أثار حديث الأخ الزميل بهرام عبد المنعم في مؤتمر صحفي لوزيري الداخلية ووالي الخرطوم نقاشا واسعا في المواقع الاليكترونية المختلفة، وانتقل لصفحات الصحف، حيث قرأت تعليقات وآراء للزملاء المحترمين ضياء الدين بلال (السوداني) عبد الرحمن الأمين (الخرطوم)، مزمل أبو القاسم (اليوم التالي)، وإمام محمد إمام (التغيير). وربما يكون غيرهم من الزملاء الصحفيين قد كتب في هذا الأمر، لكني أحصر تعليقاتي فيما قرأته، وأضف لذلك أيضا حلقة من برنامج (حتى تكتمل الصورة) للزميل الطاهر حسن التوم بقناة النيل الأزرق، خصصها لنقد أداء بعض القنوات الفضائية العربية والمواقع الاليكترونية. انحصرت معظم الآراء في انتقاد ما قاله الزميل بهرام، ووصف حديثه بافتقاده للمهنية والموضوعية واللياقة، ومضى الزميل مزمل أبو القاسم أكثر من ذلك بالاستشهاد بتعليق كتبته في صفحتي ب"فيسبوك" بعد ثواني من مما حدث في المؤتمر الصحفي، فاجتزأه من سياقه، وفسره كما يشاء، ثم قال إنه يتفق معي في وصفي لسؤال بهرام "بعدم المهنية" وهي كلمة لم استخدمها في ذلك التعليق مطلقا. ومن أبجديات المهنية أن يورد الاستاذ مزمل ما كتبته بنصه وروحه، وهو لا يتعدى سطرين، ثم له الحق بعد ذلك أن يتفق أو يختلف معي. وهو يملك من المقومات والمؤهلات ما يجعل لرأيه وزنا، بغض النظر عن مطابقته لرأيي أم لا. والحقيقة أنني قرأت عمود الاستاذ مزمل ولم أعلق عليه في حينه، لكني وجدت الزميل ضياء الدين بلال يستشهد به ايضا في عموده بصحيفة "السوداني" منقولا من عمود مزمل ، مما أوجب أن اقوم بتصحيحه والرد عليه. وليسمح لي الزملاء المحترمين بالإشارة إلى أنني سبقتهم بأيام وكتبت في زاويتي بصحيفة "الخرطوم" معلقا على المؤتمر الصحفي لرئيس الجمهورية، ومنتقدا الطريقة التي يتم بها تقديم المؤتمرات الصحفية، وما يقوله الزملاء الصحفيون، وبالذات القيادات منهم، ونسيت أن اشير أن المؤتمر الصحفي انتهى أيضا بالتصفيق لإجابات السيد الرئيس، ولم أرى شيئا كهذا في أي عمل إعلامي مهني من قبل. للمهنية قواعد كثيرة ومتعددة، لكن أهم الأعمدة التي يتفق عليها الناس في العالم كله هي الدقة Accuracy، الموضوعية Objectivity، والتوازن Balance. الدقة تتطلب مراجعة المعلومات المقدمة للقارئ أو المشاهد للتأكد من صحتها ومطابقتها للوقائع، ويشمل ذلك بالطبع الرجوع لكل المصادر والأشخاص ذوي الصلة بالموضوع، بينما تنص الموضوعية على إبعاد الرغبات والدوافع الشخصية عن الموضوع المطروح وعدم إخضاع المعلومات المقدمة، للحذف والإضافة والتحريف، أما شأن التوازن فهو معروف، عدم التحيز لأحد الأطراف واعطاء فرص متساوية لإيراد المعلومات والردود. أي من الصحف أو أجهزة الإعلام السودانية الأخرى تستطيع أن تقول إنها التزمت بالحد الأدنى من هذه الأعمدة الرئيسية للمهنية في العمل الإعلامي؟ من من الصحف وأجهزة الإعلام نشرت صور وأسماء الضحايا واستنطقت أسرهم، وراجعت تقارير المنظمات الحقوقية والأحزاب؟ لا أحد بالتاكيد. والف باء المهنية تقول إن الأرواح البشرية أغلى من أي أموال أو ممتلكات، وتقاليد الصحف الغربية ، الكافرة، تقول أنه إذا حدث حريق في مصنع مات فيه شخص وتكبد المصنع خسائر بمليارات الدولارات، فيجب تقديم معلومة وفاة الشخص على المليارات التي خسرها المصنع لأن الأرواح البشرية أغلى من كل شئ. نحن الذين نتشدق بالتعاليم السماوية يجب أن نكون أكثر حرصا وتمسكا بهذه القيم من غيرنا. وبأرقام الحكومة، دعك من أي أرقام أخرى، ومن مدى صحة كلام الحكومة، فقد مات ما يقرب من أربعين شخص، فمن هم؟ ما هي أسماؤهم وأماكن سكنهم ، ومن هي أسرهم المكلومة؟ وهل نشرنا صورة واحدة لأحد الضحايا ، الشهداء، واستنطقنا أسرهم المكلومة؟ لست في معرض أي ادعاءات، وربما لو كنت رئيس تحرير ما تمكنت من فعل هذا، لأن هناك قيود أمنية نعرفها كلنا منعت الصحف من نشر أي شئ كهذا، أي ببساطة منعت الصحف من ممارسة أهم أسس المهنية وأهم الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية. في وضع كهذا هل يحق لأحد أن ينبري لمحاكمة مهنية الزميل بهرام عبد المنعم؟ هل ارتكب جرما أكبر مما ارتكبناه جميعا، ولا استثني نفسي أبدا..؟ ولم لم تنبري هذه الاقلام الصديقة لتنتقد أداء بعض الصحف والزملاء الصحفيين الذين فارقوا أي التزام مهني وأخلاقي وإنساني، وولغوا في دماء الشهداء ونعتوهم بأحط الصفات، وضعوهم في مصاف اللصوص والمجرمين؟ قوموا لمهنيتكم قدر ما استطعتم، رحمكم الله، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وغفر الله لنا ولكم.