بحضور وزير الداخلية ومدير الجمارك.. ضبط (141) كيلو جرام من مخدر الآيس    رئيس نادي المريخ السوداني يكتب تدوينة متفائلة قبل مواجهة فريقه المصيرية أمام الجيش الملكي    شاهد بالفيديو.. أموال طائلة "مشتتة" على الأرض بإحدى الطرق السفرية في السودان ومواطنون يتسابقون على جمعها ويفشلون بسبب كمياتها الكبيرة    شاهد بالفيديو.. على أنغام "سوي كدة لمن يسحروك".. الفنانة هدى عربي تشعل مواقع التواصل بوصلة رقص مثيرة خلال حفل زواج أسطوري بالقاهرة وشاعر الأغنية يكتب لها: (الله يفرحك زي ما فرحتيني)    شاهد بالصور.. الشاعرة داليا الياس تخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات وسط جنود الجيش: (أنا زولة بحب الجيش جداً وأي زول بيعرفني كويس عارف إني كنت شرطية في يوم من الأيام)    السودان تزايد الضغوط الدولية والبحث عن منابر جديدة للتسويف    على مراكب الغباء الكثيرة الثّقوب: دولة 56 والحمولات القاتلة    ارتفاع معدل التضخم إلى 218% في أغسطس    شاهد بالصورة.. من أرض المعركة إلى أرض الملعب.. مستنفر بالقوات المسلحة يوقع في كشوفات أحد الأندية الرياضية وهو يرتدي الزي العسكري    شاهد بالصور.. الشاعرة داليا الياس تخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات وسط جنود الجيش: (أنا زولة بحب الجيش جداً وأي زول بيعرفني كويس عارف إني كنت شرطية في يوم من الأيام)    "يقابل بايدن وهاريس" الذكاء الاصطناعي والاقتصاد وغزة والسودان.. "أولويات" في زيارة بن زايد لواشنطن    موجة الانفجارات الجديدة في لبنان تشمل الهواتف وأجهزة البصمة وأجهزة الطاقة الشمسية وبطاريات الليثيوم    وزير الداخلية المكلف يلتقى بمكتبه وفد تنسيقية الرزيقات بالداخل والخارج    عاد الفريق حسب الي مكتبه برئاسة الجمارك .. ويبقي السؤال قائماً : من يقف وراء مثل هذه القرارات؟    المريخ يواصل التدريبات وعودة قوية الي رمضان    عثمان جلال: الواثق البرير ما هكذا تورد الإبل    أطهر الطاهر ضحية الانتقادات الإعلامية والجماهيرية    (كونوا بخير ياأسياد فكل المخاوف في هلالكم أمان)    نقل الرئيس السابق ورفاقه الى مروي لتدهور حالتهم الصحية    والي الخرطوم: تلقينا طلبات من منظمات لاعادة اعمار الولاية    توضيح من شرطة ولاية نهر النيل    هل تنقذ المدرسة الإيطالية أحلام رونالدو؟    باليوم والتاريخ وتحت شعار "وداعاً لن ننساكم".. قائمة طويلة بأسماء مشاهير سودانيين "شعراء وأدباء وفنانين ولاعبي كرة وسياسيين" بلغ عددهم 43 شخص فارقوا الحياة بعد نشوب الحرب في السودان    نصيحة لصلاح.. ستصبح "الأفضل" في تاريخ ليفربول    شاهد بالفيديو.. الكوميديان محمد جلواك يسخر من الحسناء "لوشي": (أنا الحمدلله بي أولادي انتي شوفي ليك "شوكلاتة" أزرعيها) وساخرون: (ضربو يا حكم)    حادث درنة الليبية.. مصرع 11 عاملًا مصريًا وإصابة 15 آخرين .. تفاصيل    خروج 8 من ماكينات غسيل الكُلى عن الخدمة بمستشفى المُجلد المرجعي    التعادل السلبي يحسم قمة مانشستر سيتي وإنتر