الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    "ميتا" تهدد بوقف خدمات فيسبوك وإنستغرام في أكبر دولة إفريقية    بورتسودان وأهلها والمطار بخير    المريخ في لقاء الثأر أمام إنتر نواكشوط    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    مليشيا الدعم السريع هي مليشيا إرهابية من أعلى قيادتها حتى آخر جندي    ضربات جوية ليلية مباغتة على مطار نيالا وأهداف أخرى داخل المدينة    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوادي الكبابيش ... مابين زيارة البشير والنِّميري .. بقلم: عبيد الطيب "ودالمقدم"
نشر في سودانيل يوم 02 - 11 - 2013


aubaid magadam [[email protected]]
شاهدتُ عبر الفضاء ،والميديا والوسائط الأُخري ،صبيان الأهل والعشيرة ، ملء الطَّرف، وهم يسدوُّن الأفق تماما، زُهر الوجوه أقمارا ،عمائمهم الغمام، تظلَّهم من سُعار الشمس ،أشجار وادي الملك العتيق، وباسقات أضاة أم بادر، وخور الوكيل، وهم علي الأكوار، يمتطون النجائب من العيس والأُدم الصموت والشُّوح "العنانيف" يستعرضون الأنفة والشموخ وسماحة النفس وبياض النيّة والنُبل والكرم الجبلِّي ، ولَعمري هُمُ الذين عناهُمُ بجير المازني في قوله:
ومستنبحٍ بات يستتيهه الصَّدي إلي كل صوتٍ فهو في الرَّحل جانحُ
فقلت لأهلي ما بُغام مطيَّةٍ وسارٍ إستضافته الكلاب ُ النَّوابحُ
فقالوا : غريبٌ طوَّحت به محُول الفيافي والسنين الطَّوالِحُ
فقمتُ ولم أجثم ولم تقُم مع النَّفس عِلاَّةالبخيل الفواضِحُ
ويْ كأنهم يقولون : جئنا نحدِّث بنعمة الخالق البارئ ، فلنا النُبل وسماحة النَّافلة، والصدق والبساطة وجمال الرّوح ووهاطة النفس ، .........
سيد الرَّيدة مو العرضان أبو مريكيب
رجْلَة وجُود شوفْتُو إطيِّب الما بِطيب
ونستُو الجِرَّة صرجيب الجِمال النِّيب
وزَرُو أمْ تاج مع سِتْ بيتُو واللِّنقيب
وتركنا لكم، ساس يسوس، وسراب قيعانها وتنابل رمادها وشهيق نفاقهاوزيف حضارتها، وغول مدنيتها والبيت "المسوَّر كلُّو"والطعام الذي حُدِّد وقته وعُباره مع بيت جرير بن عبدالله:
"التَّغلبيُّ إذا تنحنح للقِري حَكَّ إسته وتمثَّل الأمثالا"
رأيت الخيام والبيوت الممدودة طنائبها، حيث شُبلت علي جوانبها الشَّلايل وإيد الفايقة والوسائد واللَّبب والمفارع وهوادج أمَّ نَفَل علي أقتاب الأينُقِ القُودِ وصويحباتها "أم عِروض وأم شوايل"والقُفل... فتاتنا الحسناء التي أدهشت الأستاذ حسن نجيله وصاحبه، وكأني أراها تلوِّح لهم بيدها وعلي معصمها سوار الفضّة، وسوط "العنجِ" مشبولٌ علي حدوة الكُور أو القربُوس
"أُم إيدا لي السُوار لينة
طَمْبَة وقودة وتامّة العينة"
كم تمنيتُ، ان تنقل قنواتنا ،هذا الموروث الضخم، لهذه البوادي، الغنية بتراثها ولكنها تجاهلته تماما ولم تنقل إلاَّ القليل القليل..... ويح قلبي...!
لا أحب سياسة الخراب والسراب ورصيدي منا صفرٌ كبيرٌ.......
