قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم :" ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر". في مسجد المترو ببريتوريا ، صلى بنا الفجر اليوم ، يس الشاب ذو الثمان وعشرين سنة ، الأسود، من مدينة بيترمارسبيرغ ، بالقرب من ديربان . قرأ علينا أمامنا اليوم ، يس ، سورة الحآقة ، حتى إذا جاء في ... فإذا نفخ في الصور نفخةٌ واحدة ... وحُمِلتِ الأرضُ والجبالُ فدكتا دكة ًواحدة ... فيومئذ وقعت الواقعة ... وأنشقتِ السماءُ فهي يومئذٍ واهية ، سمعنا لصوته حنينيا كحنين النحلِ ، يترقّقُ ،ويفخُم ، ويلين، ثم يضيع في هَدْلٍ ومسكنةٍ ونحيب!!! يس ، أعجمي ، لا يفهم من اللغة العربية إلا ما مكَّنه من حفظ القرآن ومعانيه ، ثم دخل الشابُ في عقد مع الله على الإيمان والتُقى والتدينِ حتى صار إمامنا. هارون باندور، الإبن الثالث لإحدى الوزيرات (السود) لجنوب أفريقيا، حاليا ، عمره واحدٌ وعشرون عاما ، ما دخلت المسجد لصلاة الفجر إلا وجدته ، جاثياً على ركبتيه ، رافعا يديه للسماء قبل الصلاة . يأتي هارون هذا للمسجد أحيانا ، بسيارته الهمر ، وتارة بالمرسيدس آخر موديل، ومراتٍ بالبرادو. هارون أيضاً لا يعرف من العربية إلا القليل ، القليل ، لا أدري إن كان يحفظ كامل القرآن أم لا ، ولكني ما ذكرّتُه بكلمتين من القرآن إلا سارع بإتمامها آية . هارون يدعوني ، خالي ، ويتَيّمنُ بكلامي معه باللغة العربية أيُّ ما تَيَمُنْ ، وأنا أصر على التحدث معه بها ، ولكنه بحياء ربات الخدور أشعر به وكأنما يريد أن يفردُ لساني كل ما اتحدث ، ليعرف كيف أنطق بعض الكلمات العاصيات عليه !. يُأمِّنْ هارون ، في الصلاة ، بعد الإمام مباشرة ، آآآميييين ، فقلت دعني اليوم أذكره برأي الألباني ، المحدّثُ ، رحمه الله في التأمين بعد الإمام ، أخذت نفساً طويلاً وأدعيتُ الفتوى ، المسندة للألباني ، فقلت له باللغة الإنجليزية ، يا بني أراك تؤمن مباشرة بعد الإمام فتمهّل إلى أن يؤمن الإمام ، فأمِّن بعده ، وليتني ما قلت !!! ردد هارون ، مسرعا ، كأنما وقع علينا شئ من السماء ، سبحان الله ، سبحان الله ، التي يحب أن يقولها بعد كل قول ، وأسرع لهاتفه ، وأخرج إلي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، عن ابي هريرة عن ذلك ، باللغتين الانجليزية والعربية ( عن أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له } ، وصار يسبح الله ، ويردف لي الدليل على الدليل ، حتى غيرت الموضوع ، وسحبت ذيلي إلى سيارتي خائبا . أيّ شاهدٍ علينا مثل هؤلاء ، وأي مسؤولية ، يلقونها على عواتقنا ، ونحن نَجْدُلُ العربية جدلاً ،وننسجها نسجاً ، أدباً وشعراً ونثراً ، في غير الله ، ونقرأ بألسنتا القرآن ونمُرُ عليه مرور الطير على الحصى ، لا نؤثِّر ولا نتأثر ، ولا تلين جلودنا ولا قلوبنا إلى ذكر الله ، إلا من رحم ربي !!! . أيُّ ذُلٍ يحيك بنفسي ويهّونها على الله ، كلما أقف وراء مثل هؤلاء يؤموني ، وأنا الشديد في فهم العربية منذ التلجّية والتلقين؟ وأي عبءٍ حملونيه ، وكان الأجدرُ بي أن أدعو مثل هؤلاء للحق ، ولكنهم يدعونا ، ونقربهم للجادة ولكنهم فيرشدونا ، ونبكيهم ولكنهم يبكونا على أنفسنا التي غشتها الجفوة وغطآها الضلال والغبشُ وأماتها إعتياد النعم فلا شكر ولا عمل؟. أيُ بُعْدٍ وضلال لبعضنا ، ممن يبحر في مواطن الفسوق والإلحاد والتشيع والتشوع ، ويفتخر بذلك ، أين هؤلاء ، وأين نحن من الله ؟