ميلان في دوري أبطال أوروبا    وزير المالية الإتحادي يواجه ما يمكن تسميته بتضييق مساحات الحركة واللعب    هل يمكن تفجير الهواتف المحمولة مثل "البيجر"؟.. خبير "تكنولوجيا" يجيب    ضبط بكاسي تحمل كربون نشط ومواد    العلاج الوهمي.. مخاطبة العقل لمقاومة الأوجاع    محجوب فضل بدري: أنقذو عبد الرحيم    تمشيط أحياء واسعة بالأبيض من قبل قوات العمل الخاص    دراسة تكشف التغيرات بدماغ المرأة خلال الحمل    الشاعر والحرب.. استهداف أزهري أم القصيدة؟    وفاة الموسيقار حذيفة فرج الله    إدانة رجل في هونغ كونغ.. بسبب قميص "مثير للفتنة"    شيخوخة السكان.. كيف أثرت على اتجاهات شركات الأغذية؟    المرصد السوداني يدين قصف طيران الجيش للمدنيين وتدمير البنى التحتية    ترامب: خطاب بايدن وهاريس هو السبب في إطلاق النار عليّ    جابر يوجه بتكثيف العمل فى تأهيل طريق القضارف الحواتة    متحور جديد لكورونا يثير المخاوف.. هذه أبرز أعراضه    شاهد بالفيديو .. "شالو نومنا وشالو نعاسنا شالو روحنا وشالو انفاسنا" أداء رائع بمصاحبة الكمان    حوجة البشرية للاقتصاد الاسلامي، وقصة إنشاء بنك فيصل الاسلامي    ضحايا ومصابون بحادث تصادم قطارين في الزقازيق    500 يوماً مناصفة بين مناطق الجيش والدعم السريع (5)    القضية هزّت البلاد..محكمة تركية تصدر قرارها    لجنة أمن ولاية الخرطوم تؤكد إستقرار الوضع الجنائي وتتخذ تدابير لمكافحة الظواهر السالبة    ترامب: المناظرة أمام هاريس لم تكن منصفة بحقي    الداخلية السودانية تصدر قرارا    الحرب وتضخم الأسعار    مساعد البرهان يبشّر بتشغيل باخرة نيلية بين السودان ومصر    القبض على سعد الصغير في مطار القاهرة    دار الإفتاء توضح حكم التطوع بالصيام فرحا بمولد النبى الكريم    نُذُرُ الموت    مصطفى ميرغني: جنازة الخوف    أبناء المهاجرين في الغرب وتحديات الهوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غير هذي الدماءِ نبذلها .... كالفدائي حين يُمتَحنُ .. كتب/ صلاح الباشا من السعودية
نشر في سودانيل يوم 03 - 01 - 2014


*******************
شهدت بلادنا خلال الاسبوع المنصرم زخما اعلاميا كبيرا بذكري الاستقلال التي تحمل الرقم ( 58 ) من الحكم البريطاني والذي غادر بلادنا طواعية وليس حربا ، ولم تسيل فيه دماء مطلقا ، أي كان استقلالا انسيابيا كمياه الري بمشروع الجزيرة التي تنطلق عبر الترعة الرئيسية من خزان سنار الي داخل المشروع لتتفرع منها الترع والقنوات حتي جداول ( أب ستة ) الصغيرة التي تسقي الحقول وتجري داخل سرابات القطن طويل التالي الفاخر الذي غادرنا وربما الي غير رجعة مثلما غادر الاستعمار بلادنا في اول يناير 1956م . والفرق بين المغادرتين هو ان الاستعمار غارد بلادنا بفضل نضال قيادات العمل السياسي حينذاك ، اما مغادرة القطن لبلادنا كان بفضل غابء قيادات العمل السياسي حينئذن ، فالفرق بين كلمتي ( حينذاك وحينئذن ) كفرق الليل والنهار ، فأولئك قد زادوا نهارنا سطوعا ، وهؤلاء قد زادوا ليلنا سواداً . فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟؟؟؟