وأسأل الله ،الي أن أرحل من الغرارة العبوس، ان يكون رصيدي أمتارا، لا تتعدي طول جسر وادي الملك، "أبوزعيمة" وعمق سد أم بادر ، وكليهما يمثلان ،الرصيد الوحيد وإنجاز الإنقاذ في بوادي الغرب، حيث إفتتاحهما تطَّلب زيارة الرئيس شخصيا للبادية، حيث لم يزرها طيلة فترة حكمه، وللحقيقة والتاريخ جسر أبو زعيمة ، تم إنشاءه من صدقة أنعام أهل البادية وضرائب قطعانهم ، منذ أوائل عام 2011 وسد أم بادر أنشأته منظمة .. عام 1998
ولكن بحكم أنِّي إبن بادية اقول وبكل صدق : أن زيارة الرئيس جعفر نميري للبادية،عام 1974 تختلف عن زيارة الرئيس البشير ، للبادية قبل أيَّام، حيث زيارة النميري سبقتها تنمية مقدرة شملت كل أضلاع مثلث إحتياجات اهل الريف "الصحة والتعليم والماء" .
وصل الي الخرطوم ،وفد من قبيلة الكبابيش، بقيادة زعيمهم الشيخ المُر ،وطلبوا إنشاء دوانكي، وشفخانات بيطرية ،وبالفعل قال الوزير مخاطبا الوفد: نحن جئنا من أجل التنمية، وفي الحال تم إرسال، فريق ميداني للمسح، وحين حان وقت الحفر وإنشاء الدوانكي، طلب الشيخ المُر، ان يختار هو مكان الدوانكي، وبالفعل تم إنشاء...
دونكي أم سنطة
دونكي أم بطيطيخات
دونكي قريود السِّنقد
دونكي الختيماية
دونكي حمرة الشيخ
دونكي كبّش نور
دونكي كومة الشيخ
والكثير الكثير من الدوانكي......! وقد كانت أعظم هبة، ومنحة وقتئذٍ ،ولا تعلمون من هو الماء او ما هو الماء ..!
وليتكم تعلمون ما كنّا نعانيه من العطش، ومن رهق وتعب نشل الماء، بالدَّلْو والرّشاء ،من اعماق آبار وسواني طولها او عمقها ،أكثر من خمسين رجلا بطول قامة "العنج والفونج"
وتم إنشاء شفخانة ام سنطة البيطرية ومعها اكثر من خمس عربات متحركة "تشوقر" وتنشق مع القطعان وتم إنشاء شفخانة الحمرة وام بادر وجريح السرحة و.................................!
اولا في عهد مايو كانت تنشق مع نجوعنا الشفخانات البيطرية المتحركة عبر اللواري ذات اللون الأصفر لتطعيم قطعاننا من الأمراض الفاتكة ، هل تدرون ان بوادي الغرب كانوا يملكون أعداد هائلة من الأبقار بجانب الإبل والأغنام ولقد أنتهت الأبقار بنهاية مايو بسبب الأمراض والوباء ومنذ رحيل مايو لم نرَ إهتماما ولو قليلا بصحة الحيوان في بوادي الغرب
حكومة مايو، دعمت الداخليات بمدارس الرِّيف، والتي لولاها لما تعلم أبناء البوادي، ومنذ رحيل مايو ،رحل التعليم ،حيث حكومة "النّضمي " الأخيرة ،جفّفت الداخليات وجاءت الإنقاذ "تمّت المقصرة"،
حكومة مايو أنشأت الدوانكي بالبوادي............!قف
ما أعظمها من نعمة .....! أنظروا لسان حالهم الشاعر عبد الوهاب الكباشي، عندما زار الرئيس الرَّاحل ،جعفر نميري،بوادي الغرب ، ماذا قال:
"ثورة مايو لي الخير دلَّتْ
مدارس وشفخانات والنعيم اتخلَّتْ
حاربت العطش بعد الخلوق ما انفلّتْ
وحلَّنْ سِلْمِي مشكلة الجنوب انحلَّتْ"
شوفو الصّدق "بعد الخلوق ما إنفلَّت" اي والله الناس تعبت.....!
