لكل واحدة من الدول الاعضاء بمنظمة الايغاد ( جيبوتي، ارتريا، اثيوبيا، الصومال، السودان، جنوب السودان، يوغندا، وكينيا) "نفقة" في "شهر" الصراع العسكري والسياسي الدائر الآن في جنوب السودان. لكن فيما يتصل بمصالح القوى الاخرى (الغربية) في جنوب السودان فإن ثمة تباينا في مواقف هذه الدول. فالقوى الغربية التي ظلت تمنح رياك مشار مساحة ظهور واسعة في وسائل اعلامها كانت تجمعها في السابق علاقات تحالف قوية بكل من يوغندا وكينيا. إلا أن لهذين البلدين مصالح داخل دولة جنوب السودان مستلقة عن المصالح الاقتصادية الغربية. مزاعم رياك مشار بالسيطرة على ولاية الوحدة تعزز موقفه في طاولة التفاوض لحل النزاع الحالي. فغالب نفط جنوب السودان يوجد في هذه الولاية. كما تجاور هذه الولاية دولة السودان، ومعروف أن الأنابيب التي تنقل نفط الجنوب تجري عبر أراض السودان. فبمقدور رياك مشار عقد صفقة مع الخرطوم يتمكن بموجبها من حرمان ادارة الرئيس سلفا كير من موردها المالي الاول (95% من موارد الدولة). وبالنظر إلى التقلب في المواقف الذي يميّز تاريخ مشار، فإنه في حال أخفق مشار في ازاحة سلفا كير من رئاسة جنوب السودان، فليس بمستبعد أن يدخل في اتفاق مع الخرطوم يتم بموجبه الاعلان عن قيام دولة مستقلة على تراب ولاية الوحدة تكون حليفة لحكومة البشير في الخرطوم. مثل هذه الخطوة ستشل جنوب السودان اقتصاديا وسياسيا. وفي هكذا وضع يغدو الصدام بين شمال السودان وجنوبه محتما. مثل هذه المغامرات العسكرية ستشغل السودان أكثر عن التعامل مع الحركات المطالبة بتقرير المصير في دارفور والنيل الازرق. والسؤال الذي يجب طرحه هنا هو: هل كان هذا السيناريو قد أعدّ مسبقا من قبل المخططين في واشنطون والذين يشعرون أنهم لم يتربحوا بالقدر الذي كانوا يتوقعونه من وراء دعمهم للحركة الشعبية لتحرير السودان منذ نيل جنوب السودان استقلاله. جارتا دولة جنوب السودان من جهة الجنوب—كينيا ويوغندا—لديهما الكثير الذي ستفقدانه جرّاء تجدد الحرب عند حدودهما الشمالية. فالتحدي الكبير الذي شكله جيش الرب ليوغندا كانت قد خفّت حدّته كثيرا بعد نيل جنوب السودان استقلاله. وهذا ما يفسّر سرعة اعلان الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني عن وقوفه بقوة إلى جانب سلفا كير وتهديده بالتعامل عسكريا مع رياك مشار. كما أن ثمة حديث عن أن فرقة من الجيش اليوغندي تتولى حراسة مطار جوبا الدولي، كما يقال أن هذه القوات اليوغندية ذاتها هاجمت بالقنابل مواقع المتمردين في ولاية جونغلي. إن وجه التناقض في التمرد الحالي يكمن في أن ذات الجيش الامريكي الذي يعاضد الجيش اليوغندي في حملته على جيش الرب يجري استدعاؤه الان لمساندة الايغاد في وقفتها ضد رياك مشار الذي يعتقد كثيرون أنه عميل للغرب. كما ان تعاطف رياك مشار مع جيش الرب اليوغندي واختلافه مع القادة العسكريين من منقطة غرب الاستوائية الذي اتخذوا موقفا عدائيا حيال جيش الرب معروف لدى المراقبين في جنوب السودان. موقف كينيا يبدو الاكثر تعقيدا من بين مواقف بقية جيران جنوب السودان. فقد ظلت كينيا لما يقرب من نصف قرن قاعدة للانشطة الغربية لزعزعة الاستقرار في المنطقة. إلا أن تراكم رأس المال في كينيا في السنوات العشر الماضية منح قادة هذا البلد قدرا من الثقة جعلهم يأنفون من أن يكونوا مجرّد دُمىً بأيدي الغربيين. هذه الثقة الجديدة لدى قادة كينيا البرجوازيين تعزّزت أكثر بفعل الخلافات بين قطاع من القادة الكينيين ومحكمة الجنايات الدولية. لذا فالبرغم من أن موقف القادة الكينيين في السابق كان سيكون على الارجح منسجما مع المصالح العسكرية الغربية وداعما لرياك مشار، ففي هذه المرة يجي الموقف الكيني خادما لمصالح رأس المال الكيني التجاري والمصرفي. إن لكينيا نصيب الاسد من جملة الاستثمارات الاجنبية في جنوب السودان، كما ساهم القادة السياسيون بجنوب السودان في رفع قيمة أسعار العقارات في نيروبي ليضمنوا بذلك ازدهار القطاع المالي الكيني في كل من نيروبي وجوبا. ووفقا للمدير التنفيذي لاتحاد المصارف الكينية، هابيل أولاكا، فإن قائمة الشركات الكينية الكبرى التي تنشط في جنوب السودان تشمل البنك التجاري الكيني، بنك التعاون، إيكوتي بانك، وشركة الخدمات المالية يو أي بي. هناك أيضا مشروعات استثمار اقليمي مستقبلية مثل مشروع Lamu Port-southern Sudan-Ethiopia Transport (LAPSETT) و مشروعات خطوط السكة الحديد الاقليمية المقترحة، والتي ستتأثر سلبا بالحرب الاهلية التي تعصف بأصغر دول العالم سنّا. وتأمل كينيا أن يبيع جنوب السودان صادراته النفطية عبر الموانيئ الكينية، الامر الذي سيحرم السودان من مورد مالي يحتاجه بشدة والمتمثل في رسوم استخدام خطوط الانابيب والمؤاني السودانية. ولهذا فليس من قبيل المصادفة ان يكون الرئيس الكيني اوهورو كينياتا اجهر الناس صوتا بوجوب وقف اطلاق النار في الجنوب. وهذه حالة يتجلى فيها تعارض جلي بين مصالح الولاياتالمتحدة والقادة الكينيين. فكينيا ويوغندا هما الشريكان التجاريان الاكبر لجنوب السودان. إن انزلاق جنوب السودان في اتون حرب اهلية لن يعني حدوث حركة نزوح ولجوء أخرى في المنطقة وحسب، بل سيكون ايضا بمثابة انتكاسة حقيقية لاقتصاديات هاذين البلدين (كينيا ويوغندا). [email protected]