فالكل يعلم بأن السودان قد نال إستقلاله من الإستعمار الإنجليزي في تنفيذا لقرار البرلمان السوداني الصادر بإجماع نوابه في جلسة 19/12/1955م التاريخية ، حين سار النواب من مبني البرلمان القديم بشارع الجمهورية الواقع مقابل القنصلية المصرية - مقر المجلس التشريعي لولاية الخرطوم حاليا - ساروا في موكب مهيب يتقدمه الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري وزير الداخلية وقتذاك وبجانبه الأستاذ محمد احمد محجوب المحامي وزعيم المعارضة في برلمان 1954م ، حيث لم تصبح الحكومة السودانية مستقلة بعد ، حتي وصلوا إلي قصر الحاكم العام والذي يسمي الآن بالقصر الجمهوري ، لتقديم مذكرة للحاكم العام الإنجليزي يخطرونه بقرار مجلس النواب بإعلان إستقلال السودان من داخل البرلمان ، فماكان من الحاكم العام إلا أن يستلم المذكرة ويرفعها إلي حكومة جلالة الملكة اليزابيث في بريطانيا ، فقرر بريطانيا الموافقة علي منح شعب السودان إستقلاله ، وقد تحدد تاريخ الفاتح من يناير 1956م هو اليوم الرسمي لإعلان الإستقلال وإنزال علمي دولتي الحكم الثنائي ورفع علم السودان السابق بألوانه الثلاثة علي سارية القصر الجمهوري ، وقد ظل التلفزيون يبرز ذلك الحدث في كل عام تخليدا لتلك الذكري .
ولكل ذلك ، فإننا نخصص هذه الصفحة لعرض ملامح طفيفة علي أناشيد الحركة الوطنية التي كتبها شعراء السودان في زمان الإستعمار الإنجليزي ، وأيضا بعدما نالت البلاد إستقلالها مستصحبين معنا حلو الذكريات العطرة ، ومبتدرين الذكري في زمان سابق مع صاحب نشيد الإستقلال الأستاذ الدكتور محمد وردي – عليه الرحمة - والذي كان ان سرد لنا بعض ذكرياته حول نشيده الخالد حين سألناه أن يتحدث عن قصة النشيد المعروف والذي يتم بثه دوما في الذكري السنوية لإستقلال البلاد ، فذكر بأنه كان يلتقي كثيرا ومنذ سنواته الأولي في طريق الفن بالأدباء والشعراء من طلاب جامعة الخرطوم في ذلك الزمان إلي ان أعطاه ذلك النشيد أحد أولئك الشعراء من طلاب الجامعة وهو عبدالواحد عبدالله ، من أبناء القضارف وقد كان طالبا بكلية الآدب ، وكان ذلك في العام 1961م ، إبان فترة الحكم العسكري الأول بقيادة الفريق إبراهيم عبود التي إمتدت من 17/11/1958م وحتي قيام إنتفاضة أكتوبر الشعبية في 21/10/1964م حيث تنازل عن الحكم بخطاب معروف ومتوازن ووطني جداً في أمسية الأربعاء 28/10/1964م .
وحين سألنا الأستاذ وردي عن الطلاب الشعراء بالجامعة وقتذاك من هم ؟ أفاد بأنهم الذين شكلوا فيما بعد بسنوات قليلة مجموعة الغابة والصحراء كنموذج لإنصهار الثقافة السودانية التي تجمع مابين العروبة والأفريقانية ، وأضاف وردي : أذكر منهم محمد المكي إبراهيم الذي أعطاني بعد إنتفاضة أكتوبر نشيد ( اكتوبر الأخضر – ومن غيرنا يعطي لهذا الشعب) وكذلك أذكر الشاعر الراحل والطالب وقتذاك ( علي عبد القيوم ) الذي تغنيت له بنشيد ( نحن رفاق الشهداء واغنية بسيماتك تخلي الدنيا شمسية ) .
