جلستُ مصادفةً في إحدى المناسبات الاجتماعية في عطلة نهاية الأسبوع الماضية، بالقرب من أحد رجال الأعمال السودانيين الذين لم تكن لي بهم سابق معرفة، ولكن علمت في مستهل حديثه معي، أنه يعرفني من خلال الوسائط الصحافية والإعلامية منذ أن كنت في صحيفة "الشرق الأوسط اللندنية"، إضافةً إلى ظهوري في بعض الفضائيات العربية. وبعد قليل وقتٍ أمضيناه في التّعارف، حدثني عن رواندا وجمالها، وضرورة زيارتها، باعتبار من الدول الصاعدة في المجالات كافة، ولا سيما في مجال جذب الاستثمار، بحكم أنه لديه فيها بعض الاستثمارات. وقال محدثي إن رواندا تقدمت كثيراً عن نظيراتها من الدول الأفريقية، في معايير الشفافية، ومكافحة الفساد، ونظافة البيئة، وفي تهيئة بيئة نظيفة وخدمات متميزة في جذب السُّيّاح، حيث أنها أصبحت دولة سياحية تنافس دول عُرفت بمناخاتها وخدماتها السياحية. وبالفعل بعد أن شجعني محدثي على قراءة بعض المعلومات العامة عن رواندا، والوقوف قليلاً متأملاً في خارطتها السياحية والاستثمارية، وجدتُ أن رواندا في العام 2007، أيّ بعد مرور 13 عاماً على إنتهاء الإبادة الجماعية، خطت خطوات مهمة في طريقها لإعادة البناء داخلياً، لكنها لا تزال تعاني من آثار تلك الفترة. لقد خلّفت الإبادة الجماعية آثاراً ضارة، وتداعيات سالبة على كل قطاعات المجتمع الرواندي. وقد عملت حكومة ما بعد الإبادة الجماعية جاهدةً، لإحداثِ تقدمٍ ملحوظٍ من خلال جهودها لإحلال سياسة "الاتحاد والمصالحة". ويأتي ضمن هذه الجهود، كما قال لي محدثي، نظام (الغاكاكا)، وهو شكل من أشكال العدالة مُستوحى من التقاليد والأعراف الرواندية. وقد تم تأسيس هذا النظام للتعامل مع مئات الآلاف من الأشخاص المتهمين بالجرائم أثناء الإبادة الجماعية. وعملت الحكومة على إدخال إصلاحات قانونية، وشجعت مواطنيها على المشاركة في الحكومة، والعمل على زيادة النمو والاستقرار الاقتصادي، وتبني دستور جديد، يكفل الحريات، ويراعي الحقوق كافة للمواطن الرواندي. وقد حدثت أول انتخابات بعد الإبادة في أغسطس 2003، وأسفرت عن فوز الجنرال السابق في الجبهة الوطنية بول كاجامي بفترة رئاسية مدتها سبع سنوات، ثم جُدد له لفترة رئاسية ثانية، لسبع سنوات أُخرى، تنتهي في العام 2017. ومجمل القول، إن رواندا أصبحت دولة تستقطب السُّياح، وتجذب المستثمرين. ولقد تخطت فيها الاستثمارات الأجنبية حاجز المليار دولار أميركي ويزيد، في غضون العام الواحد. وجاءت الاستثمارات السياحية هي الأعلى جاذبيةً للمستثمرين الأجانب في رواندا خلال العام الماضي، بإجمالي وقدره 327 مليون دولار أميركي، وتلتها استثمارات قطاع الطاقة والمياه، بإجمالي قدره 165 مليون دولار أميركي، فيما استحوذت استثمارات قطاع التشييد والبناء على 165.5 مليون دولار أميركي. ونال القطاع الصناعي استثمارات قدرها 150 مليون دولار أميركي، والقطاع الزراعي 137 مليون دولار أميركي، وكان اتجاه الاستثمارات الأخرى المتبقية من نصيب قطاعات التعدين والمناجم والخدمات. أخلص إلى أن محدثي، أوضح لي أن رواندا استطاعت بعد التخلص من مرارات الإبادة الجماعية التي حدثت بين الهوتو والتوتسي، العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية بسن تشريعات وقوانين للاستثمار يسرت للمستثمرين فرصاً وإمكانات للاستثمار في هذا البلد الناهض من ويلات الصراعات الدموية والإبادات الجماعية. إذ أن رواندا تسمح بدخول الأجنبي المستثمر بأسرع مما يتوقع، وأن متطلبات وإجراءات الاستثمار فيها، يمكن الانتهاء منها خلال بضع ساعات. وأن المسؤولين الروانديين عن الاستثمار يستهدفون جذب استثمارات لبلدهم بأيسر السبل وأبسط الإجراءات. وأحسب أن هذه دروس مهداة من رواندا عن كيفية جذب الاستثمارات الأجنبية إلى ذلكم البلد، إلى المجلس الأعلى للاستثمار في السودان للاستفادة من هذه الدروس، بإحداث مقاربة تيسر الإجراءات والمتطلبات للاستثمارات الأجنبية، حتى وإن أعدنا النظر في تشريعاتنا وقوانينا المتعلقة بالاستثمار. وأظن، وليس كل الظن إثماً، أن الأخ الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل وزير الاستثمار السوداني، في حاجة ماسة إلى النظر بعين الاعتبار في التجربة الرواندية في ما يخص الاستثمار، ليتسنى له ولأعوانه العمل جاهدين إلى الاستفادة القصوى من هذه التجربة الرواندية الناجحة في جذب الاستثمارات الأجنبية.