لقوله صلى الله عليه وسلم "لا تذبحوا إلا المسنّة , من الأنعام هي الثّنية " رواه مسلم . إن ديننا الإسلامي الحنيف أتى بما يميزه عن الديانات السماوية الأخرى , لقد أتى موشحا بالسماحة واليسر في التطبيق ونجد ذلك متمثلا سواء في العبادات أو المعاملات , والشواهد كثيرة على ذلك يقول المصطفى (ص) "ومن يشاد الدين إلا غلبه" صدق رسول الله (ص) , وقال عزّ من قائل : "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" .