وعن الشاعر صاحب نشيد الإستقلال والمشهور بمقدمته ( اليوم نرفع راية إستقلالنا ) وهو عبدالواحد عبدالله فإنه قد سبق له أن عمل بوزارة الإعلام ، وقد تم إختياره كمدير عام للإذاعة السودانية في فترة السبعينات في زمان حكم الرئيس الراحل جعفر نميري ، وبعد أن نال الأستاذ عبدالواحد درجة الدكتوراة ، إلتحق بهيئة اليونسكو UNESCO التابعة للأمم المتحدة في مقرها الدائم بباريس ، وإصطلاح يونسكو هو إختصار لإسم المنظمة الطويل وهو ( منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ) . وبعدها إنتقل الدكتور الأديب عبدالواحد عبدالله من اليونسكو بباريس للعمل خبيرا باحدي دول الخليج حتي اللحظة .
يقول الأستاذ وردي بأن عمر هذا النشيد حتي العام الجديد هذا 2011م والذيث حاورناه فيه ، قد اكمل خمسين عاما بالتمام والكمال ، حيث ظهر إلي الوجود عبر الإذاعة السودانية في 1/1/1961 أي قبل ظهور التلفزيون الذي بدأ بثه بالعاصمة فقط في العام 1963م حين كان الراحل اللواء محمد طلعت فريد وزيرا للإستعلامات والعمل قبل أن تسمي لاحقا بوزارة الإعلام ، ثم تم إنشاء التلفزيون في الجزيرة ووصلها الإرسال في العام 1972م في عهد وزير الإعلام الراحل العميد (م) الأديب عمر الحاج موسي
غير أن الأستاذ وردي ذكر بأن النشيد لم يسبق إيقافه من البث عبر الأجهزة في كل العهود ، إلا في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري في الأعوام 1971/1973 م حين كان وردي في المعتقل السياسي بسجن كوبر إثر فشل حركة الرائد الراحل هاشم العطا العسكرية ، ثم إطلق سراح النشيد وبقية أعمال الأستاذ وردي مع نهاية العام 1973م إثر إجتماع سري بين الرئيس نميري ومحمد وردي بمبني وزارة الإعلام ذات مساء وبترتيب مسبق من الراحل الأستاذ احمد عبدالحليم الذي كان يعتلي مقعد وزارة الإعلام في ذلك الزمان .
فالتاريخ السياسي السوداني ومنذ العشرينات من القرن العشرين ظل يكتنز بالعديد من الاعمال الشعرية التي تمجد نضال الشعب ضد المستعمر وتعلي من قيمة الروح الوطنية ، وقد ظلت الأحداث السياسية منذ بزوغ فجر الحركة الوطنية قبل وبعد الفتح الإنجليزي للسودان في العام 1898م تلهم أهل الفن شعراء ومطربين منذ قديم الزمان ليوظفوا مواهبهم الفنية لخدمة قضايا هذا الشعب والوطن ، وفي مقدمة أولئك يأتي الفنان الوطني الكبير حسن خليفة العطبراوي وقد وضع تلك القضايا الوطنية نصب عينيه وهو يري منذ ريعان شبابه وبحسه الوطني العالي كيف كان عمال السكة الحديد في عطبرة يسيرون التظاهرات في ميدان المولد هناك ضد المستعمر الذي أرهق مناضلي المدينة وأهلها كثيراً ، فكانت تلك التظاهرات هي التي ألهمته عند توظيفه لموهبته الغنائية والموسيقية توظيفاً متقدماً ليخرج للجماهير تلك الأناشيد الخالدة التي سكنت الوجدان تماماً من خلال أكبر مجال وهي الليالي السياسية والإجتماعية بعطبرة والدامر .
