في منتصف السبعينات من القرن الماضي رافقت الوزير عبد الرحمن عبد الله عليه الرحمة في زيارة ليوغندا لمشاركتها الاحتفالات بذكرى الانقلاب الذي جاء بالرئيس عيدي أمين للحكم. ويبدو أن المراسم اليوغندية كانت تتوقع وفداً سودانياً أكبر حجماً حيث بعثت لنا بعدد من السيارات ومجموعتين من الدراجات البخارية التي تصاحب عادة سيارات كبار الضيوف. قرر الوزير أن يستغل كل واحد منا سيارة مختلفة حتى نصل مكان الاحتفال في وفد كبير يتناسب وحجم السودان في يوغندا تلك الأيام. وجدت نفسي من غير حول منى ولا قوة داخل سيارة كبيرة وحولي أربع دراجات بخارية وأمام موكبنا سيارة شرطة تفتح الطريق وهي تطلق صوت السرينا المميز. نظرت من نافذة السيارة فشاهدت حشود المواطنين اليوغنديين على جانبي الطريق وهم يلوحون بأعلام البلدين تحية لنا وكنت كلما رفعت يدي لتحيتهم ، أطلقت النساء الزغاريد وهتف الرجال بلغة لا أستطيع تمييزها. وربما للحظة خاطفة لم تتعد الثواني أحسست بإحساس غامض هو مزيج من السعادة والزهو وكل هذه الجماهير تحييني وأنا أرد تحيتها ، وخيل إلى للحظات معدودة أنه ربما كان نفس الاحساس الذي يخامر أولئك الذين ينظرون من خلف نوافذهم المظللة للجماهير المصطفة على جانبي الطريق. في مارس 1978 وطئت قدماي للمرة الأولى أرض بلاد الشمس المشرقة أو اليابان التي يعتقد أهلها انها منبع الشمس وهو أسم البلاد بلغة القوم. كان كل شئ بالنسبة لي غريباً وكنت كلما سرت في الطريق وأنا أحاول استيعاب ما حولي أصابني شئ من الاحباط والكثير جداً من الفضول. مضت على إقامتي في اليابان عدة أشهر لم أشاهد فيها موكباً كالذي كنت جزءاً منه في تلك الزيارة القصيرة لكمبالا ، وكنت كثيراً ما أسأل نفسي ترى كيف يتحرك رئيس وزراء اليابان كل صباح من بيته للمكتب أو حتى كبار ضيوف البلاد ، فطوكيو من المدن شديدة الازدحام أثناء ساعات النهار ، ولم أجد إجابة مقنعة. شاءت الأقدار في وقت لاحق أن ألبي دعوة من الخارجية اليابانية لزيارة مزارع الامبراطور البعيدة عن العاصمة طوكيو. والدعوة واحدة من البرامج التي ترتبها الحكومة اليابانية للدبلوماسيين الأجانب في طوكيو وهي معروفة لا يتعدل فيها شئ من عام لآخر ومن بينها حفل للموسيقى اليابانية التقليدية في القصر الامبراطوري ، ودعوة من الامبراطور وأخرى من رئيس الوزراء لمشاهدة زهور الساكورا (الكرز) في قمة تفتحها خلال فصل الربيع. كان علينا أن نستغل القطار من محطة "أوينو" لمزراع الامبراطور ، لذلك فقد طلب منا التجمع بمحطة السكك الحديدية المركزية بطوكيو حيث تقوم الخارجية بنقلنا عبر أسطول من البصات إلى محطة "أوينو". كانت أمام البصات سيارة مرور واحدة وربما كانت هناك أخرى في مؤخرة الركب ، غير أن الغرض من السيارتين لم يكن تعطيل حركة السير في الطرق التي تتقاطع مع طريقنا إذ أن موكبنا مر على أكثر من عشرين إشارة مرور تقريباً كانت كلها تتحول بمجرد قدومنا نحوها إلى اللون الأخضر. عندها ادركت أن كل الذي تقوم به سلطات المرور هو أنها تعمل على إعادة برمجة الإشارات بحيث لا يتوقف الموكب في أي تقاطع ، دون أن تتعطل الحركة العادية للمواطنين. ظللت وحتى وقت قريب أذكر هذه التجربة كلما شاهدت تلك السيارات السوداء التي تنطلق بسرعة الصوت وهي تنهب شارع النيل نهباً وما يسبقها من أصوات مزعجة لتنبيه السابلة بأن إحدى الشخصيات المهمة ستمر بالطريق ، ويتم كل ذلك في ساعة الذروة والموظفون يغادرون مكاتبهم في نهاية الدوام اليومي. Mahjoub Basha [[email protected]]