من على منصة وضعت في أعلى سد مروي (شمال السودان)، خاطب رئيس الوزراء الأثيوبي وبجانبه الرئيس عمر البشير الصحفيين معرباً عن اعتزازه بالعلاقات المتطورة بين بلاده والسودان.. هايلي مريم ديسالين أعرب كذلك عن إعجابه بالانجاز السوداني الذي تم بإنشاء مشروع سد مروي أضخم وأكبر السدود السودانية على نهر النيل جنوب السد العالي في مصر.. الأربعاء الماضي زار المسؤول الأثيوبي الرفيع ولايتين سودانيتين برفقة الرئيس البشير ووقع في ختام الزيارة على (13) اتفاقية في عدة مجالات حيوية.. الزيارة تضمنت افتتاح الرئيسين للخط الناقل للكهرباء بين السودان واثيوبيا في ولاية القضارف السودانية الحدودية بطول (321) متراً، وتبلغ قدرة هذا الخط (300) ميغاواط ومن المقرر أن يشتري السودان عبره بشكل مبدئي (100) ميغاواط من الكهرباء.. وتجاوز استهلاك السودان العام الماضي الالفي ميغاواط، ولم يستطع سد مروي الذي أفتتح في مارس 2009 تغطية حاجة البلاد رغم أنه ينتج السد طاقة كهربائية تقدر بحوالى 1250 ميجاوات وهي تزيد على ثلاثة أرباع الطاقة المنتجة في البلاد قبل إنشائه. هذا الحراك الأثيوبي – السوداني لاشك يثير حفيظة القاهرة التي كانت قد اثارت جدلاً واسعاً حين بدأت اثيوبيا بتحويل مجرى النيل الأزرق في مايو الماضي لبناء سد الألفية أو سد النهضة، البالغة قدرته (6) الاف ميغاواط والذي سيكون الأكبر في افريقيا عند انجازه في 2017.. البعض يقول أن (الهرولة) الأثيوبية تجاه السودان تحمل رسائل موجه إلى كل من مصر وأريتريا؛ فأثيوبيا تريد الحيلولة دون أي تاثير سلبي على السودان بشأن سد النهضة الذي تخشى القاهرة من أنه يأتي على حساب مخزونها المائي وهذا خط أحمر، وكذلك الاطمئنان أكثر على موقف السودان المؤيد لقيام السد المثير للجدل، بل أن البعض نظر إلى تصدير الكهرباء الأثيوبية للسودان باعتباره (رشوة) أو (عربون محبة). وتقول مصر ان "حقوقها التاريخية" على النيل تضمنها معاهدتان عام 1929 و1959 منحتاها (87%) من مياه النيل وحق الاعتراض على تطوير مشاريع على مجرى النهر. بيد أن اتفاقية جديدة وقعتها دول حوض النيل بمن فيها اثيوبيا (عدا مصر والسودان) في 2010، تسمح للدول بالعمل على مشاريع على مجرى النهر دون موافقة مسبقة من القاهرة.. أديس أبابا تريد كذلك أن تقول لأريتريا المجاورة التي دخلت معها في حرب ضروس أن علاقاتها مع السودان أقوى وقائمة على المصالح، ومعروف أن هناك تنافسا (أثيوبي – أريتري) على توثيق العلاقات مع السودان، وتسعى أثيوبيا لتعويض فقدانها للمنفذ البحري عبر أريتريا بإقامة علاقات قوية مع السودان الذي يهيئ لها الآن منفذا على البحر الأحمر فضلا عن وجود حوالي ثلاثة ملايين أثيوبي في السودان. السودان من جانبه ظل يعمل على تطمين كل من مصر وأريتريا من خلال تأكيده على أن العلاقات مع اثيوبيا لا تأتي لا على حساب مصر ولا على حساب أريتريا، وقال البشير تزامنا مع زيارة ديسالين للسودان أنه لا دوافع سياسية وراء موقف بلاده المؤيد لبناء سد النهضة في اثيوبيا، مؤكدا الفوائد الاقتصادية للسد على دول المنطقة. معلوم أن السودان عاتب من موقف مصر بعد اكتمال بناء السد العالي في العام 1970م حيث يرى أنها لم تلتزم بنصيب السودان من كهرباء السد العالي السد العالي الذي ينتج (2100) ميغاواط من 12 توربينة سعة الواحدة 175 ميغاواط. ومع ذلك لم يتسلم السودان حتى اليوم ولا ميغاواط واحد من الكهرباء. يشار إلى أن بناء السد العالى في مصر أدى إلى إغراق (24) قرية سودانية وتدمير مليوني نخلة وتهجير آلاف السكان. والحقيقة تقول أن الرجل الذي يتزوج ثلاث زوجات ولا يستطيع الاستغناء عن إحداهن عليه أن يكون عادلا وحصيفاً. والسودان لن يستطيع التضحية بعلاقاته بمصر أو أريتريا ويكتفي بأثيوبيا وعليه أن ينتهج نهجا محكما في التعامل مع الدول الثلاث (مصر، أريتريا وأثيوبيا)؛ فالعلاقات مع مصر علاقات استراتيجية وتاريخية ربما تأثرت سلبا بعدم استقرار الأوضاع الآن في مصر لكنها تظل علاقات ذات خصوصية بالغة، أما أريتريا فلها تداخل قبلي واجتماعي بالغ التعقيد مع السودان كما أن لها أدوارا معروفة في تفاعلات الداخل السوداني السياسية ويحسب لها توقيع اتفاقية سلام شرق السودان التي أنهت تمردا مسلحا في شرق البلاد، وقد جاءت زيارة ديسالين بعد اسبوع على زيارة الرئيس الأريتري أسياس افورقي، مدينة بور سودان الواقعة على البحر الأحمر حيث افتتح مع الرئيس البشير مهرجانا سياحيا هناك. كذلك فإن أثيوبيا بالاضافة لأهميتها الاقتصادية للسودان فإنها لعبت وما زالت تلعب أدوارا مهمة على صعيد العلاقات بين السودان ودولة جنوب السودان فضلا عن أن لديها قوات ترابط في المناطق المتنازع عليها تقدر بحوالي (6) آلاف جندي. [email protected]