وحين تأسس مؤتمر الخريجين ، ظلت عطبرة تحتفي بذلك الحدث الوطني ضد المستعمر ، والتظاهرات تلهم الجماهير الثبات والنضال ، فأخرج حسن خليفة من خلال تلك الأجواء الوطنية الباهرة تلك الأنشودة الرائعة والصامدة حتي اللحظة ، والتي ستحافظ علي ذات ألقها وقوة طرحها بما ظلت تكتنزه مفرداتها من إفتخار بالحس الوطني عالي المقام ، فجاءت إلي الوجود في العام 1943 والحركة الوطنية تتوثب إلي إثبات ذاتها في خارطة السياسة السودانية ، جاءت أنشودة ( أنا سوداني أنا ) والتي كتبها الشاعر الأستاذ محمد عثمان عبدالرحيم وهو علي قيد الحياة الآن بمدينة رفاعة في شيخوخته الهادئة بين ابنائه واحفاده وحفيداته ، حيث أطلت القصيدة وهي تمتليء بمفردات كبيرة المعني ، قوية الطرح ، تلهم الروح الوطنية لكل من يستمع لها بلحن حسن خليفة وبصوته الواضح المعالم والمتمدد عشقاً لتراب هذا الوطن وقد كان التركيز في مخارج الصوت واضحا
كل اجزائه لنا وطنٌ..
إذ نباهي به ونفتتنُ
نتغني بحسنه ابداً..
دونه لايروقنا حسنُ
لو هجرناه فالقلوب به ..
ولها في ربوعه سكن ُ
نتملي جماله لنري..
هل لترفيهِ عيشه ثمنُ
غير هذي الدماءِ نبذلها..
كالفدائي حين يُمتَحنُ
بسخاءٍ بجرأةٍ بقويً..
لا يني جهدها ولا تهِنُ
تستهينُ الخطوبُ عن جلدٍ..
تلك تنهالُ وهي تتزنُ
أنا سوداني أنا ، أنا سوداني أنا
نعم ... أتي ذلك النشيد يهز أركان الوطن كله بما طرحه من مضامين تخاطب الروح الوطنية في ذلك الزمان الذي شهد بدايات حركة الخريجين ، ماقاد إلي إنتباه السلطات البريطانية لمتابعة مايفعله إنشاد ذلك الشاب – حسن خليفة - المتفجر وطنية وقوة بأس وعدم تردد في زمن كانت الكلمة الرمزية الواحدة يعمل لها الإستعمار ألف حساب منذ عهد صاحب شعر الرمزية الأول فنان الشعب ( خليل فرح ) والذي سوف نتناول توثيق سيرته قريباً ، فمابالك بنشيد كامل تصحبه الموسيقي والإيقاع والطبل وترديد الجماهير له في كل محفل وجلسة ونادي .. فكان لابد من أن يدخل بسببه العطبرواي سجن المديرية في الدامر ... وبعد رحيل العطبراوي ظلت الفنانة أسرار محمد بابكر تؤدي ذات النشيد عبر الإحتفاليات القومية وبطريقة رائعة جداً .
كان للسودان دورٌ مشرفُ في مناصرة شعوب العالم المستضعفة وقد ظل يجاهر بذلك دون تحفظ أو وجل . فلذلك ليس من المستغرب أن تقف كل شعوب قارة أفريقيا والأمة العربية والدول اللاتينية معجبة بدور السودان في المنطقة في ذلك الزمان الوضيء من تاريخه مع السودان .
لذلك لا غرابة في أن تندهش شعوب العالم العربي والأفريقي والأسيوي وأمريكا اللاتينية وهي تري بلادنا تفتقد ذلك الالق الكبير الذي عرفت به وسط شعوب المنطقة العربية والافريقية وحتي العالمية .
والآن لابد من تبيان دور الفن السوداني الأصيل في خدمة قضايا شعوب العالم المستضعفة لنري كم كان أهل السودان ومبدعوه ينشدون ويتغنون لتلك القضايا منذ عقود طويلة .. مايؤكد علي حيوية الشعب السوداني وتميز مبدعيه منذ قديم الزمان .
فكيف لنا ألا ننسي رائعة الأستاذ الشاعر والدكتور د. تاج السر الحسن الذي رحل مؤخرا عن الدنيا والتي كتبها في زمان باكر وقد كان شاباً في مرحلة الطلب الجامعي ويعيش إنتشاءات وآمال ومفاصل نضالات حركات التحرر الوطني من ربقة الإستعمار إبان سنوات الخمسينات الذي إشتاق ذات الإستعمار الآن للعودة لها في قالب جديد ، مستفيدا من التنوع الذي تزخر به بلادنا منذ آلاف السنين .