عندما زار ،الرئيس الراحل النميري البادية، دخل حلبة الجراري يبشر و"يُكمبل" مع زعماء العشائر ومع البدو وعندما طلب منه شيوخ البادية وقالوا : ، إن َّ السنين السُّود، ضربت البادية في نحرها ، والمراعي مُمْحلة ، والنِّعم اصابها الهزال وخلت ضروعها من الرِّسلِ ،وأثقلتهم الضرائب او بما يسمي ب "الطُلبة" او ضريبة القُطعان، وعندما طلب زعيم الكبابيش الرَّاحل الشيخ المُر، من الرئيس الراحل جعفر نميري، أن يجمِّد الضرائب في هذا العام ، لأنه عام مسغبةٍ ، ففي الحال، اصدر الرئيس الرَّاحل نميري، قرارا بتجميد وإيقاف جباية القطعان، واصدر مرسوما بإعفاءهم منها ، ولمثل سماحة هؤلاء الزُّعماء صدح الشاعر بلل ود زايد الكباشي قائلا:
مِن ما سِمْعْنا حِس عَرَبِيتَكْ
فرحت بي النَّصُر وإتْبَاشَرَت بادِيتكْ
عَربَك ديلا مَسكُو بقَرْتي في طَلَبيتَكْ
كان فكّيتْهَا شُكرنْ وكان مسكت سَعِيتَكْ
وعندما زار، نائب الرئيس الراحل الزبير محمد صالح البادية ،وقف وقال : "إبلكم الضبحتوها لينا دي كان تسووا ليكم هَمْبُول للمسجد"،و كل الشكاوي التي قُدِّمت له، لم يتخذ فيها قرارا واحدا،اللّهم إلاَ كلمة "الله اكبر"، هذه الكلمة العظيمة عندنا والتي يرددها البدو، في الصلاة المفروضة، وصلاة العيدين فقط، ولكنهم يرددونها، من قلوبٍ عامرة بالإيمان والإسلام والإحسان.....
إذا استثنينا سنة الجفاف، قحط ومحل ،فمايو كانت بردا وسلاما علي البوادي والريف، إذا قارناها بالإنقاذ او حكومة الديمقراطية الأخيرة، فمايو انشأت الدوانكي والمستشفيات والشفخانات البيطرية المتحركة واهتمت بتعليم ابناء الريف بانشاءها ودعمها اللامحدود للداخليات ولولا الداخليات لما تعلم ابناء البوادي.
حكومة إلإنقاذ لم تلتفت إلي البادية، إلاّ بعد أن اصبحت الإنقاذ من اللاَّئي يأسن من المحيض، حيث أنجبت توأمين مشوهين، ومن أطفال الأنابيب ، الأول ذكرٌ وإسمه جسر أبو زعيمه ، والده البيلوجي صدقات أنعام وأموال أهل البادية ، وكان ميلاده عام 2011 وولد أجربا ، حيث تمَّ طلائه بالقطران بعد ثلاثة أعوام من ميلاده، حتي لايُعدي سيدي الرئيس ومرافقيه والزائرين، والغريب في الأمر ، بالرغم من هروب أهل البادية من ماهو أجرب ، لكنهم تحملوا ما يصيبهم إيثارا وكرما وإحتفاءً بالضيوف ، ولأن المقام مقام رئيس دولة، والمولودالثاني أُنثي إسمها سد أم بادر ووالدها البيلوجي منظمة ...وكان ميلادها عام 1998 بجراحة قيصرية وبعد خمسة عشر عاما، تمَّ ختانها علي الطريقة الفرعونية ،ليكون عُرسها يوم زيارة الرئيس ، والغريب في الأمر اننا بالبادية ، نختن بناتنا سرِّا ولكننا لا نقيم ُ عُرسا ولانحتفل بختانهُنَّ............!
لوكنتُ من أهل الإنقاذِ ،لاسترخصت نفسي ،واستقزمتها أمام سماحة ونُبل هذا الجمع الغفير وهذه السوالف والأعناق ..!
لم نكن مايويين ،ولكننا نعرف التنمية فقط ، أو بلغة البادية "أمسك لي وأقطع ليك" ،ان بمايو رجالٌ وطنيين، عملوا وأخلصوا لوطنهم، واحبوه ،وبها رجال مختلفون تماما، مثلهم مثل رجال إلإنقاذ ، أو بما تسمونهم هذا زعيم، وهذا ...وهذا.........!