وقد تغني بتلك الأنشودة الخالدة الأستاذ عبدالكريم الكابلي في زمان باكر أيضاً من مسيرته الفنية الطويلة بالمسرح القومي بام درمان ولأول مرة أمام الرئيس عبدالناصر في عام 1960م حين زار السودان في زمان حكم الرئيس الراحل الفريق إبراهيم عبود .. فجاءت هذه المقاطع المتميزة : ( عندما أعزف ُ ياقلبي.. الأناشيد القديمة ..ويطل الفجر في قلبي.. علي أجنح غيمة)
يا صحابي فأنا .. مازرتُ يوما أندونيسيا
أرض سوكارنو .. ولا شاهدتُ روسيا
غير أني والسنا .. في أرض أفريقيا الجديدة
والدُجي يشربُ .. من ضوء النجيمات البعيدة
قد رأيتُ التاسَ في قلب الملايو..
مثلما شاهدتُ جومو ..
ولقد شاهدتُ جومو ..
مثلما إمتد كضوءِ الفجر يوم ُ
والآن يعيد التاريخ نفسه وبذات الملامح .. ليتمدد عطاء الفن لخدمة قضايا السودان وهو يخوض أشرس المعارك للحفاظ علي وجوده .. لذلك كان الفن .. وكان الإبداع .. وكان المبدعون الذين يلهمون شعبنا الصمود والتحدي والتصدي معاً .. فجاءت هذه الوقفة من شباب بلادي للحفاظ علي السيادة الوطنية وشرف أهل السودان والتي أثبتت علي حيوية الشعب السوداني .. وبمناسبة حيوية شعبنا هذه والتي ظل يتمتع ويتميز بها .. تستحضرني هنا مقولة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حين زار الخرطوم عقب نكسة حزيران/يونيو 1967م لحضور مؤتمر القمة الذي خرج بلاءاته الثلاثة المعروفة ( لا صلح ولا تفاوض ولا إعتراف بإسرائيل إلا بعد خروجها من الأرض المحتلة ) .. فقال ناصر للصحافة العربية والعالمية : بأن حيوية الشعب السوداني قد أدهشته وشدت من أزره تماماً برغم أن الصحف العالمية كانت تقول أن الخرطوم قد خرجت لإستقبال القائد المنهزم .. فكتب له وقتذاك أبوآمنه حامد وتغني ايضاً كابلي:
وإلتقت نهضتنا بالعرب ِ .. يوم صافحنا جمال العرب ِ .. أنت ياناصر في أرضي هنا .. لست بالضيف ولا المغترب .
ألم يكتب الصحافي والشاعر الراحل مرسي صالح سراج في زمان بعيد مضي ليتغني بها وردي ذات يوم ( نحن في الشدة ِ بأسُ ُ يتجلي .. وعلي الود نضُّم الشملَ أهلاً .. ليس في شرعتنا عبدُ ُ ومولي ).
إذن .. فلنردد مع الفيتوري ووردي تارة أخري غنائنا القديم العريق الخالد ونحن نشهد الآن صمود الخرطوم كعادتها عند الشدائد : ( أبداً ما هُنت يا سوداننَا يوماً علينا .. بالذي أصبح شمساً في يدينا ..وغناءً عاطراً تعدو به الريح ... فتختال الهوينا يابلادي.. من كل قلب يابلادي).
ولودالقرشي والشفيع .... إسهامهما الواضح في الغناء ضد المستعمر
فمن منا لايذكر ذلك النشيد الذي لازالت أصداؤها تتردد حتي بعد إنتقال صاحبيه إلي الرفيق الأعلي ، وقد كتبه الشاعر والملحن في ذات الوقت ( محمد عوض الكريم القرشي ) الذي كتب أكثر من 90% من غناء عثمان الشفيع ، وقد أدي الشفيع ذلك النشيد إبان سطوة الإستعمار الإنجليزي في الحفلات العامة وفي المدارس إلي أن تم إعتقاله في نهاية أربعينات القرن الماضي وتم إنذراه رسميا بتعهد منه بعد ترديده، تماما مثلما كان قلم المخابرات البريطانية في السودان يتتبع أي أعمال غنائية تتحدث عن الوطن والوطنية وتشحذ الهمم علي مقاومة الإستعمار .