يوجد زعماء ،عند الكثيرين زعماء مناضلين شرفاء و....، ولكن عندنا نحن اهل الريف، تُجَّار سلاح فقط.......!
كأنِّي بأهلِ البادية ،عندما إنفض سامر الوفد الزائر،علي اليباس "بابَحْ" ، وهم يتهامسون :
" عرفانكُم منذ عام 1990، والذي نؤرِّخ له بجفيِّف عُمَر........! لذا لا علينا إذا تمثلنا بقول إبننا وصحابنا الشنفري:
أقِيمُوا بني أُمِّي صُدُور مَطيِّكُم فإنِّي إلي قومٍ سِواكُم لأمْيَلُ
فقد حُمَّت الحَاجَاتُ واللَّيلُ مُقْمِرٌ وَشُدَّت لِطَيَّاتٍ مطايا وأرْحُلُ
وفي الأرض مَنأي للكريمٍ عن الأذي وفيها لِمَن خاف القِلي مُتَعَزّلُ
لَعَمركَ ما بالأرضِ ضيقٌ علي امرئٍ سَرَي راغِبَاً أو راهباً وهويَعْقِلُ
وإنِّي كفانِي فقد من ليس جَازيا بِحُسْني ولا في قُربِه مُتَعلّلُ
وأعدو خميص البطنِ لا يسْتَفِزّني إلي الزاد حِرصٌ أو فؤادٌ مُوَكَّلُ
ولستُ بمهْيَافٍ يُعشِّي سَوامَه مُجدَّعةً سُقْبانها وهي بُهَّلُ
ولا خَرق هَيْق كأنَّ فؤادَه يَظلّ به المُكَّاء يَعْلُو ويسْفلُ
رجع أهل البادية ،إلي مضارب خيامهم،حيث قديد الصيد والثَّريد، والغبوق والشَّن المملوءة إلي الوكاء من حليب النَّوق......أو كما تقول مُغنية الجراري:
حِسْ بلاَّس حِسْ طَنَّا
والحارُوك:دي أهنَّا
فُواقِك مِن الشنَّه
الفوقُو النَّحَل ونَّا
رجعوا وهم يردِّدون مع شاعرنا الرائع ودبادي:
مِرحَاتنا شرابهِِن يوت ما غبَّن ..
شبعانات في الشِقِل أب شوك.....ما شبَّن
الحُمَّل وِلدَن... ..وربَّن
حلماتِن تِقلََن...... جَرَّن......
فوق سيقانن كبَّن
اللبن العاتِم في ضِرعاتِن جبَّن ...!
المَغسَة إن كان ضِرعاتِن خِربن
القَرعَة آ وِليد .... السِعِن آ بنيَّة
القِربَة كمان... كُبُّوها الميَة ....
المَغسة إن كان ضِرعاتِن خِربَن...
شُوفوا النِعمة السالت فوق قيزان الرملة
ناس البندر لبن الشاي بالعُملة"
لكنني أقول لأهلي بالبادية : لاتغضبوا إذا أكدي المُنيل ، فأنتم الرائعون الذين عناهُم شاعرنا الرائع عاطف خيري :
غايتو أمشى فى الدرب .....
البطابق فيهو خطوك .. صوت حوافرك
يا فرس كل القبيلة .. تلجموا
يكسر قناعاتا ويفر .. يسكن مع البدو .. فى الخلا
ما يرضى غير الريح تجادلو
...... وتقنعوا
ولأنني أوقن تماما سوف لا يخدعكم سرابهم ، وبروقهم الخُلَّب ،لأنكم رضعتم من دومة النَّخيل وتلال الحمراء وروابي أم بادر وجبال الحتَّان، فراسة البادية وقيافتها........
ليتك يا فخامة الرئيس، زرت هذه البوادي من باب ، كلَّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته، أو من باب الضيافة والقِري، أو من باب الرَّزايا والمصائب والمِحن أو حتي من سجف ميسون الكلابية، ولكن أن تكون الزيارة، وبعد أربعة وعشرين عاما، ولإفتتاح سد لخور موسمي، او حفير علي ضفة أضاة ومورد مشهور ،فهذا لَعمري كالبَوِّ الذي يصنعونه أهل البادية للعَجُول..........!
والبّو يا رعاكم الله هو جلد فصيلٍ يُحشي بالتِّبن والعشب ، ويقُرَّبُ للنَّاقةِ التي مات فصيلها حتّي تشمّهُ وترزم له، فتعطف عليه وتدرُّ اللَّبن.
لذا سيدي الرئيس ، أن أهل البادية حين أقاموا صدور مطيِّهم وأناخوا عيسهم وهزُّوا سواعدهم ومدُّوا أعناقهم ، وأرخوا أُذنهم وسمعهم ، كانت تتمنَّي الأمارةِ اللَّوامة، ان يجدوا ضلعا واحد من مثلث التنمية ،لأن سلفك الرئيس الراحل النميري ، أكرمهم بذلك حتي أخذ شُبَّال محبتهم عن جدارة وإستحقاق، فلماذا تترك الحسره علي وجوههم النيِّرة ، يا فخامة الرئيس..! ولماذا تجعلهم يطوفون بالبّوِّ إقبالا وإدبارا وهم مرزمون يبحثون عن جعفر ......!وشيوخهم يرددِّون مع الخنساء، حين أتتها سروج الخيل يابسة ومقلوبة وبلا صخرٍ:
فما عَجُولٌ علي بوٍّ تُطيفُ به لها حنينانِ إعلانٌ وإسرارُ
أودى به الدهر يوما فهي مزرمة قد ساعدتها على التحنان أظآرُ
ترتَعُ ما رتعَت حتي إذا ادَّكرت فإنّما هي إقبالٌ وإدبارُ
لا تسمنُ الدَّهر في أرضٍ وإن رتعت فإنما هي تٍحنانٌ وتسجارُ
سمعتُ بغُام قلوص، شاعرنا الراحل حميد، فهرولت مُسرعا، لكنه خاطبني قائلا: أنَّه في عجلة من أمره، يراقب الغروب، و يبحث عن أبي زيد الهلالي، فأرقل بالجُمالية الوجناء.....وهويردِّد:
يا منقاش أحزانى إنشرت
وادى الفرح إتمدد صَى
يا راحلين عِنْ دُغُش الليل.....
ما لاقيتُو جناياً زى....
تكية نخل الفجُر الجاسِر
فوق فى المتَرَة .. عَرَاجِنْ ضَى
آ رعاوة .. العرب الرُّحّل
ما لاقاكُنْ فى المطرانى ؟
فى كاويقْ الجرف الأمْحَل
بين أسراب الرَّهَو الرَّاحِل
سانْد أكتاف اللَّيل المَيّل
عِنْ ساساق الغيمة عليكُن
بين رقراق الخيمة معاكُن
ما أديتوهو شِوَىْ ... بى حرجل؟
ناديتُ علي حميد ، بملْ أوردتي حتي تشحَّط الوجدين : أن أقف ،وعندما لَوي مقود مطيته، أخبرته: أن يُقري السلام، للشاعر الكباشي الراحل النور شيخ إدريس :
"يا دَار الكَرَمْ والرُّحَّلْ السيَّاره
بِتْرَزَّم نِحاس عزِّك رِجَالُو بَطاره
مِنْ فَارَقْتِي أبو رِسوة العِيونُو شَراره
قنَّبَتْ الدَّغايِر لي الخراب تِتْجاره"
شُبَّال مجانين.......
صديقي الرّاحل حسب الله، والذي صنفه اهل البادية مجنونا، ولكنني أحسبه ،من حواريِّ بُشري الحافي ، لأنني كلما جمعتني به الأيام أجد قدحه مُترحا بحِكم إبن عطاء الله ، وذات اصيلٍ أتاني بمدرسة حمرة الشيخ ، وذهبنا كلانا إلي السوق ،وفي الطريق كلّما وجد حسب الله جُحْرا، وقف وحثي عليه الثري، ودفنه تماما ،وعندما خاطبته قائلا: حسب الله لماذا تدفن الجُحُور والجِحَرة؟ ضحك صاحبي حتي دمعت عيناه، ثم قال: "داير أسدِّد ليكم قُدُود الدّنيا"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.