فقد كان نشيد ( وطن الجدود .. نفديك بالأرواح نجود .. وطني ) يعمل فعل السحر في أوساط شعب السودان ومثقفيه وطلابه وعماله ومزارعيه ، لذلك ظلت تجمعات الطلاب في الثانويات وفي الجامعة تنشده بلا تحفظ داخل أسوار معاهدها في مهرجاناتها العامة السنوية .
كما أردفه ودالقرشي والشفيع بعمل وطني آخر هو ( جنود الوطن ) ، غير أن قوة نشيدهما الأول ( وطن الجدود ) كان الأكثر إنتشاراً حتي اللحظة .
وخليل فرح قد سبق الجميع ... والبلابل يعدن مجد نشيد الشرف الباذخ
والعديد من المتابعين يتذكرون تلك الأغنية الوطنية المعروفة التي قام الموسيقار بشير عباس بإعادة توزيعها موسيقيا في العام 1972م ، حيث ظلت مجموعة البلابل تؤديها منذ ذلك الزمان ، وهي أنشودة ( الشرف الباذخ) ، غير أن البعض يعتقد بأن الأغنية هي من التراث الذي لا يعرفون له شاعر محدد أوشاعرة معينة ، غير أننا نؤكد هنا بأن نشيد الشرف الباذخ قد كتبه وتغني به الشاعر والمغني الوطني الراحل خليل فرح إبان سطوة الإستعمار وإشتداد حركة المقاومة الوطنية منذ العام 1921م حتي رحيل خليل فرح في العام 1932م وقد مات وهو في الثامنة والثلاثين من عمره .
كان ذلك النشيد وبلغته البسيطة يعبر عن آمال وطموحات الشعب السوداني في الإستقلال ، لكن إرادة الله شاءت أن يرحل الفنان الوطني الخليل قبل أن يري بلاده التي أحبها قد نالت الإستقلال بعد 24 عاما من رحيله . ولنا أن نعيد بعض مقاطع ذلك النشيد الذي يشتمل علي شحنات عالية من الحس الوطني الدفاق :
نحن ونحن الشرف الباذخ
دابي الكر شباب النيل
**
من تبينا .. قمنا ربينا
ما إتفاسلنا قط بقليل
ده ود عمي ... وده ضرب دمي
إنت شنك .. طفيلي دخيل
**
قوم وقوم كفاك يانايم
قوم وشوف حداك ياهايم
مجدك طلَّ .. وشرفك ولّي
وإنت تزيد ... زيادة النيل
**
إذن .... كان الخليل وبحسه الوطني المتقدم ، يري ملامح الصمود سوف تشتعل ، حيث شهد عهده قيام جمعية اللواء الابيض في العام 1924م ، برغم أن الخليل كان من مؤسسي جمعية الإتحاد السوداني في الأعوام 1920/1921م كإنعكاس وتأثر بثورة عام 1919م بالشقيقة مصر ضد الوجود البريطاني في مصر وبقيادة زعيمها الوطني سعد زغلول زعيم الوفد في ذلك الزمان.
ومنذ لك الحين .. بدأ المبدعون الوطنيون من أهل السودان يحثون علي رفع وتيرة الإحساس الوطني لدي الجماهير بإنشادهم الوطني عالي المقام . ورويدا رويدا ، تكونت الجمعيات ومؤتمرات الخريجين وتشكلت التكوينات الأولي للأحزاب السودانية ، فالنقابات المهنية ، حتي تحقق إستقلال السودان في 1/1/1956م فأتي الإستقلال سالما ً تماماً( كالصحن الصيني.. من غير شق أو طق ) كما قالها الزعيم الأزهري في خطاب الإستقلال .
وكل عام وأهل السودان في كل الدنيا بألف خير وعافية وأمان ،،،،،،،
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.